أبو الريحان البيروني: موسوعة علمية

أبو الريحان البيروني عالم موسوعي من الطراز الفريد، يجمع بين العمق في التخصص واتساع المدارك في شتى العلوم من الفلك والجغرافيا إلى التاريخ والفلسفة. ولد في خوارزم في العام 973م، وقدم للبشرية إسهامات غيرت نظرتها للعالم من حولها. إن الإجابة على سؤال من هو هذا العالم تكشف شخصية استثنائية جمعت بين الفكر العلمي المنهجي والبحث الرصين، وأدخلت مفاهيم لازالت تستخدم حتى اليوم.

من هو أبو الريحان البيروني؟

أبو الريحان البيروني، اسمه الكامل أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، ولد سنة 973م في خوارزم ( Kath في إقليم خوارزم الواقع حالياً بين أوزبكستان وكازاخستان) وتوفي حوالي سنة 1050م. اشتهر بكونه موسوعيا: عرف بالرياضيات، الفلك، الجغرافيا، التاريخ، الفلسفة، والعلوم الطبيعية.

في شبابه تلقى علومًا كثيرة؛ تعلم العربية، الفارسية، ودرس الرياضيات والمنطق والفلك، كما اطلع على الكتب اليونانية والفارسية والهندية. لقد كانت خوارزم بيئةً مثالية للنشأة العلمية—مركزًا للتبادل الفكري بين ثقافات متعددة.

إنجازات وأهم ما قدمه (ماذا اخترع البيروني)

• قياس نصف قطر الأرض بأسلوب مبتكر: استخدم الزاويتين من موقعي قياس—واحد في قمة جبل وآخر على مستوى أقل—مع حساب الزاوية بين الأفقين، فاستطاع تقدير نصف قطر الأرض بدقة عالية.
• دقة في التثليث والقياسات والزوايا: ضمن موضوعات الرياضيات، ع الجبر، تحليل الأشكال الهندسية، حساب المثلثات في السطح والكرة
• أساليب تجريبية في الفيزياء: منها استخدام الموازين الهيدروستاتية لقياس كثافة المواد، ومقارنة الأوزان والمقاييس لمعادن وأحجار ثمينة.
• الجغرافيا والخرائط: جمع بيانات لست مئة مدينة تقريبًا، حدد خطوط الطول والعرض بدقة، طور بروجيكشن للخرائط وتصحيح المسافات بين المدن.

تعرف أيضًا على: سيرة وتحليل أفكار العالم هربرت سبنسر في الفلسفة والعلم

السمات الشخصية والعمل العلمي

• اتصف بالموضوعية والانفتاح على الثقافات الأخرى؛ حين زار الهند، درس علومها ودون ما تساوره من آراء نقدية، لكنه أعطاها حقها من الدراسة.
• لم يكن مجرد مجمع للمعلومات، بل ناقد ومبتكر في المنهج العلمي، يجري تجاربه، يلاحظ، يقارن، ويصحح، لا يكتفي بالوراثة العلمية.
• من السمات المميزة لديه معرفة لغات عدة، إذ أتقن العربية والفارسية، ودرس السنسكريتية، واليونانية، وغيرها من اللغات، ما مكنه من فهم المصادر مباشرة والعمل بها. [1]

هل البيروني هو نفسه الخوارزمي؟

الكثير يسأل: هل أبو الريحان البيروني هو نفسه الخوارزمي؟ الجواب البسيط: لا، هما عالمان مختلفان، مع ذلك تتشابه أساطير في فهم الناس بسبب الأسماء المشابهة والمواقع الجغرافية المشتركة. في هذ العنصر نعرض القصة الحقيقية مع بعض التفاصيل لفهم الفرق بينهما، مع ذكر قصة البيروني كي تكون الأمور واضحة.

من هو الخوارزمي؟

• الخوارزمي هو محمد بن موسى الخوارزمي، عالم مسلم مشهور في الرياضيات والفلك والجغرافيا، عاش خلال القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي.
• من أشهر أعماله الكتاب الذي أسس لعلم الجبر واسمه “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة“، كما كتب في الحساب العشري والجداول الفلكية.
• الخوارزمي كان من أوائل من نقل نظام الأرقام الهندية – العربية إلى العالم الإسلامي، ووضع قواعد الجبر، وكان تأثيره كبير في أوروبا لاحقًا أثناء العصور الوسطى بعد ترجمة كتاباته.

لماذا يختلط الأمر بين البيروني والخوارزمي؟

• أولًا: ينسب كل منهما إلى خوارزم (إقليم خوارزم)، لذلك يستخدم “الخوارزمي” لوصف بنسب من خوارزم.
• ثانيًا: الاسم “البيروني الخوارزمي“ يشير إلى انتمائه الجغرافي إلى خوارزم، وليس معنى أنه هو الخوارزمي (محمد بن موسى).
• ثالثًا: الخوارزمي عاش قبل البيروني بأكثر من مئة سنة تقريبًا، فحقبتهما مختلفة (الخوارزمي في القرن التاسع الميلادي، البيروني في القرن العاشر إلى الحادي عشر).

تعرف أيضًا على: متى ولد الخوارزمي ومتى مات؟ تعرف على التواريخ المهمة

قصة البيروني: حياته ومساره العلمي

إليك قصة البيروني باختصار مفصل كي تتضح الفوارق:

• ولد البيروني عام 973م في مدينة كاث في خوارزم.
• نشأ في أسرة متوسطة، وتوفى والده وهو صغير، فتكفلت الأم بتربيته، وكانت تعمل في جمع الحطب لبيعها لدعم الأسرة.
• تحمس للعلوم منذ صغر، وكان شغوفًا بالنباتات والكائنات الطبيعية، وقد تقول الأسطورة أنه حينما كان يجمع الحطب شارك عالم قدره في دراسة النبات، فشجعه على تعلم اللغة والعلوم.
• تلقى تعليمًا شاملًا شمل الفقه والدين. وكذلك العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية.
• تنقل بين مدن خوارزم وغيرها. كما قضى وقتًا في بلاط السلاطين يدرك من خلاله فرص الأبحاث والدعم العلمي.
• من مؤلفاته المنتشرة: الآثار الباقية عن القرون الخالية والصيدنة في الطب والجماهر في معرفة الجواهر وغيرها.

المقارنة الزمنية والعلمية لإظهار الفرق

أبو الريحان البيروني ليس الخوارزمي، رغم العلاقة المشتركة في الجغرافيا والتاريخ العلمي الإسلامي، وقصة البيروني تظهر كيف نشأ عالم موسوعي متعدد الاهتمام والتخصص، بينما الخوارزمي هو مؤسس علم الجبر ورائد في الحساب.

تعرف أيضًا على: كيف ساهم ابن الهيثم والضوء في تطور علم البصريات؟

هل كان البيروني مسلمًا؟

يروج معظم المصادر العلمية والتاريخية إلى أن أبو الريحان البيروني كان مسلمًا بوضوح. مثلاً موسوعة بريتانيكا تصفه بأنه “Muslim astronomer, mathematician …” مما يؤكد دينه الإسلامي.

كذلك المصادر الإسلامية تقول إنه عاش في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وأن تعليمه شمل العلوم الشرعية مثل الفقه واللغة العربية، مما يدل أن التربية الدينية كانت جزءًا من حياته منذ الصغر.

رغم وضوح انتمائه للدين الإسلامي، إلا أن المصادر التاريخية غير متفقة في تحديد مذهبه الفقهي بدقة (سني أم شيعي) أو المدرسة العقائدية التي تأثر بها. ما هو معروف هو أنه كان قريبًا من المدرسة الماتريدية في العقيدة الإسلامية، وانتقد بعض أفكار المعتزلة، كما عبر عن تحفظ على بعض الآراء الفلسفية التي لا تتطابق مع ما يراه معقولًا دينيًا.

البيروني لم يكن مسلمًا بالهوية فقط، بل تأثر كثيرًا بالدين في منهجه العلمي. فمثلاً، في كتبه الفلكية والجغرافية، يعنى بتحديد القبلة، تحديد وقت الصلاة، اتجاهها، وهذه كلها مسائل فقهية تحتاج إلى دقة علمية.

كما أن لديه حضورًا لافتًا في دراسة الأديان الأخرى — وخاصة الهندوسية — حيث قام بدراسة معتقداتهم وطقوسهم بدون استخفاف، بل بنقد موضوعي وتحليل علمي، وحاول فهم ما لديهم من نصوص فكرية وفلسفية من مصادرهم، ثم مقارنتها بالمعرفة الإسلامية والفلسفية.

من كل ذلك، يمكن أن نستنتج أن أبو الريحان البيروني كان مسلمًا باليقين، وأن الإسلام كان جزءًا لا يتجزأ من هويته ومنظوره للعالم. لكن من المهم أيضًا أن ندرك أن المصادر لا تمنحنا تأكيدًا بخصوص المذهب الفقهي أو العقدي الدقيق، مما يترك بعض الجدل والتساؤل العلمي. بالرغم من هذا، فإن التزامه بالدين، واستعماله له في ممارسات متصلة بالعلم والدين، يعكس أنه لم يكن مجرد مسلم شكلي، بل عالم دمج بين دينه وعلمه. [2]

تعرف أيضًا على: ماذا تعرف عن مخترع الكهرباء؟ معلومات تدهشك

من أقوال أبو الريحان البيروني؟

الفرق بينك وبيني أنك فيلسوف وأنا عالم [رياضي].

هذا القول يظهر أن البيروني يميز بين الفلاسفة الذين يميلون إلى التأمل النظري، والعلماء الرياضيين الذين يميلون إلى المنهجية والتجريب والحساب.

فإن الخير لا يستخرج، والشر لا يجنب، إلا بواسطة المعرفة. فما النفع الذي هو أكثر وضوحًا؟ وما المنفعة التي هي أكثر وفرة؟

هذا القول يعكس إيمان البيروني بأن المعرفة هي السبيل لحياة أفضل، وأنها الأساس في تفريق الخير من الشر، وهي أكثر القيم وضوحًا وجدوى.

والله لئن أهجى بالعربية، أحب إلي من أن أمدح بالفارسية

يبين هذا القول اعتزاز البيروني باللغة العربية، وأن المدح باللغة الأعجمية أقل محلا من المدح بالعربية عنده.

كل ما يتعلق ببدء الخلق وأحوال القرون السالفة فهو مختلط بتزويرات وأساطير لبعد العهد به، وامتداد الزمان بيننا وبينه، وعجز المعتني به عن حفظه وضبطه

يشير إلى موقفه النقدي تجاه الروايات التي لا يمكن التأكد من صدقها بسبب الزمن الطويل وفقدان الوثائق، ويظهر منهجه التاريخي في التمييز بين ما يعتد به وما لا يعتد به.

لا يليق بطريقتنا التي أسلفناها أن نضيف الشك إلى اليقين، والمجهول إلى المعلوم

هذا القول يوضح أنه يرى أن المنهج العلمي والتاريخي لا يجب أن يخلط بين الحقائق المؤكدة وبين ما لا يزال موضع شك، وأنه ثمة ضرورة للتمييز والمنهجية في العلم.

تعرف أيضًا على: من هو العالم تورشيللي مخترع الباروميتر؟

في هذا المقال تعرفنا على شخصية أبو الريحان البيروني بصورة متكاملة: من هو، كيف يختلف عن الخوارزمي، ما مدى انتمائه الديني، وما هي أقواله التي تبين عمق فكره ومنهجه. البيروني ليس مجرد اسم في تاريخ العلوم، بل هو تجسيد للتنمية الفكرية التي تمزج بين العقيدة والعلم، بين البحث النظري والتجربة، بين دراسة الثقافات المختلفة مع احترامها، وبين شغف بالاكتشاف والصدق العلمي.

إن إرث أبو الريحان البيروني يظل منارات تضيء دروب العلم، ويجب أن يبقى مثالاً لمن يربطون بين المعرفة والدين والأخلاق في رحلتهم نحو فهم العالم.

• Britannica al-Bīrūnī - بتصرف
• Uzbekistan Abu Rayhan Muhammad ibn Ahmad al-Biruni _ بتصرف

مشاركة المقال

وسوم