ابن القيم الجوزية: تلميذ ابن تيمية

يعتبر ابن القيم الجوزية واحد من أهم أعلام الفقه والحديث في تاريخ الإسلام، بل هو من الشخصيات التي كان لها تأثير عميق على الفكر الإسلامي. خاصة في العصور المتأخرة. لم تنحصر شهرته على علمه الكبير بل امتدت لتشمل موقفه الثابت والراسخ بجانب شيخه الإمام ابن تيمية في وجه المحنة وهو ما جعله يكتسب مكانة خاصة في قلوب المسلمين.
هل هناك فرق بين ابن القيم وابن قيم الجوزية؟

لا يوجد أي فرق بين ابن القيم وابن قيم الجوزية. فهما اسمان لشخص واحد وهو العالم الجليل محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي. لقد اشتهر بلقب “ابن قيم الجوزية” لأن والده كان قيم (أي المسؤول والمشرف) على “المدرسة الجوزية” في دمشق وهي مدرسة أنشأها القاضي محيي الدين ابن الجوزي. فكلمة “قيم” هنا تعني مدير أو مسؤول ونسبة إلى المدرسة. التي كان والده يديرها لقب ابنه بـ ابن القيم الجوزية. وهو الاسم الذي التصق به وأصبح لقب له. وقد كانت هذه التسمية شائعة في ذلك العصر حيث كان ينسب الشخص إلى وظيفة والده أو إلى مهنته أو إلى مكان سكنه وهو ما يميز عصره عن غيره من العصور.
تعرف أيضًا على: الأديبة اللبنانية مي زيادة
لقد كانت المدرسة الجوزية في دمشق مركز مهم للعلم والمعرفة. وكان يقصدها الطلاب من كل مكان لطلب العلم. وقد تولى والد ابن القيم. الإشراف على هذه المدرسة لفترة طويلة مما أكسبه مكانة مرموقة في الأوساط العلمية وقد ساهم هذا في توفير بيئة علمية مثالية لابنه محمد، الذي نشأ بين العلماء والكتب وتلقى تعليمه على أيدي كبار شيوخ عصره قبل أن يلتقي بشيخه الأبرز ابن تيمية الذي أحدث ثورة في فكره ونقله من عالم تقليدي إلى عالم مجتهد ومبدع.
إن توضيح الفرق بين ابن القيم وابن قيم الجوزية. ليس مجرد مسألة لغوية بل هو إشارة إلى مدى أهمية المكان الذي نشأ فيه والبيئة العلمية التي أحاطت به. لالقد كان ابن القيم الجوزية. ثمرة لبيئة علمية غنية ولكنه أضاف إليها من علمه وجهده ليصبح علم منفرد في تاريخ الإسلام.. هذا اللقب لم يكن مجرد اسم بل كان رمز لعلم غزير وفكر عميق وشخصية فذة وهو ما جعل من اسمه علامة واضحة في تاريخ الإسلام.
تعرف أيضًا على: توماس هوبز: فيلسوف العقد الاجتماعي ومفهوم الدولة القوية
ما هي عقيدة ابن الجوزي؟
هذا السؤال يخلط بين عالمين جليلين وهما ابن الجوزي. وهو عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. الذي كان من كبار علماء الحنابلة وتوفي عام 597 هـ. وبين ابن القيم الجوزية. وهو محمد بن أبي بكر تلميذ ابن تيمية والذي توفي عام 751 هـ.
فابن الجوزي ليس تلميذ لابن تيمية بل هو من كبار العلماء الذين جاءوا قبله. أما عن عقيدة ابن القيم الجوزية فقد كانت عقيدته تتبع منهج شيخه ابن تيمية حيث كانا يؤمنان بعقيدة أهل السنة والجماعة وكان منهجهما يقوم على الرجوع إلى القرآن والسنة وفهمهما بفهم السلف الصالح. لقد كان ابن القيم الجوزية. من أشهر من دافع عن عقيدة أهل السنة ورفض الفلسفة والكلام الذي كان منتشر في عصره.
وكان يؤمن بأن العقل يجب أن يتبع النقل وأن القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان لكل حكم وعقيدة وقد تجلى هذا المنهج في أقوال ابن القيم الجوزية. التي كانت تتميز بالعمق والبلاغة حيث كان يربط بين العلم والعمل وبين الفقه والروحانية وبين العقل والقلب. وكان يقول: “القلب إذا اشتد ظمؤه إلى العلم ارتوى من أول نقطة وإذا كان شبعه جفى عن العلم ولم يستفد منه شيئاً”.
لقد كانت عقيدة ابن القيم الجوزية قائمة على التوحيد الخالص وإثبات صفات الله على حقيقتها دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل. لقد كان يؤمن بأن الله عز وجل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقد كتب في هذا الموضوع الكثير من المؤلفات التي دافع فيها عن عقيدة السلف الصالح وأثبت بطلان آراء المتفلسفين والمتكلمين ورغم كل التحديات التي واجهها في عصره إلا أنه كان ثابت على عقيدته مدافع عنها وهو ما جعل من كتاباته مرجع أساسي لكل من يريد أن يفهم عقيدة أهل السنة والجماعة.[1]
تعرف أيضًا على: آدم سميث بين نظرية المشاعر الأخلاقية وثروة الأمم
هل ابن الجوزي تلميذ ابن تيمية؟
كما أوضحنا سابقاً فإن ابن الجوزي. ليس تلميذ لابن تيمية بل هو عالم جليل سبقه، أما الذي كان تلميذ لابن تيمية فهو ابن القيم الجوزية. لقد كان ابن القيم الجوزية. تلميذ لابن تيمية ورفيقه وملازمه وهو من أشهر من نقل عنه علمه ودافع عن منهجه ونشر أفكاره.لقد كان ابن تيمية يعتبر ابن القيم من أفضل تلاميذه وقد قال عنه: “كان عالم و فقيه و ورع و زاهد و عابد فاضل”.
لقد كان ابن القيم الجوزية. من أكثر تلامذة ابن تيمية تأثر بفكره ومنهجه وقد عاش معه فترة طويلة من الزمن حيث لازمه من عام 712 هـ وحتى وفاة ابن تيمية في عام 728 هـ فقد كان يرافقه في السجن ويشاركه في محنته وهو ما جعل علاقتهما علاقة فريدة من نوعها. علاقة الأستاذ بالتلميذ وعلاقة الصديق بالصديق وعلاقة الرفيق بالرفيق. فقد كان ابن القيم هو الذي تولى مهمة نشر علوم ابن تيمية بعد وفاته وقد ترك لنا الكثير من المؤلفات التي شرح فيها آراء شيخه وقدم فيها خلاصات فكره.
إن علاقة ابن القيم. بشيخه ابن تيمية كانت نموذج للعلاقة بين الأستاذ والتلميذ في الإسلام. حيث كان ابن القيم لا يكتفي على الأخذ من شيخه بل كان يضيف عليه من علمه ويجتهد ويبدع. وقد كان ابن تيمية يشجع تلاميذه على الاجتهاد وعدم الإكتفاء على التقليد وهو ما جعل من ابن القيم عالم مستقل رغم تأثره الكبير بشيخه. هذه العلاقة العلمية والروحية التي جمعت بينهما هي التي جعلت من فكرهما مدرسة متكاملة لها أتباعها في كل زمان ومكان.
تعرف أيضًا على: هايدغر وإرثه في الفلسفة القارية الحديثة
من هو ابن القيم الجوزية؟
ابن القيم الجوزية هو محمد بن أبي بكر بن أيوب من أشهر علماء المسلمين في القرن الثامن الهجري. ولد في قرية زرع في الشام عام 691 هـ ونشأ في دمشق حيث كانت عائلته من كبار العلماء. تلقى تعليمه على أيدي كبار العلماء في دمشق ولكنه لم يجد ضالته إلا في شيخه الإمام ابن تيمية الذي أحدث ثورة في فكره ونقله من عالم تقليدي إلى عالم مجتهد ومبدع. ابن القيم موسوعة علمية حيث كان عالم في الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والطب وغيرها من العلوم. يعد ابن القيم إرث ضخم من المؤلفات التي لا تزال مرجع أساسي لكل باحث عن الحق.
تعرف أيضًا على: سميح القاسم: شاعر فلسطيني
من أبرز كتب ابن قيم الجوزية التي تعتبر من أفضل كتب ابن القيم
- زاد المعاد في هدي خير العباد: كتاب يتناول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس مجرد سيرة بل هو كتاب في الفقه والطب والنفس.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: كتاب يتحدث عن أمراض القلوب وعلاجها وهو من أشهر كتبه في علم النفس والسلوك.
- مدارج السالكين: كتاب في التصوف والسلوك يتحدث في مراحل سير العبد إلى الله.
- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: كتاب يتكلم عن أمراض القلوب وعلاجها ويعرف أيضا بـ “الداء والدواء”.
- أعلام الموقعين عن رب العالمين: كتاب في أصول الفقه يتناول مهمة الفقيه وكيفية استنباط الأحكام.
تعرف أيضًا على: ديفيد هيوم بين العقل والتجربة في نظرية المعرفة
لقد توفي ابن القيم.. في ليلة الثالث عشر من شهر رجب عام 751 هـ وهو ما يجيب على سؤال: كيف مات ابن القيم. فقد توفي في منزله في دمشق بعد حياة طويلة مليئة بالجهاد في سبيل العلم والدفاع عن الحق. كانت جنازته حدث لا ينسي حيث حضرها الآلاف من الناس وهو ما يدل على مكانته الكبيرة في قلوب المسلمين. وقد ترك لنا إرث عظيم من العلم ورسالة خالدة في الصبر على الحق وعدم الخضوع للباطل. وهو ما جعل منه قدوة للمسلمين في كل زمان ومكان.[2]
في الختام كان ابن القيم الجوزية. عالم موسوعي وفيلسوف ومفكر وروحي. لقد كان إرثه الفكري. لا يزال حي حتى يومنا هذا ودرس لكل من يريد أن يفهم الإسلام من مصادره الأصيلة. فقد كان ابن القيم. مثال للتلميذ الذي يتبع شيخه ولكنه في نفس الوقت يضيف إليه من علمه ويجتهد ويبدع.
المراجع
- Hawramani The Sayings of Ibn al-Jawzi -بتصرف
- Islamicity Short Biography of Ibn al Qayyim al Jawziyya - بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

بليز باسكال: عالم فيزياء ورياضيات وفيلسوف

توماس مان وأعماله الروائية العالمية

فون نيومان: عالم الرياضيات الذي أسس الحوسبة الحديثة...

جان دارك: العذراء المحاربة التي غيرت تاريخ فرنسا

أحمد بن طولون: مؤسس الدولة الطولونية في مصر

جريزمان مع منتخب فرنسا: يورو 2016 وكأس العالم

سيرجي برين: مؤسس جوجل والرائد الذي ساهم في...

الأديبة اللبنانية مي زيادة

لايبنتز: الفيلسوف والعالم الذي أسس حساب التفاضل والتكامل...

آلان تورنغ: عبقري الرياضيات الذي أسس علم الحاسوب...

فرانسوا هولاند: رئيس فرنسا

فاسكو دا جاما المستكشف البرتغالي الذي وجد طريقًا...

رينيه ديكارت: فيلسوف وعالم رياضيات

توماس هوبز: فيلسوف العقد الاجتماعي ومفهوم الدولة القوية
