الدولة العباسية: نشأتها عصورها أسباب سقوطها

الدولة العباسية لم تكن مجرد امتداد للخلافة الإسلامية، بل كانت ثورة شاملة غيرت وجه العالم الإسلامي. فبعد عقود من حكم الأمويين، جاء العباسيون بحركتهم السرية المنظمة، ليقلبوا موازين القوى ويؤسسوا لدولة جديدة، نقلت مركز الثقل السياسي والثقافي من الشام إلى العراق. فقد شهدت هذه الدولة عصر ذهبي فريد من نوعه، ازدهرت فيه العلوم والفنون والآداب ،وتطورت فيه بغداد لتصبح قبلة العالم.
متى بدأت الدولة العباسية ومتى انتهت؟

بدأت الدولة العباسية. في عام 132 هـ الموافق 750 م ،بعد أن تمكنت الحركة العباسية من التخلص من الدولة الأموية في معركة الزاب الشهيرة. بالتالي كان هذا النصر يمثل إعلان رسمي لبداية عهد جديد في التاريخ الإسلامي. استمرت الدولة العباسية في الحكم لأكثر من خمسة قرون ،وهي فترة تاريخية طويلة جدا. يمكن تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين: العصر العباسي الأول، وهو عصر القوة والازدهار الذي استمر حتى منتصف القرن الثالث الهجري. والعصر العباسي الثاني، الذي بدأ معه الضعف التدريجي للدولة وتزايد نفوذ القادة الأتراك والفرس.
تعرف أيضًا على: شارلمان: إمبراطور أوروبا ومؤسس الإمبراطورية الكارولنجية
بالتالي إن مدة حكم الدولة العباسية. تمتد لحوالي 524 عام، وهو ما يجعلها أطول خلافة إسلامية في التاريخ. خلال هذه الفترة شهد العالم الإسلامي. تطورات كثيرة في كافة المجالات. ففي العصر الذهبي الأول الذي اشتهر فيه خلفاء مثل هارون الرشيد والمأمون، بلغت الدولة أشد مراحل قوتها، وتوسعت في العلوم والمعارف بشكل غير مسبوق. أما في العصر الثاني ورغم أن الخلافة استمرت اسمياً، إلا أن سلطة الخلفاء تراجعت تدريجي ،وأصبحت الدولة مقسمة إلى دويلات مستقلة، كل منها يحكم نفسه مع الاعتراف الاسمي بسلطة الخليفة.
علاوة علي ذلك كانت الدولة العباسية رغم قوتها الأولية، عرضة للضعف والانقسام فهذا الضعف لم يأتي من فراغ، بل كان نتيجة للعديد من العوامل الداخلية والخارجية ،التي أدت في النهاية إلى انهيارها. فقدت الدولة مركزيتها، وأصبحت بغداد مجرد عاصمة اسمية، بينما كانت القوة الحقيقية في أيدي أمراء وولاة مستقلين. وفي النهاية جاءت الضربة القاضية على يد المغول، الذين اجتاحوا بغداد في عام 656 هـ الموافق 1258 م ،وقتلوا الخليفة مما أعلن رسمياً نهاية حكم العباسيين في المشرق.[1]
تعرف أيضًا على: جريزمان مع منتخب فرنسا: يورو 2016 وكأس العالم
من هو مؤسس الدولة العباسية؟
يعتبر عبد الله بن محمد المعروف باسم أبو العباس السفاح، هو مؤسس الدولة العباسية. كان أبو العباس من نسل العباس بن عبد المطلب عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما شكل شرعية حكمهم. فلقد اعتمدت الدعوة العباسية على مبدأ أحقية أهل بيت النبي في الخلافة، وهو ما أكسبها تأييد شعبي واسع، خاصة من الموالين الذين كانوا يعانون من التمييز في العصر الأموي. بالتالي لقد كان نسب مؤسس الدولة العباسية. إلى بني هاشم، وتحديداً إلى العباس هو الأساس الذي قامت عليه دولتهم، وهو ما جعلهم يتمتعون بمكانة دينية وسياسية مهمة في نفوس المسلمين.
تعرف أيضًا على: ملك مقدونيا الإسكندر الأكبر القائد الذي غزا العالم
كانت شخصية أبي العباس السفاح قوية وحاسمة، وهو ما ظهر في بداية حكمه. فبعد الإطاحة بالأمويين اتخذ من الكوفة مقر مؤقت لحكمه، بينما قبل أن ينتقل لاحقا إلى بغداد. فقام أبو العباس السفاح بتصفية كل من يمثل تهديد لحكمه من الأمويين، وهو ما جعله يلقب بـ”السفاح” أي كثير سفك الدماء، بهدف تثبيت أركان دولته الجديدة.
علاوة علي ذلك كان يرى أن هذا العنف ضروري لضمان استقرار الدولة العباسية. ومنع أي محاولات للعودة إلى الحكم الأموي. لقد كان أبو العباس قائد سياسي محنك، تمكن من تحويل حركة سرية إلى دولة قوية في فترة قصيرة. ورغم قصر فترة حكمه التي لم تتجاوز الأربع سنوات، إلا أنه أسس قواعد الحكم التي سار عليها خلفاؤه من بعده.
بالتالي قام بتعيين قادة أكفاء ،وعمل على تنظيم شؤون الدولة، مما مهد الطريق لعهد الازدهار الذي جاء بعده. إن الدولة العباسية. مدينة بالكثير لمؤسسها أبي العباس، الذي كان له الفضل في قيامها وانتقال مركز الخلافة الإسلامية من دمشق إلى بغداد. وهو ما فتح آفاق جديدة من التطور الحضاري والثقافي.[2]
تعرف أيضًا على: أحمد بن طولون: مؤسس الدولة الطولونية في مصر
من هم خلفاء الدولة العباسية بالترتيب؟
يعتبر معرفة خلفاء الدولة العباسية. جزء لا يتجزأ من فهم تاريخها الطويل. فكل خليفة ترك بصمة خاصة في مسيرة الحكم. بالتالي فبعضهم كان قوي ومؤسس، وبعضهم كان عالم ومثقف، وبعضهم كان ضعيف مما أثر في مسار الدولة. يبلغ عدد خلفاء الدولة العباسية سبعة وثلاثين خليفة، حكموا من بغداد بالإضافة إلى عدد آخر حكموا من القاهرة بعد سقوط بغداد، لكن سلطتهم كانت اسمية فقط.
إليك قائمة بأهم خلفائها وهم من ساهموا في تشكيل ملامح عصور القوة والضعف
- أبو العباس السفاح (132-136 هـ) : مؤسس الدولة وأول الخلفاء.
- أبو جعفر المنصور (136-158 هـ) : الخليفة الثاني وهو المؤسس الحقيقي للدولة، حيث قضى على الفتن الداخلية، وبنى مدينة بغداد لتكون عاصمة جديدة للخلافة.
- هارون الرشيد (170-193 هـ) : يعتبر عصره العصر الذهبي للدولة العباسية، حيث بلغت الحضارة الإسلامية أزهي ازدهارها في العلوم والآداب.
- المأمون (198-218 هـ) : اشتهر باهتمامه بالعلم والفلسفة، وأسس بيت الحكمة وشجع على ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية.
- المعتصم بالله (218-227 هـ): اهتم بالجانب العسكري، وأسس فرقة الأتراك لتكون عماد الجيش.
- المتوكل على الله (232-247 هـ) : يعتبر آخر الخلفاء الأقوياء في العصر العباسي الأول، وشهد عصره ازدهار معماري.
- المستعصم بالله (640-656 هـ) : آخر خلفاء بغداد ،وقتل على يد المغول مما كان بمثابة إعلان لـ نهاية الدولة العباسية في المشرق.
هذه القائمة الموجزة توضح كيف أن حكم الدولة العباسية. كان متنوع، فبعض الخلفاء كان قوي ومستبد، وبعضهم كان عادل ومصلح ، وبعضهم كان ضعيف ورمزي. هذا التنوع في شخصيات الخلفاء أدى إلى تقلبات في مسار الدولة، من القوة إلى الضعف، ومن الازدهار إلى الانهيار، مما يظهر أن مصير الدول يعتمد بشكل كبير على حكمة قادتها.
تعرف أيضًا على: قسطنطين الأكبر: الإمبراطور الروماني الذي نشر المسيحية وأسس القسطنطينية
أسباب سقوط الدولة العباسية
تختلف أسباب سقوط الدولة العباسية وتراكمت على مدار قرون. ولم تكن حدث مفاجئ، بل نتيجة لعوامل داخلية وخارجية أضعفتها تدريجيا.
من أبرز هذه الأسباب
- الصراعات الداخلية: شهدت الدولة العباسية صراعات مستمرة بين الأمراء والأشخاص الطامعين في السلطة، مما أدى إلى انقسامات سياسية وضعف في الحكم المركزي.
- تزايد نفوذ القادة الأتراك: اعتمد الخلفاء العباسيون على القادة الأتراك في الجيش ،مما زاد من نفوذهم وسيطرتهم على الخلفاء أنفسهم، حتى أصبح الخليفة مجرد رمز لا يملك سلطة حقيقية.
- الخطر الخارجي: تعرضت الدولة العباسية لهجمات مستمرة من القوى الخارجية. مثل الصليبيين في الشام ،والمغول في الشرق الذين كانوا يمثلون تهديد وجودي.
- الفساد المالي والإداري: مع اتساع الدولة تزايد الفساد الإداري. وظهرت مشاكل اقتصادية مما أضعف خزينة الدولة ،وأثر على قدرتها على تمويل الجيش وإدارة شؤونها.
- قيام الدويلات المستقلة: نتيجة لضعف الحكم المركزي، ظهرت الكثير من الدويلات المستقلة في أطراف الإمبراطورية، مثل الفاطميين في مصر والأمويين في الأندلس ،مما أدى إلى تفتت الدولة وفقدانها للسيطرة على أراضيها.
هذه العوامل كلها أدت إلى الضعف التدريجي للدولة. حتى جاءت الضربة القاضية على يد المغول عام 1258 م. حين اجتاحوا بغداد وأنهوا حكمها. كانت نهاية الدولة العباسية. في بغداد مثل نهاية للعصر الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث تم تدمير بغداد التي كانت مركز العلم والثقافة، مما شكل ضربة قاسية للعالم الإسلامي بأكمله.
تعرف أيضًا على: السلطان عبد الحميد الثاني: آخر السلاطين الأقوياء
في الختام كانت الدولة العباسية. فصل مهم ومحوري في تاريخ الإسلام، حيث شهدت ازدهار حضاري لا مثيل له،ومهدت الطريق للكثير من الإنجازات العلمية والثقافية. ورغم أن حكمها كان طويل ،إلا أنه لم يكن خالي من التقلبات والتحديات ،التي أدت في النهاية إلى سقوطها. إن قصة صعود وسقوط الدولة العباسية تقدم دروس مهمة حول طبيعة الحكم. وأهمية الاستقرار السياسي، وكيف أن تراكم عوامل الضعف يمكن أن يؤدي إلى انهيار أكبر الإمبراطوريات.
المراجع
- britannica ʿAbbasid caliphate- بتصرف
- worldhistory Abbasid Dynasty- بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

أسباب الحرب العالمية الأولى المعارك، النتائج

أسباب الثورة الفرنسية أحداثها، نتائجها

كيف ساهم الأدب العربي الإسلامي في تشكيل الثقافة؟

أين تقع أبرز الآثار في منطقة نجران؟

هل تعرف الآثار المنسية في العالم التي لم...

الأندلس: تاريخ المسلمين في إسبانيا

ماذا تعرف عن تاريخ الأسواق التجارية في المدينة...

ما هي المعارك التي غيرت مجرى التاريخ العربي...

ما هي أسرار بناء الأهرامات في مصر التي...

أمثلة عن التراث الثقافي

أهم المواقع الأثرية في العراق

أنواع الحضارات القديمة

إمبراطورية الفرس

أنواع الحضارات
