العبّاد الزهاد: من آثروا الآخرة على الدنيا

الكاتب : آية زيدان
11 نوفمبر 2025
عدد المشاهدات : 17
منذ 7 ساعات
العبّاد الزهاد
 إبراهيم بن أدهم: الأمير الزاهد
 سفيان الثوري: إمام الحفاظ الزاهد
 معروف الكرخي: ولي من أولياء الله
التحول الروحي والبداية الملهمة
الخشية والتقدير من الأقران
منهجه في الزهد (إخراج الدنيا من القلب)
موقفه من متاع الدنيا
الخلاصة: ولي موصول بالله
 داود الطائي: العابد الزاهد
 بشر الحافي: الزاهد البكّاء
أسئلة شائعة:
س1: هل الزهد يعني ترك العمل وكسب الرزق؟
س2: ما الفرق بين الزهد والفقر؟
س3: ما هي الأسباب التي تدفع الشخص إلى الزهد في الدنيا؟
س4: هل الزهد مختص بالعبادات الفردية فقط؟
س5: كيف يمكن تطبيق الزهد في العصر الحديث مع ضروريات الحياة المعاصرة؟
س6: من هم أبرز تلاميذ هؤلاء الزهاد الذين نقلوا منهجهم؟

يعد العبّاد الزهّاد. من أصفى القلوب وأطهر النفوس التي عاشت للدنيا بأجسادها، لكن أرواحها كانت معلّقة بالآخرة، هم أولئك الذين زهدوا في متاع الحياة، ورضوا بالقليل طلبًا لرضا الله وبلوغ الدرجات العليا في الإيمان، ولم يكن زهدهم ضعفًا أو انقطاعًا عن الناس، بل كان سموًّا عن الشهوات. وحرصًا على طهارة القلب وصفاء النية، كما أن قصصهم مليئة بالعبر والمواقف التي تعلّمنا كيف يكون القرب من الله أعظم نعمة، وكيف يملأ الرضا قلوب من عرفوا قيمة الإخلاص والعبادة الصادقة… تابع القراءة لتتعرف على سِيَر العبّاد الزهاد الذين جعلوا الدنيا طريقًا للجنة.

 إبراهيم بن أدهم: الأمير الزاهد

تبدأ قصتنا مع إبراهيم بن أدهم. وهو شخصية محورية في تاريخ العبّاد الزهاد، لم يكن رجلاً فقيراً ولد في الكهوف، بل كان أميراً وملكاً على بلخ، ينعم بالجاه و السلطان.

تخيل أميراً يملك كل شيء، ولكنه يختار بملء إرادته أن يترك هذا الملك وراء ظهره ليصبح زاهداً متنسكاً؛ هذه القصة بحد ذاتها درس عظيم في قوة الإرادة وصدق التوبة.

يروى أن تحوله حدث بعد سلسلة من التنبيهات الربانية أثناء صيده، حيث سمع صوتاً يناديه: “يا إبراهيم، ألِهذا خلقت؟” هذا الصوت أيقظ فيه نداء الفطرة وضجيج الآخرة، فما كان منه إلا أن خلع لباس الملك وارتدى ثوب الصوف، ليصبح واحداً من العبّاد الزهاد الذين لا يخشون إلا الله.

بعد تركه الإمارة، انطلق إبراهيم بن أدهم في الأرض طالباً للعلم والزهد، فعمل يده ليأكل من كسب حلال، رافضاً أن يسأل الناس شيئاً. كان يرى في العمل الشاق عبادة، وفي الاستغناء عن الناس عزة وكرامة.

أما بالنسبة إلى ما هي بعض أقوال الزهاد والعباد؟ ينسب إليه قول عظيم حين قيل له: “بما وجدت الزهد؟” فقال: “بثلاثة أشياء: رأيت القبر موحشاً وليس معي مؤنس، ورأيت الطريق طويلاً وليس معي زاد، ورأيت الجبار قوياً وليس معي حجة.” وهذا القول يلخص فلسفته في الحياة: الاستعداد للموت والوقوف بين يدي الله.

لقد كان إبراهيم بن أدهم نموذجاً فريداً، يثبت أن الزهد ليس قيداً على الحرية، بل هو قمة الحرية من قيود الدنيا. كان تأثيره عظيماً على عصره، وبقي اسمه لامعاً بين العبّاد الزهاد. [1]

تعرف أيضًا على: نساء خالدات: أمهات المؤمنين والصالحات

العبّاد الزهاد

 سفيان الثوري: إمام الحفاظ الزاهد

سفيان الثوري. هو أحد أئمة الحديث والفقه، ولكنه كان أيضاً من أعظم العبّاد الزهاد، وكان إماماً في العلم، يضرب به المثل في الحفظ والضبط، ولكنه كان في ذات الوقت زاهداً متقشفاً، جمع بين العلم الظاهر والعمل الباطن، مما جعله “أمير المؤمنين في الحديث” وعلماً في الزهد.

كان سفيان الثوري شديد الورع والحذر في كل ما يخص الحديث الشريف والفتاوى، ولكنه كان أشد حذراً من الدنيا ومغرياتها. لقد عرض عليه القضاء والمناصب الرفيعة في الدولة العباسية، ولكنه فرّ منها فراراً، مفضلاً التخفي والهرب على التورط في شؤون الحكم ومخالطة السلاطين، خوفاً من فتنة المال والسلطة.

لقد كانت حياته مثالاً صارخاً على إيثار الآخرة، حيث كان لا ينام إلا قليلاً، ويمضي وقته في طلب العلم وتدريسه والعبادة، وكان يرى أن العالم هو طبيب الأمة. والمال داء، فإذا دخل الداء إلى قلب الطبيب، فمتى يبرأ الناس؟ هذا ما لخص به موقفه من الدنيا.

اشتهر سفيان الثوري بقوة حفظه لدرجة أنه كان يضع أصابعه في أذنيه إذا دخل السوق. خشية أن يحفظ كلام الناس من قوة ذاكرته. فكان يحرص على ألا يشغل قلبه وذاكرته إلا بما ينفع. هذا المستوى من الانضباط النفسي يجعله جديراً بلقب إمام العبّاد الزهاد.

إذاً، سفيان الثوري علمنا أن الزهد الحقيقي لا يتعارض مع العلم بل يزيده بركة. وأنه لا ينقص من قدر العالم أن يترك متاع الدنيا، بل يرفعه، فقد كان سفيان الثوري من أشهر الزهاد الذين جمعوا بين الرواية والدراية، وبين العلم والعبادة. [2]

تعرف أيضًا على: قصص الإيمان: يقين لا يتزعزع

 معروف الكرخي: ولي من أولياء الله

معروف الكرخي: منارة الزهد والإخلاص

العبّاد الزهاد

  • التحول الروحي والبداية الملهمة

    • يُعد معروف الكرخي (رحمه الله) منارة شامخة بين العبّاد الزهاد، وبغداد تشهد له بالصلاح والولاية.
    • قصته في التوبة والتحول من النصرانية إلى الإسلام. ثم إلى مقام الزهد والعبادة، هي قصة ملهمة تتحدث عن الهداية والاصطفاء.
    • بدأ حياته كصبي يهتم بشؤون الدنيا. لكنه سرعان ما اهتدى وعزم على إخلاص العبادة لله وحده.
  • الخشية والتقدير من الأقران

    • كان معروف الكرخي شديد الخشية من الله تعالى.
    • كان يعظَّم ويجلَّل من قِبَل الإمام أحمد بن حنبل، على الرغم من أن الكرخي لم يكن فقيهاً بالمعنى المعروف.
    • تفسير الإمام أحمد لتعظيمه له يلخص مكانته: “وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟” (أي الإخلاص والمعرفة بالله).
  • منهجه في الزهد (إخراج الدنيا من القلب)

    • كان يرى أن الزهد ليس فقط في ترك المال. بل في إخراج الدنيا من القلب.
    • من أقواله المأثورة التي تلخص منهجه: “إذا أراد الله بعبد خيراً، فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل. وإذا أراد بعبد شراً، أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.”
  • موقفه من متاع الدنيا

    • كان معروف الكرخي يرى أن الدنيا أربعة أشياء لا قيمة لها إذا قورنت بالآخرة، وهذه النظرة تدل على ورعه وصدق إقباله على الله:
      • المال (الذي يشغل القلب).
      • الكلام (غير النافع أو الجدال).
      • المنام (المفرط والمضيع للوقت).
      • الطعام (اتباع الشهوات).
  • الخلاصة: ولي موصول بالله

    • تُبين أقواله ومواقفه كيف كان ينظر إلى الأمور بمنظار مختلف تماماً عن عامة الناس.
    • إنه حقاً من العبّاد الزهاد الذين جعلوا حياتهم موصولة بالله تعالى..

 داود الطائي: العابد الزاهد

داود الطائي هو مثال آخر مشرق من العبّاد الزهاد. فقد كان فقيهاً وعالماً في بداية حياته، ولكنه تحول إلى الزهد والعبادة بعد موقف عابر أيقظ قلبه. يروى أن سبب زهده كان مروره ببغداد ورؤيته لحميد الطوسي في كامل عزه وجاهه، فقال في نفسه: “أفّ للدنيا، سبقك بها حميد!” فعاد إلى بيته، وترك الحرص على الدنيا.

تميز داود الطائي بزهده الشديد في كل ما هو مباح، حتى إنه كان يكره أن يضيع وقته فيما هو ضروري كالمضغ، لشدة حرصه على استهلاك كل ثانية في الطاعة، حتى خبزه كان يفتّه ويضعه في الماء، كي يسهل بلعه ويسرع في الانتهاء منه، فيفطم نفسه عن لذة المباح.

كان داود الطائي شديد الخوف والخشية من الله. يروى عن جيرانه أنهم كانوا يسمعونه يئن ويبكي من الليل، فظنوا أنه مريض، ولكنه كان يئن من خشية الله وعذاب الآخرة. هذه الخشية ترجمت إلى عبادة مستمرة وعزلة اختيارية.

من جميل ما يروى في قصة توبته أنه مر بامرأة عند قبر دفين، وهي تقول شعراً: “مقيمٌ إلى أن يبعث الله خلقه، لقاؤك لا يرجى وأنت قريب… تزيد بلىً في كل يوم وليلة، وتسلى كما تبلى وأنت حبيب”، فكانت هذه الأبيات بداية يقظة قلبه، حيث أدرك كم هي سريعة زوال الدنيا.

لقد كان داود الطائي من الذين فهموا أن الحياة قصيرة جداً لا تحتمل ضياعاً في المباحات، فكيف بالوقوع في المكروهات والمحرمات؟ إنه قدوة عظيمة لمن يريد أن يعرف من هم الزهاد. كان بحق واحداً من العبّاد الزهاد.

تعرف أيضًا على: قصص الصالحين: أصحاب القلوب الحيَّة

 بشر الحافي: الزاهد البكّاء

بشر بن الحارث. المعروف بـ “بشر الحافي”، هو خاتمة روادنا من العبّاد الزهاد، وقصته من أروع قصص التوبة الصادقة والتحول الجذري. كان في شبابه من أهل الترف واللهو في بغداد، حتى ساقه قدره إلى التوبة الصادقة والعميقة.

سبب تسميته بالحافي يرجع إلى أنه حين تاب ورجع إلى الله، خرج حافياً. ولما سئل عن ذلك قال: “لأني تصالحت مع الله وأنا حافي، فاستحييت أن ألبس بعد ذلك نعلًا”، وكان يرى الأرض بساطاً بسطه الله، فاستحى أن يدوس عليه وهو في حضرة العبادة.

من أبرز صفات بشر الحافي الورع الشديد والزهد المطلق في كل ما له صلة بالدنيا. كان يرى أن كثرة الكلام وكثرة الأكل من الأمور التي تقسي القلب. فكان مقلاً منهما جداً، كما أنه كان يحرق كتب الحديث التي يملكها خشية الرياء أو العُجب بالعلم.

لقد عرف بشر الحافي بأنه “الزاهد البكّاء” لشدة خوفه من الله ولإخلاصه في عبادته. كان يقول: “من طلب الدنيا تهيأ للذل”، وكان من شدة زهده وورعه أنه لم يضع في فمه طعاماً إلا وقد علم من أين أتى هذا الطعام، ليتجنب الشبهات.

العبّاد الزهاد

وفي ختام الحديث عن العبّاد الزهّاد، ندرك أن الزهد ليس فقرًا في المال، بل غنى في القلب. وأن العبادة الحقيقية لا تكتمل إلا بخضوعٍ صادقٍ لله، هؤلاء الرجال والنساء كانوا قدوة في التواضع والصبر، علمونا أن السعادة لا تشترى، بل تنال بالرضا واليقين. تركوا بصمتهم في التاريخ بصفاء نواياهم وكثرة عبادتهم، فأصبحوا مثالًا يحتذى لكل من يسعى للارتقاء الروحي والبعد عن زخارف الدنيا.

أسئلة شائعة:

س1: هل الزهد يعني ترك العمل وكسب الرزق؟

ج1: لا، الزهد الحقيقي يعني عدم تعلق القلب بالدنيا وما فيها. مع الأخذ بأسباب الرزق الحلال. كثير من الزهاد كانوا يعملون بكد ليتجنبوا سؤال الناس.

س2: ما الفرق بين الزهد والفقر؟

ج2: الزهد حالة قلبية اختيارية، قد يكون صاحبها غنياً أو فقيراً. ولكنه يملك الدنيا ولا تملكه. أما الفقر فهو حالة مادية قد تكون اضطرارية ولا تعني الزهد بالضرورة.

س3: ما هي الأسباب التي تدفع الشخص إلى الزهد في الدنيا؟

ج3: الإجابة هي اليقين بالآخرة وقصر الأمل في الدنيا، وتذكر الموت والقبر، و الرغبة في نيل محبة الله ورضاه. بالإضافة إلى فهم حقيقة الدنيا وأنها دار اختبار زائلة.

س4: هل الزهد مختص بالعبادات الفردية فقط؟

ج4: لا، الزهد يشمل المعاملات الاجتماعية و السياسية، فيظهر في ترك طلب الشهرة والجاه والمناصب. والابتعاد عن التنافس في المظاهر، والتزام الصدق والعدل حتى مع النفس.

س5: كيف يمكن تطبيق الزهد في العصر الحديث مع ضروريات الحياة المعاصرة؟

ج5: يمكن تطبيقه عن طريق الاستغناء عن الكماليات الزائدة والفضول، وتجنب الإسراف والتبذير. والحرص على الكسب الحلال، وتوجيه الوقت والمال لخدمة الآخرة بدلاً من استهلاكهما في الملهيات.

س6: من هم أبرز تلاميذ هؤلاء الزهاد الذين نقلوا منهجهم؟

ج6: أبرز تلاميذهم نقلوا عنهم الحديث والآداب. منهم مثلاً تلميذ سفيان الثوري وهو وكيع بن الجراح. ومنهج داود الطائي تأثر به الكثير من المتصوفة والعباد في البصرة وبغداد

المراجع

مشاركة المقال

وسوم

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة