الفنون الشعبية العمانية: تراث يتنفس من قلب الخليج

من قلب الصحراء إلى أعماق البحر، ومن أعراس الجبل إلى أسواق السهل، تنبض الفنون الشعبية العمانية بروح لا تهدأ، وشغف لا ينطفئ. هي ليست مجرد أهازيج وأناشيد، بل منظومة متكاملة من الموروث الثقافي الذي يعكس هوية عمان وشعبها الأصيل. في هذا المقال، سنخوض معًا رحلة بين أنواع الفنون الشعبية، ونتعرّف على عدد الفنون الشعبية العمانية، ونستعرض حضورها في محافظات مختلفة مثل الفنون الشعبية في محافظة الباطنة، ونلقي الضوء على فنون كـ فن الرزحة وفن العازي العماني، كما نتوقف عند إبداع المرأة العمانية من خلال فنون شعبية عمانية نسائية، وننهي جولتنا بعرض بصري مميز من خلال صور الفنون الشعبية العمانية.
ما هي الفنون الشعبية في عمان؟

تمثل الفنون الشعبية العمانية مرآة صادقة للبيئة العمانية وتنوعها الثقافي، حيث تعبّر عن العادات والتقاليد والهوية الوطنية من خلال أشكال متنوعة من الأداء الجماعي والفردي. تتراوح بين الأناشيد الحماسية التي تُنشد في المناسبات الوطنية، والأهازيج المرتبطة بالصيد والزراعة، وصولًا إلى الأغاني العاطفية والموسيقية في الأعراس والمناسبات العائلية. تمارس هذه الفنون في مختلف مناطق السلطنة، ويُلاحظ اختلافها من ولاية إلى أخرى، بما يعكس تنوع البيئات العمانية. في السواحل، نجد الفنون البحرية التي تعكس علاقة العمانيين بالبحر، بينما تزدهر في المناطق الجبلية الفنون ذات الطابع البطولي والقبلي. وقد لعبت الفنون الشعبية العمانية ويكيبيديا دورًا هامًا في توثيق هذا التنوع وإتاحته للباحثين والمهتمين.
ما يميز هذه الفنون هو ارتباطها الوثيق بالوجدان الجمعي. فهي ليست مجرد عروض تقدم على المسارح، بل جزء من الحياة اليومية. يشارك فيها الصغار والكبار، الرجال والنساء، في تجسيدٍ حيٍ للانتماء والتواصل. وتعتمد في أدائها على أدوات تقليدية كـ”الطبل” و”المرواس” و”القصبة”، ما يعكس أيضًا غنى عمان بـ تعريف الآلات الموسيقية الشعبية المتنوعة. [1]
تعرف أيضًا على: ما هو فن التزيين؟ التعريف، الأنواع، والفرق بينه وبين التطريز والديكوباج
ما هي أنواع الفنون الشعبية؟
تتنوع أنواع الفنون الشعبية العمانية بين فنون الأداء الجماعي والفردي، وبين الغنائية والإيقاعية، وبين ما يؤدى في المناسبات الاجتماعية وما يمارس في الأعياد والمواسم. ويمكن تصنيفها في أربع مجموعات رئيسية: الفنون القتالية، الفنون البحرية، الفنون النسائية، والفنون الاحتفالية.
من أبرز الفنون القتالية “الرزحة” و”العازي”، حيث يظهر الرجال مهاراتهم في الرقص بالسيوف والتفاخر بالأنساب والبطولات. أما الفنون البحرية، مثل “النهّامة” و”المديمة”، فهي انعكاس لتاريخ طويل من الإبحار والغوص على اللؤلؤ. وتُعد الفنون النسائية جزءًا لا يتجزأ من هذا التراث، وسنتناولها بالتفصيل لاحقًا. تتسم الفنون الشعبية العمانية بكونها متجذّرة في السياق الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، تستخدم الفنون في الأعراس كجزء من طقوس الانتقال إلى الحياة الزوجية، أو في الأعياد كوسيلة للتعبير عن الفرح والانتماء. ومن اللافت أن هذه الفنون تمارس حتى اليوم، سواء في القرى أو المدن، لتكون جسرًا بين الماضي والحاضر.
وتلعب وزارة الثقافة والهيئات المعنية دورًا هامًا في تنظيم المهرجانات وإحياء هذه الفنون الشعبية العمانية عبر الاحتفالات الوطنية. كما تسعى المدارس والجامعات لترسيخ هذا الموروث في نفوس الأجيال الناشئة، ليبقى نابضًا بالحياة رغم التغيّرات.
تعرف أيضًا على: طريقة تلوين البيض بألوان طبيعية في المنزل: خطوات آمنة باستخدام مكونات طبيعية
ما هو فن الرزحة في سلطنة عمان؟
فن الرزحة هو من أقدم وأشهر الفنون الشعبية العمانية، ويمارس كفن جماعي ذي طابع بطولي، يبرز الشجاعة والفخر والهوية القبلية. غالبًا ما يؤدى في المناسبات الكبيرة كالأعياد الوطنية، حفلات الزواج، أو لحظة استقبال الزعماء، وتشارك فيه فرق مكوّنة من الرجال الذين يصطفون صفوفًا ويرددون أبياتًا شعرية حماسية.
يعتمد أداء الرزحة على استخدام السيوف والعصي، ويترافق مع قرع الطبول بطريقة إيقاعية منظمة، كما ترفع خلالها الأهازيج التي تعبّر عن القوة والانتماء، وتتناوب الفرق على المبارزات الحركية في مشهد بصري رائع. ويعد هذا الفن وسيلة للتعبير عن القيم الأصيلة مثل الكرامة والشرف والوطنية. يشار إلى أن فن الرزحة قد تم إدراجه ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. ما يعكس الاعتراف الدولي بأهميته. ولا يمكن أن نبالغ حين نقول إن الرزحة تمثل نبض العمانيين حينما يتحدثون عن تراثهم. فهي ليست مجرد عرض، بل رسالة من الأجداد للأحفاد، محمّلة بالفخر والتاريخ. ويقدَّم هذا الفن غالبًا في الهواء الطلق، ما يسمح للحضور بالتفاعل مع المؤدين، وتشجيعهم، والمشاركة في الأهازيج.
تعرف أيضًا على: صور طبيعية مستوحاة من جمال العيون
كم عدد الفنون العمانية؟
قد يصعب حصر عدد الفنون الشعبية العمانية بدقة، نظرًا لتعددها وتنوعها حسب المناطق والولايات. لكن الدراسات الحديثة توثق أكثر من 150 فنًا شعبيًا موزعة على مختلف البيئات: الساحلية، الصحراوية. الجبلية، والريفية، منها ما لا يزال يمارس بانتظام، ومنها ما أصبح يؤدى فقط في المناسبات الخاصة. من أبرز هذه الفنون: الرزحة، العازي، الهمبل، الميدان، العيالة، السيفية، وغيرها. هذا العدد الكبير يعكس ثراء المشهد الثقافي العماني، وتداخل الفنون مع الحياة اليومية. وكل ولاية تحتفظ بمزيج خاص من الفنون، يعكس خصوصية تاريخها وسكانها.
كما يشار إلى أن بعض الفنون باتت تقدم بصيغة حديثة أو تم تطويرها لتتناسب مع الجمهور العصري، مما يسهم في استمراريتها. وتقوم وزارة الثقافة العمانية بجهود جبارة في أرشفة هذه الفنون، وتوثيقها بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو. ويجب ألا ننسى أن الفنون الشعبية العمانية ليست فقط أرقامًا، بل هي أرواح وتجارب وذكريات ومناسبات حيّة في الذاكرة الجماعية للشعب العماني. فهي ثروة وطنية تتطلب التقدير والحفاظ عليها بكل السبل الممكنة.
تعرف أيضًا على: العيون كوسيلة للتعبير في الفنون
الفنون الشعبية في محافظة الباطنة
تمتاز الفنون الشعبية في محافظة الباطنة بتنوّعها وتفرّدها، إذ تعكس موقع المحافظة الجغرافي الممتد على طول الساحل العماني. وما يحمله من تأثيرات بحرية وتجارية وزراعية. ومن بين أبرز الفنون المنتشرة فيها نجد “العيالة”، و”المالد”، و”الهبوت”، وكلها تمثل تمازجًا بين الماضي والحاضر.
في ولايات مثل صحار وصحم والخابورة، لا تزال الفرق الشعبية تحافظ على أداء هذه الفنون في المناسبات الرسمية والأعراس. وتنتشر الفرق النسائية أيضًا في المحافظة، وتقدّم فنونًا مرتبطة بالمناسبات الاجتماعية، مثل فن “المديمة” الذي تؤديه النساء في المناسبات الخاصة بالزواج والحمل والولادة. تلعب محافظة الباطنة دورًا هامًا في إحياء الفنون الشعبية، وتحتضن عددًا من المهرجانات والفعاليات الثقافية. مثل “مهرجان الباطنة التراثي”. الذي يعد منصة لعرض أبرز الفنون الشعبية في السلطنة. وقد ساعد هذا الاهتمام المحلي في حفظ التراث وتعزيز حضوره في الوجدان العام. ويلاحظ أن الفنون في الباطنة تتميز بطابع احتفالي وجمالي خاص، حيث ترتبط بالزينة والأزياء والألوان الزاهية، إضافة إلى الطبول والموسيقى الشعبية، ما يجعل من حضورها مشهدًا غنيًا لا ينسى في المناسبات العائلية والوطنية. [2]
تعرف أيضًا على: أنواع الموسيقى الشعبية: أشهر الأنماط و والموسيقى الهادئة حول العالم
الفنون النسائية في عمان: إيقاع من نوع خاص
رغم الطابع الذكوري الذي يغلب على بعض الفنون الشعبية العمانية، إلا أن للمرأة العمانية حضورًا بارزًا في المشهد الفني الشعبي، من خلال فنون شعبية عمانية نسائية فريدة، مثل: “المديمة”، “الدان دان”، “النهمة النسائية”، و”العازي النسائي”. تمارس هذه الفنون في مناسبات خاصة بالنساء، مثل الأعراس، وحفلات الحناء، والولادة، وتتم غالبًا في البيوت أو أماكن مغلقة. وتتميز بأنها تعتمد على الإيقاع الصوتي والصفق والغناء الجماعي، دون استخدام كبير للآلات الموسيقية، ما يمنحها طابعًا حميميًا. تلعب هذه الفنون دورا مجتمعيا مهما، إذ تعد وسيلة للتواصل والتلاحم بين نساء المجتمع، وفرصة لنقل القيم والتقاليد من جيل إلى جيل. كما تعبر عن مشاعر الفرح والحزن والحنين، وغالبا ما تتضمن أبياتا شعرية ذات طابع وجداني. ويشار إلى أن بعض هذه الفنون قد تطورت لتؤدى على المسارح في المهرجانات الوطنية، ما أتاح للعالم رؤية جانب مميز من إبداع المرأة العمانية. وتدرس حاليا ضمن برامج التراث الثقافي في بعض المدارس والمعاهد، لتوثيقها وضمان انتقالها للأجيال القادمة.
تعرف أيضًا على: آلة الربابة: أصلها، تاريخها، واستخدامها في الدول المشهورة
صور الفنون الشعبية العمانية
نقدم هنا مجموعة مختارة من صور الفنون الشعبية العمانية التي تجسد هذا التراث العريق بألوانه الزاهية وزخارفه وتعابيره الحركية.
- مشهد من فن “الرزحة” في ولاية صور – رجال يصطفون حاملين السيوف:
- أداء نسائي لفن “الدان دان” في أحد الأعراس العمانية:
- فرقة تؤدي فن “العازي” في مهرجان تراثي بمسقط:
- مشهد من أداء فن “الهبوت” في محافظة الباطنة:
- آلات موسيقية تقليدية تستخدم في الفنون الشعبية العمانية:
هذه الصور تثبت أن التراث العماني لا يعيش فقط في الكلمات بل في التفاصيل البصرية التي تنقل عبق التاريخ ووهج الهوية.
العازي العماني: صوت الهوية والاعتزاز
يعد فن العازي العماني أحد أعرق الفنون الشعبية العمانية التي ما زالت تمارس في السلطنة ويعرف بأنه فن إلقائي أدائي يقدم فيه القائد أبياتا شعرية تمجد القبيلة وتشيد بالوطن فيما يردد المشاركون الهتافات الجماعية حاملين السيوف أو البنادق كرمز للقوة والشرف.
يؤدى العازي غالبا في الأعياد الوطنية، والمناسبات القبلية واستقبال الشخصيات البارزة ويتميز هذا الفن بالإيقاع الحماسي والكلمات الجزلة ما يعكس فصاحة الشعر العماني وثراء مفرداته. ويعد فن العازي العماني تجسيدا للهوية الوطنية وقد تم إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو تماما كالرزحة ويدرس اليوم في بعض البرامج التربوية لتنشئة الأجيال على الاعتزاز بالتراث. ويسعى الفنانون المعاصرون إلى إحياء هذا الفن بطريقة مبتكرة من خلال الدمج بين الأداء التقليدي والتصوير الحديث مما يساهم في انتشاره دوليا، وتعريف الشعوب الأخرى بهذا الوجه الحضاري العريق لعمان.
تعرف أيضًا على: كيف تعزف على الجيتار خطوات تعلم العزف ونصائح للمبتدئين
تثبت لنا الفنون الشعبية العمانية أنها ليست فقط موروثا جميلا بل نبضا حيا يتجدد مع كل جيل ومرآة تعكس الوجدان العماني بكل ما فيه من أصالة وإبداع في هذا المقال استعرضنا أبرز جوانب هذا التراث العميق من خلال تسليط الضوء على الفنون الشعبية العمانية ويكيبيديا والتعرف على عدد الفنون الشعبية العمانية ومختلف أنواع الفنون الشعبية وخصائص فنون شعبية عمانية نسائية وجماليات صور الفنون الشعبية العمانية إضافة إلى العمق التاريخي لفني فن الرزحة وفن العازي العماني إلى جانب استكشاف التميز الإقليمي لـ الفنون الشعبية في محافظة الباطنة.
المراجع
- Unesco Oman ( بتصرف )
- Oman observerA show of tradition and culture ( بتصرف )
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

نشأة الموسيقى وتطورها

أهمية الخط العربي ودوره الثقافي

الأدوات الموسيقية: أسماء وأنواع وأشهر آلات الموسيقى عند...

مفهوم تصميم المنهج: خطوات بنائه، أنواعه، وتصاميم المناهج...

الفرق بين خط الرقعة وخط النسخ: المميزات، الجماليات،...

مفهوم فن التصميم المعماري: دليل شامل لفهم العمارة...

تعريف الموسيقى الكلاسيكية: نشأتها وتطورها وأهم أعلامها في...

عناصر الفن التشكيلي الأساسيات البصرية التي تُكوّن العمل...

دليلك الشامل إلى أسس التصميم: المبادئ الأساسية وعوامل...

تاريخ الموسيقى في الحضارة الرومانية القديمة وأشهر أنواعها...

تاريخ الفنون التطبيقية: رحلة تطور الفنون العملية من...

مفهوم الفن المعماري: أنواعه ومكوناته وأسس الهندسة المعمارية...

التطور التاريخي لفن الأزياء المسرحية: من العصور القديمة...

مراحل تطور الخط العربي من بداياته حتى اليوم
