النثر والفن: التداخل بين الأدب والتشكيل
عناصر الموضوع
1- مفهوم التداخل بين الأدب والتشكيل
2- الإتجاه المؤيد للعلاقة بين الشعر والفن التشكيلي
3- الإتجاه المعارض لعلاقات الشعر و الفن التشكيلي
إن حاجة الإنسان للفن دائمة ومستمرة جدا، ولقدا جبرت عليه هذه الحاجة ابتكار فنون كثيرة جديدة، اتصفت بالفنون الجميلة، إذ تعد هذا من الفنون المبكرة التي عرفها البشر، وتدور في ضمن فلك واحد مشحون بعلاقات التفاعل فيما بينهم، والتفاعلات الحاصلة بين الشعر والفن التشكيلي جدلا مصاحب في الحقلين الأدبي والجمالي، فمنهم من عرف بضرورة هذا التلاقي وسلم بوجوده، ومنهم من اعترض عليه ورفض ورود علاقات تربط بين الفنين بحجة الفصل بينهم.
1- مفهوم التداخل بين الأدب والتشكيل
المتتبع لمسار الشعر والواقف عند جنبات محطاته التاريخية منذ بداياته الأولى، يلاحظ التطورات التي مرَّ بها الشعر، وفقدت بدأت مراحله التأسيسية مع الشعر الجاهلي التي رسم مسار الكتابة الشعرية طيلة حقبة من الزمن، ونظرا لحتمية التطور الذي تناشد به الفنون تمكن هذا الأخير من كسر النمطية الخطية التي رسمها عمود الشعر لتشهد التجربة الشعرية العربية ميلادا لأنواع مختلفة من الشعر كالشعر الحر، وقصيدة النثر وغيرهما، كثمرة لهذا التمرد.
وسرعان من أهمية هذا الموضوع الشائك الذي كان بمنزلة غنيمة خصب حقلي الجمال، والأدب يكمن الهدف الأساس من تحبير هذا البحث الذي يحاول تتبع جذور الخلاف وأسبابه، محاولين الإجابة عن جمل من التساؤلات أهمها:
وفي ما تمثلت أوجه التشاكل والإختلاف بين فني الشعر والتصوير؟ وفي حالة التسليم بوجود علاقات بينهم فهل يتمكن هذا اللون الشعري الهجين من تجاوز مأزق المصطلح؟ وهل سيستطيع رسم مسار موحد ومنظم لهذا الإبداع الجديد؟
وبناء عن الإجابة على هذه الإختلافات وأخرى،سوف نحاول إرساء دعائم دراسة نظرية مقارنة نرصد فيها أسباب هذا الجدل، ومعتمدين على أولى الدراسات النظرية التي اهتمت بعرض نقط الإختلاف والإتلاف بين الرأيين والحج الذي استند إليها كلاهما لإثبات وجهة نظرهم.[1]
وامتدت هذة الجذور الأولى للتفاعل بين فني الشعر وفن التشكيل،منذ قديم الزمن،و أن العِلاقة بينهما شهدت تجاذبا بين طرفين مختلفين، أحدهما يسلم بضرورة هذا التلاقي والآخر يرفضها جملة وتفصيلا، ولكن الراجح إلى العقل والقريب من الصواب، ووجود علاقات بينهما تظهر بشكل مباشر في بعض الأحيان، وفي كثير منها تتطلب نباهة وحصافة من المتلقي للقارئ والمشاهد للكشف عنها وإنارة العتمة التي تكتنفها.
2- الإتجاه المؤيد للعلاقة بين الشعر والفن التشكيلي
وظهرت العِلاقة بين فني الشعر والفن التشكيلي بشكل جلي مع أرسطو في “نظرية المحاكاة” حيث يرى أرسطو أن جميع الفنون موجودة في حقيقتها، إلا أن التباين بينهما هي الطريقة المعتمدة، فأحدهما يتوسل باللون والظل والآخر بالكلمات، لكنهما يتفقان في طبيعة وجودها وطريقتها في التشكيل وتأثيرهما على النفس أيضاً وقد حاول أرسطو تقويم ما ذهب إليه أفلاطون معلق على رأيه في “نظرية المحاكاة” حيث يرى أفلاطون أن: محاكاة الشاعر كالمصور يحاكي ظواهر الأشياء دون أن يفهم طبيعتها، وشعره بهذا في تقليد ويكون بعيد عن الحقيقة بدرجتين ويتلخص بسبب رفض أفلاطون إذا للمحاكاة التي يقوم بها الشعراء والرسامون؛ لسطحيتها، وعجزهما عن تصوير جوهر الأشياء في وقت كان أفلاطون يصبو لبلوغ مدارخ المثالية الخالصة ويترفع عن أشكال التقليد والمحاكاة المختلفة والمتباينة.[2]
3- الإتجاه المعارض لعلاقات الشعر والفن التشكيلي
حاول المنتصرين لاستقلال الفنون، والباحثين عن النقاء الفني ومعارضة عنيفة، ورفضا تاما للتسليم بوجود علاقة تربط بين الفنيين، وكان ليوناردو دافنشي أول الرافضين لها فقد حاول إبراز الفروق بينه وبين الشعر، الذي لم يكن يتمتع في نظره بجمال الرسم، ولعل سبب رفضه لهذه العِلاقة، تمرسه لفن الرسم خاصة وأنه من أعلام الفن التشكيلي الحديث ومؤسسيه، ما استصعب عليه تقبل هذه العِلاقة، في حين يصعب على كثيرين ترجمة صورة ما ترجمة شعرية إذ لا يتأت هذا الأمر إلا لفئة قليلة جُمعت فيهم ملكات فنية متعددة لذلك يتميز التصوير بقدرة على توصيل أهدافه إلى مختلف الأجيال؛ لأن مادته تتعامل مع نعمة الأبصار لا مع الأذن، ولذلك فإنها لا تحتج إلى الترجمة، كما يحدث مع الكلمات في اللغات المختلفة، إذ يتسنى لأي كان وفي مختلف بقاع العالم مهما كانت لغته أو ثقافته أن يتذوق، ويلامس الأبعاد الجمالية في اللوحات التشكيلية ظهر القصائد التي تفقد كثيرا منج ماليتها إذا ما انتقلت من بيئة إلى بيئة أخرى بسبب الترجمة أو عوامل أخرى.[3]
ومن جهة أخرى فإن اللغة بوصفها وسيلة للتواصل تحمل رموزا طبيعية و أخرى اعتباطية تهدف لتحقيق غاية التواصل، ونقل الرسائل اللغوية، ورغم هذه المغالاة في رفض العِلاقة بين الفنين، إلا أنها فرضت نفسها مع بدايات الحداثة ومزامنة الفنون للتكنولوجيا وعالم المقرنة، لتظهر بشكل جلي في المدونات الشعرية المعاصرة.
وبعد التمحيص الدقيق واقتفاء أثر العِلاقة بين الشعر والفن التشكيلي نكتشف أنه من الصعب جدا الفصل بين هذا الجدل؛ لأن هذه العلاقات تظهر بشكل جلي واضح أحيانا، وفي كثير منها تكون هذه العلائق معقدة تتطلب رؤية ثاقبة للكشف عنها، ولكن إذا ما أمعنا النظر في مسار تطور الفنون وبداياتها لوجدنا أن الشعر والفن التشكيلي ينحدران من جذر واحد ألا وهو الفنون الجميلة التي تتشارك، وتشابك في عدة نقاط أساسية، ثم أن الحداثة الشعرية قد انفتحت على عدد من الفنون وفي مقدمتها الفن التشكيلي التي حاول الشعراء استلهام تقنياته سواء بالكتابة مثلما نجد في ديوان الرسم بالكلمات للشاعر نزار قباني، أو من طريق استحضار أشكال ورسومات في المتن الشعري مثل ديوان البرزخ والسكين لعبد الله حمادي، وديوان أوجاع صفصافه في مواسم الإعصار ليوسف وغلسيي، أو يعتمدون على تقنية ترجمة اللوحات عن الطريق الشعر؛ أي قراءة اللوحات التشكيلية قراءة شعرية مثلما فعل أودن مع لوحة بيتر بروغ، ومن هذا المنطلق تتأكد صلة الفن الشعري بالفن التشكيلي، وتثبت علاقات التضايف الفني بينهما.
وفي الختام التداخل بين النثر والفن التشكيلي هو مساحة غنية بالإبداع، حيث يتعانق الأدب والرسم ليقدما تجربة حسّية بصرية فريدة. النثر هنا لا يُقرأ فقط، بل يُشاهد ويُحس، وكأن الكلمات تُرسم على اللوحة، فتمنح النصوص عمقاً بصرياً جديداً. كثيراً ما يستلهم الأدباء من اللوحات الفنية تعابير مجازية وصورًا حية، مثلما يستلهم الفنانون من النصوص الأدبية مشاهد ورموزًا تعبّر عن مكنوناتهم.
المراجع
- ضياء العزاوي - مجلة مواقف عدد (72 ) صيف 1993 مفهوم التداخل بين الأدب والتشكيل -بتصرف
- د. عبد الغفار مكاوى – قصيدة وصورة -عالم المعرفة، عدد (119)- 1987الاتجاه المؤيد للعلاقة بين الشعر والفن التشكيليّ -بتصرف.
- أنسى الحاج ص146 الأعمال الشعرية الكاملة – ج1 الهيئة العامة لقصور الثقافة 2007 الاتجاه المعارض لعلاقات الشعر و الفن التشكيلي -بتصرف.