تغذية رياضات التحمل: قوة الاستمرار

تعد تغذية رياضات التحمل من أهم العوامل التي تحدد قدرة الرياضي على الاستمرار في الأداء لفترات طويلة؛ فالجسم خلال الجهد البدني يحتاج إلى وقود ذكي ومتوازن يحافظ على طاقته ويمنع الإرهاق، وسواء كنت تمارس الجري أو السباحة أو ركوب الدراجات، فاختيارك الصحيح للطعام قبل وأثناء وبعد التمرين يمكن أن يصنع فارقًا كبيرًا في أدائك. هذا المقال يأخذك في رحلة داخل عالم التغذية الرياضية.
كاربوهيدرات التحميل قبل السباقات

تعتبر تغذية رياضات التحمل من أهم العناصر التي تحدد أداء الرياضيين وقدرتهم على الاستمرار في المنافسات الطويلة مثل الجري لمسافات بعيدة وركوب الدراجات والسباحة لمسافات طويلة، ومن بين أهم ركائز هذه التغذية تأتي الكربوهيدرات؛ فهي الوقود الأساسي الذي يمد العضلات بالطاقة اللازمة قبل وأثناء الأداء الرياضي.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن طريقة تناول الكربوهيدرات قبل السباقات تحدث فرقًا كبيرًا في النتيجة النهائية؛ فقبل يومين أو ثلاثة من السباق، ينصح الرياضيون بما يسمى “تحميل الكربوهيدرات”، وهي عملية تهدف إلى زيادة مخزون الجليكوجين في العضلات. هذا المخزون هو ما يمنح الجسم القدرة على الاستمرار في الجهد لفترة أطول دون الشعور بالتعب أو الإرهاق السريع.
وهنا قد يتساءل البعض: ما هو الأكل الصحي للرياضة؟
الإجابة بسيطة، الأكل الصحي للرياضيين لا يعني الحرمان أو المبالغة، بل هو توازن ذكي بين الطاقة والمغذيات؛ فالأطعمة الغنية بالكربوهيدرات المعقدة مثل الأرز البني، البطاطا، المعكرونة الكاملة، والشوفان تعد خيارًا مثاليًا لأنها تطلق الطاقة تدريجيًا وتحافظ على استقرار مستوى السكر في الدم.
كما يفضل تناول وجبات صغيرة متكررة بدلًا من وجبات ثقيلة، مع التركيز على شرب الماء بكميات كافية للحفاظ على الترطيب، وفي يوم السباق يستحسن تناول وجبة خفيفة قبل ساعتين تقريبًا تحتوي على مصدر جيد للكربوهيدرات مثل الموز أو التمر أو شريحة توست مع عسل.
وباختصار، يمكن القول إن سر الأداء العالي في رياضات التحمل يبدأ من طبق الطعام؛ فاختيارك الذكي للأطعمة قبل المنافسة لا يمدّك بالطاقة فقط، بل يمنحك القدرة على الحفاظ على الإيقاع والتحكم في التعب، ومواصلة الطريق حتى خط النهاية.[1]
بروتين للحفاظ على العضلات

في عالم تغذية رياضات التحمل، يعتقد كثير من الناس أن الكربوهيدرات هي العنصر الأهم فقط، لكن الحقيقة أن البروتين لا يقل أهمية أبدًا؛ فبينما تعمل الكربوهيدرات كمصدر للطاقة، يأتي البروتين ليحافظ على سلامة العضلات ويرمم الألياف التي تتعرض للإجهاد أثناء التمرين الطويل أو المنافسة.
والرياضي الذي يمارس الجري لمسافات طويلة أو ركوب الدراجات يحتاج إلى توازن دقيق في نظامه الغذائي، وهنا يبرز السؤال المهم: ماذا يجب أن يأكل الرياضيون الذين يمارسون رياضات التحمل؟
الإجابة لا تقتصر على نوع واحد من الطعام، بل على تنوع ذكي في مصادر البروتين، فاللحوم البيضاء مثل الدجاج والسمك تعد من أفضل الخيارات، لأنها غنية بالبروتين وقليلة الدهون المشبعة، أما لمن يفضلون المصادر النباتية، فالبقوليات مثل العدس والفول وفول الصويا، بالإضافة إلى المكسرات والبذور، تقدم فائدة كبيرة دون إثقال الجهاز الهضمي.
كما أن توقيت تناول البروتين يلعب دور مهم؛ فبعد التمرين مباشرة تكون العضلات في حالة “عطش” لإصلاح ما تضرر، وهنا ينصح بتناول وجبة تحتوي على بروتين سريع الامتصاص مثل الحليب أو الزبادي أو مشروبات البروتين الطبيعية، وهذا لا يساعد فقط في التعافي، بل أيضًا في تقليل الشعور بالتعب في اليوم التالي.
ولا ننسى أن البروتين لا يجب أن يكون المصدر الأساسي للطاقة، بل هو مكمل يحافظ على البناء العضلي ويدعم عملية التمثيل الغذائي، والمبالغة في تناوله لا تفيد بل قد ترهق الكلى على المدى الطويل، لذا التوازن هو المفتاح الذهبي في أي نظام غذائي ناجح لرياضيي التحمل.
وببساطة، يمكن القول إن البروتين هو “درع العضلات” الذي يحمي الرياضي من الانهيار أثناء التدريب المكثف، ويضمن له أداءً مستقرًا وقوة مستمرة في كل خطوة نحو الهدف. [2]
إلكتروليتات لتعويض المعادن
عند الحديث عن تغذية رياضات التحمل، لا يمكن تجاهل دور الإلكتروليتات؛ هذه العناصر الصغيرة مثل الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، هي التي تحفظ توازن السوائل في الجسم وتمنع الإرهاق والتشنجات العضلية أثناء النشاط البدني الطويل، ومع ارتفاع حرارة الجسم والتعرق الشديد، يفقد الرياضي كميات كبيرة منها، ما يجعله بحاجة دائمة لتعويضها.
وهنا يظهر السؤال المهم: ما هي المتطلبات الغذائية لتدريب الرياضات التحملية؟
الإجابة تكمن في تحقيق توازن بين السوائل والعناصر المعدنية والطاقة، فالرياضي يحتاج إلى ترطيب مستمر، وأطعمة تحتوي على معادن طبيعية تساعده على الاستمرار بنفس القوة حتى بعد ساعات من التمرين.
ومن أبرز النقاط التي يجب التركيز عليها

- مشروبات رياضية متوازنة
- شرب ماء كافي
- أطعمة غنية بالبوتاسيوم
- مكملات إلكتروليت طبيعية
- تجنب الإفراط بالملح
- تناول فواكه طازجة
- الحفاظ على توازن السوائل
وتذكر أن الإلكتروليتات ليست مجرد “أملاح” كما يعتقد البعض، بل هي مفتاح الطاقة والاستقرار داخل خلايا الجسم، ونقصها قد يؤدي إلى دوخة أوضعف في الأداء، أو حتى تقلصات مؤلمة تمنع اللاعب من الاستمرار، لذلك يجب إدخالها بذكاء في النظام الغذائي سواء عبر المشروبات المخصصة أو الأطعمة الغنية بها مثل الموز أو الأفوكادو أو الماء بجوز الهند، أو الشوربات الخفيفة.
ترطيب أثناء السباقات الطويلة

في عالم تغذية رياضات التحمل، لا شيء يوازي أهمية الماء، فالترطيب هو الخط الفاصل بين الأداء القوي والانهيار المفاجئ، وبين رياضي يكمل المسار وآخر يضطر للتوقف. الجسم أثناء الجهد البدني يفقد سوائل كثيرة عن طريق العرق، ومعها يفقد توازنه الحراري وقدرته على التحمل.
الترطيب لا يبدأ وقت السباق فقط، بل قبله بيوم أو يومين، لذلك يجب أن يدخل الرياضي السباق وجسمه مشبع بالماء، حتى لا يواجه الجفاف مبكرًا، وخلال السباق نفسه، ينصح بشرب كميات صغيرة من الماء أو المشروبات الرياضية كل 15 إلى 20 دقيقة بدلًا من شرب كمية كبيرة دفعة واحدة، حتى لا يشعر بالثقل أو الانزعاج في المعدة.
ومن أهم النقاط التي تساعد على الحفاظ على الترطيب
- اشرب بانتظام
- تجنب المشروبات الغازية
- استخدم مشروبات رياضية خفيفة
- راقب لون البول كمؤشر للترطيب
- زد الكمية في الجو الحار
- اشرب قبل الشعور بالعطش
بعض الرياضيين يستخدمون محاليل إلكتروليت طبيعية أثناء السباق لتعويض المعادن التي تفقد مع العرق. مما يحافظ على التوازن داخل الجسم. ويقلل من خطر التشنجات أو الدوخة. ولا تنسى أن الترطيب الجيد لا يقتصر على شرب الماء فقط. بل يشمل أيضًا تناول أطعمة تحتوي على نسبة عالية من السوائل مثل البطيخ والخيار والبرتقال قبل يوم السباق.
نظام غذائي للتعافي بعد السباقات

بعد انتهاء السباق أو التمرين الطويل، يبدأ الجسم مرحلة جديدة لا تقل أهمية عن مرحلة الأداء نفسها. وهي مرحلة التعافي، وفي هذه المرحلة يحتاج الرياضي إلى نظام غذائي متكامل يساعده على تعويض ما فقد من طاقة وسوائل ومعادن، ويرمم العضلات التي تعرضت للإجهاد، لذلك تعتبر هذه الفترة فرصة لإعادة بناء الجسم من الداخل.
أول ما يجب التركيز عليه هو الكربوهيدرات. لأنها المصدر الأساسي لاستعادة مخزون الطاقة في العضلات. تناول وجبة تحتوي على الأرز أو البطاطس أو الشوفان بعد التمرين يساعد في تسريع عملية التعافي. أما العنصر الثاني فهو البروتين، الذي يعمل على ترميم الأنسجة العضلية. من الأفضل أن تكون الكمية معتدلة، ويمكن الحصول عليها من مصادر طبيعية مثل الدجاج، البيض، أو الحليب.
أو حتى من البروتين النباتي مثل العدس والمكسرات. ولا يمكن نسيان السوائل، فإعادة الترطيب بعد السباق أمر ضروري لتعويض العرق المفقود وتنشيط الدورة الدموية. يفضّل شرب الماء مع القليل من الأملاح المعدنية أو العصائر الطبيعية غير المحلاة. وهنا نصل إلى السؤال الذي يطرحه الجميع: ما هي أهم الأطعمة الصحية للرياضيين؟ الإجابة تشمل مجموعة من الأغذية التي تدعم الجسم.
وتقلل الالتهابات الناتجة عن الجهد مثل
- الشوفان والموز كمصدر للطاقة
- السلمون والتونة لاحتوائهما على الأوميغا 3
- الخضروات الورقية لتجديد المعادن
- المكسرات والبذور كمصدر للدهون المفيدة
اتباع هذا النظام الغذائي بعد التمرين لا يمنح الرياضي فقط تغذية رياضات التحمل، بل يساعده على الاستمرار في التدريب دون تعب مزمن أو إصابات متكررة؛ فالتعافي الجيد هو سرّ الاستمرار، وليس مجرد مرحلة عابرة بعد الجهد.
في الختام، تبقى تغذية رياضات التحمل هي الأساس الذي يقوم عليه أداء الرياضي وقوته على المدى الطويل. فاختيار الأطعمة المناسبة في الأوقات الصحيحة لا يمنح الجسم الطاقة فقط. بل يحميه من الإجهاد والإصابات، والتوازن بين الكربوهيدرات والبروتينات والمعادن هو مفتاح النجاح لكل من يسعى إلى الاستمرار بثبات وقوة. لذلك لا تبحث عن الحل السحري في المكملات أو الأنظمة الصعبة، بل ابدأ من أبسط خطوة: تناول طعامك بوعي، وامنح جسمك ما يحتاجه بذكاء؛ حينها فقط ستشعر بالفرق في كل تمرين وكل إنجاز.
الأسئلة الشائعة
س: هل تختلف تغذية رياضيي التحمل عن باقي الرياضيين؟
ج: نعم، رياضيو التحمل يحتاجون كمية طاقة وسوائل أكبر من غيرهم لأنهم يبذلون مجهودًا طويل المدى. وتغذيتهم تعتمد أكثر على الكربوهيدرات المعقدة والماء والمعادن لتعويض الفاقد أثناء الجهد.
س: هل يمكن الاعتماد على المكملات بدل الطعام؟
ج: لا يفضل ذلك، فالمكملات يمكن أن تساعد في بعض الحالات، لكنها لا تعوّض الغذاء الطبيعي المتنوع. والأفضل الاعتماد على الأكل الحقيقي كمصدر رئيسي للطاقة والعناصر الغذائية.
س: كم يحتاج الرياضي من الماء يوميًا؟
ج: الكمية تختلف حسب الوزن ونوع النشاط، لكن في المتوسط يحتاج الرياضي من 3 إلى 4 لترات يوميًا. مع زيادة الكمية في الجو الحار أو أثناء التدريبات الطويلة.
س: هل الصيام يؤثر على أداء رياضات التحمل؟
ج: الصيام قد يقلل الأداء لو لم يتم تنظيم الأكل قبل وبعد ساعات الصيام بشكل ذكي. لذلك تناول وجبات غنية بالكربوهيدرات المعقدة قبل الصيام وشرب الماء الكافي يمكن أن يساعد على الحفاظ على الطاقة.
س: متى يجب تناول وجبة ما قبل التمرين؟
ج: الأفضل تناول الوجبة الرئيسية قبل التمرين بساعتين إلى ثلاث ساعات. ووجبة خفيفة غنية بالكربوهيدرات قبل نصف ساعة فقط.
س: ما هي العلامات التي تدل على نقص التغذية لدى الرياضي؟
ج: الشعور بالتعب السريع، بطء التعافي بعد التمرين، الدوخة، فقدان التركيز، أو فقدان الوزن غير المبرر. كلها إشارات تستدعي مراجعة النظام الغذائي فورًا.
المراجع
- runnersworld Carb loading: How to get it right ahead of a marathon -بتصرف
- healthline How Much Protein a Day Do You Need to Build Muscle? -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

الرغبي: قوة واصطدام

الرياضة والكتب: أفضل الكتب التي كتبها الرياضيون

فوائد رياضة التجديف على الجسم

التحول الدراماتيكي: رياضيون غيروا مسارهم من الفقر إلى...

أبطال غير تقليديين: قصص ملهمة خارج الملاعب التقليدية

الرياضة والسينما: أعظم الأفلام المستوحاة من قصص رياضية

الرياضة والفن: كيف ألهم الرياضيون الفنانون؟

الرياضة والحيوانات: أشهر الحيوانات في العالم الرياضي

الرياضة والبيانات الضخمة: كيف تستخدم البيانات الضخمة في...

الرياضة وعلم النفس: التركيز الذهني للرياضيين

الرياضة والواقع الافتراضي: استخدامات الواقع الافتراضي في التدريب

الرياضة والعلم: كيف يستخدم النجوم العلم لتحسين أدائهم؟

الرياضة والميتافيرس: كيف تدخل الرياضة عالم الميتافيرس؟

الرياضة والذكاء الاصطناعي: كيف يغير الذكاء الاصطناعي عالم...





















