أجمل أبيات من قصائد أبي القاسم الشابي
عناصر الموضوع
1- أبيات: أيها الحب أنت سر بلائي
2- أبيات: في الليل ناديت الكواكب ساخطا
3- أبيات: البؤس لابن الشعب يأكل قلبه
4- أبيات: لله ما أحلى الطفولة
5- أبيات: ضحكنا على الماضي البعيد وفي غد
6- أبيات: سرت في الروض
7- أبيات: كان الربيع الحي روحا حالما
أبو القاسم الشابي، شاعر تونسي لا يُنسى، وقامة شعرية نادرة بزغت في سماء الأدب العربي في بداية القرن العشرين. وُلد الشابي عام 1909، وحمل في قلبه أحلامًا عظيمة ورؤية فنية ملهمة، رغم أن حياته كانت قصيرة، حيث توفي في سن مبكرة، لكن أثره الأدبي كان عميقًا جدًا.
مناسبة القصيدة
غناء للوطن التونسي وما تعانيه على يد الاستعمار من قهر، كما يتناول فيها الشاب حبه لوطنه وارتباطه به هي من المقطوعات، وفيها يتحدث الشابي، صاحب النزعة الرومانسية الحالمة، وتاريخها أغسطس 1924، وهي من قصائده الباكرة.
1- أبيات: أيها الحب أنت سر بلائي
أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي
وهُمُومي وَرَوْعَتي وعَنَائي
ونُحُولي وأَدْمُعي وعَذَابي
وسُقَامي وَلَوْعَتي وشَقَائي
أَيُّها الحُبُّ أَنتَ سِرُّ وُجُودي
وحَيَاتي وعِزَّتي وإبَائي
وشُعاعِي ما بينَ دَيْجُورِ دَهْري
وأَليفي وقُرَّتي وَرَجَائي
يا سُلافَ الفُؤادِ يا سُمَّ نَفْسي
في حَيَاتي يا شِدَّتي يا رَخَائي
أَلَهيبٌ يثورُ في روضَةِ النَّفْسِ
فَيَطْغى أَمْ أَنتَ نُورُ السَّماءِ
أَيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْنَ
كُؤُوساً وما اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فبِحَقِّ الجَمَال يا أَيُّها الحُبُّ
حَنَانَيْكَ بي وَهَوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْرِي يا أَيُّها الحُبُّ قُلْ لي
مِنْ ظَلامٍ خُلِقَت أَمْ من ضِياءِ
يَا شِعْرُ أَنْتَ فَمُ الشُّعُورِ
وصَرْخَةُ الرُّوحِ الكَئيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ صَدَى نحيبِ
القَلْبِ والصَّبِّ الغَرِيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ مَدَامعٌ
عَلِقَتْ بأَهْدَابِ الحَيَاةْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ دَمٌ
تَفَجَّرَ مِنْ كُلُومِ الكائِناتِ
يَا شِعْرُ قَلْبي مِثْلما
تدري شَقِيٌّ مُظْلَمُ
فِيهِ الجِراحُ النُّجْلُ يَقْطُرُ
مِنْ مَغَاوِرِها الدَّمُ
جَمَدَتْ على شَفَتَيهِ
أَرْزاءُ الحَياةِ العَابِسهْ
فهوَ التَّعيسُ يُذيبُهُ
نَوْحُ القُلُوبِ البَائِسَهْ
أبداً يَنوحُ بحُرْقَةٍ
بَيْنَ الأَماني الهَاوِيهْ
كالبُلْبُلِ الغِرِّيدِ ما
بَيْنَ الزُّهورِ الذَّاوِيهْ
كمْ قَدْ نَضَحْتُ لهُ بأنْ
يَسْلو وكَمْ عَزَّيْتُهُ
فأَبى وما أصغَى إلى
قَوْلي فما أجْديتُهُ
كَمْ قلتُ صبراً يا فُؤادُ
أَلا تَكُفُّ عنِ النَّحِيبْ
فإذا تَجَلَّدَتِ الحِياةُ
تبدَّدَتْ شُعَلُ اللَّهيبْ
يَا قَلْبُ لا تجزعْ أمامَ
تَصَلُّبِ الدَّهرِ الهَصُورْ
فإذا صَرَخْتَ توجُّعاً
هَزَأَتْ بصَرْخَتِكَ الدُّهُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْخُطْ على
الأيَّامِ فالزَّهْرُ البَديعْ
يُصْغي لضَجَّاتِ العَوَاصِفِ
قَبْلَ أَنغامِ الرَّبيعْ
يَا قَلْبُ لا تَقْنَعْ بشَوْكِ
اليَأْسِ مِنْ بينِ الزُّهُورْ
فَوَراءَ أَوْجاعِ الحَياةِ
عُذُوبَةُ الأَملِ الجَسُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْكُبْ دُمُوعكَ
بالفَضَاءِ فَتَنْدَمِ
فعَلَى ابتساماتِ الفَضَاءِ
قَسَاوَةُ المُتَهَكِّمِ
لكِنَّ قَلْبي وهوَ
مُخْضَلُّ الجوانبِ بالدُّمُوعْ
جَاشَتْ بهِ الأَحْزانُ إذْ
طَفَحَتْ بِها تِلْكَ الصُّدوعْ
يَبْكي على الحُلْمِ البَعيدِ
بلَوْعَةٍ لا تَنْجَلي
غَرِداً كَصَدَّاحِ الهَوَاتِفِ
في الفَلا ويَقُول لي
طَهِّرْ كُلُومَكَ بالدُّمُوع
وخَلِّها وسَبِيلَهَا
إنَّ المَدامِعَ لا تَضِيعُ
حَقيرَهَا وجَليلَهَا
فَمِنَ المَدَامِعِ ما تَدَفَّعَ
جارِفاً حَسَكَ الحَياهْ
يرْمِي لِهاوِيَةِ الوُجُودِ
بكلِّ ما يبني الطُّغاهْ
ومنَ المَدَامِعِ ما تأَلَّقَ
في الغَيَاهِبِ كالنُّجُومْ
ومنَ المَدَامِعِ ما أَراحَ
النَّفْسَ مِنْ عبءِ الهُمُومْ
فارْحَمْ تَعَاسَتَهُ ونُحْ
مَعَهُ على أَحْلامِهِ
فلَقَدْ قَضَى الحُلْمُ البَديعُ
عَلى لَظَى آلامِهِ
يَا شِعْرُ يا وحْيَ الوُجود
الحيِّ يا لُغَةَ المَلايِكْ
غَرِّدْ فأَيَّامي أنا تبْكِي
عَلى إيقَاعِ نايكْ
رَدِّدْ على سَمْعِ الدُّجَى
أَنَّاتِ قَلْبي الواهِيَهْ
واسْكُبْ بأَجْفانِ الزُّهورِ
دُمُوعَ قلبي الدَّاميهْ
فلَعَلَّ قَلْبَ اللَّيل
أَرْحَمُ بالقُلُوبِ البَاكيهْ
ولَعَلَّ جَفْنَ الزهرِ
أَحْفَظُ للدُّمُوعِ الجَاريهْ
كمْ حَرَّكَتْ كفُّ الأَسى
أَوْتارَ ذَيَّاكَ الحَنينْ
فَتَهَامَلَتْ أَحْزانُ قلبي
في أَغاريدِ الأَنِينْ
فَلَكَمْ أَرَقْتُ مَدَامِعِي
حتَّى تَقَرَّحَتِ الجُفُونْ
ثمَّ التَفَتُّ فَلَمْ أجدْ
قلباً يُقاسِمُني الشُّجُونْ
فَعَسَى يَكونُ اللَّيلُ أَرْحَمُ
فهوَ مِثْلِي يندُبُ
وعَسَى يَصونُ الزَّهْرُ دَمْعِي
فهوَ مِثْلِي يَسكُبُ
قدْ قَنَّعَتْ كَفُّ المَساءِ
الموتَ بالصَّمْتِ الرَّهيبْ
فَغَدا كأَعْماقِ الكُهُوفِ
بِلا ضَجيجٍ أَو وَجِيبْ
يَأتي بأَجْنِحَةِ السُّكُونِ
كأنَّهُ اللَّيلُ البَهيمْ
لكنَّ طَيْفُ الموتِ قاسٍ
والدُّجى طَيفٌ رَحيمْ
ما للمَنِيَّةِ لا تَرِقُّ
على الحَياةِ النَّائِحَهْ
سِيَّانِ أَفئدةٌ تَئِنُّ
أَوِ القُلُوبُ الصَّادِحَهْ
يَا شِعْرُ هلْ خُلِقَ المَنونُ
بلا شعورٍ كالجَمَادْ
لا رَعْشَةٌ تَعْرُو يديْهِ
إِذا تملَّقَهُ الفُؤَادْ
أَرأَيْتَ أَزْهارَ الرَّبيعِ
وقدْ ذَوَتْ أَوراقُها
فَهَرَتْ إلى صَدْرِ التُّرابِ
وقدْ قَضَتْ أَشْواقُهَا
أَرأَيْتَ شُحْرورَ الفَلا
مُتَرَنِّماً بَيْنَ الغُصُونْ
جَمَدَ النَّشيدُ بصَدْرِهِ
لمَّا رأَى طَيْفَ المَنُونْ
فَقَضَى وقدْ غَاضَتْ
أَغاريدُ الحَياةِ الطَّاهِرَهْ
وهَوَى منَ الأَغْصانِ
ما بَيْنَ الزُّهورِ البَاسِرَهْ
أَرأَيْتَ أُمّ الطِّفْلِ تَبْكي
ذلكَ الطِّفْلَ الوَحيدْ
لمَّا تَنَاوَلَهُ بعُنْفٍ
ساعِدُ المَوتِ الشَّديدْ
أَسَمِعْتَ نَوْحَ العاشِقِ الوَلْهانِ
مَا بَيْنَ القُبُورْ
يَبْكي حَبيبَتَهُ فيا
لِمَصَارعِ الموتِ الجَسُورْ
طَفَحَتْ بأَعْماقِ الوُجُودِ
سَكِينَةُ الصَّبْرِ الجَلِيدْ
لمَّا رأَى عَدْلَ الحَياةِ
يَضُمُّهُ اللَّحْدُ الكَنُودْ
فَتَدَفَّقَتْ لَحْناً يُرَدِّدُهُ
على سَمْعِ الدُّهُورْ
صَوتُ الحياةِ بضَجَّةٍ
تَسْعَى على شَفَةِ البُحُورْ
يا شِعْرُ أَنْتَ نَشيدُ
أَمْواجِ الخِضَمِّ السَّاحِرَهْ
النَّاصِعاتِ الباسِماتِ
الرَّاقِصاتِ الطَّاهِرَهْ
السَّافِراتِ الصَّادِحاتِ
معَ الحياةِ إلى الأبدْ
كَعَرائسِ الأَمَلِ الضَّحُوكِ
يَمِسْنَ ما طالَ الأَمَدْ
ها إنَّ أَزْهارَ الرَّبيعِ
تَبَسَّمَتْ أَكمامُها
تَرنُو إلى الشَّفقِ البَعيدِ
تغُرُّها أَحْلامُها
في صَدْرِها أملٌ
يحدِّقُ نحوَ هاتيك النُّجومْ
لكنَّه أملٌ سَتُلْحِدُه
جَبَابرةُ الوُجُومْ
فَلَسَوْفَ تُغْمِضُ جَفْنَهَا
عنْ كلِّ أَضواءِ الحياةْ
حيثُ الظَّلامُ مخَيِّمٌ
في جوِّ ذَيَّاكَ السُّبَاتْ
ها إنَّها هَمَسَتْ
بِآذانِ الحياةِ غَرِيدَهَا
قَتَلَتْ عَصافيرُ الصَّبَاحِ
صُداحَهَا ونَشِيدَهَا
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَشِيدُ
هاتيكَ الزُّهُورِ الباسِمَهْ
يا لَيْتَني مِثْلُ الزُّهُورِ
بلا حَياةٍ واجِمهْ
إنَّ الحَياةَ كئيبةٌ
مَغْمورةٌ بِدُمُوعِها
والشَّمسُ أضْجَرَها الأَسى
في صَحْوِها وهُجُوعِهَا
فَتَجَرَّعَتْ كَأساً دِهاقاً
مِنْ مُشَعْشَعَةِ الشَّفَقْ
فَتَمَايَلَتْ سَكْرَى إلى
كَهْفِ الحَياةِ ولَمْ تُفِقْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَحيبُها
لمَّا هَوَتْ لسُباتِها
يَا شِعْرُ أَنْتَ صُدَاحُها
في مَوْتِها وحَيَاتِها
انْظُرْ إلى شَفَقِ السَّماءِ
يَفيضُ عَنْ تِلْكَ الجِبَالْ
بشُعَاعِهِ الخَلاّبِ يَغْمُرُها
بِبَسْماتِ الجَمَالْ
فَيُثِيرُ في النَّفْسِ الكَئيبةِ
عَاصِفاً لا يَرْكُدُ
ويُؤَجِّجُ القلبَ المُعَذَّبَ
شُعْلَةً لا تَخْمُدُ
يَا شِعْرُ أنتَ جمالُ
أَضْواءِ الغُرُوبِ السَّاحِرَهْ
يا هَمْسَ أَمْواجِ المَسَاءِ
البَاسِماتِ الحَائرَهْ
يا نَايَ أَحْلامِي الحَبيبةِ
يا رَفيقَ صَبَابَتِي
لولاكَ مُتُّ بلَوْعَتِي
وبِشَقْوَتي وكَآبَتِي
فيكَ انْطَوَتْ نَفْسي وفيكَ
نَفَخْتُ كلَّ مَشَاعِرِي
فاصْدَحْ على قِمَمِ الحَياةِ
بِلَوْعَتي يا طَائِرِي. [1]
2- أبيات: في الليل ناديت الكواكب ساخطا
في اللَّيل نادَيتُ الكَواكِبَ ساخطاً
متأجِّجَ الآلامِ والآرابِ
الحقلُ يَمْلِكُهُ جَبابِرَةُ الدُّجى
والرَّوضُ يسكُنُهُ بنو الأربابِ
والنَّهرُ للغول المقدّسة التي
لا ترتوي والغابُ للحَطّابِ
وعرائسُ الغابِ الجميلِ هزيلةٌ
ظمأى لِكُلِّ جَنًى وكُلِّ شَرابِ
ما هذه الدُّنيا الكريهةُ ويلَها
حَقّتْ عليها لَعْنَةُ الأحقابِ
الكونُ مُصْغٍ يا كواكبُ خاشعُ
طال انتظاري فانطقي بِجَوابِ
فسمعتُ صوتاً ساحراً متموِّجاً
فوق المروج الفيحِ والأعشابِ
وحَفيفَ أجنحةٍ ترفرف في الفضا
وصدًى يَرنُّ على سُكونِ الغاب
الفجرُ يولدُ باسماً متهَلِّلا
في الكونِ بَيْنَ دُجُنَّةٍ وضبابِ
3- أبيات: البؤس لابن الشعب يأكل قلبه
البؤسُ لابنِ الشَّعبِ يأكلُ قلبَه
والمجدُ والإثراءُ للأغرابِ
والشَّعب مَعصوبُ الجفونِ مُقَسَّمٌ
كالشّاة بَيْنَ الذّئب والقَصَّابِ
والحقُّ مَقطوعُ اللّسان مُكَبَّلٌ
والظَّلمُ يمرح مُذْهَبَ الجِلبابِ
هذا قليلٌ من حياةٍ مُرّة
في دولة الأنْصابِ والألقابِ
4- أبيات: لله ما أحلى الطفولة
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ
إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى
مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا
ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها
بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ
في قَلْبِ الرَّبيعْ
ريَّانةٌ مِنْ رَيِّقِ الأَنْداءِ
في الفَجْرِ الوَديعْ
غنَّت لها الدُّنيا
أَغاني حبِّها وحُبُورِهَا
فَتَأَوَّدَتْ نَشوى بأَحلامِ
الحَياةِ وَنُورِهَا
إنَّ الطُّفولَةَ حِقْبَةً
شعريَّةٌ بشُعُورِها
وَدُمُوعِها وسُرُورِها
وَطُمُوحِهَا وغُرُورِها
لمْ تمشِ في دنيا الكآبَةِ
والتَّعاسَةِ والعَذابْ
فترى على أضوائِها مَا في
الحَقيقَةِ مِنْ كِذَابْ
5- أبيات: ضحكنا على الماضي البعيد وفي غد
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ وفي غدٍ
ستجعَلُنا الأَيَّامُ أُضْحُوكَةَ الآتي
وتلكَ هيَ الدُّنيا رِوايةُ ساحرٍ
عَظيمٍ غَريبِ الفَنِّ مُبْدِعِ آياتِ
يمثِّلها الأَحياءُ في مَسْرَحِ الأَسَى
ووسْط ضَبَابِ الهمِّ تَمْثيلَ أَمواتِ
ليشهدَ مَنْ خَلْفَ الضَّبابِ فصولَها
ويَضْحَكُ منها مَنْ يمثِّلُ مَا ياتي
وكلٌّ يُؤَدِّي دَوْرَهُ وهو ضَاحكٌ
على الغيرِ مضْحُوكٌ على دوره العاتي
6- أبيات: سرت في الروض
سِرْتُ في الرَّوضِ
وقد لاحَتْ تَباشيرُ الصَّباحِ
وجَناحُ الفَجْرِ يومي
نَحْوَ رَبَّاتِ الجَناحِ
والدُّجى يَسْعى رُوَيْداً
سَعْيَ غَيْداءَ رَدَاحِ
ونَسيمُ الصُّبْحِ يَسْري
سَجْسَجاً فَوقَ البِطاحِ
وخَريرُ النَّهْرِ سَكْرانٌ
وزَهْرُ الرَّوضِ صاحِ
فَرَنَتْ نَحْوَ جَلالِ الكَوْ
نِ جَوْناءُ اللِّياحِ
ثمَّ بانَتْ في سُفورٍ
فاضِحٍ أيَّ افْتِضاحِ
فاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدى الدَّا
مِسِ من كاسِ الأقاحِ
واعْتَلَتْ بَلْقيسُ عَرْشَ
اللَّيلِ في تِلْكََ النَّواحي
ثمَّ مالَتْ لِغُروبٍ
بَعْدَ إضْرامِ الكِفاحِ
واستوى اللَّيلُ بِرَغْمِ الشَّمْسِ
في العَرْشِ الفُساحِ
هكذا الدَّهرُ بأزياءٍ
غُدُوٍ ورُواحِ
وضياءٍ وظلامٍ
وسُكونٍ وصِياحِ
ونَشيدٍ وفَواحٍ
وانقِباضٍ وانْشِراحِ
إنَّما الدَّهرُ وَميثاقُ
اللَّيالي كَشُجاحِ
7- أبيات: كان الربيع الحي روحا حالما
كان الربيعُ الحيُّ روحاً حالماً
غضَّ الشَّبابِ مُعَطَّرَ الجلبابِ
يَمْشي على الدّنيا بفكرةِ شاعرٍ
ويطوفُها في موكبٍ خَلاَّبِ
والأفْقُ يملأهُ الحَنانُ كأنَّهُ
قَلْبُ الوجودِ المنتجِ الوهَّابِ
والكونُ من طُهْرِ الحياةِ كأنّما
هو معبدٌ والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحرورُ يَرْقُصُ مُنشداً
للشَّمسِ فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادةِ والسَّلامِ ونفسهُ
سَكْرى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبال فغمَّه
ما فيه من مَرَحٍ وفيْضِ شبابِ
وانقضَّ مضْطَغِناً عليه كأنَّه
سَوْطُ القضاءِ ولعنةُ الأربابِ
بُغِتَ الشَّقيُّ فَصاح في هول القضا
متلفِّتاً للصَّائل المنْتابِ
وتَدَفَّق المسكينُ يصرخُ ثائراً
ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي
لا شيءَ إلاَّ أنَّني متغزّلٌ
بالكائناتِ مغرِّدٌ في غابي
ألْقى من الدّنيا حناناً طاهراً
وأبُثُّها نَجْوى المحبِّ الصَّابي
أيُعَدُّ هذا في الوجود جريمةً
أينَ العدالةُ يا رفاقَ شبابي
لا أين فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا
رأيُ القويِّ وفكرةُ الغَلاّبِ
وسَعادةُ الضَّعفاءِ جُرْمُ ما لهُ
عند القويِّ سوى أشدِّ عِقابِ
ولْتَشْهَدِ الدُّنيا التي غنَّيْتُها
حُلْمَ الشَّبابِ وروعةَ الإعجابِ
أنَّ السَّلامَ حَقيقةٌ مَكْذوبةٌ
والعَدْلَ فَلْسَفةُ اللّهيبِ الخابي
لا عَدْلَ إلاَّ إنْ تَعادَلتِ القوى
وتَصادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ
فَتَبَسَّمَ الثُّعبانُ بَسْمةَ هازئٍ
وأجابَ في سَمْتٍ وفَرْطِ كِذابِ
يا أَيُّها الغِرُّ المثرثرُ إنَّني
أرثي لثورةِ جَهْلكَ التلاّبِ
والغرُّ يعذره الحكيمُ إِذا طغى
جهلُ الصِّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبحْ عواطفكَ الجوامحَ إنّها
شَرَدَتْ بلُبِّكَ واستمعْ لخطابي
إنِّي إلهٌ طالما عَبَدَ الوَرَى
ظلِّي وخافوا لعنَتي وعقابي
وتقدّموا لي بالضَّحايا منهُمُ
فَرحينَ شأنَ العابدِ الأوّابِ
وسَعادةُ النَّفسِ التَّقيَّةِ أنّها
يوماً تكونُ ضحيَّةَ الأربابِ
فتصيرُ في روحِ الألوهةِ بضعةً
قُدُسِيَّةً خَلُصَتْ من الأوشابِ
أفَلا يَسُرُّكَ أن تكونَ ضحيَّتي
فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي
وتكونَ عزماً في دمي وتوهُّجاً
في ناظِريَّ وحدّةً في نابي
وتذوبَ في روحي التي لا تنتهي
وتصيرَ بعضَ ألوهتي وشَبابي
إنِّي أرَدْتُ لكَ الخلودَ مؤلّهاً
في روحيَ الباقي على الأحقابِ
فكِّرْ لِتُدْرِكَ ما أريدُ وإنَّه
أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي
فأجابه الشُّحرورُ في عُصَصِ الرَّدَى
والموتُ يخنقه إليكَ جوابي
لا رأي للحقِّ الضَّعيفِ ولا صدًى
والرّأيُ رأيُ القاهرِ الغلاّبِ
فافعلْ مشيئَتكَ التي قَدْ شئتَها
وارحمُ جلالكَ من سماعِ خطابي
وكذاك تُتَّخَذُ المظالمُ منطقاً
عذباً لتخفِيّ سَوْءةَ الآرابِ. [2]
في النهاية، يبقى أبو القاسم الشابي رمزًا خالدًا للشعر العربي الحديث، وأيقونة للنضال والأمل. برغم حياته القصيرة، ترك لنا إرثًا أدبيًا غنيًا بروحه الثائرة وحبه للحياة والحرية. قصائده ما زالت تلهم الأجيال وتجعلنا ندرك قوة الكلمة في تغيير العالم. سيظل الشابي حيًا في قلوب محبيه وكلماته صدى يتردد في سماء الأدب العربي على مر العصور.