أحمد بن طولون: مؤسس الدولة الطولونية في مصر

أحمد بن طولون اسم يتردد صداه في تاريخ مصر الإسلامية كواحد من أبرز الحكام الذين تركوا بصمة لا تمحى. لم يكن مجرد قائد عسكري بل كان مؤسس لدولة ومهندس لمرحلة جديدة من الحكم الذاتي في مصر فقصته ليست مجرد سيرة ذاتية بل هي حكاية طموح وقوة وعدالة ورحلة من الغربة إلى السلطة ومن الجندية إلى الحكم.
لماذا لا يصلي في مسجد أحمد بن طولون؟

يعتبر مسجد أحمد بن طولون. من أقدم وأشهر مساجد القاهرة وتحفة معمارية فريدة من نوعها ولكن يتردد سؤال غريب على ألسنة البعض. لماذا لا يصلي في مسجد أحمد بن طولون؟ هذا السؤال ينبع من اعتقاد خاطئ أو شائعة قديمة لا أساس لها من الصحة. فالحقيقة هي أن المسجد يستخدم للصلاة بشكل طبيعي ويستقبل المصلين من كل مكان خاصة في المناسبات الدينية والأعياد. فإن هذا السؤال الغريب يلقي الضوء على مدى انتشار الشائعات التي قد تؤثر على نظرة الناس للمعالم التاريخية.
لقد بنى أحمد بن طولون. مسجده الشهير عام 879م ليصبح منارة للعلم والعبادة. وليس مجرد مكان للصلاة وكان المسجد يضم دار للوضوء ومستشفى ومكتبة ويقال إن بن طولون أمر بأن يتم بناؤه على يد مهندس مسيحي بعد أن رفض المهندسون المسلمون بناءه بسبب شروطه الصعبة.
وقد أظهرت دراسة كتب عن مسجد أحمد بن طولون. أنه كان له دور اجتماعي وتعليمي كبير حيث كان يجتمع فيه العلماء والفقهاء والطلاب مما جعله مركز ثقافي وديني في عاصمة الدولة الطولونية فالمسجد يتميز بتصميمه الفريد الذي يتشابه إلى حد كبير مع مساجد سامراء في العراق وخاصة مئذنته الحلزونية المميزة التي يمكن الصعود إليها عبر درج خارجي. هذه المئذنة هي جزء من سحر المسجد وتجعله معلم لا ينسى وقد تم عمل الكثير من الترميمات في المسجد على مر العصور مما حافظ على رونقه وجماله ورغم ذلك لا يزال البعض يروج لشائعات غريبة مثل أن المسجد لا يستخدم للصلاة وهو أمر غير صحيح بالمرة.
فقد كان أحمد بن طولون حريص على أن يكون مسجده مكان للصلاة والعلم والخير ولا يزال هذا الهدف قائم حتى يومنا هذا فلا يوجد أي سبب يمنع الصلاة فيه بل هو أحد أهم المساجد التاريخية في مصر.[1]
تعرف أيضًا على: مصطفى كمال أتاتورك: مؤسس تركيا الحديثة
ما هو أصل أحمد بن طولون؟
نشأ أحمد بن طولون. في بيئة تركية في بغداد ولكنه ليس تركي الأصل بل هو من مدينة خوارزم وهي منطقة تقع في آسيا الوسطى وكان والده طولون مملوك تركي للخليفة العباسي المأمون. وقد أظهر طولون ولاء كبير للخليفة مما جعله يحصل علي مكانة عالية في البلاط العباسي. أما أحمد بن طولون فقد نشأ وتربى في بغداد وتلقى تعليم عالي في علوم الدين والأدب كما تعلم فنون الحرب والقيادة وهذا المزيج من النشأة العسكرية والتعليم الديني أثر بشكل كبير في شخصيته وجعله قائد فذ.
في عام 868م أرسل الخليفة العباسي أحمد بن طولون. ليحكم مصر في ذلك الوقت كانت مصر تعاني من الاضطرابات السياسية والاقتصادية. فكان أهل مصر يخضعون تحت حكم ولاة ضعاف ومرتزقة. مما جعلهم يعانون من الفقر والظلم. ولكن بمجرد وصول ابن طولون بدأت الأمور تتغير فقد عمل على إستقرار الأمن والنظام. وتأسيس جيش قوي من الموالين له وجمع ضرائب عادلة ورفض إرسال كل أموال الضرائب إلى الخليفة في بغداد مما أدى إلى زيادة ثروة مصر وتحسين أوضاع أهلها.
تعرف أيضًا على: يوليوس قيصر: القائد الروماني الأشهر
أحمد بن طولون مؤسس الدولة المستقلة وجهود التنمية
هذه الخطوات الجريئة جعلته حاكم محبوب لدى الشعب. فلقد اهتم بهم اهتمام كبير وعمل على إصلاح الزراعة وإقامة السدود وبناء المستشفيات والأسواق. وقد كان حرصه على توفير الحياة الكريمة للجميع هو سر نجاحه في تأسيس الدولة الطولونية. لقد كان أحمد بن طولون. يعلم أن استقلاله عن الخلافة العباسية. هو السبيل الوحيد لنهضة مصر. لذلك عمل على بناء جيش قوي وجمع ثروة كبيرة وضرب النقود باسمه وخطب له على المنابر. فكل هذه الخطوات كانت تمثل إعلان استقلال حتى وإن لم يصرح بذلك علناً.
هذا الطموح لم يأتي من فراغ بل كان نابع من إيمانه بقدرة مصر على أن تكون دولة قوية ومستقلة فقد كان أحمد بن طولون. يحلم بأن يجعل من مصر مركز حضاري ينافس بغداد والقسطنطينية. وقد نجح في ذلك إلى حد كبير ولهذا يعتبر الكثيرون أنه كان أول من أسس دولة مستقلة في مصر بعد العصر الفرعوني.[2]
تعرف أيضًا على: ابن أبي أصيبعة: طبيب ومؤرخ
من هو شيبان بن أحمد بن طولون؟
يصنف شيبان بن أحمد بن طولون أحد أبرز أحمد بن طولون الابناء. وهو الابن الأصغر الذي لم يكن من المتوقع أن يحكم ولكن بعد وفاة شقيقه خمارويه. ثم تولي حفيده شيبان الحكم تعرضت الدولة الطولونية لضعف كبير بسبب عدم خبرة الحكام والصراعات الداخلية. وقد كان شيبان حاكم ضعيف فلم يستطع السيطرة على الجيش ولا على أركان الدولة. مما مهد الطريق لعودة السيطرة العباسية على مصر فكانت فترة حكمه قصيرة جدًا ومليئة بالاضطرابات. مما أدى في النهاية إلى سقوط الدولة الطولونية.
ولكن لكي نفهم قصة شيبان يجب أن نعود إلى قصة والدته التي كانت من جواري أبيه أحمد بن طولون وتدعى “قسام” والتي كانت لها تأثير كبير على تربيته فكانت قسام امرأة قوية ومؤثرة ولكنها لم تستطع أن تصقل شخصية ابنها بالقدر الكافي ليواجه تحديات الحكم. وقد كان شيبان يمتلك بعض من طموح أبيه ولكنه افتقر إلى حنكته السياسية وقدرته العسكرية كما أن الأوضاع في الدولة الطولونية كانت قد تدهورت بشكل كبير بعد وفاة خمارويه مما جعل مهمته مستحيلة تقريبًا.
هذه المرحلة من التاريخ الطولوني تظهر مدى أهمية القائد القوي في استمرارية الدولة. فبعد وفاة أحمد بن طولون كان هناك صراع على السلطة بين أبنائه. مما أدى إلى ضعف الدولة وتسهيل مهمة الخليفة العباسي في استعادة السيطرة على مصر. وشيبان كان آخر حلقة في هذه السلسلة. فقد كان حاكم رمزي لم يستطع أن يقاوم الزحف العباسي بل استسلم دون قتال. مما أنهى حكم الدولة الطولونية بشكل نهائي ويعتقد أن أحمد بن طولون والسيدة نفيسة كانت بينهما علاقة احترام وتقدير حيث كانت السيدة نفيسة من كبار الصالحين. في مصر وكان بن طولون يحترمها ويقدرها مما يعكس الجانب الديني في شخصيته.
تعرف أيضًا على: ملك مقدونيا الإسكندر الأكبر القائد الذي غزا العالم
من قضى على الدولة الطولونية؟
تعد قصة سقوط الدولة الطولونية من القصص التي تحمل في داخلها دروس في السياسة والحكم. فقد كانت نهايتها سريعة وغير متوقعة بعد أن كانت دولة قوية ومستقلة أما عن سؤال “من قضى على الدولة الطولونية؟” فالإجابة هي الخليفة العباسي المكتفي بالله ففي عام 905م. فقد أرسل المكتفي بالله جيش بقيادة محمد بن سليمان الكاتب ليعيد مصر إلى السيطرة العباسية. وكان جيش الخليفة قوي ومجهز تجهيز جيد بينما كانت الدولة الطولونية تعاني من صراعات داخلية وضعف في القيادة بعد وفاة أحمد بن طولون.
تعرف أيضًا على: شارلمان: إمبراطور أوروبا ومؤسس الإمبراطورية الكارولنجية
وكانت أسباب سقوط الدولة الطولونية متعددة و أبرزها
- الضعف بعد وفاة المؤسس: بمجرد وفاة أحمد بن طولون بدأ الضعف يتسرب إلى أركان الدولة فقد كان بن طولون هو عمودها الفقري وبموته لم يستطع خلفاؤه أن يحافظوا على نفس القوة والهيبة.
- الصراعات الداخلية: كانت هناك صراعات على السلطة بين أحمد بن طولون الابناء وقادة الجيش مما أضعف الجبهة الداخلية وجعلها فريسة سهلة للجيش العباسي.
- التبذير والفساد: بعد وفاة أحمد بن طولون بدأ خلفاؤه في التبذير والإسراف مما أدى إلى استنزاف ثروة الدولة وظهور الفساد وهو ما كان يتعارض تمامًا مع سياسة بن طولون.
- الجيش الطولوني: لم يكن الجيش الطولوني قوي بما يكفي ليواجه الجيش العباسي خاصة بعد أن غادره الكثير من القادة الأكفاء وظهرت الخيانة في صفوفه.
لقد دخل الجيش العباسي مصر دون مقاومة. تذكر واستسلم شيبان بن أحمد بن طولون مما أنهى حكم الدولة الطولونية وأعاد مصر إلى السيطرة العباسية. و هذه النهاية المفاجئة تظهر أن بناء الدولة ليس بالأمر الصعب. ولكن الحفاظ عليها هو الأصعب وهذا ما لم يستطع خلفاء أحمد بن طولون تحقيقه.
تعرف أيضًا على: جريزمان مع منتخب فرنسا: يورو 2016 وكأس العالم
في الختام تبقى قصة أحمد بن طولون. قصة قائد عظيم حلم ببناء دولة وحقق حلمه بذكائه وقوته فقد كانت حياته نموذج للعمل الدؤوب والإصلاح والاهتمام بالرعية. ورغم أن دولته لم تدم طويلاً بعد وفاته فإن إرثه لا يزال حاضر في مصر في مسجده العظيم. وفي قصص عدله وحكمته إنه أحمد بن طولون. مؤسس الدولة الطولونية الذي سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ كواحد من أبرز حكام مصر.
المراجع
- vanillatravels Ibn Tulun Mosque: An Ultimate Local’s Guide -بتصرف
- britannica Aḥmad ibn Ṭūlūn -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

ابن القيم الجوزية: تلميذ ابن تيمية

فون نيومان: عالم الرياضيات الذي أسس الحوسبة الحديثة...

جان دارك: العذراء المحاربة التي غيرت تاريخ فرنسا

جريزمان مع منتخب فرنسا: يورو 2016 وكأس العالم

سيرجي برين: مؤسس جوجل والرائد الذي ساهم في...

الأديبة اللبنانية مي زيادة

لايبنتز: الفيلسوف والعالم الذي أسس حساب التفاضل والتكامل...

آلان تورنغ: عبقري الرياضيات الذي أسس علم الحاسوب...

فرانسوا هولاند: رئيس فرنسا

فاسكو دا جاما المستكشف البرتغالي الذي وجد طريقًا...

رينيه ديكارت: فيلسوف وعالم رياضيات

توماس هوبز: فيلسوف العقد الاجتماعي ومفهوم الدولة القوية

ثيودوسيوس: الإمبراطور الروماني الذي جعل المسيحية الدين الرسمي...

توما الأكويني: مساهماته في الفلسفة واللاهوت
