ماهي اطول كلمة في القران الكريم؟ دراسة لغوية وبلاغية

يعدّ القرآن الكريم من أعظم النصوص التي عرفها التاريخ، فهو مصدر الهداية والتشريع، وفي الوقت نفسه يمثل قمة البلاغة والإعجاز اللغوي. ومن بين الجوانب التي تثير فضول الباحثين والمتخصصين في علوم اللغة والقرآن مسألة أطول كلمة في القرآن الكريم، فهي ليست مجرد تركيب لغوي مميز. بل تحمل في داخلها معاني متعددة وتجسّد قدرة اللغة العربية على التعبير الدقيق والواسع في آن واحد. وعند التأمل في هذه الكلمة نجد أنها تحمل أسرارًا لغوية وبلاغية وتفسيرية تستحق البحث والدراسة. وفي هذا المقال سوف نستعرض أربعة محاور رئيسية تشمل التعريف بالكلمة ومعناها، ثم تحليل جذورها اللغوية، ودراسة دلالاتها التفسيرية، وأخيرًا إبراز أبعادها البلاغية والإعجازية.
التعريف بأطول كلمة في القرآن الكريم ومعناها

الكلمة الأطول في القرآن الكريم هي: فأسقيناكموه، وقد وردت في سورة الحجر الآية (22) في قوله تعالى: «فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكموه وَمَا أَنتمْ لَه بِخَازِنِينَ». وتتكون الكلمة من أحد عشر حرفًا متصلة، لتصبح أطول كلمة في القرآن الكريم التي جمعت أكثر من معنى في تركيب واحد موجز.
المعنى والدلالة
تحمل الكلمة معنى الإمداد بالماء من قِبل الله تعالى إلى عباده، أي أن الله هو الذي أنزل المطر من السماء ثم جعله متاحًا للشرب والانتفاع به. إذن نحن أمام تركيب لفظي واحد يلخص مراحل متتابعة تبدأ بالإنزال ثم الإيصال وصولًا إلى الاستفادة المباشرة.
البعد اللغوي
الكلمة لم تستخدم عبثًا. بل جاءت لتعكس صورة متكاملة عن الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم، حيث يظهر كيف أن لفظًا واحدًا قادر على جمع سلسلة من الأفعال والمعاني التي كان من الممكن أن تفصّل في عدة جمل مستقلة، لكن القرآن اختصرها في صيغة بليغة واحدة.[1]
تعرف أيضًا على: طريقة سجود الشكر: أحكامها وأوقاتها المستحبة
الجذور اللغوية للكلمة في اللغة العربية
يرجع أصل الكلمة إلى الفعل الثلاثي “سقى” الذي يعني منح الماء أو إيصاله للغير. هذا الجذر البسيط شكّل قاعدة لغوية خصبة، حيث تفرعت منه اشتقاقات عديدة مثل “سقيا” التي تعبر عن الفعل نفسه بصيغة المصدر، و”ساقٍ” الذي يدل على الفاعل المسؤول عن إيصال الماء، و”مسقى” الذي يشير إلى المكان الذي يتم فيه السقي. وعندما ورد النص القرآني بصياغة فريدة ومركبة، أضاف عناصر صرفية متراكبة لتتشكل صيغة **أطول كلمة في القرآن الكريم** وهي “فأسقيناكموه”، مما يعكس القدرة المدهشة للعربية في دمج الأصوات والمعاني في لفظ واحد جامع.
تحليل البنية الصرفية
البادئة “فـ” جاءت لتدل على التتابع والسببية. حيث تشير إلى أن ما قبلها كان سببًا لما بعدها. ثم جاء الفعل “أسقينا” الذي يعبر عن قيام الله سبحانه وتعالى بالفعل نفسه، مؤكداً أن الفاعل هو الخالق المتفرد بقدرة الإمداد. أما الضمير “كم” فهو للمخاطبين جمعاً، أي البشر الذين أنعم الله عليهم بالماء، بينما يعود الضمير “الهاء” على الماء ذاته الذي يمثل جوهر العطاء. وبهذا، نجد أن الكلمة جمعت في بنيتها أبعاداً صرفية متداخلة تعبر عن الفعل والفاعل والمفعول والمخاطب في وقت واحد، مما يجعلها نموذجاً فريداً على التركيب اللغوي المركب.
الدلالة اللغوية الواسعة
إن مثل هذا التركيب يُظهر مرونة اللغة العربية وقدرتها الهائلة على الاشتقاق والتوليد والدمج في لفظة واحدة. فهي لغة لا تحتاج إلى جمل مطولة كي تنقل معنى عميقاً. بل يكفي أن تُصاغ كلمة واحدة لتجمع بين الدلالات المتعددة. ومن هنا تتضح عظمة التعبير القرآني، إذ إن تراكيب الألفاظ فيه تكشف عن عمق العربية وتجعل النص معجزاً من الناحية اللغوية. حيث لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذا الإحكام.
معاني العطاء والاستمرارية والبعد العقائدي
الكلمة لا تقف عند بعدها اللغوي فقط. بل تشير إلى أن عطاء الله تعالى مستمر ومتجدد، كما أن نزول المطر عملية متكررة تضمن استمرار الحياة. وقد أكد المفسرون أن هذه النعمة ليست مجرد منفعة حسية. بل هي تذكير دائم بضرورة شكر المنعم والاعتراف بفضله. ومن هذا المنطلق، يتضح أن الكلمة تحمل في بنيتها بعداً عقائدياً وروحياً عميقاً يربط بين عالم المادة وعالم الإيمان، ويكشف عن إعجاز الكلمات القرآنية في الجمع بين الدلالات اللغوية والتربوية والإيمانية في آن واحد.
تعرف أيضًا على: طريق الجنة: المنهج النبوي نحو الفردوس الأعلى
دلالات الكلمة في التفسير القرآني
يرى الإمام الطبري عند تناوله كلمةأطول كلمة في القرآن الكريم وهي “فأسقيناكموه” أنها تجسيد مباشر لنعمة الله العظمى المتمثلة في الماء. فالطبري يؤكد أن الله يذكّر عباده بفضله، إذ جعل لهم الماء الذي تنبثق منه الحياة كلها. ويشير إلى أن هذا الإمداد ليس مجرد عطية مادية. بل هو مظهر من مظاهر دوام رحمة الله بالإنسان. حيث تتجدد النعمة باستمرار كما تتجدد دورة الماء في الأرض.
رأي القرطبي
أما الإمام القرطبي فقد نظر إلى الكلمة من زاوية بلاغية وروحية، مبينًا أن طولها يعكس وفرة العطاء الإلهي وتوالي النعم بلا انقطاع. وقد لفت النظر إلى أن تركيب الحروف الطويلة يوحي بالاستمرارية والامتداد، في حين أن المعنى الذي تحمله الكلمة يربط بين بقاء الإنسان على قيد الحياة وبين عظمة رحمة الله. كما يرى القرطبي أن اختيار هذه الصيغة تحديدًا يوجّه القارئ إلى التأمل في كيفية اجتماع المعاني الكبرى في لفظ واحد.
رأي ابن كثير
بينما تناول ابن كثير الكلمة من زاوية رمزية. حيث رأى أن الماء الذي أشير إليه ليس مجرد نعمة حسية تُسقى بها الأرض. بل رمز للهداية التي يفيض بها الله على قلوب عباده. فكما لا تستمر حياة الجسد إلا بالماء، لا تستمر حياة القلب إلا بالإيمان. ومن ثم فإن ابن كثير يرى أن الكلمة تحمل دلالتين متكاملتين: الأولى حسية مرتبطة ببقاء الحياة، والثانية روحية مرتبطة بنقاء الفطرة وهداية القلوب، وهذا يبين عمق التعبير القرآني وإعجازه.[2]
تعرف أيضًا على: كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر: التكافل والصدقة والزكاة
الأبعاد البلاغية والإعجاز في طول الكلمة
إن طول الكلمة لا يعتبر مجرد صدفة أو تزيين. بل هو وسيلة بلاغية تهدف إلى جمع المعاني في تركيب واحد مكثف. فالكلمة “فأسقيناكموه” أطول كلمة في القرآن الكريم ، مثال حي على أن الطول في الألفاظ القرآنية مرتبط بالعمق والثراء الدلالي.
الموسيقى اللفظية
عند النطق بالكلمة نشعر بإيقاع مميز. حيث تتوالى المقاطع الصوتية بطريقة متناغمة، وهذا يظهر جانبًا من البلاغة في القرآن الكريم. حيث لا يقتصر الإعجاز على المعنى بل يشمل أيضًا الإيقاع والنغمة.
الجمع بين الإيجاز والبيان
رغم أن الكلمة طويلة نسبيًا، إلا أنها تحقق الإيجاز لأنها تختصر سلسلة من الأفعال والمعاني في لفظ واحد. وهذا الجمع بين الطول من جهة والإيجاز من جهة أخرى يعتبر من أعجب أسرار البلاغة القرآنية.
تعرف أيضًا على: كيف يرضى الله عني: خطوات التقرب والطاعة بإخلاص
في الختام: ومن خلال هذا العرض التفصيلي، يتضح لنا أن دراسة أطول كلمة في القرآن الكريم تكشف عن أبعاد متعددة، فهي ليست مجرد لفظ طويل. بل بناء لغوي وبلاغي متكامل يعكس عظمة العربية وإعجاز النص القرآني. فالكلمة تحمل في داخلها معاني العطاء والاستمرارية، وتبرز دقة تراكيب الألفاظ القرآنية، وتكشف عن الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم. وتؤكد على عمق البلاغة في القرآن الكريم. إن إدراك هذه الأبعاد يظهر كيف أن كل كلمة في القرآن الكريم. وضعت بحكمة متناهية، وأن النص القرآني في كل جزئية منه يمثل معجزة خالدة تتحدى العقول وتبهر القلوب.
المراجع
- Human appeal Virtues of Reading the Qur'an (بتصرف)
- Arabic for nerdsExploring The Longest Word In The Qur'an (بتصرف)
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

ما هي فوائد سورة البقرة؟

ادعية قبل المذاكرة

هل يجوز قراءة القرآن بدون حجاب؟

أحكام شرعية للتعريف والتطبيق

أحكام الوصية

أمثلة على القلقلة الصغرى

أسماء زوجات الرسول

الحكمة من تحريم الربا

أين يوجد مجمع البحرين

بحث عن سجود السهو

دليل كامل في الوضوء الصحيح

استخراج أحكام التجويد في سورة الملك

أحكام التجويد في سورة الإنسان

حكم الصلاة بطلاء الأظافر
