أقوال العقاد في الفكر والثقافة

إن الغوص في أقوال العقاد في الفكر والثقافة هو رحلة في عقلية ترفض السطحية وتدعو إلى النقد والتنوير المستمر. لقد آمن العقاد بأن الثقافة هي محرك الحضارة. وأن دور المثقف ليس ترف بل واجب وطني وإنساني. أعماله التي امتدت لتشمل الأدب، النقد، الفلسفة، والسير الذاتية. جعلته رمز لجيل كامل من المفكرين المستنيرين. فيعد عباس محمود العقاد ظاهرة أدبية وفكرية لا تتكرر في التاريخ العربي الحديث. فهو لم يكن مجرد كاتب أو صحفي. بل كان موسوعة ثقافية متكاملة تتجلى حكمته في كل موضوع يطرقه.
رؤية العقاد لدور المثقف
كانت رؤية العقاد لدور المثقف رؤية شمولية وطليعية. فهو لم يرَ المثقف مجرد ناقل أو حافظ للمعلومات، بينما رآه قائدًا للفكر وصاحب رسالة نقدية. آمن العقاد بأن وظيفة المثقف الأساسية هي إيقاظ الوعي، ومقارعة الجمود وتحدي الأفكار السائدة التي تعيق التقدم. وقد جسدت هذه الرؤية عمله الصحفي والأدبي، حيث كان لا يخشى الخوض في أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا، سواء كانت سياسية، دينية، أو اجتماعية. علاوة على ذلك، ركز العقاد على مفهوم “الأنا” أو الذات الحرة كمنطلق للإبداع والتفكير المستقل. فالمثقف الحقيقي هو الذي يتجاوز التقليد الأعمى ويؤسس رؤيته الخاصة للعالم. وقد تجسد هذا المبدأ في مواقفه الشخصية وحياته التي قضاها بعيدًا عن الوظائف الحكومية أو القيود التقليدية، مكرسًا نفسه للقراءة والكتابة الحرة. هذا الالتزام بالاستقلالية هو أساس أقوال العقاد في الفكر والثقافة.
وقد كان دور العقاد في مدرسة عباس محمود العقاد الأدبية (مدرسة الديوان مع المازني وشكري) يعكس هذه الرؤية الثورية. حيث نادى بتحرير الشعر من القيود الشكلية القديمة والدعوة إلى الوحدة العضوية والصدق التعبيري في الأدب. كانوا يؤمنون بأن الأدب يجب أن يعبر عن وجدان الشاعر بدل من تقليد النماذج الكلاسيكية. هذه الحركة التجديدية أثرت بعمق على الأدب العربي الحديث وكرست دوره كمحرك للتغيير الفكري.[1]
تعرف أيضًا على: أقوال عباس محمود العقاد – فلسفة العقل وعبقرية الكلمة في اقتباسات خالدة

حكمه عن الحرية والتنوير
تعد الحرية هي القيمة العليا في فلسفة العقاد. وهي المحور الذي تدور حوله كل أقوال العقاد في الفكر والثقافة. كان يرى أن التنوير الفكري لا يمكن أن يتم دون حرية في التعبير والاعتقاد. وأن استعباد الفكر هو أسوأ أنواع الاستعباد. وقد دفع العقاد ثمن هذا الإيمان عندما سجن لفترة بسبب آرائه السياسية التي اعتبرت معارضة للحكم آنذاك. لكن هذا السجن زاد من قناعته بأن الكلمة الحرة أقوى من السيف. و كان العقاد يرى أن الاستبداد السياسي والإرهاب الفكري وجهان لعملة واحدة. وكلاهما يعيق تقدم الأمة. لذلك، كانت كتاباته دفاع مستمر عن حقوق الأفراد في التعبير. وفي امتلاك المعرفة، وفي الحكم على الأمور بعقولهم لا بتقليد السلف أو السلطة. وقد انعكس هذا الموقف في تحليلاته التاريخية والسيرية. خاصة في سلسلة “العبقريات” التي كتبها عن شخصيات إسلامية عظيمة. حيث كان يركز على الجوانب الإنسانية وقوة العقل في هذه الشخصيات.
هذا المنهج العقلاني في التفكير يمثل خلاصة فلسفة العقاد، بينما هي فلسفة تقوم على الشك المنهجي والتحليل النقدي. إنه يدعو القارئ إلى ألا يقبل المعلومة على علاتها، بل أن يستخدم عقله لفحصها ونقدها. علاوة على ذلك، هذه الدعوة إلى التفكير المستقل هي جوهر التنوير الذي سعى العقاد لنشره في العالم العربي .[2]
تعرف أيضًا على: أقوال إحسان عبد القدوس – أدب العقل والقلب في مواجهة الواقع
اقتباسات عن القراءة والمعرفة
لقد كانت القراءة والمعرفة هي الملاذ والسلاح الأقوى في حياة العقاد. فهو لم يتلق تعليم نظامي عالي. ولكنه عوض ذلك بجهد ذاتي لا نظير له. حتى أصبح “أكبر مثقف عصامي”. كان يرى أن المكتبة هي الجامعة الحقيقية للإنسان. وقد كرس حياته للقراءة والكتابة، مؤمن بأن المعرفة هي مفتاح التحرر. هذا الإيمان هو الذي جعل أقوال العقاد في الفكر والثقافة مركزة بشدة على قيمة الكتاب. فكان العقاد يرى القراءة عملية تفاعلية وليست مجرد استهلاك للمعلومات. فهي تجربة روحية وعقلية تغني الذات وتوسع آفاقها. وهذا يتجسد في قوله: “أهوى القراءة لأن لي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة هي التي تعوضني عن ذلك”. هذا الاقتباس يوضح أن القراءة بالنسبة له كانت وسيلة للعيش المتعدد والتجربة الموسعة. ومن أبرز حكمه التي لخصت رؤيته للكتاب والقراءة والمعرفة:

قيمة الكتاب
قال: “الكتاب هو المعلم الذي يعلم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب، بلا ثياب ولا مال. إن ذهبت إليه لم ينم، وإن أتيته لم يختفي”.
المعرفة والحرية
رأى أن المعرفة هي أساس الحرية. وأن الإنسان الجاهل هو إنسان مستعبد حتى لو ظن أنه حر. وهذا ما يتوافق مع حكمه في الحرية والتنوير.
الاقتباس والحب
رغم شهرته بتحليلاته الفكرية. إلا أن اقتباسات العقاد عن الحب تظهر لمحات من إنسانيته وعاطفته. فقد كان الحب بالنسبة له تجربة فكرية ووجدانية عميقة. تساهم في إثراء التجربة الإنسانية. ويرى أن الحب الحقيقي هو الذي يضيف قيمة للذات.
القراءة كاختيار
أكد على أن القراءة يجب أن تكون اختيار نابع من الوجدان وليس واجب مفروض. لكي يتحقق الاستمتاع الحقيقي والاستفادة العميقة.
البحث عن الحقيقة
كان يرى أن الهدف الأسمى من القراءة هو البحث عن الحقيقة. حتى لو كانت هذه الحقيقة صادمة ومختلفة عن المألوف.
تعرف أيضًا على: أقوال نجيب محفوظ حكمة الأديب ورؤية الفيلسوف في سطور خالدة
حياته بين الصحافة والأدب
عاش العقاد حياة كاملة ومتعددة الجوانب. بينما تنوعت مسيرته بين الصحافة التي كانت منصته اليومية للتأثير، والأدب الذي كان ميدانه لترسيخ الأفكار العميقة. بدأت رحلة العقاد عبر صفحات الصحف والمجلات، حيث عمل في العديد منها وكان قلمه لا يهدأ، معبرًا عن آرائه النقدية والسياسية بجرأة نادرة. علاوة على ذلك، كانت الصحافة هي الوسيلة التي أتاحت له تطبيق حكمه المتعلقة بالتنوير ومقارعة الأفكار الهدامة بشكل يومي ومباشر. وقد استخدم مقالاته ليس فقط لنقل الأخبار، بل لتحليل الظواهر الثقافية، وتقييم الأعمال الأدبية، والمساهمة في تشكيل الوعي العام. هذا التداخل بين الصحافة والأدب هو ما ميّز مسيرته المهنية.
أما الجانب الأدبي فقد تجلى في أعماله الكبرى. مثل “العبقريات” ودراساته النقدية، ورواياته القليلة. كتاب العقاد لا يشمل فقط كتبه الشهيرة عن الفلسفة والدين (مثل “الله” و”المرأة في حياة الرسول”). بل يشمل أيضاً مئات المقالات والأعمال المجمعة التي تعد ذخيرة حقيقية. هذا الإنتاج الضخم هو ما جعل أقوال العقاد في الفكر والثقافة ترسم ملامح عصره وتؤثر في الأجيال اللاحقة.
أثره في الفكر العربي
يعد أثر العقاد في الفكر العربي أثرًا تأسيسيًا لا يمكن تجاهله، فقد أسهم في نقل الفكر العربي من مرحلة التقليد إلى مرحلة النقد والتحليل العميق. من أهم إسهاماته هو ترسيخ المنهج العقلاني في التعامل مع النصوص الدينية والتاريخية، والدعوة إلى التجديد الفكري بعيدًا عن الجمود. علاوة على ذلك، فقد كان العقاد جسرًا يربط بين الثقافة الغربية، التي كان يجيد لغتها ويطلع على آدابها وفلسفتها، بينما حافظ على هويته الثقافية العربية والإسلامية. قام بترجمة وتلخيص العديد من الأفكار الغربية، مع تكييفها وتحليلها في سياق عربي مما ساهم في إثراء الحوار الفكري. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة هو ما يميز فلسفة العقاد ويضمن استمرار تأثيره.
كما أن آراءه في الفكر والسياسة قد شكلت وعي أجيال من المثقفين. علاوة على ذلك، فإن الجرأة في النقد والالتزام بالحرية كقيمة مطلقة أصبحت من السمات المميزة لـ أقوال العقاد في الفكر والثقافة التي تبناها تلاميذه ومحبوه. بينما يُعد إرثه ليس مجرد كتب، بل هو مدرسة فكرية كاملة تدعو إلى التنوير والتحرر العقلي.

تعرف أيضًا على: حكم توفيق الحكيم عن المسرح والثقافة
وفي الختام تعد أقوال العقاد في الفكر والثقافة إرث لا يفنى. وهي خلاصة لعقلية موسوعية كرست حياتها للبحث عن الحقيقة والحرية. لقد أثبت العقاد أن الفكر والثقافة هما القوة الحقيقية التي تحرك الأمم. وأن المثقف هو ضمير المجتمع وسلاحه الأقوى في مواجهة الجمود والاستبداد.
أسئلة شائعة:
س: ما هو الدور الذي لعبته مدرسة عباس محمود العقاد (الديوان) في الأدب العربي؟
ج: لعبت مدرسة الديوان دور ثوري في تحرير الشعر العربي من قيود الوزن والقافية الصارمة. والدعوة إلى الوحدة العضوية في القصيدة. والصدق في التعبير عن الوجدان الذاتي بدل من التقليد الكلاسيكي.
س: ما هي أهمية كتاب العقاد “العبقريات”؟
ج: تعد سلسلة “العبقريات” من أهم أعماله. حيث قدم فيها تحليل نفسي وعقلي لشخصيات تاريخية عظيمة مثل محمد وعمر وعلي والمسيح. مبرز العبقرية الإنسانية فيهم بأسلوب نقدي ومختلف عن السرد التاريخي التقليدي.
س: ما هي الفكرة الأساسية في اقتباسات العقاد عن الحب؟
ج: كان العقاد يرى الحب تجربة عميقة ومركبة. غالباً ما كانت تسبب له الألم. الفكرة الأساسية هي أن الحب الحقيقي هو الذي ينمي الذات ويفتح آفاق جديدة للتفكير. ويربطه بالوعي والذكاء
المراجع
- SpringerWhen a Coterie Becomes a Generation: Intellectual Sociability and the Narrative of Generational Change in Sayyid Qutb’s Egypt بتصرف
- ScribdAbbas Al Akkad-The Arabs Impact On European Civilisation بتصرف























