أم سلمة: صاحبة الرأي الحكيم وأم المؤمنين الصابرة

في تاريخ الإسلام، لمع نجم نساء كان لهن أثر بالغ في نشر الدعوة. وتثبيت أركان الدين، ومن بينهنّ تبرز شخصية أم سلمة. أم المؤمنين، المرأة الحكيمة الصبورة. التي عرفت بفضلها ورجاحة عقلها، وكانت سندًا لرسول الله في أشد المواقف. لم تكن مجرد زوجة نبي. بل كانت نموذجًا للمرأة المسلمة المثقفة والواعية. التي جمعت بين الجمال والحكمة. وبين الحياء والجرأة في الحق. تابع القراءة لتتعرف على حياتها، وصفاتها. وأثرها الخالد في سيرة الإسلام.

كم عمر أم سلمة عند زواجها من الرسول؟

كانت أم سلمة في نحو الثلاثين من عمرها حين تزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك بعد وفاة زوجها الصحابي الجليل أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد. الذي كان من السابقين إلى الإسلام ومن المجاهدين الأوائل. لم يكن زواج النبي بها فقط لعاطفة أو إعجاب. بل كان تقديرًا لصبرها، وحرصًا على أولادها. ووفاءً لبيتٍ قدّم الكثير في سبيل الدعوة.

كانت أرملةً مكلومة، أمًا لأيتام. ولكنها امرأة حكيمة رزينة. تملك عقلًا راجحًا ولسانًا عفًّا وقلبًا مطمئنًا. وقد جاء سبب زواج الرسول من أم سلمة ليكون تعويضًا إلهيًا لها بعد أن قدّمت كل ما تملك لله. فكان زواجها من النبي تكريمًا لمسيرتها. وفتحًا لباب الخير لها ولذريتها.

وقد كان لزواجها أثر بالغ في بيت النبوة. إذ عرفت برأيها السديد. ومشاركتها في مواقف مفصلية. كما في صلح الحديبية. حين أشار النبي على أصحابه بأمر فلم يستجيبوا. فدخل على أم سلمة شاكيًا. فأشارت عليه بخطة عملية أنقذت الموقف. فابتسم النبي، وامتثل لرأيها، فامتثل الناس.

بهذا، يتبين أن زواج النبي بها لم يكن مجرد ارتباط. بل كان استثمارًا في حكمة امرأة عظيمة. أسهمت في صناعة القرار النبوي بروح ثابتة وعقل متّزن. [1]

تعرف أيضًا على: الإمام البخاري: أمير المحدثين وصاحب “الجامع الصحيح”

ما سبب زواج الرسول من أم سلمة؟

كان سبب زواج الرسول من أم سلمة يتجاوز البعد الشخصي، ويعكس أبعادًا إنسانية ونبوية عميقة. بعد وفاة زوجها المجاهد أبو سلمة، وجدت نفسها أرملةً بأولاد صغار، وحيدة في مجتمعٍ كانت المرأة فيه تحتاج إلى حماية ورعاية.

ومع أن الخطّاب توافدوا إليها، فإنها ترددت، حتى أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم يخطبها، فتعجبت وقالت: “يا رسول الله، إني امرأة كبيرة، ومصْبِيَة (أي عندي أولاد)، وغيور”.

لكن النبي الكريم أجابها بلطف: “أما قولك كبيرة، فأنا أكبر منك، وأما قولك غيورة، فأسأل الله أن يذهب غيرتك، وأما قولك ذات أولاد، فإلى الله ورسوله أولادك”. فاطمأن قلبها وقبلت الزواج، ليكون عقدًا لا على حبّ فقط، بل على فهم وتقدير.

زواجه منها جاء تكريمًا لثباتها وصبرها، فهي من أوائل من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وتحمّلت الكثير من المشاق في سبيل الإسلام. كما أن قصة أم سلمة مع الرسول تظهر عمق التفاهم بينهما؛ فقد كانت من أكثر نسائه رجاحةً في العقل، وأقربهن إليه مشورةً.

وقد ترك هذا الزواج أثرًا عظيمًا، إذ كانت أم سلمة من أكثر أمهات المؤمنين نقلًا للحديث، ومن أفقه النساء، وكان لها حضور فاعل في حياة النبي وبعد وفاته، مما يجعل زواجها نموذجًا للزواج الذي يتأسس على العقل، والرحمة، والمشاركة في رسالة أكبر من الذات. [2]

تعرف أيضًا على:أهم الشخصيات التاريخية المصرية

ماذا قال الرسول عن أم سلمة؟

كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلّ أم سلمة ويقدّرها حق التقدير، لما عرف عنها من حكمة واتزان، وحسن مشورة، وحرص على الدين. وقد ورد في بعض الروايات أن النبي كان يذكرها بمدح ظاهر، ويصفها بأنها من أفقه نسائه وأعقلهنّ، حتى أن بعض الصحابة كانوا يرجعون إليها في الفقه والمشورة بعد وفاته.

في صلح الحديبية، حين تردّد الصحابة في تنفيذ أمر النبي، دخل مغتمًّا على أم سلمة، فاستمع لنصيحتها، ونفذ ما قالت، فكان في رأيها الخير للأمة كلها.

ومن هنا، تبيّن فضائل أم سلمة التي لم تقتصر على كونها زوجة نبي، بل امتدت لتكون صاحبة رأي يغيّر مواقف مصيرية.

وقد عرفت أيضًا بجمالها، وكان من المأثور أن النبي أحبّها حبًا خاصًا، فكان يراعي غيرتها، ويخصها بكلام يطمئن قلبها. وقد ذكر عن جمال أم سلمة أنها كانت من أجمل نساء قريش، وقد عرفت بحسن الهيئة والوجه، ومع ذلك كانت متواضعة، زاهدة، لا تفتنها المظاهر، بل تعلِّي شأن العقل والدين.

ومن أبرز أقوال النبي عنها أنه قال: “إنها من نساء الجنة”، وهذا شرف لا يضاهى. فمكانتها في قلب النبي، وفي الإسلام، نابعة من كونها امرأة كاملة الصفات، جمعت بين الدين، والحكمة، والجمال، والوفاء، فاستحقت الذكر الطيب إلى يوم الدين.

تعرف أيضًا على:أهم الشخصيات التاريخية الإسلامية

هل أم سلمة زوجة الرسول؟

نعم، كانت أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من أمهات المؤمنين، وقد تميّزت بمكانة كبيرة في قلب النبي وبين نسائه، وكانت آخر من توفي من زوجاته رضي الله عنهن جميعًا. زواج النبي بها لم يكن فقط رباطًا عاطفيًا، بل كان أيضًا رباطًا رساليًا، شاركته فيه بالصبر والثبات والرأي السديد.

وعندما نتأمل صفات أم سلمة، ندرك لماذا اختارها النبي لتكون ضمن نسائه، فقد جمعت بين خصال نادرة جعلتها نموذجًا فريدًا للمرأة المسلمة، ومن أبرز هذه الصفات:

• الحكمة والحنكة: عرفت برجاحة العقل وسداد المشورة.
• الثبات والصبر: تحمّلت فقد الزوج والغربة والمحن دون تذمر.
• الغيرة المعتدلة: كانت تغار ولكنها كانت تضبط مشاعرها بإيمان.
• الذكاء والفهم: كانت تفهم السياقات والمواقف وتتصرف بحكمة.
• البلاغة والفصاحة: نقل عنها الكثير من الأحاديث والكلمات البليغة.
• الإخلاص والوفاء: بقيت وفية لرسالة النبي حتى بعد وفاته.

كل هذه الصفات جعلت من أم سلمة مثالًا يحتذى، فهي ليست مجرد زوجة نبي، بل شريكة في بناء الوعي الإسلامي، وقدوة في السلوك، ومنبرًا في الفقه والرأي.

تعرف أيضًا على:رواد المسرح العربي: أشهر الشخصيات ومؤسسو المسرح في مصر والعالم العربي

وفي الختام، يمكننا القول أن أم سلمة قد كانت امرأةً استثنائية في زمن استثنائي، جمعت بين الحكمة والجمال، وبين الصبر والإيمان، فصارت واحدة من أبرز أمهات المؤمنين أثرًا وسيرة. كانت حياتها مليئة بالمواقف التي تكشف عن شخصية قوية، ووعي ديني عميق، وقدرة على اتخاذ القرار في أصعب الظروف. لم يكن اختيار النبي لها زوجةً عبثًا، بل لحكمة أراد الله أن يخلّد من خلالها نموذجًا راقيًا للمرأة المسلمة. من قصة زواجها، إلى مشورتها في الحديبية، إلى ما رواه عنها الصحابة من أحاديث، يتضح أن أم سلمة لم تكن مجرد زوجة نبي، بل ركنًا من أركان بيت النبوة، وصوتًا عاقلًا مؤثرًا في مسار الدعوة. سيرة مثل هذه لا يجب أن تقرأ فقط، بل تتأمل وتستفاد منها في كل زمان.

• questionsonislamThe Prophet's marriage to Hazrat Umm Salama -بتصرف
• tulayhahThe Marriage of Umm Salamah to the Prophet (ﷺ) | Tulayhah -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم