أنجيلا ميركل: السيدة الحديدية التي قادت ألمانيا لسنوات

في وسط عالم يموج بالتغيرات والأزمات، برزت شخصية امرأة استطاعت أن تفرض حضورها بهدوئها وثباتها. لتصبح رمزًا للقوة والعقلانية. إنها أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية التي كسرت الحواجز وصنعت تاريخًا جديدًا لبلادها ولأوروبا بأكملها. لم تصل ميركل إلى القمة بالصدفة. بل جمعت بين عقل علمي دقيق وروح قيادية تعرف متى تتخذ القرار ومتى تتحلى بالصبر. في هذا المقال، نقترب أكثر من مسيرة هذه المرأة الحديدية. نتعرف على محطات حياتها، أسرار شخصيتها، وكيف تحولت من باحثة في المختبر إلى واحدة من أقوى النساء في العالم. لهذا تابع معنا القراءة لتتعرف على الكثير من المعلومات حول أنجيلا ميركل!

من هي أنجيلا ميركل؟

أنجيلا ميركل وُلدت في 17 يوليو 1954 في مدينة هامبورغ بألمانيا الغربية. وعاشت مع أسرتها في ألمانيا الشرقية، حيث نشأت في بيئة محافظة ومحاطة بالفكر المسيحي. درست الفيزياء في جامعة لايبزيغ، ثم نالت دكتوراه في الكيمياء الكمّية عام 1986.

 هذه الخلفية العلمية القوية شكّلت أحد أبرز سماتها. إذ عرفت بأسلوبها المنطقي والمنهجي في اتخاذ القرار.

وفي صور نادرة لها أثناء فترة الطفولة، تبدو أنجيلا ميركل وهي صغيرة هادئة وجادة. مما يعكس طبيعتها الجدية التي ظلّت تلازمها طوال حياتها. لم تقتصر شهرتها على كونها أول امرأة تتقلد منصب مستشار ألمانيا. بل كانت أيضًا أول شخص من ألمانيا الشرقية يتولى هذا المنصب بعد توحيد البلاد.

دخلت عالم السياسة بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، وانضمّت إلى حركات المعارضة ثم إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، لتتدرج سريعًا حتى تصبح مستشارة ألمانيا عام 2005، وتبقى في المنصب حتى عام 2021.

 خلال تلك الفترة، عرفت بقدرتها على التعامل مع الأزمات بحكمة وثبات. كأزمة الديون الأوروبية، وأزمة اللاجئين، وجائحة كوفيد-19، مما أكسبها احترام العالم ولقب “سيدة أوروبا”. [1]

تعرف أيضًا على: عادل الجبير: صوت السياسة الخارجية السعودية

هل أنجيلا ميركل تتحدث الروسية؟

نعم، أنجيلا ميركل تتحدث اللغة الروسية بطلاقة منذ صغرها، ويرجع ذلك إلى نشأتها في ألمانيا الشرقية. حيث كانت اللغة الروسية مادة أساسية في المدارس ضمن إطار النفوذ السوفيتي هناك. لم تكتف ميركل بالتعلم المدرسي فقط، بل تفوقت لدرجة أنها حصلت على جوائز خاصة في مسابقات اللغة الروسية. إلى جانب تميزها في مادة الرياضيات. هذه الخلفية جعلت منها واحدة من القلائل بين القادة الأوروبيين الذين يتحدثون الروسية بطلاقة واضحة.

لم تكن إجادة ميركل للغة الروسية مجرد فضيلة فردية. بل أدت دورًا محوريًا في مسيرتها السياسية والدبلوماسية؛ فـخلال فترة ولايتها كمستشارة لألمانيا. وظّفت هذه اللغة في حواراتها الشخصية مع الزعماء الروس، وفي مقدمتهم فلاديمير بوتين، الذي يتحدث الألمانية هو الآخر.

تعرف أيضًا على: مساعد العيبان وأدواره في السياسة السعودية

هذا التبادل اللغوي بينهما أضفى على اللقاءات جوًا مميزًا؛ ففي بعض الأحيان كانت المناقشات تجري مباشرة بينهما دون الحاجة إلى مترجم. مما يدل على طبيعة العلاقة الخاصة والتفاهم المشترك، حتى وإن حافظ التواصل الرسمي على استخدام المترجمين لضمان الدقة.

إلى جانب ذلك، ساعدتها اللغة الروسية على فهم أعمق لثقافة وسياسة روسيا. ما منحها قدرة على التعامل بمرونة أكبر مع الملفات الحساسة بين البلدين. ولعل هذا أحد أسرار نجاحها في الحفاظ على توازن العلاقات الأوروبية الروسية في أصعب الفترات.

بصورة أوضح، لم تكن الروسية مجرد لغة بالنسبة لميركل، بل كانت جسرًا ثقافيًا وسياسيًا عزز مكانتها كقائدة ذات رؤية عالمية واسعة. [2]

تعرف أيضًا على: جو بايدن بين التجربة السياسية وتحديات الرئاسة

من هو زوج أنجيلا ميركل؟

أنجيلا ميركل متزوجة من البرفيسور يواخيم زاور، عالم الفيزياء الكمّية والأستاذ الفخري لعلم الكيمياء الفيزيائية في جامعة هومبولت في برلين.

زواجها من زاور عام 1998 جاء بعد صداقتهما الطويلة، إذ التقيا عام 1981 عندما كانت ميركل لا تزال طالبة وكانت في مرحلة الماجستير في الفيزياء. عرف عنه ميوله للابتعاد عن الأضواء، فهو نادر الظهور في الإعلام رغم أنه رافقها في مناسبات رسمية محدودة فقط. أوصلته للحضور على أنه “الشخص اللامرئي” في حياة المستشارة.

أما موضوع أبناء أنجيلا ميركل، فهي لم تُرزق بأطفال. لكن زاور له طفلان من زواج سابق. وقد أكدت ميركل أكثر من مرة أن الأمر لا يقلل من معاني العائلة. فالحياة الزوجية بالنسبة لها قائمة على الشراكة والقيم المشتركة وليس الإنجاب.

ومن الجدير بالذكر، أن الزوجان يهتما بحياتهما اليومية الهادئة البعيدة عن الأضواء، ففي المنزل عادية. هو يتفرغ لأبحاثه العلمية، وهي للسياسة والعمل العام. وبهذا استطاع الاثنان الحفاظ على خصوصية العلاقة الزوجية التي وصفها البعض بأنها من أنضج وأقوى العلاقات بين القادة وزوجاتهم على الساحة السياسية الحديثة

تعرف أيضًا على: لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ومسيرته السياسية في البرازيل

ما هو اللقب الذي يطلق على رئيس الوزراء في ألمانيا؟

في ألمانيا لا يوجد لقب “رئيس وزراء” بالصيغة المألوفة عالميًا. ولكن عوضًا عن ذلك، يُشار إلى رئيس الحكومة بـ المستشار، وهو يتربع على رأس السلطة التنفيذية.

يعتبر هذا المنصب الأهم على الصعيد السياسي داخل البلاد، ويماثل منصب رئيس الوزراء في النظم البرلمانية الأخرى.

تولّت أنجيلا ميركل هذا المنصب من عام 2005 إلى عام 2021، لتصبح أول امرأة وأول مواطنة من ألمانيا الشرقية تتولى هذا المنصب بعد إعادة التوحيد.

تعرف أيضًا على: أشخاص سياسيون أثّروا في مجريات السياسة العالمية والعربية

 وقد ارتبط اسمها بالاستقرار السياسي والقيادة الواعية في مواجهة الأزمات، لدرجة أن لقب “المستشار” أصبح مرتبطًا بشخصيتها المتزنة والقوية.

أما عن التداخل بين منصب المستشار والرئيس الاتحادي (رئيس الدولة)، فالحقيقة أن الأخير يقوم بمهام بروتوكولية وتمثيلية فقط، بينما تتركز السلطة الحقيقية في يد المستشار كونه المسؤول عن تشكيل الحكومة واتخاذ القرارات الرئيسية.

في فترة حكم ميركل ظهر قلق عالمي بعد بروز عدة نوبات ارتجاف أمام الكاميرات، مما أثار تكهنات حول مرض أنجيلا ميركل. لكنّ مصدر المقربة أكدت أن السبب يعود إلى الجفاف وحالات قلق مؤقتة، وأن حالتها الصحية لا تؤثر على قدراتها القيادية.

باختصار، “المستشار” في ألمانيا هو من يقود الحكومة، وأي تفريق غير ذلك من الناحية الفنية هو خطأ شائع وغير مدعوم بالمصادر الموثوقة.

تعرف أيضًا على: ثيودور روزفلت: الرئيس الأمريكي الذي غيّر وجه السياسة في القرن العشرين

في الختام، عندما نقرأ عن مسيرة أنجيلا ميركل، ندرك أننا أمام شخصية استثنائية استطاعت أن تضع بصمتها في التاريخ السياسي الحديث. فهي المرأة التي بدأت حياتها ببساطة في ألمانيا الشرقية، ثم تحدّت كل الصعاب لتصبح أول مستشارة في تاريخ بلادها، وتقودها لأكثر من عقد ونصف وسط أزمات عالمية متلاحقة. ما بين قوة شخصيتها، وهدوئها في مواجهة الأزمات، وصورتها كزعيمة صارمة ولكن قريبة من الناس، تركت ميركل إرثًا يصعب تجاهله.

• ebscoAngela Merkel | EBSCO Research Starters -بتصرف
• newstatesmanAngela Merkel's self-justification on Russia does not add up -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم