ابن منظور وحارس اللسان معجمٌ ينقذ اللغة من النسيان

الكاتب : نورهان عاطف
06 أغسطس 2025
عدد المشاهدات : 51
منذ ساعتين
ابن منظور
من هو ابن منظور؟
من هو ابن منظور وطلبه للعلم؟
أبرز كتب ابن منظور
ما هي سيرة محمد بن مكرم ابن منظور؟
في أي عصر عاش ابن منظور؟

ابن منظور هو أحد أعظم علماء اللغة في التاريخ العربي، وصاحب معجم “لسان العرب” الذي أصبح مرجعًا لغويًا لا يستغنى عنه في دراسة التراث العربي. اشتهر ابن منظور بمجهوده الضخم في جمع اللغة العربية من مصادرها الأصلية. وصياغتها في عمل موسوعي حافظ على ثروة لغوية كادت أن تندثر بفعل النسيان أو التغيير. وقد أهدانا هذا العالم الجليل كنزًا معرفيًا ما زال حيًّا بين أيدينا، يخدم الباحثين والطلاب واللغويين حتى اليوم.

من هو ابن منظور؟

يعد ابن منظور من أبرز علماء اللغة والأدب في التاريخ الإسلامي. اسمه الكامل كما ورد في المصادر هو محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي الإفريقي، ويعرف اختصارًا بـ ابن منظور اسمه الكامل الذي غالبًا ما يذكر مقرونًا بـ “صاحب لسان العرب”. ولد في مدينة “طرابلس الغرب” ببلاد المغرب، لكنه نشأ واستقر في مصر، حيث عمل كاتبًا في ديوان الإنشاء، قبل أن يكرّس حياته للعلم والتأليف.

تعرف أيضًا على: ابن زيدون يغني للولادة شاعرُ الهوى والمُلك الضائع

نشأ في بيئة علمية ساعدته على التفرّغ للاطلاع والبحث. كانت لديه رغبة عميقة في صون اللغة العربية من التغير والتحريف. فاجتهد في دراسة كتب اللغة والنحو والفقه والتاريخ والأدب. وكان محبًا للعلم، كثير المطالعة، واسع المعرفة، متنوع المصادر. وقد تأثر بكبار العلماء الذين سبقوه، مثل الجوهري في “الصحاح”، وأبي منصور الأزهري في “تهذيب اللغة”.

ولأن ابن منظور كان حارسًا مخلصًا للغة العربية، فقد قام بجمع مفرداتها من مصادرها الأصلية في معجمه الخالد “لسان العرب”. الذي يعد أحد أضخم معاجم اللغة على الإطلاق. وبهذا الجهد الموسوعي أصبح اسمه ملازمًا لهذا العمل الكبير الذي صان به تراث أمة بأكملها من الضياع.

وهكذا، نرى أن ابن منظور لم يكن مجرد عالم معاجم، بل كان موسوعيًا حقيقيًا حمل همّ اللغة. وترك بصمة خالدة في سجل الثقافة العربية، بجهد استثنائي ندر مثيله في العصور كلها. [1]

تعرف أيضًا على: أبو قاسم الشابي

من هو ابن منظور وطلبه للعلم؟

عرف التاريخ العربي العديد من العلماء الذين حملوا مشاعل اللغة والعلم. لكن قليلون منهم من اجتهدوا بنفس عمق وجلد ابن منظور في طلب العلم، إذ لم يكن طريقه مفروشًا بالراحة واليسر، بل سار على درب طويل من القراءة والمطالعة والتلخيص والتجميع.

بدأ ابن منظور رحلته العلمية منذ صغره، حيث انتقل في شبابه إلى القاهرة. وهناك تتلمذ على يد كبار العلماء في مصر في القرن السابع الهجري، مثل ابن الحاجب، وأبي محمد عبد الله بن بري، ورضي الدين الأرتاجي، وغيرهم من أهل اللغة والنحو والقراءات. كانت القاهرة في تلك الفترة مركزًا ثقافيًا غنيًا، ومفعمًا بالمدارس والمساجد والمجالس العلمية. بالتالي سمح له أن يغوص في أعماق كتب اللغة، ويكرّس نفسه لمهمة علمية نبيلة: جمع اللغة العربية وحفظها من الضياع.

تعرف أيضًا على: بشار بن برد وجرأة المعنى: شاعر الضد والاختلاف

في هذه الفترة، عمل كاتبًا في ديوان الإنشاء، ما أتاح له الاطلاع على الوثائق والمراسلات الرسمية، واكتساب مهارات التعبير الدقيق والصياغة اللغوية المتينة. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل كان ينسخ بخط يده مئات الكتب، ويعيد قراءتها وتلخيصها، فجمع ما تفرّق من معارف سابقيه، وأعاد تنظيمها في صورة جديدة شاملة وموسوعية.

وقد ظهر نبوغه في مؤلفاته التي بلغت العشرات، ويأتي على رأسها موسوعته الكبرى لسان العرب، لكنه ألّف أيضًا العديد من الكتب في الأدب والتاريخ والنحو. ومن أشهر كتب ابن منظور الأخرى:

أبرز كتب ابن منظور

ابن منظور

  • مختار الأغاني: اختصر فيه “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني، وأضاف له تعليقات وتنقيحات.
  • منتخب السيف: جمع فيه مختارات أدبية وتاريخية من كتب متعددة.
  • اختصار تاريخ دمشق: لخليفة بن خياط.
  • اختصار زهر الآداب لابن الأثير.
  • مفاتيح العلوم.
  • مختصر تهذيب اللغة.

تعرف أيضًا على: أدونيس والتجريب الشعري في تجديد القصيدة العربية

وقد أشار المؤرخون إلى أن ابن منظور كان بارعًا في فن الاختصار دون الإخلال بالمعنى، وهي مهارة نادرة، خصوصًا في زمن كان النقل فيه يعتمد على الأمانة والضبط. بالإضافة إلى ذلك كان دافعه في هذا التوجه هو تسهيل الوصول إلى المعرفة، وتوفير الجهد على الدارسين، مع الحفاظ على جوهر النصوص الأصلية.

ولعل التساؤل عن متى ولد ابن منظور مهم لفهم موقعه في التاريخ؛ فهو ولد سنة 630 هـ (1232م)، أي في فترة كان فيها العالم الإسلامي يمر بتحديات سياسية كبرى، لكنها لم تمنع ازدهار الفكر واللغة. لقد عاش في وقتٍ كان فيه العلم سلاحًا، والكلمة مسؤولية، فحملها بكل أمانة.

وهكذا، فإن طلب ابن منظور للعلم لم يكن مجرد مرحلة في حياته، بل كان مسارًا متواصلًا رافقه حتى وفاته، ومسؤولية حملها عن سبق ووعي، فخلّد نفسه بين كبار العلماء.

ما هي سيرة محمد بن مكرم ابن منظور؟

إذا أردنا أن نلخص سيرة محمد بن مكرم ابن منظور، فعلينا أن نبدأ أولًا بمكانته في عيون المؤرخين وأصحاب التراجم. فقد ورد ترجمة ابن منظور في سير أعلام النبلاء، ذلك العمل الموسوعي الذي ألّفه الذهبي، وذكر فيه أن ابن منظور كان إمامًا في اللغة، واسع الاطلاع، فصيح اللسان، زاهدًا في المظاهر، مشتغلًا بالعلم، قلّ أن يوجد مثله في دقّته وأمانته العلمية.

تعرف أيضًا على: مي زيادة وأدب الرسائل بين الحنين والتمرد

كان ابن منظور قارئًا نهمًا، يعرف بكثرة نسخه للكتب ومراجعته لها. حتى أنه اشتهر بين العلماء بأنه من أكثر الناس اختصارًا للكتب وتسهيلًا للمتون. كانت حياته الخاصة بسيطة، يفضل العزلة والتفرّغ للعلم. لم يكن خطيبًا في المجالس. بل كان صوته يظهر في كتبه التي كتبها بأناة وصبر، يراجعها مرات عدة، ويحرص على ضبط كل كلمة فيها.

وقد وصفه الذهبي بأنه “أديب، لغوي، نسّابة، صاحب نظر، شديد الحرص على نقل الأمانة”. علاوة على ذلك وهذا ما جعل اسمه يسطع في سماء التراجم، ليس فقط في كتب اللغة. بل أيضًا في كتب التاريخ.

وقد نالت سيرة ابن منظور لسان العرب مكانة خاصة في كتب التراث، لما تميز به من وفاء للعلم، وصبر في طلبه، وشغف بتيسير المعرفة للأجيال القادمة. فقد أمضى أكثر من 20 عامًا في جمع مادة “لسان العرب”، ولم يكتفِ بتجميع الكلمات. بل نسب كل كلمة إلى أصلها، وأشار إلى مصدر ورودها، وذكر أقوال الشعراء والعلماء فيها، فكان عمله توثيقيًا بامتياز.

والمثير في سيرته أن رغم هذا الجهد الضخم، لم ينل شهرة واسعة في حياته. بل بعد وفاته بسنوات طويلة، حين اكتشف العلماء والباحثون عظمة “لسان العرب” وأثره العميق. لقد أخلص الرجل للعلم، فخلّده العلم في صفحات النور.

سيرة ابن منظور ليست مجرد حكاية عالم، بل هي نموذج لقيمة الإخلاص في العمل، والوفاء للتراث، والتواضع العلمي. وهو بهذا المعنى، ليس فقط عالمًا لغويًا، بل قدوة معرفية حيّة. [2]

تعرف أيضًا على:

في أي عصر عاش ابن منظور؟

قد يتساءل البعض: ما سر هذا اللقب الجميل الذي اقترن باسم ابن منظور؟ “جمال الدين” ليس مجرد زخرفة لغوية. بل هو تقدير علمي وأدبي وأخلاقي ناله ابن منظور عن جدارة واستحقاق. هذا اللقب لم يكن يمنح عبثًا في القرون الوسطى. بل كان يمنح لأهل الفضل من العلماء الذين جمعوا بين جمال العلم، وجمال الخلق، وجمال التعبير.

فابن منظور كان كما وصفه معاصروه: جميل السمت، لطيف اللفظ، عذب العبارة، فصيح المنطق. علاوة على ذلك عاش حياته خادمًا للغة والدين والعلم، فاستحق أن يعرف بلقب “جمال الدين”. وليس المقصود بالجمال هنا المظهر الخارجي، بل الجمال الذي يتجلّى في العمل، والسعي، والإتقان.

لقد كان ينظر إلى العلماء في تلك العصور لا على أساس مؤلفاتهم فقط. بل على شخصياتهم، وأثرهم في المجتمع، وطريقتهم في التعامل مع الناس. وكل ذلك، كان يتحقق في ابن منظور، فاجتمعت فيه المروءة، والنبل، والذوق العلمي.

تعرف أيضًا على: الفرزدق والوجه الآخر للشعر مرايا القبيلة والذات

ومن الجدير بالذكر أن لقب “جمال الدين” لم يكن مقتصرًا على رجال الدين فحسب، بل كان يطلق على من بلغوا مراتب عليا في خدمة العلوم والآداب. وهذا ما حققه ابن منظور من خلال موسوعته الفذة لسان العرب، التي تعتبر من أجمل تجليات خدمة اللغة العربية في تاريخها.

لقد كان ابن منظور واحدًا من أبرز رموز الفكر العربي واللغوي في العصور الوسطى، وساهم بكتابه لسان العرب في الحفاظ على هوية اللغة وتاريخها. تنقّل في دروب العلم والبحث. وتعلّم على يد كبار العلماء، ليصبح بدوره منارة يهتدي بها الباحثون إلى يومنا هذا. ومن خلال تتبعنا لسيرته، ونتاجه العلمي، نرى كيف استطاع أن يحفظ للغة العربية مجدها ومكانتها. لقد شكّل ابن منظور نقطة تحول في التأليف المعجمي. وأثبت أن اللغة ليست مجرد كلمات، بل كيان نابض بالتاريخ والثقافة.

المراجع

مشاركة المقال

وسوم

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة