التانغو في الأرجنتين رقصة شهيرة

التانغو في الأرجنتين يعد من أشهر الرقصات في العالم، وهو أكثر من مجرد رقصة؛ بل هو انعكاس لروح شعب كامل يعبر عن مشاعره وتاريخه من خلال الإيقاع والحركة. ارتبطت هذه الرقصة ارتباطًا وثيقًا بالثقافة الأرجنتينية حتى أصبحت جزءًا من هوية البلاد، وأحد أهم رموزها الفنية التي انتقلت من شوارع بوينس آيرس الشعبية إلى أكبر المسارح العالمية. ومن خلال هذا المقال سوف نتعرف على الأسباب التي جعلت هذه الرقصة تحظى بشهرة عالمية واسعة، وما هو التانغو في أصله، وهل الأرجنتين هي بالفعل الموطن الحقيقي له، ولماذا تم حظره في بعض الفترات من التاريخ.

لماذا يعتبر التانجو الأرجنتيني مشهورًا جدًا؟

لا يمكن الحديث عن الرقصات الشعبية دون أن يحتل التانغو في الأرجنتين مكانة الصدارة، فهو رقصة ولدت من أعماق الأحياء الشعبية، لكنها سرعان ما تسللت إلى قصور النخبة وأصبحت علامة فارقة في الثقافة العالمية.

أحد أهم أسباب شهرة التانجو الأرجنتيني يعود إلى كونه رقصة تحمل في داخلها مزيجًا من الإيقاعات الأفريقية والأوروبية واللاتينية، ما جعله فنًا جامعًا بين ثقافات متعددة. هذا التنوع في الأصول منح الرقصة جاذبية خاصة، حيث يستطيع كل شخص أن يجد فيها جزءًا من تاريخه أو روحه.

تعرف أيضًا على: ترتيب عواصم أفريقيا حسب التطور

الفنانون والموسيقيون لعبوا دورًا بارزًا في انتشارها، فقد رافق التانغو موسيقى فريدة تعتمد على الكمان، والبيانو، والبانديونيون (آلة شبيهة بالأكورديون)، ما جعلها رقصة متكاملة من حيث التعبير الجسدي والسمعي معًا. ومن هنا بدأ التانغو يشق طريقه خارج الأرجنتين، حتى وصل إلى أوروبا ثم إلى بقية أنحاء العالم.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه الرقصة تحمل في طياتها قصة إنسانية صادقة، فهي ليست مجرد حركات إيقاعية بل حوار جسدي بين الشريكين، يعكس مشاعر الحب والفقدان والاشتياق والتمرد. ولهذا السبب ارتبطت الرقصة بالدراما الإنسانية، ما جعلها أقرب إلى الجمهور وأكثر قدرة على الانتشار.

الشهرة العالمية للتانغو لم تأتِ فقط من جماله الفني، بل من دوره كأداة دبلوماسية ثقافية، حيث عملت الحكومات الأرجنتينية على الترويج له كرمز وطني يعرّف العالم على هوية البلاد. واليوم لا يمكن أن نذكر الأرجنتين دون أن يتبادر إلى الذهن هذا الفن العريق. [1]

تعرف أيضًا على: روما عاصمة إيطاليا؟

ما هو التانغو الأرجنتيني؟

لفهم التانغو يجب أن ندرك أنه ليس مجرد رقصة تؤدى على المسرح، بل هو انعكاس لمجتمع بأكمله. نشأ التانغو في الأرجنتين في أواخر القرن التاسع عشر في أحياء بوينس آيرس ومونتيفيديو، حيث اجتمع المهاجرون الأوروبيون والأفارقة والسكان المحليون في بيئة واحدة، فاختلطت ثقافاتهم لتنتج هذا الفن الفريد.

التانغو هو لغة غير منطوقة، يعتمد على الإيقاع الموسيقي الذي يقود الخطوات بدقة، بينما يقوم الراقصان بتبادل الأدوار في حوار جسدي عاطفي. يتميز بالتقارب الجسدي بين الشريكين، حيث يعكسان من خلال خطواتهما مشاعر الانجذاب والانسجام وحتى الصراع. ولهذا السبب يقال إن التانغو “قصيدة تكتب على الأقدام”. من ملامح التانغو الأساسية:

تعرف أيضًا على: لماذا باريس عاصمة فرنسا

• الاعتماد على الإيقاع البطيء أو السريع وفق اللحن.
• وجود لحظات توقف درامية تضيف بعدًا عاطفيًا.
• حركات متشابكة تعكس التداخل بين العاطفة والعقل.
• ارتجال الراقصين في اللحظة بما يناسب موسيقاهم.

ولأن التانغو يجمع بين الموسيقى والرقص والشعر أحيانًا، فإنه يمثل تجربة فنية متكاملة. وقد تطور على مر السنين ليأخذ أشكالًا مختلفة: مثل التانغو التقليدي، والتانغو الصالونات، والتانغو المسرحي الذي يقدّم على خشبات المسارح الكبرى. كل شكل منها يبرز جانبًا مختلفًا من هذا الفن العريق، لكنه في النهاية يظل متصلًا بروح الشعب الأرجنتيني.

هل الأرجنتين هي موطن التانجو؟

من الناحية التاريخية، يعدّ التانغو في الأرجنتين جزءًا أصيلًا من هوية البلاد، حتى أصبح كثيرون يعتبرونها موطن التانجو بلا منازع. لكن الحقيقة أن أصوله ليست أحادية، بل هي مزيج من مساهمات شعوب متعددة التقت في منطقة ريو دي لا بلاتا.

تعرف أيضًا على: عاصمة فنلندا: هلسنكي وأجمل الأماكن السياحية

المهاجرون الإيطاليون والإسبان جلبوا موسيقاهم الشعبية، بينما أضاف الأفارقة إيقاعاتهم المميزة. كما لعب السكان المحليون دورًا في تشكيل طابع هذه الرقصة. لكن الأرجنتين كانت البيئة الحاضنة التي نمت فيها هذه العناصر جميعًا، فارتبط التانغو باسمها بشكل وثيق.

المدن الأرجنتينية وخاصة بوينس آيرس عملت على صقل هذا الفن وتطويره. حيث ظهرت أولى مدارس التانغو وأول عروضه المنظمة، قبل أن ينتقل إلى أوروبا في بدايات القرن العشرين. وعندما عاد التانغو من باريس إلى الأرجنتين محمّلًا بالشهرة، تبنته البلاد كجزء من تراثها الوطني.

لهذا فإن الأرجنتين ليست مجرد محطة من محطات التانغو، بل هي المكان الذي أضفى عليه الهوية الواضحة وأعطاه الشرارة التي جعلته رقصة عالمية. واليوم ينظر إلى الأرجنتين بحق على أنها الموطن الروحي للتانغو، حتى وإن كان يحمل في جذوره بصمات ثقافات أخرى. [2]

تعرف أيضًا على: عواصم الدول الناطقة بالفرنسية

لماذا تم حظر التانجو الأرجنتيني؟

رغم الشعبية الكبيرة التي حظي بها التانغو في الأرجنتين، فإنه لم يسلم من الجدل. بل واجه رفضًا من بعض الفئات الاجتماعية والسياسية. يعود سبب حظر التانجو الأرجنتيني في بداياته إلى اعتباره رقصة “غير لائقة” لأنها ولدت في الأحياء الشعبية التي كانت مرتبطة بالفقر والدعارة وأماكن السهر الليلية.

الطبقات العليا في المجتمع الأرجنتيني رأت فيه فنًا هابطًا لا يتناسب مع قيمها المحافظة. كما أن طبيعة التانغو، التي تقوم على تقارب جسدي بين الرجل والمرأة، أثارت انتقادات دينية وأخلاقية دفعت السلطات إلى منعه في بعض الفترات.

لكن المفارقة أن هذا الحظر ساهم بشكل غير مباشر في زيادة شعبيته. فعندما انتقل التانغو إلى أوروبا، وخاصة باريس، استقبله المجتمع الأوروبي كفن جديد مثير. فانتشر بسرعة كبيرة. ومع عودته إلى الأرجنتين وقد حظي بالاعتراف الدولي، اضطرت النخب الأرجنتينية إلى إعادة النظر في موقفها، ومن ثم اعترفت به كجزء من الثقافة الوطنية.

تعرف أيضًا على: عواصم الدول الناطقة بالإسبانية

اليوم، لم يعد هناك أي حظر على التانغو، بل أصبح رمزًا للاعتزاز الوطني، وأدرج ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية في اليونسكو عام 2009. هكذا تحولت الرقصة من فن مرفوض إلى أيقونة وطنية تمثل هوية الأرجنتين أمام العالم.

في الختام، نستطيع أن نقول إن التانغو في الأرجنتين ليس مجرد رقصة. بل هو قصة مجتمع وتاريخ أمة. بدأ من الشوارع الشعبية، وواجه رفضًا وحظرًا، ثم عبر البحار ليعود إلى موطنه باعتباره فنًا عالميًا. جمع بين الموسيقى والرقص والشعر، وأصبح رمزًا للهوية الأرجنتينية ومصدرًا للفخر الوطني. إن رحلة التانغو من التهميش إلى العالمية تجسّد قدرة الفنون على تجاوز الحدود والقيود، لتبقى حية في قلوب الناس مهما تغيرت الأزمنة.

• M2tango Why Argentine Tango? - بتصرف
• Tango A Short History Of Argentine Tango_بتصرف

مشاركة المقال

وسوم