التلسكوبات الفضائية ودورها في الاكتشاف

تمثل التلسكوبات الفضائية قفزة علمية غير مسبوقة في رحلة البشرية لفك أسرار الكون، بعيدًا عن حجاب الغلاف الجوي للأرض، أصبحت هذه العيون الاصطناعية قادرة على الرصد بأعلى درجات الوضوح، وكشف أطياف من الضوء كانت محجوبة عنا، من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة السينية.
كيف يعمل التلسكوب الفضائي؟

التلسكوبات الفضائية هو جهاز متخصص في رصد ودراسة الأجرام السماوية والظواهر الكونية من خارج الغلاف الجوي للأرض.
مما يسمح له بالحصول على صور ومعلومات دقيقة وعالية الجودة لا يمكن تحقيقها بواسطة التلسكوبات الأرضية بسبب التشويش الذي يحدثه الغلاف الجوي.
يعمل التلسكوب الفضائي من خلال تجميع الضوء أو الإشعاعات الكهرومغناطيسية القادمة من الفضاء.
سواء كانت ضمن الطيف المرئي أو أطوال موجية أخرى على سبيل المثال الأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية، أو الأشعة السينية.
الآلية الأساسية لعمل التلسكوبات الفضائية تعتمد على وجود مرآة رئيسية أو عدسة كبيرة تجمع الضوء وتركيزه في نقطة معينة تسمى نقطة البؤرة.
في بعض التصاميم، تستخدم المرايا المنحنية لتعكس الضوء إلى جهاز كشف حساس.
مثل كاميرات CCD أو أجهزة استشعار أخرى، تقوم بتحويل الإشارات الضوئية إلى بيانات رقمية يمكن تحليلها.
هذا التركيز الدقيق يسمح للتلسكوب بالتقاط تفاصيل دقيقة جدًا للأجرام السماوية، مثل تركيب النجوم، وتكوين المجرات، أو حتى مشاهدة الكواكب والأقمار البعيدة.[1]
تعرف أيضًا على: المياه في الفضاء واكتشافاتها
مميزات التشغيل ونقل البيانات
بما أن التلسكوبات الفضائية تدور في مدار حول الأرض أو في مواقع ثابتة نسبياً في الفضاء.
فهي قادرة على العمل باستمرار دون انقطاع، وتتفادى تأثيرات الغلاف الجوي التي تسبب تشويش مثل التوهج، أو تشتت الضوء، أو انكساره.
وهذا يجعل الصور التي تلتقطها أو البيانات التي تجمعها أكثر وضوح ودقة، مما يمكن العلماء من إجراء دراسات معمقة حول الكون.
تعمل أنظمة التلسكوب الفضائي بتنسيق مع أنظمة توجيه دقيقة تساعد في الحفاظ على استقرار التلسكوب.
وتوجيهه نحو الهدف المطلوب بدقة عالية جدًا، حتى مع تحرك التلسكوب بسرعة كبيرة حول الأرض.
هذه الأنظمة تتضمن محركات دقيقة، ومستشعرات توازن، وبرامج حاسوبية تتحكم في التوجيه والتثبيت، لضمان التقاط صور واضحة وخالية من الاهتزاز.
بعد جمع البيانات، يتم إرسالها عبر إشارات لاسلكية إلى محطات استقبال على الأرض.
حيث يتم معالجتها وتحليلها باستخدام تقنيات متقدمة للكشف عن المعلومات المخفية في الصور والبيانات.
على سبيل المثال تحركات الأجسام، ودرجة حرارتها، وتكوينها الكيميائي، وحتى البحث عن إشارات محتملة تشير إلى وجود حياة أو ظواهر غير معروفة.
تعرف أيضًا على: الأقمار الصناعية الاصطناعية ودورها
ما هي أنواع التلسكوبات؟
أنواع التلسكوبات تعتمد بشكل أساسي على الطريقة التي تستخدمها لجمع الضوء أو الإشعاع القادم من الأجرام السماوية.
وتحويله إلى صورة يمكن دراستها. تنقسم التلسكوبات إلى عدة أنواع رئيسية، ولكل نوع خصائصه واستخداماته الخاصة.
حيث تصمم بحسب نوع الإشعاع الذي ترصده، وطريقة عمله البصرية، والمجال الذي يخدمه في علم الفلك.
أول نوع هو التلسكوب البصري، وهو الأكثر شيوعًا واستخدام، ويعمل على تجميع الضوء المرئي القادم من النجوم والكواكب والمجرات.
يقسم هذا النوع إلى ثلاثة أشكال رئيسية بحسب بنيته الداخلية التلسكوب الكاسر الذي يستخدم عدسات زجاجية لتجميع الضوء وتركيزه في نقطة معينة.
ويتميز بقدرته على إنتاج صور واضحة وملونة لكنه قد يكون كبير وثقيل إذا زادت عدساته في الحجم.
الثاني هو التلسكوب العاكس، الذي يعتمد على مرايا منحنية بدلاً من العدسات، وهو أكثر فعالية من حيث الوزن والتكلفة عندما يتعلق الأمر بالمرايا الكبيرة.
ويستخدم في كثير من التلسكوبات الاحترافية مثل تلسكوب نيوتن الشهير.
أما الشكل الثالث فهو التلسكوب المركب، الذي يجمع بين العدسات والمرايا معًا في تصميم متكامل للاستفادة من مزايا كل منهما.
ويوفر صور دقيقة ومجال رؤية واسعًا في هيكل مضغوط.[2]
تعرف أيضًا على: الانفجارات الشمسية وتأثيرها
التلسكوبات غير البصرية
هناك نوع آخر من التلسكوبات الفضائية وهو التلسكوب الراديوي، ويعمل بطريقة مختلفة تمامًا عن التلسكوبات البصرية.
بدلاً من تجميع الضوء، يقوم بجمع الموجات الراديوية التي تصدرها الأجسام الفضائية مثل النجوم النيوترونية، والسدم، والمجرات النشطة.
يتميز هذا النوع من التلسكوبات بأطباق ضخمة تشبه الهوائيات اللاسلكية، وغالبًا ما تثبت على الأرض.
ويمكن أن تعمل حتى في ظروف جوية سيئة لأن الموجات الراديوية لا تتأثر كثيرًا بالغلاف الجوي، بعض هذه التلسكوبات يمكن أن يكون قطرها مئات الأمتار.
وتستخدم أحيانًا بشكل متزامن في مواقع مختلفة حول العالم ضمن نظام يعرف باسم التداخل الراديوي لإنتاج صور أكثر دقة.
كما توجد تلسكوبات تعمل خارج نطاق الضوء المرئي تمامًا، على سبيل المثال تلسكوبات الأشعة تحت الحمراء التي تلتقط الحرارة الصادرة عن الأجسام الفضائية.
مما يسمح بدراسة النجوم المولودة حديث، أو الكواكب التي لا تصدر ضوء مرئي.
هذا النوع يتطلب في كثير من الأحيان أن يوضع في الفضاء لأن بخار الماء في الغلاف الجوي الأرضي يمتص معظم الأشعة تحت الحمراء، مما يعيق الرؤية من الأرض.
ومن أشهر هذه التلسكوبات تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي أطلق ليكشف لنا عن أعمق أسرار الكون باستخدام هذه التقنية.
أيضًا هناك أنواع التلسكوبات الفلكية للأشعة فوق البنفسجية، وتلسكوبات الأشعة السينية.
وتلسكوبات أشعة غاما، وكلها تستخدم لدراسة الظواهر عالية الطاقة في الكون مثل الثقوب السوداء، والنجوم المنفجرة، والمجرات النشطة.
لا يمكن لهذه التلسكوبات أن تعمل من على سطح الأرض لأن هذه الأشعة لا تخترق الغلاف الجوي، لذلك يجب وضعها على متن أقمار صناعية أو محطات فضائية خاصة.
تعرف أيضًا على: استكشاف الفضاء والتطورات الحديثة
ما هي سرعة تلسكوب هابل؟
تلسكوب هابل الفضائي من التلسكوبات الفضائية يدور حول كوكب الأرض في مدار منخفض على ارتفاع يقارب 547 كيلومتر فوق سطح الأرض.
لكي يبقى في هذا المدار المستقر ويقاوم الجاذبية الأرضية، يتحرك بسرعة هائلة تبلغ حوالي 28,000 كيلومتر في الساعة، أي ما يعادل نحو 7.8 كيلومترات في الثانية.
هذه السرعة العالية تمكنه من إتمام دورة كاملة حول الأرض كل 95 دقيقة تقريبًا، ما يعني أنه يشهد شروق الشمس وغروبها حوالي 15 مرة في اليوم.
السرعة التي يتحرك بها هابل ليست ناتجة عن دفع ذاتي أو محركات مستمرة.
بل تعتمد على السرعة الأولية التي اكتسبها عند إطلاقه إلى الفضاء على متن مكوك الفضاء ديسكفري في عام 1990.
بعد وضعه في مداره، لا يحتاج إلى طاقة إضافية للحفاظ على سرعته، لأن الفضاء بيئة خالية تقريبًا من الاحتكاك.
وبما أنه في حالة سقوط حر دائم حول الأرض، فهو لا “يطير” بالمعنى التقليدي، بل يسقط باستمرار في مسار منحني يتطابق مع انحناء الأرض، مما يبقيه في مدار مستمر.
هذه السرعة العالية لا تعني أن التلسكوب يستخدم لتغطية مناطق واسعة من الفضاء بسرعة، بل على العكس.
يعتمد عمله على البقاء في نقطة ثابتة بالنسبة لجسم فضائي بعيد، لفترات طويلة جدًا، لالتقاط صور دقيقة وعالية الجودة.
لذلك، رغم حركته السريعة حول الأرض، فإن أنظمته التوجيهية دقيقة للغاية.
وتسمح له بالتركيز على جزء صغير من السماء بدقة مذهلة، حتى ولو استغرق التصوير عدة ساعات أو أيام لنفس الهدف.
إذا لم تكن سرعته بهذا القدر، فلن يتمكن من الحفاظ على مداره، وسيبدأ بالانجذاب نحو الأرض بفعل الجاذبية.
وإذا تجاوز سرعته الحالية بشكل كبير، فقد يغادر مداره إلى مدار أعلى أو حتى يخرج من نطاق الجاذبية الأرضية، وهو أمر غير مرغوب فيه لمهمته الحالية.
لذلك، هذه السرعة مصممة بدقة لتناسب الغرض العلمي من مهمته، وضمان بقائه في مدار مستقر يمكن التحكم فيه من الأرض.
تعرف أيضًا على: المسبار الفضائي واستخداماته
ما هو أبعد تلسكوب عن الأرض؟
أبعد التلسكوبات الفضائية عن الأرض حاليًا هو التلسكوب الفضائي فوياجر 1، رغم أنه من الناحية التقنية ليس تلسكوب بصري تقليدي.
على سبيل المثال هابل أو جيمس ويب، بل هو مسبار فضائي مزود بأجهزة علمية تستشعر وتجمع بيانات عن الفضاء السحيق.
أطلق فوياجر 1 في عام 1977 من قِبل وكالة ناسا، وكان هدفه الأساسي دراسة الكواكب الخارجية مثل المشتري وزحل، لكنه واصل رحلته بعد ذلك متجاوز حدود النظام الشمسي.
في الوقت الحالي، فوياجر 1 هو أبعد جسم صنعه الإنسان، ويبعد عن الأرض أكثر من 24 مليار كيلومتر.
أي ما يزيد عن 160 وحدة فلكية، وقد دخل رسمي الفضاء بين النجمي عام 2012.
عندما عبر الغلاف الشمسي ووصل إلى المنطقة التي تبدأ فيها تأثيرات الشمس بالاضمحلال أمام تأثير النجوم الأخرى في المجرة.
ورغم بعده الهائل، لا يزال يرسل بيانات إلى الأرض، لكن الإشارات تحتاج إلى أكثر من 22 ساعة للوصول في اتجاه واحد بسبب المسافة الشاسعة.
تعرف أيضًا على: المجرات وأنواعها
جيمس ويب أبعد تلسكوب بصري
أما أبعد تلسكوب بصري حقيقي، فإن تلسكوب جيمس ويب الفضائي يعد الأبعد من نوعه حتى الآن.
أطلق في ديسمبر 2021، ووضع في نقطة تعرف باسم “نقطة لاغرانج الثانية” (L2)، وهي تقع على بعد حوالي 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، أي أبعد بنحو أربع مرات من القمر.
في هذه النقطة، تتوازن قوى الجاذبية بين الأرض والشمس بطريقة تسمح للتلسكوب بالبقاء في موقع ثابت نسبيًا.
بالنسبة للأرض أثناء دورانها حول الشمس، وهو موقع مثالي لمراقبة الفضاء العميق دون تشويش من حرارة الأرض أو ضوءها.
جيمس ويب يستخدم الأشعة تحت الحمراء لدراسة الكون، ويعتبر حاليًا أقوى تلسكوب بصري فضائي صنع حتى الآن.
وهو قادر على رصد المجرات التي تشكلت بعد الانفجار العظيم ببضع مئات ملايين السنين فقط. تم تصميمه ليرى أبعد من أي تلسكوب سابق.
ليس من حيث المسافة فقط بل من حيث الزمن أيضًا، لأنه يرصد الضوء الذي استغرق مليارات السنين للوصول إلينا.
تعرف أيضًا على: الكواكب الصخرية وخصائصها
في الختام، لم تعد التلسكوبات الفضائية مجرد أدوات علمية متطورة، بل أصبحت إحدى أعظم تجسيدات فضول الإنسان وحبه للاستكشاف، إنها تمثل جسر عبرنا من خلاله حدود غلافنا الجوي، لندخل عصر ذهبي جديد لعلم الفلك والفيزياء الكونية ولقد غيرت هذه المراصد المدارية نظرتنا للكون ولأنفسنا بشكل جذري.
المراجع
- scienceOptics _بتصرف
- highpointscientificTypes of Telescopes _بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

ما هو أكبر محيط في العالم؟

السواحل السعودية على البحر الأحمر والخليج العربي

السياحة في أفريقيا وتجارب سفاري مميزة

الشعاب المرجانية في البحر الأحمر

البحيرات المالحة الساحلية وخصائصها

التسونامي وأسبابه الطبيعية

الحيوانات في القارة القطبية الجنوبية

نهر الراين رحلة سياحية عبر قلب أوروبا

توزيع القبائل في الجزيرة العربية

خليج السويس وأهميته الاقتصادية

نهر التايمز لندن أبرز معالم بريطانيا المائية

نهر الأردن موقع ديني وسياحي بارز

استكشاف الفضاء والتطورات الحديثة

عاصمة موريتانيا نواكشوط مدينة الصحراء
