كيف تطورت الزخرفة الإسلامية عبر العصور؟

الزخرفة الإسلامية عبر العصور ليست مجرد رسومات على الجدران أو نقوش في المساجد، بل هي لغة بصرية عميقة تعبّر عن التوحيد والجمال والانسجام. تطورت هذه الزخارف تدريجيًا، مستندة إلى مبادئ دينية وفنية واضحة، فكل شكل وكل خط يحمل دلالة روحية.
وتتعدد أنواع الزخارف الإسلامية، بين الزخارف الهندسية والنباتية والخطية، مما يعكس تنوع الأساليب الذي ظهر بوضوح في مختلف مراحل تاريخ الزخرفة الإسلامية، حيث تأثرت بالعصور المختلفة من الأمويين إلى العثمانيين.

تعريف الزخرفة الإسلامية وأهميتها

الزخرفة الإسلامية عبر العصور هي فن إسلامي سامٍ، مهمته إبداع الجمال عبر إنتاج عمل فني يتجسد فيه التماسك بين الجمال في جوهره وشكله. هذا الفن مُنبَذٌ عن أي رسم يخص الأشخاص أو يقلد الطبيعة.

يمكن أن نعرّف الزخرفة الإسلامية على أنها فن يعتني بالأسس والأصول المستوحاة من الدين، والتقاليد الموروثة من الأسلاف الصالحين. هي تجسيد للعلاقة الوثيقة التي تجمع بين الدين الإسلامي وفن العمارة وزخرفتها، لتعكس بهاء الروح الإسلامية التي خطّها الإسلام لحياة المسلم.
ومن أبرز أنواع الزخارف الإسلامية نجد الزخارف الهندسية، النباتية، الكتابية، والمقرنصات، وكل نوع منها يحمل رمزية خاصة تعكس فلسفة الفن الإسلامي.

وتكمن أهمية الزخرفة الإسلامية في قدرتها على التعبير عن مفاهيم دينية وفلسفية عميقة، كالوَحدانية والتناغم واللا محدودية، من خلال الأشكال الهندسية المتكررة والأنماط المتداخلة. كما أن توظيف الخط العربي في الزخرفة يبرز ارتباط الفن بالكلمة القرآنية، مما يمنح الزخرفة بعدًا روحانيًا وثقافيًا.

إلى جانب ذلك، أسهمت الزخرفة الإسلامية في صَون التراث الثقافي والفني للعالم الإسلامي، حيث انتقلت أساليبها وتقنياتها عبر العصور والمناطق المختلفة، مما جعلها جزءًا أصيلًا من تاريخ الزخرفة الإسلامية، الذي يمتد من العصر الأموي وصولًا إلى العثماني. [1]

تعرف أيضًا على: ماذا تعرف عن الحرف اليدوية الإسلامية

تطور الزخارف الإسلامية عبر العصور

يرجع أصل تعود جذور فن الزخرفة الإسلامية عبر العصور إلى زمن الخليفتين عمر وعثمان، رضي الله عنهما، ثم ازدهرت مع الفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة.

وعندما فتح المسلمون بلادًا جديدة، كانوا يحتفلون وينشرون فنهم الخاص. تجسدت بصمتهم الفنية الفريدة في الزخارف الإسلامية. زينوا بها المساجد ودور العبادة، مستوحين بعض الأساليب من الزخارف الفارسية، وكان من أبرز خصائص الزخرفة الإسلامية أنها تتجنب تصوير الكائنات الحية، مع الاعتماد على أنماط تكرارية وهندسية متناسقة.

عبد الملك بن مروان كان له السبق في الاهتمام بالزخرفة الإسلامية، حيث تبنى فكرة تزيين المعالم الإسلامية ودور العبادة بالزخارف الإسلامية المميزة، مع إضافة لمسات تشكيلية وزخارف اسلامية هندسية مبتكرة تمثلت في تكرارات دقيقة وأشكال متعددة الأضلاع.

تعرف أيضًا على: كيف ساهم الأدب العربي الإسلامي في تشكيل الثقافة

أشهر أنواع الزخارف الإسلامية

تُعد الزخرفة الإسلامية عبر العصور من أبرز ملامح الفن الإسلامي التي عبّرت عن روح الحضارة الإسلامية وتطوّرها. وقد تنوعت أشكالها بين النباتية والهندسية والكتابية، لتعكس ذوقًا فنيًا راقيًا يجمع بين الجمال والرمزية دون الخوض في محاكاة الكائنات الحية.

الزخارف النباتية

أبدع الفنانون في استعمال الأشكال النباتية، كفروع الأشجار والأوراق والثمار والأزهار في تشكيل زخرفة المنتجات الفنية كالعمائر والتحف، حيث جرد الفنانون وغيروا جميع العناصر المستخدمة من شكلها الطبيعي، حيث كان الفنان يميل إلى شغل المساحات وملء الفراغات، وتزايد استعمال هذا النوع من الزخرفة في القرن التاسع للميلاد، وكانت الذروة لهذا الاستعمال في الفترة الممتدة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد.

الزخرفة الكتابية

استعمل الفنانون الخط حيث كان هو العنصر الزخرفي في هذا النوع من الزخارف، وبعد أن كان الخط العربي وسيلة للعلم والمعرفة، أصبح في هذا النوع من الزخرفة مظهراً من مظاهر الجمال الذي ينبض بالحياة والسحر، ولا يزال هذا النوع ينمو ويتطور ويتعدد لدرجة المبالغة في أساليب تحوير أجزاء حروفه المركبةِ والمفردة، وقد اعتبر هذا التحوير من أنواع الزخرفة، وبلغت أنواع هذه الزخرفة بمفردها ما تجاوز الثمانين نوعاً، حيث بلغت كماليتها في العهد العباسي، وتعتبر نوعاً من أنواع الترف الفني الذي لم تبلغه أي أمةٍ من الأمم سابقاً.

الزخرفة الهندسية

متى بدأ فن الزخرفة الإسلامية؟ بدأ فن الزخرفة الإسلامية في العصر الراشدي لكنه ازدهر فعلياً في العصر الأموي، خاصة في الزخرفة الهندسية التي بدأ التوجه لاستخدامها في تلك الفترة، وأبدع فيها بشكلٍ قلّ مثيله وليس له مثيل في أي حضارةٍ أخرى، بالرغم من بساطتها لاستخدامها الأشكال الهندسية الأساسية المربعات والمستقيمات والدوائر والمثلثات، حيث كان لهذه الأشكال المختلفة دورٌ أساسي وهام في الزخرفة العربية، حيث أصبحت أساساً لأشكال الزخرفة الإسلامية، حيث تميّزت بطابعها القوي الذي يظهر جليّاً في استعمال تكوينات الأطباق النجميّة التي ازدانت بها المصنوعات الفنيّة و أسطح العمائر، ويمكن اعتبارها من زخارف اسلامية هندسية سهلة نظراً لاعتمادها على التكرار المنتظم لأشكال بسيطة تتيح إنتاج تصاميم مبهرة دون تعقيد. وفيما يلي الإجابة عن ما هي 8 أنواع من الزخارف الإسلامية؟

الزخرفة التصويرية

كانت الكائنات الحية وسيلةً تستخدم كوحدةٍ في الأعمال الزخرفية، اتخذها الفنانون قديماً كأحد الأشكال الأسطوريّة، ولأن استعمال الكائنات الحية وسيلة للتصوير يُعتبر شكلاً من أشكال الوثنية، فقد رغب الفنانون المسلمون بالبعد عنها للقضاء على المظاهر الوثنية، وأخذ هذا النوع يتلاشى تدريجياً، وحلّت الرسوم الجدارية بديلاً عن هذا النوع من الزخرفة.

زخرفة الأرابيسك

نمط فني نباتي متداخل يعتمد على التكرار والتموج.

الزخرفة المعمارية

تُستخدم في تزيين الجدران والقباب والمآذن بالأشكال والزخارف.

زخرفة المشكاوات والنوافذ

زخارف دقيقة من الزجاج أو الخشب المخرم لإدخال الضوء بأسلوب فني.

زخرفة التحف والمصنوعات اليدوية

مثل الخزف والنسيج والمعادن، مزينة بأنماط نباتية وهندسية.

تعرف أيضًا على: كيف ترك الخط العربي بصمته على التراث الإسلامي

الزخرفة العربية التقليدية في العمارة

تُعدّ الزخرفة الإسلامية عبر العصور عنصرًا أساسيًا في العمارة الإسلامية، مُعبرةً عن الذات الثقافية والفنية للحضارة الإسلامية. استلهم الفنانون المسلمون من نماذج هندسية متشابكة، كالمرّبعات والدوائر والنجوم، لإبداع تصاميم متناغمة تجسد التوازن والروعة. وظفت الزخارف النباتية المستوحاة من محيطهم الطبيعي، حيث تمثل الأزهار والأوراق والأغصان بأسلوب تجريدي يُظهر الجمال الإلهي والدوام.

برز فن الخط العربي كعنصر زخرفي رئيسي، إذ حوَّل الخطاطون النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إلى لوحات فنية رائعة، تزين الجدران والقباب. كما اتخذت الألوان دورًا رمزيًا هامًا في الزخرفة الإسلامية، فالأزرق يرمز إلى السماء والروحانية، والأخضر إلى الحياة والنمو، والذهبي إلى النور الإلهي والخلود، مما أضاف عمقًا روحيًا وجماليًا للتصاميم.

تعرف أيضًا على: كيف ازدهرت الفنون الإسلامية التقليدية عبر العصور؟

وبهذه العناصر المتنوعة، تمكن الفن الإسلامي من إيصال رسالة جمالية وروحانية تتخطى الحواجز الزمنية والجغرافية، وتظل مصدر إلهام للفنانين والمهندسين المعماريين في كل مكان. وها هي بعض الأعمال البارزة التي تشهد على هذا الإبداع الراقي وروعة الزخرفة الإسلامية:

• قصر إشبيلية
• مئذنة الحلوية
• مئذنة المنصورة
• باب المنصور في مدينة مكناس
• قصور الحير الشرقية والغربية في سوريا
• جامع الزيتونة
• مدرسة القرويين
• محراب الجامع الكبير
• المئذنة الحدباء
• جامع المتوكل.

تعرف أيضًا على: كيف ظهرت التغيرات الاجتماعية في العصر العباسي

نماذج الزخرفة في المساجد السعودية

تُعدّ المساجد في المملكة العربية السعودية من أبرز الأمثلة على تطور الزخرفة الإسلامية عبر العصور، حيث تعكس مزيجًا من الأصالة والحداثة في التصميم المعماري والزخرفي. تتنوع الزخارف في هذه المساجد بين الأنماط الهندسية والنباتية والكتابية، مما يضفي على الأماكن المقدسة طابعًا فنيًا وروحيًا مميزًا.

من أهم الزخارف التي اهتمت بها الحضارة الإسلامية هي الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية، والتي تظهر بوضوح في تصميم المساجد الكبرى.

المسجد الحرام في مكة المكرمة

يصنف كأعظم المساجد في العالم الإسلامي، ويتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين الزخارف الهندسية الدقيقة والنقوش القرآنية البديعة. توظف الزخارف النباتية والهندسية في تزيين الأعمدة والجدران، مما يخلق جوًا روحانيًا يعزز من خشوع المصلين.

المسجد النبوي في المدينة المنورة

يشتهر بتصميمه الذي يمزج بين الزخارف التقليدية والحداثية. تستخدم الزخارف الكتابية بوضوح، حيث تزين الآيات القرآنية جدران المسجد، بالإضافة إلى الزخارف الهندسية التي تضفي جمالًا على القباب والمآذن.

مسجد قباء

يعد من أقدم المساجد في الإسلام، ويتميز بزخارفه البسيطة التي تعكس الطابع التقليدي للعمارة الإسلامية. تستخدم الزخارف النباتية والهندسية بتناسق، مما يمنح المسجد طابعًا هادئًا ومريحًا.

مسجد الملك عبد الله في الرياض

يمثل نموذجًا للاندماج بين الزخارف الإسلامية التقليدية والتقنيات المعمارية الحديثة. توظف الزخارف الهندسية المعقدة في تصميم الواجهات والأسقف، مما يبرز التطور في استخدام الزخرفة الإسلامية في العصر الحديث.

تبرز هذه المساجد التنوع والثراء في استعمال الزخرفة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، حيث تستخدم الزخارف كأداة للتعبير عن الجمال والروحانية، وتعزيز الهوية الثقافية والدينية للمجتمع.

تعرف أيضًا على: ما سر روعة القصور الإسلامية الأثرية؟ 

دور الزخرفة الإسلامية في الحفاظ على الهوية

يعتبر الفن الإسلامي للزخرفة علامة فارقة في تحديد الهوية الثقافية والتراثية للعالم الإسلامي، حيث يمزج هذا الفن بين الأبعاد الهندسية الجذابة ودقة التنفيذ في جميع الجزئيات، مما يجعله مكونًا أساسيًا في الفنون المعمارية والتطبيقية، وفي الوقت الحاضر تتوالى المساعي للحفاظ على هذا الفن والارتقاء به لمواكبة التغيرات الزمنية، مع الحرص على عدم التخلي عن قيمه الأساسية وروحيته.

تبادر الهيئات الثقافية إلى تنظيم معارض ومؤتمرات عالمية تسمح للفنانين بتقديم إبداعاتهم واستلهام الأفكار المبتكرة، مما يساهم في تجديد أساليب الزخرفة الإسلامية عبر العصور . بالإضافة إلى ذلك، تعمل المؤسسات التعليمية والفنية على تقديم برامج متخصصة لتدريس هذا الفن، مما يضمن استمراره وانتقاله إلى الأجيال المقبلة.

بالإضافة إلى ذلك، يشهد هذا الفن تقدمًا ملحوظًا من خلال دمجه في ميادين التصميم المعاصرة، حيث يتم توظيفه في الديكور الداخلي، وصناعة الأثاث، وحتى في الإنتاجات الرقمية. تساهم هذه المبادرات في إنعاش الزخرفة الإسلامية ومنحها بُعدًا معاصرًا يتناسب مع التوجهات العامة، مما يعزز انتشارها في العالم المعاصر. [2]

تعرف أيضًا على: كيف تطورت الفنون الإسلامية خلال العصور

وفي الختام، نجد أن الزخرفة الإسلامية عبر العصور لم تكن مجرد زينة، بل كانت تعبيرًا عميقًا عن العقيدة والجمال في آن واحد. من خلال استعراضنا لتاريخ هذا الفن وتطوره، يتضح أن الزخارف الإسلامية الهندسية تمثل أحد أرقى أشكال الإبداع الإسلامي، والتي استمرت في التأثير حتى يومنا هذا، محافظة على خصائصها ودلالاتها الرمزية.

• journals umtThe Spiritual Aesthetics of Islamic Ornamentation and the Aesthetic Value in Islamic Architecture (بتصرف)
• studocuTitle The Role of Islamic Art in Preserving Cultural Identity (بتصرف)

مشاركة المقال

وسوم