السلطانة صفية وتأثيرها في الدولة العثمانية

من بين نساء القصور العثمانية، برزت شخصيات كان لهن دورٌ محوري في صنع القرار والتأثير على مجريات الحكم. لكن تبقى السلطانة صفية واحدة من أكثرهنّ نفوذًا وسطوعًا في التاريخ العثماني. لم تكن مجرد زوجة سلطان أو والدة لوريث العرش. بل كانت شخصية سياسية بارعة. أتقنت فن الإدارة وكسبت احترام الجميع بذكائها ودهائها. يجمع هذا المقال بين فصول من حياتها، وعلاقتها بأبنائها، ومكانتها بين سائر السلطانات. مع لمحات عن أبرز المواقف التي صنعت منها أسطورة نسائية في بلاط العثمانيين.
تعرف أيضًا على :الملكة رانيا العبدالله ومسيرتها في العمل الإنساني
كيف كانت نهاية السلطانة صفية؟

رغم أن حياة السلطانة صفية كانت حافلة بالنفوذ والتأثير داخل أروقة الدولة العثمانية، فإن نهايتها جاءت بهدوء يختلف عن صخب سنوات حكمها. بعد وفاة ابنها السلطان محمد الثالث، تراجع دورها السياسي بشكل ملحوظ، وبدأت تخفت سطوتها شيئًا فشيئًا، خاصة بعد تولي حفيدها السلطان أحمد الأول العرش، والذي لم يكن على وفاق دائم معها، فقد أراد إنهاء مرحلة “سلطنة النساء” التي مثّلت صفية رمزًا أساسيًا فيها.
سبب وفاة السلطانة صفية
سبب وفاة السلطانة صفية لم يكن دراميًا كما قد يتخيله البعض، فقد توفيت وفاة طبيعية في قصرها بمدينة إسطنبول عام 1619، عن عمر يناهز الـ 68 عامًا تقريبًا. ابتعدت في سنواتها الأخيرة عن المشهد السياسي، وكرّست وقتها للعبادة والأعمال الخيرية، أبرزها إنشاء مسجد يحمل اسمها لا يزال قائمًا إلى اليوم، في حي “يني كابي”.
وبينما تختلف الروايات حول تاريخ وفاتها الدقيق، فإن معظم المصادر العثمانية تتفق على أنها عاشت بعد وفاة ابنها محمد الثالث بحوالي ستة عشر عامًا، وهو ما يعكس مدى طول عمرها مقارنة بغيرها من نساء القصر.
هكذا أسدلت السلطانة الستار على حياتها، بعدما كانت واحدة من أبرز نساء الدولة، صاحبة القرار والنفوذ، واليد الخفية خلف العديد من الأحداث في القصر السلطاني. [1]
تعرف أيضًا على :كم عدد ملوك السعودية؟وما دور كل منهم في تطور المملكة؟
من هي السلطانة التي قتلت ابنها؟
حين نبحث في تاريخ القصور العثمانية، نجد أن كثيرًا من القصص تختلط فيها السياسة بالعاطفة، وتغدو الأمومة أحيانًا ضحية للصراع على العرش. من بين هذه القصص المؤلمة تبرز حادثة موت إسكندر ابن السلطانة صفية، وهي واقعة أثارت جدلًا واسعًا داخل البلاط العثماني، وبقيت إلى اليوم من أكثر الأحداث إثارة للأسى.
بحسب ما تنقله بعض المصادر التاريخية، فإن الأمير إسكندر، أحد أبناء السلطانة صفية، قتل بأمر من والده السلطان مراد الثالث أو بأمر من أخيه السلطان محمد الثالث بعد وفاة الأب، ضمن سياسة الدولة العثمانية آنذاك في تصفية الإخوة الذكور لضمان استقرار الحكم. لكن ما يثير الجدل أن البعض يرجّح أن صفية كانت على علم بذلك القرار، أو ربما دعمته بصمت، حفاظًا على مستقبل ابنها الآخر الذي تولى الحكم.
هذا الموقف وضع صفية في صورة السلطانة القوية التي غلّبت مصلحة الدولة على مشاعر الأمومة، لكن أيضًا أثار تساؤلات أخلاقية عميقة عن حجم التضحيات داخل البلاط العثماني، وعن الثمن الباهظ الذي كانت تدفعه أمهات السلاطين في سبيل البقاء ضمن دوائر النفوذ.
موت الأمير إسكندر لم يكن مجرد حادث سياسي، بل ترك أثرًا نفسيًا طويل المدى في حياة السلطانة، حتى إن بعض المؤرخين أشاروا إلى تغيرات واضحة في سلوكها بعد الحادثة، كأنها تحمّلت وزر القرار، حتى وإن لم تكن هي صاحبة الأمر المباشر. [2]
تعرف أيضًا على :الملك حسين بن طلال: ملك الدبلوماسية والاتزان في الشرق الأوسط
من هي أجمل سلطانة في الدولة العثمانية؟
حين يذكر لقب “أجمل سلطانة في الدولة العثمانية”، تتوجه الأنظار إلى عدد من نساء القصر، لكن أحد أبرز الأسماء التي حازت هذا اللقب كانت السلطانة صفية. لم يكن جمالها سطحيًا أو عابرًا، بل اقترن دائمًا بذكاء استثنائي، وهدوء جعل منها سيدة الموقف في أكثر من أزمة داخل القصر.
كانت ذات حضور قوي وملامح آسرة، عرفت برقة مظهرها وأناقتها اللافتة. كما تميزت بقدرتها على كسب احترام من حولها، سواء في بلاط السلطان أو في أروقة الحريم. هذا الجمال. الذي جمع بين الرقة والفطنة، لم يبقَ حكرًا عليها، بل ظهر في ذريّتها. خاصة في السلطانة فخرية ابنة السلطانة صفية. التي ورثت عن والدتها الحسن والهيبة معًا، وكانت تتمتع بحضور مؤثر وجمال شرقي خالص.
وعند الحديث عن السلطانة صفية الأبناء، فإنّها أنجبت عددًا من الأبناء كان من أبرزهم السلطان محمد الثالث. لكن علاقتها بأبنائها لم تكن عاطفية فقط، بل سياسية أيضًا. إذ كانت تدير أمورهم وتؤثر على قراراتهم، ما منحها سلطة حقيقية داخل الدولة.
ومن أهم صفات السلطانة صفية التي ميّزتها
- جمال طبيعي ومظهر مهيب
- شخصية دبلوماسية وقادرة على التفاوض
- قدرة على كسب قلوب العامة والحاشية
- ذكاء سياسي ظاهر في تحركاتها داخل الدولة
- تأثير تربوي على أبنائها، خاصة فخرية ومحمد
هذا المزيج جعل منها سلطانة لا تنسى، وجعل من لقب “أجمل سلطانة” وصفًا يعكس أكثر من مجرّد شكل.
تعرف أيضًا على :عدد محافظات الأردن: تعرف على التقسيم الإداري الرسمي
من هي صفية في حريم السلطان؟
في الأعمال الدرامية التي تناولت تاريخ الدولة العثمانية، ظهرت شخصية السلطانة صفية بصورة متكررة. خصوصًا في المسلسل الشهير “حريم السلطان” الذي قدّم جوانب من حياة الحرملك وسلطانات القصر. لكن الواقع التاريخي لشخصية صفية مختلف إلى حد كبير عما صوّرته الدراما. فهي لم تكن مجرد جارية نالت الحظوة. بل كانت شخصية نافذة، عاشت مرحلة انتقالية دقيقة في الدولة، وأسهمت في صنع القرار على أعلى المستويات.
في مسلسل السلطانة صفية، ظهرت بصفات متطرفة بين الحنان والمكر. بينما في التاريخ الفعلي، كانت تحكم خلف الستار. خاصة بعد تولي ابنها محمد الثالث السلطنة. وقد اعتمدت على دهائها في كسب النفوذ. دون أن تدخل في مواجهات مباشرة إلا عند الضرورة.
ومن أبرز المآثر العمرانية التي ارتبطت بها، مسجد السلطانة صفية في إسطنبول، والذي لا يزال قائمًا حتى اليوم، ويعدّ من أجمل المساجد التي بنيت في عهد النساء السلطانيات. أنشأته السلطانة في منطقة السراج خانة عام 1597، وضمّ إلى جانبه مدرسة وخانًا وسبيلًا للماء، مما يعكس اهتمامها بالعلم والوقف الإسلامي.
ومن خلال هذه الآثار، يتضح أن تأثيرها لم يقتصر على القصر وحده، بل امتدّ إلى المجتمع، وترك بصمات حضارية ما تزال قائمة. كما أنّ بعض المؤرخين يرون أن المسجد رسالة منها لتأكيد مكانتها الدينية والسياسية في زمن كان يزداد فيه الصراع على السلطة داخل القصر.
تعرف أيضًا على :الملك الحسن الثاني: العاهل المغربي الذي واجه التحديات بحنكة
وختامًا تبقى السلطانة صفية رمزًا نسائيًا استثنائيًا في تاريخ الدولة العثمانية. لا لجمالها وأناقتها فحسب، بل لما امتلكته من حنكة سياسية وقدرة على التأثير في القرارات المصيرية. عاشت حياة حافلة بالتحديات، وأدارتها بدهاء جعلها من أبرز الوجوه النسائية التي لم تهمشها كتب التاريخ. من خلال أبنائها وبناتها، ومواقفها المؤثرة، ومسجدها الباقي شاهدًا. لا تزال صفحتها مضيئة في ذاكرة التاريخ العثماني.
المراجع
- myforevertravelSafiye Sultan - My Forever Travel -بتصرف
- fandomSultan Murad IV | Magnificent Century: Kosem Wikia - Fandom -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

الأمير محمد بن سلمان: مهندس رؤية السعودية 2030

أمين الهنيدي: فنان لا يقلّد… مدرسة في خفة...

بدر صالح: كيف غيّر برنامج "إيش اللي" شكل...

السلطان محمد الفاتح

الخديوي توفيق وتاريخه في مصر الحديثة

محمد شكري والخبز الحافي: اعترافات لا تعرف التجميل

محمد نجيب: أول رئيس لمصر ومسيرته بعد الثورة

معمر القذافي: الرئيس اللليبي الأسبق

الملك عبدالله الثاني وأبناءه ودورهم في الأردن

ابن القيم الجوزية: تلميذ ابن تيمية وناشر العلم...

باسم ياخور: النجم الذي أتقن المزج بين التهريج...

خالد بن الوليد بن طلال ومسيرته ودوره في...

جورج سيدهم: الموهبة الهادئة التي أبهرت جمهور المسرح...

الضيف أحمد: موهبة رحلت مبكرًا… لكنها أضاءت المسرح...
