الشعر عند القبائل العربية

الكاتب : آية زيدان
06 سبتمبر 2025
عدد المشاهدات : 11
منذ 3 ساعات
الشعر عند القبائل العربية
من هي قبيلة الشعر؟
ما هو الشعر القبلي؟
ماذا كان يمثل الشعر لدى العرب؟
كيف كان العرب يلقون الشعر؟

لقد شكّل الشعر عند القبائل العربية حجر الأساس في تميّز الحضارة العربية، فهو ليس مجرد زينة لغوية بقدر ما هو مرآة الهوية الجماعية. ففي ظل غياب المدارس والكتابة، كانت أبيات شعر مدح وفخر هي الوسيلة التي عبّر بها العرب عن انتمائهم، ودافعوا بها عن قبائلهم، وسجلوا بها مجدهم التاريخي. يبرز ذلك جليًا في العصر الجاهلي، حين كان الشعر نبض المجالس ومفتاح الفصاحة، ووسيلة لخلد الأبطال، وتوثيق الوقائع. ومن خلال هذا المقال سنغوص معًا في عالم الشعر القبلي، لمعرفة كيف نشأ، وما هي أدواره في بناء الشخصية والانتماء.

من هي قبيلة الشعر؟

لطالما كان الشعر عند القبائل العربية أكثر من مجرد تعبير شعري؛ فهو كان نبض الجماعة وعنوانها، لكنّ الأمر لا يتعلق بقبيلة محددة بهذا الاسم. إنما تتنوع القبائل التي تألقت في نظم الشعر. وبرزت في فضاءات المفاخر والمساجلات، عبر ما وصف بـ مدح القبيلة في الشعر الجاهلي.

فمن بين هذه القبائل، تميّز القرّاء (الأنصار مثل بني أسد وهذيل) بشعرهم الصادق والحماسي، فقد اعترف الجاحظ بأنَّ بعد معركة إياد. تفرقت قبيلة عبد القيس إلى شقَيْن، أحدهما هاجر إلى عمان وفيه خطباء العرب، وأخرى إلى البحرين، واصفًا إياها بأنّها “أشعر قبيلة في العرب” رغم أنَّ هذا المديح لم يكن موجودًا فيهم حين كانوا مجتمعين في قلب البادية. بالتالي يبيّن كيف أنتج الشعر المفاخر منذ تفرق القبائل وحدّ من نضجها في التعبير والمكانة في عالم الشعر.

هذا يشير إلى أن الشعر لم ينشأ في قبيلة محددة كما يعتقد. بل هو إرث جماعي كان ينبض في متون كل قبيلة أصيلة، يتجسد في مساجلاتهم وقصائدهم التي تناقلوها في محفلاتهم وأسواقهم. [1]

تعرف أيضًا على:الفروسية عند القبائل العربية

ما هو الشعر القبلي؟

الشعر عند القبائل العربية

الشعر عند القبائل العربية لم يكن مجرد نصوص تتلى، بل كان صدى الروح الجماعية، وصوت النسب والكرامة. تميّز الشعر القبلي بكونه أداءً جماعيًا وفصاحةً في التعبير. وقد سمّاها البعض ديوان العرب، لأنها كانت سجلًّا لمدح القبيلة، ووصف بيئتها، وتوثيق أنسابها.

في هذا السياق، نجد أن الشعراء كانوا بمثابة فحول القبيلة ومنابرها؛ إما لمدح القبيلة أو لمدعٍ فخرهم. وقد وظفوا في ذلك أبيات شعر مدح وفخر تخليدًا لمآثرهم. في العصر الجاهلي. فإذا نشط شاعر من قبيلة ما، يقام له الاحتفال، وتهدى له الأطعمة. وتشارك النساء بالرقص، لأنه كان محسوبًا على نمط اجتماعي يرفع شأن القبيلة ويعيد بناء صورتها عبر الشعر.

تعرف أيضًا على:عنترة بن شداد وصوت السيف: بطولة مكتوبة بالشعر

وعلى مستوى الوظيفة، كانت مهمة الشاعر القبلي أن يتعالى على حدوده الشخصية ليستعيد المجد والعدل لشعبه. فهو لسان العشيرة وسيفها في الوقت نفسه. وهو ما أكّده أكثر من ناقل وكاتب مثل ابن رشيق والقيرواني الذين قالوا إن الشاعر كان بمثابة القائد الروحي والسياسي لبيئته.

كما ورد في تعريف أوسع عن الشعر القبلي، إنه “فن يسخر لخدمة قضايا القبيلة.والتعبير عن آرائها، وإظهار رغبتها في الوجود، ودحر خصوماتها، بغض النظر عن مشاعر الشاعر الخاصة.

إذاً، الشعر القبلي تجلّى كظهر لجماعة، يعكس مجدها، يؤرّخ لقضاياها، يذود عن كرامتها، ويغرس رابط الانتماء في النفوس. [2]

تعرف أيضًا على:محمود درويش حين يتحوّل الشعر إلى وطن داخلي

ماذا كان يمثل الشعر لدى العرب؟

الشعر عند القبائل العربية

لم يكن الشعر عند القبائل العربية مجرد كلمات تنظّم على قوافي وأوزان، بل كان أداة جماعية أساسية تعكس هوية القبيلة وتصور تاريخها ومعاركها ومكارمها. في العصر الجاهلي، ظل الشاعر مرآة القبيلة، يعبّر عن مجدها ويصدّع نيران عدائها. كان هو الصحافة الإعلامية الأولى، يفتخر بأمجاد عشيرته ويهجو أعداءها، ويلهم القوة والشجاعة للصغار والكبار على حد سواء.

أما في صراع الزمن، فقد أثبت الشعر قدرته اللافتة على توثيق الأحداث. بينما كان يمتد ليكون سجلّاً حيّاً للمعارك والبطولات، ويخزن في ذاكرة الأمة العربية سردها الذاتي بكل تفاصيلها الإنسانية.

وعلى المستوى الثقافي والمعرفي، كان الشعر بمثابة “ديوان العرب”؛ السجل الذي حفظ اللغة العربية. وأسس لمفرداتها، ونبض الأجيال. لقد اعتبره النقّاد أداة تعليمية وتنموية، بل وسيلة لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية. بينما كان يجرى الاعتماد عليه في تفسير النصوص وفهم معانيها.

بذلك، يتجلّى دور الشعر لدى العرب على أنه أكثر من فن؛ إنه رمز الهوية، ومرجع للفخر، وذاكرة حضارية. ومِعطاء أخلاقي، يجمع بين الجمال والإخبار والحكمة في قلب المجتمع العربي.

تعرف أيضًا على:الشعرأهم الشعراء في العصر الجاهلي

كيف كان العرب يلقون الشعر؟

الشعر عند القبائل العربية

في عمق أواسط الصحراء، كان شريان الشعر عند القبائل العربية ينبض في أسواق الصيف، صباح العيد، وحواضر اللقاء. حين يظهر الشاعر وسط مقعد القبيلة، تتوقف الأصوات ويصمت الحاضرون. فيتهيأ الهواء لتصفيق الكلمة قبل رقص الألسنة. هذه اللحظات ليست مجرد إلقاء، بل احتفالية تذكر العشيرة بتاريخها ومآثرها، ووسيلة لحفظ الهوية الجماعية في ذاكرتهم.

كان الشعر يلقى بصوت قوي، يرتفع حين تتزاحم الدموع على مقطوعات عن الشوق أو النصب. وينخفض في البكاء على الأحبة. في الأسواق مثل عكَاظ وذو المجاز، اجتمعت القبائل في ملتقيات تنافست فيها القصائد على التعزيز والتباهي.

تعرف أيضًا على:الأمير بدر بن عبد المحسن: شاعر الأمراء وأمير الشعر

ومن اشتهرت فيها قصائد “المعلقات” التي يقال إنها معلقة على جدران الكعبة، حكمًا على قيمتها وفصاحتها.

الشاعر كان أكثر من متحدث؛ كان معلّمًا، وسياسيًا، ونظامًا جماعيًا. صوته يصدح باسم الجماعة. ينشد مجدها ويؤرخ لمعركة وقعت، ويذم من تحدّاها أو انحرف عن مسارها. أما فَهم الجمهور، فكان جزءًا من فن التلقّي؛ يتنفس الحروف ويستحضر الشخصيات. ويسهم في بناء الانطباع. تلك العلاقة بين متحدث ومستمع، كانت تحفظ الشعر في ذاكرة القبيلة، وينقلها الراوي (الرّاوِي) من جيل إلى جيل.

هكذا، كان إلقاء الشعر عند القبائل تجربة حقيقية، حيث تتحوّل الكلمات إلى جسد نابض. والقصيدة إلى رسالة حيّة، والقبيلة إلى جمهور واعٍ، يعيد الكلمة على مسامع الزمان.

تعرف أيضًا على:الخليل بن أحمد الفراهيدي يرسم الأوزان: من بحر الشعر إلى علم العَروض

ختامًا، يظل الشعر عند القبائل العربية أكثر من مجرد فن؛ إنه دفين الهوية ومعلّم العطاء والفخر. فقد حفظ للأمم حضارتها وهويتها في معترك التاريخ. وبتأمّل أبيات شعر مدح وفخر نجد مرآة تعكس أعماق النفوس وروح الانتماء لشعب لم يكتب التاريخ باسمه فقط. بل حَفِظه بلحن الفخر والجمال على الألسنة. الحب هنا ليس مجرد كلمات، بل حالة وجدت أنغامها في الشعر، ونبضها في الحرّ. وشكّلته القبيلة في ذاكرة الزمان.

المراجع

مشاركة المقال

وسوم

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة