قصة تحريم الخمر: مواقف الصحابة قبل وبعد نزول التحريم

الكاتب : بسمة وليد
09 مارس 2025
عدد المشاهدات : 13
منذ 8 ساعات
قصة تحريم الخمر: مواقف الصحابة قبل وبعد نزول التحريم
عناصر الموضوع
1- الخمر في البيئة الجاهلية
2- التدرخ في تحريمها قرآنيًا
حكمة التدرج في تحريم الخمر
مراحل تحريم الخمر في الإسلام: تدرّج حكيم في التشريع
3- استجابة الصحابة السريعة
4- مواقف مؤثرة بعد نزول الحكم
5- الحكمة من التشريع التدريجي

عناصر الموضوع

1- الخمر في البيئة الجاهلية

2- التدرج في تحريمها قرآنيًا

3- استجابة الصحابة السريعة

4- مواقف مؤثرة بعد نزول الحكم

5- الحكمة من التشريع التدريجي

انتشرت بين العرب في الجاهلية عادات سيئة ومنكرات مشينة، أثرت على حياتهم وأدخلتهم في دروب الضلال والغي. ومن أبرز هذه العادات كانت شرب الخمر، وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتمنع هذه العادة وتحرمها بشكل قاطع، حيث تعتبر الخمر أم الخبائث وكبيرة من الكبائر، وهي سبب في فقدان العقل، الذي يعد من نعم الله على الإنسان فهل كان الصحابة يشربون الخمر قبل الإسلام؟ وماذا فعلوا عندما حرم الإسلام الخمر؟

1- الخمر في البيئة الجاهلية

يذكر مصطفى أبو ضيف أحمد في كتابه “دراسات في تاريخ العرب منذ ما قبل الإسلام إلى ظهور الأمويين” أن الأنباط كانوا يعشقون الشراب والخمور، وقد أبدعوا في نحت صور الكروم وعناقيدها على الألواح الحجرية.

كما تغنى العرب بالخمر في أشعارهم التي وصلت إلينا منذ أكثر من 1400 عام، في ما يعرف ب العصر الجاهلي. ويشير المؤرخ العراقي هادي العلوي إلى أن الخمر كانت “الشراب المفضل للجاهليين”. وليس معنى هذا أن الصحابة يشربون الخمر.

ارتبطت الخمر في الثقافة العربية باللهو والكرم، وكانت تُتناول في المجالس. ومن أبرز الشعراء الذين تغنوا بالخمر الأعشى وطرفة بن العبد، حيث ذكر العلوي في كتابه “من قاموس التراث” أن قبر الأعشى أصبح مقصداً للشباب الذين كانوا يجتمعون هناك لشرب الخمر وصب كؤوسهم عليه.

وقد كان الأعشى متميزاً في وصف الخمر وتفاصيلها، مما جعله يعتبر “إماماً” للأخطل في العصر الأموي وأبي نواس في العصر العباسي، اللذين اشتهرا بقصائد تتناول الخمر وأوصافها، والتي عُرفت باسم “الخمريات”.

على الرغم من ذلك، كان هناك في عصر الجاهلية من حرم شرب الخمر على نفسه، ومن أبرز هؤلاء عبد المطلب بن هاشم، جد النبي محمد، وورقة بن نوفل الذي عُرف بأنه من الحنفاء، بالإضافة إلى الوليد بن المغيرة، الذي كان من أشراف قريش في تلك الفترة. [1]

ومن الصحابة من لم يشرب الخمر أمثال أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب حتى قبل الإسلام لذا الصحابة لم يكونوا يشربون الخمر بالطبع بعد تحريمه.

  • وقد روي عن الشاعر الجاهلي مقيس بن صبابة أنه قال عندما حرم الخمر على نفسه في الجاهلية:
  • رأيت الخمر طيبةً وفيها  خصالٌ كلها دنسٌ ذميمُ
  • فلا واللهِ أشربُها حياتي  طوالَ الدهرِ ما طَلَع النجوم

2- التدرخ في تحريمها قرآنيًا

وفقًا لما ورد عن فقهاء المسلمين، فقد تم حظر الخمر في الإسلام بشكل تدريجي، بدءًا من كراهيته، ثم النهي عن الصلاة في حالة السكر، وصولًا إلى التحريم النهائي. وقد أُشير إلى أن الصحابة ألقوا الخمور في شوارع المدينة استجابةً للأمر الإلهي.

وفي كتاب “قطب السرور”، تم التوضيح أن الحكم على الخمر يختلف عن النبيذ. فقد أكد الفقهاء المسلمون تحريم الخمر، لكنهم اختلفوا في حكم النبيذ، حيث رُوي أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يتناولونه.

كما ذكر الفقيه ابن قدامة في كتابه “المغني” أن ابن حنبل سئل عن شراب الطلاء، وهو العصير الذي تم طهيه حتى تبخر ثلثاه أو أقل، فأجاب بأنه لا بأس به. وعندما جادله البعض بأنه قد يسكر، نفى ذلك مؤكدا أن الصحابي عمر بن الخطاب قد أباحه فالصحابة لا يشربون الخمر.

وفي سنن الدارقطني، ورد عن عمر بن الخطاب قوله: “إني لأشرب هذا النبيذ الشديد يقطع ما في بطوننا من لحوم الإبل”، أي أنه يساعد على هضمها. كما أشار القيرواني إلى أن سفيان الثوري، أحد أبرز التابعين، كان يتناول النبيذ أيضا.

حكمة التدرج في تحريم الخمر

تدرجت الشريعة الإسلامية في تحريم الخمر، حيث لم تنزل آية واحدة تحرمه دفعة واحدة، بل مر تحريمه بثلاث مراحل. وهذا التدرج يحمل حكمة عظيمة من الشريعة، إذ يساعد النفس البشرية التي قد تجد صعوبة في التخلي عن عادة اعتادت عليها لسنوات طويلة.

تتمثل المرحلة الأولى في تأثيم شارب الخمر، حيث نزلت آية قرآنية تخاطب المسلمين وتضع الخمر في إطار معياري مادي. فقد أشير في الآية إلى أن الخمر يحمل إثما كبيرا، لأنه يذهب بالعقل ويعوق التفكير والإدراك، مما يؤدي إلى العديد من المشكلات الاجتماعية. ورغم أن هناك بعض المنافع المادية التي قد يجنيها بعض الأشخاص من التجارة في الخمر، إلا أن الآية تدعو إلى التأمل والموازنة بين الإثم الكبير الذي يستدعي التخلي عن هذه العادة السيئة، وبين المنفعة القليلة التي لا تستحق العناء. قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) [البقرة 219].

مراحل تحريم الخمر في الإسلام: تدرّج حكيم في التشريع

  • مرحلة النهي عن الصلاة أثناء شرب الخمر كانت تتسم بخطاب رباني روحي يستهدف النفس المؤمنة التي تسعى لرضا اللة تعالى. فقد نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن الاقتراب من الصلاة وهم في حالة سكر، وكان منادي رسول الله ﷺ ينبه الناس بعدم الاقتراب من الصلاة في هذه الحالة. وقد حدث أن صلى أحد المهاجرين بالناس، لكن اختلطت عليه القراءة، مما يبرز أن الخمر يتعارض مع صفاء القلب وخشوع النفس. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [النساء: 43]. وعند نزول هذه الآيات، ترك بعض المسلمين شرب الخمر حرصاً على أداء الصلاة، بينما استمر البعض في تناولها رغم الصعوبات.
  • أما مرحلة تحريم شرب الخمر، فقد كانت المرحلة النهائية والحاسمة، حيث أوضح الله عز وجل أن الخمر هي رجس من عمل الشيطان، وأمر المسلمين بالابتعاد عنها. والابتعاد هنا يعني عدم الاقتراب من هذه الآفة بأي شكل من الأشكال، فهي محرمة على بائعها ومشتريها ومقدمها، وكذلك على من يجلس مع شاربها. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).
  • وبعد نزول تلك الآية الكريمة بادر المسلمون إلى كسر أواني الخمر، وإراقتها في الطرقات استجابةً لأمر الله تعالى ولسان حالهم ومقالهم يردد: انتهينا يا رب، انتهينا يا رب.[2]

3- استجابة الصحابة السريعة

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت ساقي الخمر القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا فنادى، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت، فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فجرت في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ خمر يصنع من ثمر النخل، فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} (المائدة 93)) رواه البخاري.

واستجاب الصحابة رضوان الله عليهم للتحريم فالصحابة لا يشربون الخمر.[3]

4- مواقف مؤثرة بعد نزول الحكم

  • ومن صور استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لتحريم الخمر ما ذكره الطبري في تفسيره. عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه أنه قال: (بينما نحن قعود على شراب لنا. ونحن على رملة. ونحن ثلاثة أو أربعة. وعندنا باطية (إناء خمر) لنا. ونحن نشرب الخمر حلا. إذ قمت حتى آتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه. وقد نزل تحريم الخمر: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} (المائدة 90)، إلى: {فهل أنتم منتهون} (المائدة 91). فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}. قال: وبعض القوم شربته في يده. وقد شرب بعضا. وبقي بعض في الإناء. فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام. ثم صبوا ما في باطيتهم. فقالوا: انتهينا ربنا. انتهينا ربنا).

    لقد سارع الصحابة رضوان الله عليهم إلى الانتهاء عن تناول الخمر بهذا الشكل الحاسم. فالصحابة لا يشربون الخمر. وأراقوا ما لديهم منها. ولم يبيعوا ما بقي عندهم منها. وقالوا بلسان حالهم ومقالهم: انتهينا ربنا. انتهينا ربنا. وصار بعضهم يقول: ما حرم الله عز وجل شيئا أشد من تحريمه للخمر.

5- الحكمة من التشريع التدريجي

إن الشارع الحكيم أدرى بطبيعة الأشياء وخصائصها، ومن أبرز خصائص الخمر أنها تؤثر على العقل، وقد سميت خمرًا لأنها تخامر العقل. ولها تأثير قوي عليه، مما يجعل من الصعب على شاربها أو مدمنها التخلي عنها بشكل مفاجئ. لذا كان من الضروري اتباع أسلوب تدريجي لتهيئة النفوس لقبول الحكم. وقد مر تحريم الخمر بعدة مراحل، كما ذكر المفسرون.[4]

في النهاية تتجلى عظمة الخالق في تحريم ما يذهب عقل المسلم فالإسلام يساعد على حفظ العقول على أصحابها وفي استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لهذا التحريم القاطع هو مثال للامتثال لأوامر الله بشكل قاطع فالصحابة لا يشربون الخمر طالما حرمه الله عز وجل.

المراجع

مشاركة المقال

وسوم

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة