العالم شرودنغر وتجربته الشهيرة مع قطة

العالم شرودنغر، من هو وما الذي جعله رمزًا مميزًا في عالم الفيزياء؟ إنه الفيزيائي النمساوي الشهير الذي أذهل العالم بتجربته المعروفة بـ”قطة شرودنغر”.تجربة قلبت المفاهيم التقليدية في فيزياء الكم. لم تكن مساهماته محصورة فقط في التجارب النظرية، بل أثرت أيضًا في الفكر العلمي والفلسفي على حد سواء. في هذا المقال سنغوص سويًا في قصة هذا العالم، ونكشف عن نظريته وتجربته. ونفهم كيف أحدثت تلك القطة ثورة فكرية تجاوزت حدود الفيزياء إلى الفلسفة والإعلام.

ماذا فعل العالم شرودنجر؟

أرفين شرودنغر لم يكن مجرد عالم فيزياء بل كان عقلًا فيلسوفًا يحاول فهم أعماق الطبيعة من خلال رياضيات دقيقة وتجارب فكرية بارعة. اشتهر بدوره الريادي في تطوير ميكانيكا الكم.وهو أحد الآباء المؤسسين لهذا الحقل الغامض والمعقد. لقد ساهم بشكل فعال في تطوير معادلة موجية تصف حركة الإلكترونات داخل الذرة.وهي ما تعرف اليوم بـ”معادلة شرودنغر”، التي تشكل حجر الأساس لفهمنا الحديث للفيزياء الذرية.

ما يجعل العالم شرودنغر مختلفًا عن غيره من علماء عصره هو جرأته في التشكيك والافتراض. ففي وقت كانت فيه ميكانيكا الكم تنمو بوتيرة متسارعة. لم يكتف شرودنغر بالمشاركة، بل تحدى بعض المفاهيم السائدة من خلال تجربة فكرية غريبة وغامضة. أصبحت فيما بعد رمزًا لعالم الكم.وهي تجربة “قطة شرودنغر” وقد أثارت تلك التجربة جدلاً واسعًا، خاصةً بينه وبين زميله فيرنر.فيرنر هايزنبيرغ، الذي بدوره قدم مبدأ الريبة المعروف هذا الجدل عمق الفهم لاختلاف وجهات النظر بين من يدافعون عن الطبيعة الاحتمالية للواقع ومن يسعون إلى يقين علمي رياضي.[1]

تعرف أيضًا على:العالم ثابت بن قرة وإسهاماته في الرياضيات والفلك

ما هي نظرية شرودنغر؟

عندما نتحدث عن نظرية شرودنغر فإننا لا نتحدث عن فكرة بسيطة بل عن ركيزة أساسية في فيزياء الكم النظرية التي قدمها شرودنغر. تهدف إلى وصف الجسيمات الدقيقة مثل الإلكترونات عن طريق ما يعرف بالدوال الموجية. والتي تظهر كيف يمكن لجسيم ما أن يتواجد في أكثر من مكان في نفس اللحظة. وهو ما يتعارض جذريًا مع منطق الفيزياء الكلاسيكية.

العالم شرودنغر قدم معادلة رياضية تحمل اسمه، هي ليست مجرد معادلة جامدة بل أداة قوية توضح سلوك الجسيمات الصغيرة بدقة هائلة. هذه المعادلة تعتمد على الموجات الاحتمالية بدلاً من القوانين الصارمة ومن خلالها نفهم أن الجسيم لا يملك موقعًا دقيقًا إلا عند قياسه. وهذا المفهوم هو ما أغضب الكثيرين وأثار الجدل.

هنا يظهر مفهوم نظرية شرودنجر، الذي يقوم على أن المادة في المستوى الذري لا تسلك سلوكًا حتميًا، بل احتماليًا. وهي نظرية أزعجت العقل الكلاسيكي لكنها في نفس الوقت فسرت تجارب لم يكن ممكنًا تفسيرها سابقًا. فالعالم الذي نظر لهذه المعادلة، جعلنا نعيد التفكير في طبيعة الواقع ذاته، وأين تبدأ الملاحظة وأين ينتهي “الاحتمال”.

تعرف أيضًا على:أهم الاختراعات في العالم

ما هي قصة قطة شرودنجر؟

قصة “قطة شرودنغر” من أغرب وأشهر التجارب الفكرية في تاريخ الفيزياء.وهي التي جعلت من اسم العالم شرودنغر أيقونة ليس فقط في الأوساط العلمية، بل حتى الثقافية والشعبية. الفكرة ببساطة تقوم على وضع قطة في صندوق مغلق، مع آلية تعتمد على تحلل ذرة مشعة، في حالة تحللها تنكسر زجاجة سم وتموت القطة. وإن لم تتحلل، تبقى القطة حية لكن حسب ميكانيكا الكم، قبل فتح الصندوق لا يمكن تحديد حالة القطة بدقة.بل يفترض أنها “حية وميتة” في آن واحد.

هذه الحالة الغريبة هي تطبيق لفكرة “التراكب الكمومي”، التي تنص على أن الجسيم يمكن أن يكون في أكثر من حالة حتى تتم ملاحظته. ولذلك، فقد طرحت التجربة كنوع من النقد الفكري لتفسير كوبنهاغن الذي كان شائعًا آنذاك، والذي يرى أن الواقع لا يتحدد إلا بالملاحظة.

لكن السؤال الذي شغل الناس كثيرًا هو: هل ماتت قطة شرودنجر فعلًا؟ في الحقيقة، القطة لم تكن حقيقية، بل رمزًا لحالة غامضة تعكس طبيعة ميكانيكا الكم. لكن استخدام الحيوان في التجربة أثار الجدل وأثار مشاعر الناس، مما جعل من التجربة أكثر شهرة وتأثيرًا على مدى العقود.

تعرف أيضًا على:أهمية الكيمياء في حياتنا

ما هي تجربة شرودنجر؟

تجربة شرودنغر ليست تجربة فيزيائية تمت في المختبر، بل تجربة ذهنية أو فكرية (Thought Experiment)، هدفها تسليط الضوء على التناقض بين التفسير الكمي وسلوكنا المنطقي في العالم العادي عبر هذه التجربة. أراد العالم شرودنغر أن يظهر مدى غرابة قوانين الكم عند تطبيقها على الأجسام الكبيرة، مثل القطة.

في داخل الصندوق، يتم إغلاق القطة مع آلية تعتمد على مصدر مشع وجهاز يمكن أن يطلق السم أو لا، بناءً على تحلل الذرة قبل فتح الصندوق. لا أحد يعرف إذا كانت القطة حية أو ميتة، ولكن من منظور الكم، فإن القطة في حالة تراكب: هي “حية وميتة” في الوقت نفسه. إلى أن تتم ملاحظتها هذا المفهوم يتعارض مع نظرتنا التقليدية للواقع، ويثير أسئلة عميقة عن حدود المعرفة والتفسير.

ما أراده شرودنغر هو إظهار مدى التناقض في قبولنا لتراكب الحالات على المستوى الذري، ورفضنا له عندما يتعلق الأمر بعالمنا اليومي هذه التجربة لم تحل تمامًا حتى اليوم، وتبقى رمزًا للغموض والتحدي الذي تفرضه ميكانيكا الكم.

تعرف أيضًا على:اكتشف أسرار عالم الرياضيات أرخميدس وإنجازاته العظيمة

كيف تناول الإعلام الحديث تجربة شرودنغر؟

تجاوزت تجربة قطة شرودنغر حدود الأبحاث الأكاديمية لتصبح رمزًا ثقافيًا في الإعلام المعاصر. استخدمت الفكرة في الأفلام والكتب والبرامج العلمية لتوضيح الغموض الكمي بطريقة جذابة ومبسطة.

قدم برنامج “الدحيح” عرضًا شهيرًا بعنوان قطة شرودنجر الدحيح، شرح فيه المفهوم بأسلوب مرح وسهل. مما ساعد في انتشاره بين غير المتخصصين.وهذا يوضح كيف نجح العالم شرودنغر في ترك أثر دائم، ليس فقط في الفيزياء بل في الثقافة العامة أيضًا، بفضل هذه التجربة الرمزية المثيرة.

تعرف أيضًا على:العلاقة بين الفلسفة والعلم

أبرز التأثيرات الفلسفية والعلمية لتجربة شرودنغر

لا يمكن الحديث عن تجربة شرودنغر دون التطرق لتأثيرها العميق على الفلسفة والعلوم الأخرى. لم تكن التجربة مجرد توضيح لمفارقة كمومية، بل كانت منطلقًا لمئات من النقاشات الفلسفية حول طبيعة الواقع، ودور الملاحظة، وحدود المعرفة الإنسانية.

تجربة شرودنغر دفعت الفلاسفة والعلماء للتساؤل: هل الواقع موجود بالفعل أم أنه يخلق عند ملاحظته؟ وكيف نفسر حالة الكائن عندما لا نراقبه؟ هذا النوع من الأسئلة أعاد صياغة كثير من المفاهيم الفلسفية القديمة، وأدخل العلم في منطقة التأملات الميتافيزيقية.

كما أثرت تجربة العالم شرودنغر في تطور عدة تفسيرات لميكانيكا الكم. منها تفسير العوالم المتعددة الذي يفترض أن جميع الاحتمالات تحدث بالفعل في أكوان موازية. هذه التفسيرات، رغم كونها غير قابلة للاختبار المباشر، إلا أنها أثرت في الثقافة العامة وحتى في الأدب والسينما.

ويعتبر هذا التأثير نموذجًا حيًا على فلسفة قطة شرودنجر، التي تدمج بين الفهم العلمي والتأمل العقلي، وتدفعنا لإعادة التفكير في ما نظنه “بديهيًا”، وتؤكد أن الحقيقة أحيانًا تكون أغرب مما نتصور.[2]

تعرف أيضًا على:أسئلة في الفيزياء النووية وأسرار الطاقة الذرية

وفى ختام الرحلة عبر أفكار وتجارب العالم شرودنغر ليست مجرد جولة في الفيزياء، بل عبور إلى قلب الفلسفة والوعي البشري. لقد أثبت شرودنغر أن العلم ليس مجرد أرقام وتجارب، بل حوار مفتوح مع الواقع. بكل تناقضاته من خلال تجربة القطة، تمكن من تحدي العقول، وتوسيع آفاق الفكر العلمي والإنساني. ويبقى إرثه علامة بارزة على قدرة العقل البشري على تخيل ما هو خارج الإدراك المباشر.

• Britannica Erwin Schrödinger ( بتصرف)
• Study Erwin Schrodinger | Discover, Equation & Example ( بتصرف)

مشاركة المقال

وسوم