الملكة نازلي: والدة الملك فاروق

الملكة نازلي اسم يثير الفضول ويحمل بداخله قصة ملكة. لم تكن مجرد زوجة لملك أو أم لآخر. بل كانت شخصية قوية تمردت على تقاليد عصرها. ودفعت ثمن حريتها الباهظ فقصتها ليست مجرد سيرة ذاتية عابرة. بل هي حكاية تراجيديا ملكية تتشابك فيها خيوط الحب والسلطة والمنفى وتكشف عن جوانب إنسانية عميقة لم تكن واضحة خلف جدران القصور.
ما هو أصل الملكة نازلي؟

ولدت الملكة نازلي في الإسكندرية عام 1894 لأسرة مرموقة. ذات جذور تركية وفرنسية ووالدها كان عبد الرحيم صبري باشا وزير الزراعة الأسبق. ووالدتها كانت توفيقة هانم ابنة اللواء محمد شريف باشا رئيس وزراء مصر وتركيا. هذا المزيج من الأصول منح نازلي شخصية فريدة تجمع بين العراقة الشرقية والانفتاح الغربي. مما جعلها تختلف عن غيرها من أميرات القصر فكانت تتمتع بذكاء حاد وشخصية مستقلة وميول فنية وأدبية قوية. فقد درست في مدرسة نوتردام دي سيون الفرنسية وكانت تجيد اللغات وتتابع أحدث إصدارات الأدب الأوروبي.
هذه الخلفية الثقافية شكلت وعيها المبكر وأثارت لديها شغف بالحرية والتحرر من قيود التقاليد. وبعد وفاة والدتها. انتقلت نازلي للعيش مع شقيقها. ثم مع عمها وفي تلك الفترة واجهت بعض التحديات العائلية التي أثرت على حياتها الشخصية. لكنها لم تستسلم. بل استمرت في تطوير ذاتها وكانت تتمتع بشخصية اجتماعية جذابة، تجعلها محط الأنظار في كل مكان تذهب إليه.
تعرف أيضًا على: من هو بولس الرسول؟ سيرته ودوره في نشر المسيحية ورسائله الشهيرة
رحلة الملكة نازلي: الثقافة والتمرد داخل أسوار القصر الملكي
لقد كانت رحلتها في الحياة قبل الزواج من الملك فؤاد الأول مليئة بالخبرات والتجارب التي صقلت شخصيتها. وجعلتها أكثر نضج واستعداد لمواجهة التحديات التي تنتظرها فقد كانت امرأة مثقفة وقارئة وعاشقة للقرائة. ومحبة للفنون وكل هذه الجوانب جعلتها شريكة مميزة للملك فؤاد الذي كان يقدر الثقافة والأدب ولكن اختلاف شخصياتهما في النهاية أدى إلى تصادم حتمي.
لم يكن زواجها من الملك فؤاد الأول مجرد ترتيب سياسي. بل كان زواج يجمع بين رجل ناضج وامرأة شابة طموحة فهذا الزواج فتح لـ الملكة نازلي. أبواب القصر الملكي وجعلها محور للأضواء ولكن في نفس الوقت فرض عليها قيود. لم تعتاد عليها فقد كان عليها أن تتخلى عن حريتها وتخضع لبروتوكولات صارمة. وأن تلعب دور الملكة المثالية وهو دور لم يكن يتناسب مع شخصيتها المتمردة. ومع ذلك أنجبت منه خمسة أبناء كان أكبرهم الملك فاروق و نازلي صبرى الابناء كلهم كانت تحرص على تربيتهم على حب العلم والمعرفة وتوفير أفضل تعليم. ممكن لهم لكن العلاقة بينها وبين الملك فؤاد لم تكن دائمًا سهلة، وكثير ما كانت هناك توترات بينهما بسبب اختلاف آرائهما وطريقة تفكيرهما.[1]
تعرف أيضًا على: الأم تريزا: قديسة الفقراء
مجوهرات الملكة نازلي
تعتبر مجوهرات الملكة نازلي. تحفة فنية تعكس ذوقها الرفيع وشغفها بالأناقة لقد كانت تمتلك مجموعة فريدة من القطع النادرة التي جمعتها من دور المجوهرات العالمية الشهيرة. فكانت هذه المجوهرات ليست مجرد زينة بل كانت تعبير عن مكانتها الملكية وقوتها فكانت تتزين بها في المناسبات الرسمية وتظهر بها في الصور الملكية مما جعلها محط الأنظار ومن أشهر هذه المجوهرات. كانت قلادتها المرصعة بالماس، التي كانت هدية من الملك فؤاد الأول وتاج الزفاف الذي كان مرصع باللؤلؤ والماس، وعدد من التيجان الأخرى التي كانت تستخدمها في المناسبات الرسمية. بالإضافة إلى مجموعة من الخواتم والأقراط والأساور المصنوعة من الأحجار الكريمة النادرة.
لكن هذه المجوهرات لم تكن مجرد قطع ثمينة بل كانت جزء من قصة حياتها. فبعد وفاة الملك فؤاد الأول وجدت الملكة نازلي نفسها في مواجهة مع القصر ومع ابنها الملك فاروق الذي كان يريد السيطرة على أملاكها ومجوهراتها مما أدى إلى توتر كبير بينهما و هذا الصراع على المجوهرات كان دليل علي الصراع الأكبر على السلطة والنفوذ بين الأم وابنها.
وعندما قررت نازلي مغادرة مصر أخذت معها جزء من هذه المجوهرات لتمول حياتها في المنفى وتساعدها على التكيف مع حياتها الجديدة بعيد عن ثراء القصر الملكي. فقد كانت هذه المجوهرات هي كل ما تبقى لها من ماضيها الملكي وكانت تبيع جزء منها كلما احتاجت إلى المال. هذا الجانب من قصة مجوهرات الملكة نازلي. يكشف عن جانب إنساني عميق فبعد أن كانت رمز للثراء والسلطة أصبحت وسيلة للبقاء على قيد الحياة
تعرف أيضًا على: السلطان عبد الحميد الثاني: آخر السلاطين الأقوياء
ومن القطع الأشهر التي كانت تملكها
- التاج الملكي: كان تاج مرصع باللؤلؤ والماس وكانت ترتديه في المناسبات الرسمية.
- عقد “نازلي” : كان عقد فريد من نوعه مصنوع من الزمرد والماس وكان يعتبر من أهم قطع مجوهراتها.
- خاتم الياقوت الأزرق: خاتم ضخم من الياقوت الأزرق النادر و كان هدية من الملك فاروق.
- أقراط الماس: مجموعة من الأقراط الفاخرة التي كانت تظهر بها في المناسبات الاجتماعية.
في النهاية فقدت نازلي معظم مجوهراتها بسبب حياتها المرفهة في الخارج واحتياجها المستمر للمال مما جعلها تبيع هذه التحف قطعة قطعة حتى لم يتبق منها سوى القليل.[2]
تعرف أيضًا على: قسطنطين الأكبر: الإمبراطور الروماني الذي نشر المسيحية وأسس القسطنطينية
لماذا نفيت الملكة نازلي؟
لم يكن نفي الملكة نازلي قرار مفاجئ بل كان نتيجة لسلسلة من الأحداث والقرارات التي اتخذتها في حياتها. فبعد وفاة زوجها الملك فؤاد الأول وجدت نفسها حرة من قيود القصر وبدأت في اتخاذ قرارات مصيرية أثارت غضب ابنها الملك فاروق والحاشية الملكية. من أهم هذه القرارات كان سفرها إلى الخارج للعلاج وزواج ابنتها الأميرة فتحية من القبطي رياض غالي. وهو الزواج الذي أثار فضيحة كبيرة في مصر واعتبره الملك فاروق إساءة للقصر الملكي فقد كان زواج الأميرة فتحية من رياض غالي نقطة التحول الرئيسية في علاقة الملكة بابنها وأدى إلى تدهورها بشكل سريع.
لقد كانت نازلي تحاول العيش بحرية بعيد عن القيود التي فرضت عليها في مصر. وكانت ترى أن من حقها أن تختار لنفسها ولأبنائها حياة مختلفة. وهذا كان يتصادم مع فكرة الملك فاروق عن العائلة الملكية والبروتوكولات الصارمة التي يجب أن تتبعها فعندما رفضت الملكة نازلي العودة إلى مصر والتخلي عن رياض غالي، أصدر الملك فاروق قرار بسحب جنسيتها المصرية وحرمها من أموالها ومنعها من العودة إلى مصر.
هذا القرار كان يمثل حكم بالنفي وجعلها تعيش بقية حياتها في الخارج. بعيد عن وطنها وأهلها فقد كانت هذه الفترة من أصعب الفترات في حياة نازلي فقد كانت تشعر بالوحدة والخذلان وخسرت كل شيء كانت تمتلكه.
لكن هذا النفي لم يكن نهاية قصتها بل كان بداية فصل جديد في حياتها. فقد عاشت الملكة نازلي في المنفى حياة غير مستقرة. فقد باعت معظم ممتلكاتها ومجوهراتها لتمويل حياتها وعانت من الكثير من المشاكل المالية والصحية. حتى وفاتها عام 1978 ظلت بعيدة عن مصر ولم تعد إليها أبدا فقد كانت قصة نفيها تراجيديا حقيقية تعكس مدى قسوة السلطة. ومدى صعوبة التمرد على التقاليد فقصة الملكة نازلي ورياض غالي هي قصة حب حقيقية أدت إلى عواقب وخيمة لكنها في نفس الوقت كشفت عن شخصية قوية لم تكن تخشى أن تدفع ثمن حريتها.
تعرف أيضًا على: ملك مقدونيا الإسكندر الأكبر القائد الذي غزا العالم
قبر الملكة نازلى
بعد وفاتها في الولايات المتحدة الأمريكية أثار موضوع قبر الملكة نازلى. جدل واسع فكانت رغبتها الأخيرة أن تدفن في مصر بجوار زوجها الملك فؤاد الأول. ولكن بسبب قرار نفيها لم يكن ذلك ممكن. لقد ظلت جثتها لأكثر من يوم في انتظار قرار من السلطات المصرية. ولكن لم يتمكن أبناؤها من تحقيق رغبتها فتم دفنها في مقبرة كاثوليكية في لوس أنجلوس في جنازة بسيطة. لم يحضرها أحد من أفراد العائلة الملكية وهو ما كان مؤلم للغاية. كانت هذه النهاية الحزينة ترمز إلى عزلتها ومدى الخسارة التي حصدتها بسبب قراراتها الجريئة فإن قصة الملكة نازلي في جنازة الملك فاروق. تظل لغز حيث لم تحضر الجنازة بسبب نفيها وهو ما يوضح مدى قسوة الخلاف بينهما.
مصير الملكة نازلي وتباين النهاية في المنفى
وفي المقابل فإن حقيقة أن الملك فاروق نفسه قد توفي في المنفى في روما ودفن في البداية في مقبرة إسلامية هناك قبل أن يتم نقل رفاته إلى مصر ودفنه في مقبرة عائلته تزيد من تراجيدية قصة الملكة نازلي وعائلتها. لقد كان مصير الأم والابن متشابه فكلاهما عاش حياته ومات في المنفى بعيد عن الوطن الذي كان يحكمه ولكن الفارق كان في النهاية حيث عادت رفات الملك إلى مصر بينما ظلت نازلي بعيدة عنها حتى بعد وفاتها. إن هذا التباين في المصير يكشف عن مدى قسوة الحكم الذي أصدره الملك فاروق على والدته والذي استمر تأثيره حتى بعد وفاتها.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت الملكة نازلي. تستحق هذه النهاية؟ هل كانت قراراتها الخاطئة كافية لتحرم من حقها في أن تدفن في أرض وطنها؟ مهما كانت الإجابة فإن قصة الملكة نازلي. و قبر الملكة نازلي ستظل تذكار دائم لقصة حب وحرية وثمن باهظ دفعته امرأة قوية في وجه التقاليد الملكية. فجنازة الملكة نازلي لم تكن فقط نهاية لحياتها بل كانت بمثابة إعلان رسمي عن نهاية حقبة من التاريخ المصري وعن مدى التغيرات التي طرأت على العائلة المالكة.
تعرف أيضًا على: شارلمان: إمبراطور أوروبا ومؤسس الإمبراطورية الكارولنجية
في الختام تبقى قصة الملكة نازلي. قصة مثيرة للجدل تروي حكاية امرأة قوية تمردت على القيود ودفعت. ثمن حريتها باهظ كانت حياتها مليئة بالتقلبات من الثراء والسلطة إلى العزلة والمنفى. ولكنها لم تستسلم بل استمرت في العيش بحرية حتى النهاية. لقد كانت قصة الملكة نازلي درس في القوة والشجاعة ورمز للبحث عن الذات حتى لو كان ذلك على حساب كل شيء.
المراجع
- teamqueens Nazli Sabri- بتصرف
- tumblr Queen Nazli of Egypt’s Diamond Tiara & Necklace -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

الرازي طبيب وكيميائي مسلم

من هو بولس الرسول؟ سيرته ودوره في نشر...

الأم تريزا: قديسة الفقراء

السلطان عبد الحميد الثاني: آخر السلاطين الأقوياء

قسطنطين الأكبر: الإمبراطور الروماني الذي نشر المسيحية وأسس...

أحمد بن طولون: مؤسس الدولة الطولونية في مصر

جريزمان مع منتخب فرنسا: يورو 2016 وكأس العالم

شارلمان: إمبراطور أوروبا ومؤسس الإمبراطورية الكارولنجية

ملك مقدونيا الإسكندر الأكبر القائد الذي غزا العالم

ابن أبي أصيبعة: طبيب ومؤرخ

يوليوس قيصر: القائد الروماني الأشهر

مصطفى كمال أتاتورك: مؤسس تركيا الحديثة

الأميرة فادية: ابنة الملك فاروق

الأميرة فريال: ابنة الملك فاروق
