ترتيب الكتب السماوية: مسيرة التشريع الإلهي عبر العصور

عناصر الموضوع
1- التوراة وأمة موسى
2- الزبور وصوت التسبيح
3- الإنجيل ودعوة عيسى
4- القرآن خاتم الكتب
5- أوجه الاتفاق والاختلاف
6- الحكمة من هذا التدرج
في سماء الهداية، تتلألأ نجوم الرسالات السماوية، التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ورسله، ليضيئوا بها دروب البشرية، ويرشدوها إلى الحق والخير، وقد تنوعت هذه الرسالات في شكل كتب سماوية، حملت في طياتها نور الهداية، ومسيرة التشريع الإلهي عبر العصور.
1- التوراة وأمة موسى
أمة سيدنا موسي
أمة سيدنا موسى أو بنو إسرائيل، قد سكنوا في مصر لعدة قرون، وكانوا يعانون من الظلم والاستعباد على يد فرعون، وقد أرسل الله تعالى النبي موسى عليه السلام لإنقاذهم من هذا العذاب، قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الأعراف/104، 105
لمحة عن التوراة
التوراة، وهي أقدم الكتب السماوية. تمثل الشريعة التي أنزلها الله تعالى على النبي موسى عليه السلام. علاوة على ذلك تعتبر التوراة الأساس الذي قامت عليه الديانة اليهودية. بينما تتضمن مجموعة من الشرائع والأحكام، والقصص والأخبار التي تتناول تاريخ بني إسرائيل وعلاقتهم بالله.
التوراة في الإسلام
أما في الإسلام، فيؤمن المسلمون بأن التوراة هي كتاب منزل من عند الله. بينما تحتوي على الحقائق التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، ولكنهم يعتقدون أيضاً أن التوراة قد تعرضت للتحريف والتغيير عبر الزمن، وأن القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى ليصحح ما تم تحريفه، وليكون مهيمناً على جميع الكتب السماوية السابقة[1]
2- الزبور وصوت التسبيح
داود عليه السلام هو نبي من أنبياء الله تعالى، ومن أعظم الشخصيات في الديانات الإبراهيمية (اليهودية، المسيحية، والإسلام). هو ملك بني إسرائيل، وقد خلف طالوت في الحكم، يتميز داود عليه السلام بالشجاعة والحكمة، وقد آتاه الله تعالى الملك والنبوة، والكتاب الذي هو الزبور.
لمحة عن الزبور
الزبور هو كتاب من كتب العهد القديم، يُنسب الزبور إلى النبي داود عليه السلام، الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد، يحتوي الزبور على 150 مزمورًا، تتنوع مواضيعها بين التسبيح والحمد والشكر، والتوبة والاستغفار، والرجاء والدعاء، وتتميز مزامير داود بجمالها الأدبي، وعمقها الروحي، وتأثيرها العاطفي.
الزبور في الإسلام
أما في الإسلام، فحاله كحال التوراة، فيؤمن المسلمون بأن الزبور هو كتاب منزل من عند الله، وأن داود عليه السلام كان يتعبد به. ولكنهم يعتقدون أيضاً أن الزبور قد تعرض للتحريف والتغيير عبر الزمن.[2]
3- الإنجيل ودعوة عيسى
لمحة عن سيدنا عيسى
عيسى عليه السلام هو نبي من أنبياء الله، ورسول من رسله، وهو المسيح عيسى ابن مريم، كما ورد ذكره في القرآن الكريم. “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين” (المؤمنون: 50)، ويعتبره المسلمون من أولي العزم من الرسل، وهم أعلى مكانة بين الأنبياء، كما يؤمن المسلمون بأن الله تعالى أرسل عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، وأيده بالمعجزات، كما أنزل عليه الإنجيل.
لمحة عن الإنجيل
أنزل الله تعالى على عيسى عليه السلام الإنجيل، وهو كتاب مقدس عند المسيحيين، يعد الإنجيل من أهم مصادر الديانة المسيحية، حيث يؤمن المسيحيون بأنه كلام الله المنزل على عيسى عليه السلام، ويحتوي الإنجيل على العديد من التعاليم التي تدعو إلى المحبة والسلام والتسامح، وهي قيم أساسية في الديانة المسيحية.
الإنجيل في الإسلام
في الإسلام، يعتقد المسلمون أن الإنجيل هو كتاب وحي من الله، وأن عيسى عليه السلام هو نبي من أنبياء الله. ومع ذلك، يرون أن الأناجيل الحالية قد تعرضت للتحريف والتغيير على مر الزمن. ويعتبرون أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى لتصحيح ما تم تحريفه. علاوة على ذلك تكون له السيادة على جميع الكتب السماوية السابقة.[3]
4- القرآن خاتم الكتب
القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الكتاب الجامع والشامل الذي يتضمن جميع الأحكام والتعاليم التي وردت في الكتب السماوية السابقة. وزاد عليها أحكاماً وتشريعات جديدة، لتكون الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخاتمة والشاملة التي لا تحتاج إلى تعديل أو تغيير، قال تعالى: {الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}[آل عمران: 1-4].
يعتبر نزول القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمثابة ختم للنبوات، حيث لم يعد هناك نبي بعده، ولا كتاب سماوي بعد القرآن الكريم، وقد جمع القرآن الكريم جميع الشرائع والأحكام التي وردت في الكتب السماوية السابقة، وزاد عليها أحكاماً وتشريعات جديدة، لتكون الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخاتمة والشاملة التي لا تحتاج إلى تعديل أو تغيير.
على عكس باقي الأنبياء الذين أرسلهم الله لقوم بعينهم، قد جاء رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة ليخرهم من الظلمات إلى النور.[4]
5- أوجه الاتفاق والاختلاف
تعتبر الكتب السماوية، مثل التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، مصادر هامة للهداية والإرشاد في الديانات الإبراهيمية. ورغم أنها نزلت على أنبياء مختلفين وفي أزمنة متباعدة، إلا أنها تشترك في العديد من الجوانب، وتختلف في جوانب أخرى.
أ- أوجه الاتفاق بين الكتب السماوية
- الوحدانية: تؤكد جميع الكتب السماوية على وحدانية الله تعالى، وأنه لا شريك له.
- النبوة: تؤمن جميع الكتب السماوية بالأنبياء والرسل، وأنهم هم الذين اختارهم الله تعالى لحمل رسالته إلى الناس.
- اليوم الآخر: تؤمن جميع الكتب السماوية باليوم الآخر، وهو اليوم الذي سيحاسب الله تعالى فيه الناس على أعمالهم.
- الأخلاق: تدعو جميع الكتب السماوية إلى الأخلاق الفاضلة، مثل الصدق والأمانة والعدل والإحسان، وتنهى عن الأخلاق الذميمة، مثل الكذب والخيانة والظلم.
ب- أوجه الاختلاف بين الكتب السماوية
تختلف الكتب السماوية في بعض الأحكام و التشريعات، وهذا الاختلاف يرجع إلى عدة عوامل، منها:
- الزمان والمكان: نزلت الكتب السماوية في أزمنة وأماكن مختلفة، وكانت الشريعة تتناسب مع الظروف والأحوال التي كانت سائدة في المجتمع الذي نزلت فيه.
- تطور المجتمعات البشرية: تطورت المجتمعات البشرية عبر الزمن. وكانت الشريعة تتدرج في أحكامها، حتى وصلت إلى الكمال في الشريعة الإسلامية.[5]
6- الحكمة من هذا التدرج
إن تنزيل الكتب السماوية على فترات متباعدة، وابتداءً بالتوراة ثم الإنجيل وصولًا إلى القرآن الكريم. يحمل في طياته حِكمًا جليلةً ورحمةً واسعةً من الله تعالى.
كانت الرسالات السماوية السابقة، كالتوراة والإنجيل. تمهد للرسالة الخاتمة، وهي الإسلام، وقد تضمنت هذه الرسالات بعض الحقائق التي جاءت الرسالة الخاتمة لتؤكدها وتكملها.
أنزل الله تعالى الكتب السماوية لتكون منارة للعلم ومصدرًا للحكمة. يقصدها الناس ليجدوا فيها كل ما ينفعهم في شؤون حياتهم وآخرتهم، ودينهم ودنياهم، ورغم أن إرسال الرسل يحقق هذا الهدف، إلا أن ظهور هذه المعاني في الكتب يكون أكثر وضوحًا، حيث إن الكتب السماوية تظل موجودة بعد وفاة الأنبياء والرسل الذين أرسلوها.
نزلت الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم بشكل تدريجي. وذلك لتتناسب مع قدرة الناس على استيعابها وتطبيقها، فلو نزلت الشريعة كاملة مرة واحدة، لكان ذلك عسيرًا على الناس، ولما استطاعوا الالتزام بها.[6]
وفي الختام، نؤكد على أن الإيمان بجميع الكتب السماوية. هو جزء من الإيمان بالله تعالى، وأن المسلم الحق. هو الذي يؤمن بجميع الأنبياء والرسل، ويتبع أحكام الشريعة الإسلامية، التي هي الشريعة الخاتمة والشاملة.
المراجع
- hindawiالتوراة وأمة موسى-بتصرف
- alukahالزبور وصوت التسبيح-بتصرف
- ushaaqallahالإنجيل ودعوة عيسى-بتصرف
- tafsirالقرآن خاتم الكتب-بتصرف
- shamelaأوجه الاتفاق والاختلاف-بتصرف
- islamwebالحكمة من هذا التدرج-بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

ترتيب الأنبياء والرسل: خط زمني للأقوام والرسالات

هل اختلف الصحابة في العقيدة؟ نظرة تاريخية وشرعية

نساء الصحابة: نماذج خالدة في الصبر والعطاء

اللهم لبيك عمره وان حبسني حابس: الشروط والنية

طبقات الصحابة تصنيفات تاريخية تُميط اللثام عن سيرتهم

شرح العقيدة الواسطية فهمٌ واضح لأصول الإيمان

الأحكام الشرعية الخمسة مع الأمثلة: شرح مبسط

أكثر سورة فيها أحكام شرعية: قراءة في سورة...

اللهم لبيك عمره عن أمي: النية والعمل الصالح

ضوابط الحجاب الشرعي: شروط الستر وحفظ العفة

طرائف الصحابة: خفّة الروح وقصص مرحة في زمن...

دليل شامل تنزيل كتاب (حياة الصحابة) PDF ومختصر...

دعاء الميت يوم عرفه: رحلة إيمانية

دعاء الميت والمريض: دعاء موحد للشفاء والصبر
