تيخو براهي: رائد الفلك الدقيق في عصر النهضة

تيخو براهي ليس مجرد اسم في تاريخ علم الفلك. بل هو جسر حي يربط بين الفلك القديم والفلك الحديث ففي عصر كانت فيه أدوات القياس بدائية. جاء براهي ليثبت أن دقة الملاحظة هي المفتاح لفهم أسرار الكون. لقد كان عالم فريد من نوعه يجمع بين شغف الملاحظة الدقيقة وقدرة التخطيط والرغبة في تحقيق المستحيل.

من هو تيخو براهي؟

ولد تيخو براهي في 14 ديسمبر 1546 في قلعة في كنوسترب بالسويد التي كانت آنذاك جزء من الدنمارك. فكانت عائلته تنتمي إلى طبقة النبلاء الدنماركيين وكان والده يوهان براهي حاكم لمنطقة. مما وفر له حياة مترفة. ومع ذلك لم يكن اهتمامه ينصب على الثروة أو المكانة. بل كان منجذب بشكل عميق إلى أسرار السماء وفي سن الثالثة عشرة التحق براهي بجامعة كوبنهاجن. وكان يهدف إلى دراسة القانون ولكن شغفه الفلكي كان أكبر من أن يتم تجاهله.

في عام 1560 شهد كسوف للشمس. وهو حدث غير متوقع تماماً وفق لتوقعات علماء الفلك في ذلك الوقت. فهذه الملاحظة دفعت تيخو براهي إلى التساؤل حول دقة الأرصاد الفلكية وبدأ رحلته في البحث عن طريقة لتحسينها. كانت بداية مسيرة تيخو براهي العلمية مليئة بالتحديات ففي ذلك الوقت كانت أدوات الرصد الفلكي بدائية وتعتمد بشكل كبير على الأجهزة البسيطة. مثل الأرباع والأسطرلاب لكن براهي بذكائه الفذ بدأ في تصميم أدوات أكثر دقة مما سمح له بتحقيق أرصاد لم يسبق لها مثيل.

تعرف أيضًا على: الفارسي البيروني: عالم مسلم

تيخو براهي رائد المنهج التجريبي وقصص لا تُنسى

هذه الملاحظات الدقيقة لم تكن مجرد هواية. بل كانت جزء من رؤيته لإعادة بناء فهم الكون فكان يعتقد أن الأرصاد الدقيقة هي المفتاح لفهم حركة الكواكب والنجوم وأن النظريات التي لا تتوافق مع الأرصاد يجب أن يتم تعديلها أو رفضها فهذا النهج التجريبي جعله رائد في عصره ومفصل بين الفلك القديم والفلك الحديث.

وعلى الرغم من إسهاماته العلمية الكبيرة فإن حياة تيخو براهي. كانت مليئة بالقصص الغريبة والمثيرة للجدل فأحد أشهر هذه القصص هو فقدانه لجزء من أنفه في مبارزة عام 1566 مما دفعه إلى تصميم أنف صناعي من النحاس والفضة كان يثبته على وجهه فهذه القصة جعلت منه شخصية فريدة ويعرف الآن بأنه الفلكي الذي فقد أنفه.

لا يزال تاريخه يدرس ويحلل حتى اليوم حيث يمثل شخصية معقدة تجمع بين العبقرية العلمية والروح النبيلة والشخصية القوية. فكان تيخو براهي أكثر من مجرد عالم بل كان رمز للتفاني في خدمة العلم.[1]

تعرف أيضًا على: رائدة الإشعاع ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل

من هو تايكو براهي؟

يعد مرصد أورانيبورغ (Uraniborg) الذي بناه تيخو براهي في جزيرة فين في الدنمارك واحد من أعظم الإنجازات في تاريخ علم الفلك. ففي عام 1576 منح الملك فريدريك الثاني ملك الدنمارك براهي جزيرة فين وموله لبناء مرصد فريد من نوعه فكان مرصد أورانيبورغ ليس مجرد مبنى بل كان مدينة علمية متكاملة تحتوي على قصر ومختبرات ومطبعة وحديقة. بالإضافة إلى الأجهزة الفلكية الأكثر تطور في ذلك العصر. فكان الهدف هو عمل بيئة علمية مثالية حيث يمكن لبراهي وطلابه إجراء أرصاد دقيقة على مدار الساعة. فهذا المشروع الضخم كان شاهد على رؤية براهي الاستثنائية وإيمانه بأن العلم يجب أن يمارس في بيئة متكاملة ومترفة.

تعرف أيضًا على: أهم أعمال ابن رشد في الفلسفة والطب والشريعة

كانت دقة أدوات مرصد أورانيبورغ هي السر وراء شهرة تيخو براهي. فقد قام بتصميم أجهزة فلكية ضخمة ومعقدة مثل الربع العملاق والكرة السماوية والتي كانت تستخدم لقياس مواقع النجوم والكواكب بدقة لم يسبق لها مثيل فكانت هذه الأجهزة مصنوعة من مواد عالية الجودة وتستخدم تقنيات دقيقة في التصنيع. مما سمح لبراهي بتحقيق دقة قياس تصل إلى دقيقة قوسية واحدة وهو ما كان إنجاز مذهل في عصر ما قبل التلسكوب.

مرصد أورانيبورغ أرصاد براهي الدقيقة تدعم ثورة كيبلر

بالتالي هذه الملاحظات الدقيقة هي التي شكلت أساس للعمل اللاحق الذي قام به يوهانس كيبلر. الذي كان مساعد لبراهي وعلى الرغم من أن تيخو براهي. لم يكن هو من اكتشف أن الكواكب تدور حول الشمس إلا أن أرصاده الدقيقة كانت هي التي أثبتت أن نموذج كوبرنيكوس ونموذج بطليموس لا يتوافقان مع الواقع.

علاوة علي ذلك بياناته هي التي استخدمها كيبلر فيما بعد لصياغة قوانينه لحركة الكواكب والتي أثبتت أن الكواكب تدور في مدارات بيضاوية حول الشمس وليس في مدارات دائرية كما كان يعتقد وهكذا أصبح مرصد أورانيبورغ مصنع للمعرفة وقاعدة بيانات فلكية لا تقدر بثمن مما يثبت أن تيخو براهي. كان بالفعل عبقري في مجال الملاحظة الفلكية وأن إسهاماته كانت ضرورية لثورة كوبرنيكوس.[2]

تعرف أيضًا على: إسحاق نيوتن: مكتشف الجاذبية وقوانين الحركة

من هو براهي؟

قد يخلط البعض بين اسم تيخو براهي واسمه الأصلي باللغة الدنماركية وهو تايكو براهي. فكانت كتابة الاسم تختلف من لغة إلى أخرى ولكن الاسم الأكثر شيوع هو تيخو براهي وهو الاسم اللاتيني الذي اشتهر به في الأوساط العلمية. كما يختصر اسمه أحياناً بـ “براهي” مما يثير الارتباك فهذا الخلط في الأسماء لا يقلل من شأن إنجازاته بل يوضح أن شهرته كانت عالمية وأن اسمه كان يتردد في كل مكان في أوروبا.

كان تيخو براهي شخصية فريدة من نوعها يجمع بين الفكر الاستراتيجي في التخطيط للملاحظات الفلكية والشغف الدائم بالبحث عن الحقيقة. فقد كان يدرك أن المعرفة لا يمكن أن تبنى على التخمينات بل على الأرصاد الدقيقة والموثوقة.

لهذا السبب قضى براهي عشرات السنين في تسجيل مواقع النجوم والكواكب بدقة متناهية. مما أدى إلى إنشاء قائمة بـ 777 نجمة كانت هي الأكثر دقة في ذلك الوقت. فهذه القائمة كانت بمثابة كنز علمي استخدمه يوهانس كيبلر فيما بعد لصياغة قوانينه.

• تأثيره على الفلكيين

كانت أرصاد تيخو براهي هي الأساس الذي بنيت عليه قوانين كيبلر والتي بدورها كانت الأساس لقوانين نيوتن.

• رائد الملاحظة الدقيقة

كان براهي أول من يثبت أن الأرصاد الفلكية يمكن أن تكون دقيقة بشكل لم يسبق له مثيل حتى في عصر ما قبل التلسكوب و نموذجه الكوني الذي طور براهي نموذج كوني خاص به. يرى فيه أن الكواكب تدور حول الشمس وأن الشمس والقمر يدوران حول الأرض فهذا النموذج كان يمثل حل وسط بين نموذج بطليموس ونموذج كوبرنيكوس.

• اكتشاف النجم الجديد

في عام 1572 لاحظ براهي نجم جديد في كوكبة ذات الكرسي وأثبت من خلال أرصاده الدقيقة. أنه ليس نجم في الغلاف الجوي للأرض بل هو نجم حقيقي يعرف الآن باسم المستعر الأعظم لعام 1572 و التأثير الفلسفي فكان تيخو براهي شخصية مثيرة للجدل لا يخشى مواجهة الأفكار السائدة ويؤمن بأن الحقيقة العلمية لا يمكن أن تتقيد بالأفكار الفلسفية القديمة.

• الجدل حول أنفه

على الرغم من أن قصة أنفه غريبة إلا أنها تظهر شخصية براهي القوية وقدرته على التغلب على الصعوبات.

تعرف أيضًا على: توما الأكويني: مساهماته في الفلسفة واللاهوت

من هو الفلكي الذي فقد أنفه؟

في عصر تيخو براهي كانت هناك مدرستان فلكيتان رئيسيتان: الأولى هي المدرسة البطليموسية التي ترى أن الأرض هي مركز الكون والثانية هي المدرسة الكوبرنيكية. التي ترى أن الشمس هي مركز الكون. كان براهي يرفض كلا النموذجين فقد كان يرى أن نموذج بطليموس يتناقض مع أرصاده الدقيقة وأن نموذج كوبرنيكوس. يتناقض مع الأفكار الفلسفية والدينية في ذلك الوقت لذلك قرر براهي أن يصيغ نموذج كوني خاص به يعرف بنموذج “تيخو براهي” وهو نموذج يمثل حل وسط بين المدرستين.

في هذا النموذج كان تيخو براهي يرى أن الشمس والقمر يدوران حول الأرض وأن الكواكب الأخرى تدور حول الشمس. فكان نموذج تيخو براهي هو النموذج الأكثر دقة في عصره لأنه كان مبني على أرصاد دقيقة لم يسبق لها مثيل.

هذا النموذج كان يحل العديد من المشكلات التي كانت تواجه النماذج الأخرى وأظهر أن براهي لم يكن مجرد فلكي. بل كان مفكر عميق يحاول فهم الكون من خلال الملاحظة الدقيقة والتفكير النقدي وعلى الرغم من أن هذا النموذج لم يكن صحيح في النهاية إلا أنه كان خطوة مهمة في تطور علم الفلك ومهد الطريق أمام يوهانس كيبلر. لاكتشاف قوانينه التي أثبتت أن الشمس هي مركز النظام الشمسي.

تيخو براهي و يوهانس كيبلر شراكة حولت علم الفلك

تعد العلاقة بين تيخو براهي و يوهانس كيبلر قصة فريدة في تاريخ العلم ففي نهاية حياته عمل كيبلر مساعد لبراهي في براغ و كان كيبلر يؤمن بنموذج كوبرنيكوس ولكن براهي كان يرفض هذا النموذج و بعد وفاة براهي حصل كيبلر على أرصاد براهي الدقيقة والتي كانت بمثابة كنز علمي لا يقدر بثمن.

استخدم كيبلر هذه الأرصاد لصياغة قوانينه الثلاثة لحركة الكواكب والتي أثبتت أن الكواكب تدور في مدارات بيضاوية حول الشمس فهذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا أرصاد تيخو براهي الدقيقة. مما يثبت أن براهي لم يكن مجرد رائد في الملاحظة بل كان أيضاً أحد المساهمين الرئيسيين في الثورة الكوبرنيكية.

في الختام يظل تيخو براهي شخصية محورية في تاريخ علم الفلك. فقد كانت حياته مثال على قوة الملاحظة الدقيقة والتفاني في البحث عن الحقيقة وعلى الرغم من أن نموذج الكون الذي وضعه لم يكن صحيح في النهاية. إلا أن أرصاده الدقيقة كانت هي الأساس الذي بنيت عليه قوانين كيبلر وقوانين نيوتن. والتي غيرت فهمنا للكون إلى الأبد فإن قصة براهي تذكرنا بأن أعظم الانجازات العلمية. غالبًا ما تأتي من العقول التي لا تتردد في طرح الأسئلة الصعبة حتى لو كانت تبدو غريبة أو سخيفة.

تعرف أيضًا على: سقراط: أبو الفلسفة الغربية

أسئلة وأجوبة عن تيخو براهي

 من هو تيخو براهي؟

هو فلكي دنماركي يعتبر رائد الفلك الدقيق في عصر النهضة واشتهر بملاحظاته الدقيقة قبل اختراع التلسكوب.

من هو تايكو براهي؟

هو الاسم الأصلي لتيخو براهي باللغة الدنماركية.

من هو براهي؟

هو اختصار لاسم تيخو براهي وهو الاسم الذي يعرف به في الأوساط العلمية.

من هو الفلكي الذي فقد أنفه؟

هو تيخو براهي الذي فقد جزء من أنفه في مبارزة واستبدله بأنف صناعي.

ما هو أشهر إنجاز لتيخو براهي؟

أشهر إنجازاته هو مرصد أورانيبورغ الذي كان بمثابة قلعة علمية متكاملة حيث قام بجمع أرصاد فلكية دقيقة لم يسبق لها مثيل.

• britannicaTycho Brahe -بتصرف
• Astronomicalheritage Uraniborg and Stellaeburgum, Sweden -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم