جلال الدين الرومي: صوفي وشاعر

جلال الدين الرومي. يعَدّ من أبرز الشخصيات الصوفية والشعراء في تاريخ الإسلام. كان في الأصل عالمًا دينيًا وفقهًا. غير أن مساره انقلب تمامًا عقب لقائه بالصوفي شمس التبريزي. ذلك الالتقاء شكّل محطة تحول جوهرية في حياته. إذ أكسبه توجهًا نحو محبة الإله والبحث عن الحقيقة عبر الشعر والرقص الصوفي.

 من هو جلال الدين الرومي؟

جلال الدين الرومي، اسمه الكامل محمد بن محمد بن حسين البلخي، اشتهر بهذا اللقب وهو شاعر وعالم في الفقه والعلوم الإسلامية المتعددة، وله كفاءة ملحوظة في هذه المجالات ويعدّ من المتصوفين. قصائدَه الفارسية صاغها بعبقرية، ولاحظ انتشارها مؤخراً عبر الترجمات. لتصبح معروفة على نطاق واسع في العالم الإسلامي، لا سيما بين المسلمين في تركيا وفرنسا، وقد قامت نجوم البوب المشهورين بأداء قصائده.

تعرف أيضًا على: لودفيغ فيتجنشتاين: رحلة من الرياضيات إلى الفلسفة

أصول جلال الدين تعود إلى الفرس؛ فقد وُلد السادس من ربيع الأول عام 604 هـ في مدينة بلخ (التي تقع الآن في أفغانستان). انتقل مع والده إلى بغداد عندما كان في الرابعة من عمره، ثم رافقه في رحلات متعددة حتى استقر في قونية عندما بلغ التاسعة عشرة. بعد وفاة والده، تدرب في قونية ضمن ظل الدولة السلجوقية، ثم في عام ٦٤٢ هجرية ترك التدريس واتجه إلى التصوف، فبدأ في إبداع الشعر وغنائه. كان له ولدان من زوجته الأولى جوهر:

سلطان وعلاء الدين شلبي، كما أنجب مولودًا آخر يدعى أمير العلم شلبي، وأنجبت زوجته الثانية، التي تزوجها بعد وفاة الأولى، فتاةً اسمها ملكة خاتون. تأثر جلال الدين بالشاعر الفارسي فريد الدين العطار، الذي قدَّم له ديوانه الشعري أسرار نامه، ما دفعه إلى غوص أعمق في مجال الشعر والروحانية. أقام علاقة صداقة قوية مع شمس الدين التبريزي، الذي قتل في ظروف غامضة. فحزن رومي عليه شدةً وكتب له ديوانًا شهيرًا يعرف بالديوان الكبير. يتبع رومي في تعاليمه نهج الإسلام اللطيف، وقد نجح في جذب أتباع من ديانات أخرى بفضل تسامحه ومرونته الفكرية، مظهرًا تساهلاً واسعًا في القضايا المعقدة. استند إلى الشعر والموسيقى كوسيلة للاتصال بالله، مع حبٍ خالصٍ يدفعه للانعزال عن الناس، إلى جانب ممارسة الرقصة الدائرية التي تعد من الطقوس المتبعة. [1]

تعرف أيضًا على: أحمد مطر: شاعر

ماذا قال ابن تيمية عن جلال الدين الرومي؟

• مفهوم وحدة الوجود

  يعتقد ابن تيمية أن فكر الرومي يحمل فكرة وحدة الوجود، وهو ما يتعارض مع مبدأ التوحيد في الإسلام، إذ يرى أن العبد لا يدرك سوى الله في تجلٍّ كامل.

• المنهج الفلسفي

  يتصف فكر الرومي بطابع صوفي وفلسفي، بينما تسلط الفلسفة حيزًا أكبر على التأمل بدلاً من التركيز على السلوك التربوي، وهو ما يخالف نهج ابن تيمية الذي يولي الأولوية للتمسك بالشريعة والسنة النبوية في منهجه.

• التنبيه إلى خطر التبني

  يرى ابن تيمية أن المسلك الصوفي للرومي، الذي يميل إلى الفناء في الله وتصوّر الوحدة الكاملة، يعدّ انحرافًا، فدعاه إلى الإحاطة بالحذر من هذا الفكر وعدم الانجراف إليه.

شعر جلال الدين الرومي

من رباعيات جلال الدين الرومي يقول:

هذا الصباح، قطفت وروداً من البستان

خشيت أن يلمحني البستاني

سمعته يخاطبني بكل رقة: ما الورود؟ سأمنحك البستان كله.

هذا اليوم، يوم الضباب والمطر

لا بد أن يجتمع الأصحاب فالصاحب مصدر سعادة لصاحبه

مثل باقات الأزهار الذي تولد في الربيع.

قلت: لا تقعد حزيناً بصحبة المعشوق

لا تجالس سوى ذوي القلوب الحنونة والوديعة

عندما تدخل البستان، لا تتجه صوب الأشواك

لا تجاور سوى الورود، وأزهار الياسمين والنسرين.

أيها البشر الأتقياء التائهون

تلمّح الرباعية إلى مسارات الصوفية، بينما صاغها جلال الدين الرومي قائلاً:

أيها البشر الأتقياء التائهون في هذا العالم

لم هذا التيه من أجل معشوق واحد

ما تبحثون عنه في هذا العالم

ابحثوا في دخائلكم فما أنتم سوى ذلك المعشوق

قلبك من سيقودك

يملؤه رباعية (قلبك من سيقودك) بالقيم الصوفية التي تدعو إلى الزهد وتنبذ التعلق بالعالم وشهواته، سعيًا لتحقيق نقاء القلب. فالألم يصبح دواءً للخطايا ومطهرًا للإنسان، وإليكم الآن مقتطفات من تلك الرباعية:

قلبك من سيقودك

قلبك من سيقودك نحو عشق قلبك

روحك من سيحملك إلى عشق روحك

لا تتخلّ عن ذيل ثوب غمك

فهذا الألم سيأخذك نحو الدواء

وحيد أنت. إن كنت مع العالم بدوني

إن لم ترافق أحدًا وكنت معي، فأنت مع العالم

لا تتعلق بالعالم، كن أنت العالم

تصير عبدًا إن ارتبطت به للحظة

إن أذعنت للشهوة والرغبة

متَّ شقيًا بائسًا، فاعلم هذا

تنازل عن كل ذلك لترى جيدًا

لماذا أتيت، وإلى أين تذهب. [2]

تعرف أيضًا على: أحمد فؤاد نجم: شاعر العامية

نشأة وحياة جلال الدين الرومي

اشتهر جلال الدين الرومي، الشاعر والفيلسوف والمتصوف، بلقب الرومي نسبة إلى الأناضول، حيث استقر وهاجر إليها وأكمل حياته. بالتالي، يُعرف باسم مولانا جلال الدين الرومي. هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي البكري. والده هو العلامة محمد بن الحسين الخطيبي البكري المشهور ببهاء الدين. بينما تربط تقاليد نسبه بأبي بكر الصديق من جهة الأب، علاوة على ذلك، يُنسب من جهة الأم إلى عائلة خوارزم شاه التي حكمت أراضي ما وراء النهر.
تعرف أيضًا على: ابن الأثير: مؤرخ

انتقل والده إلى نيسا بور في عام 608 هـ، وهناك التقى بالفيلسوف الصوفي فريد الدين العطار. الذي تبنى جلال الدين وتوقع له مستقبلاً باهرًا. ثم توجّه إلى بغداد ومن ثم إلى مكة، واستقر في ملطية لمدة أربع سنوات، ثم في لاندره لبقية سبع سنوات، وفي النهاية استقرت الأسرة في قونية، التي كانت عاصمة السلطان السلاجقة علاء الدين كتواب.

توفي والد جلال الدين في سنة 628 هـ، وبعد أيام قليلة من وفاته التقاه العالم برهان الدين محقق الترمذي، صديق والده، وتلقى على يده علوم الدين لبعض الوقت، ثم انتقل إلى حلب للدراسة، وبعدها إلى دمشق للقاء بصدر الدين القوني . تلميذ محيي الدين بن عربي. عقب هذه الرحلة عاد إلى قونية مصطحبًا تراخيص متعددة من علماء التفسير والحديث والفقه وأصول الدين والفلسفة وعلم الكلام والعقائد، وبدأ من عام 638 هـ يمارس الإرشاد والخطابة.

تعرف أيضًا على: مظفر النواب: شاعر عراقي

جلال الدين الرومي وشمس التبريزي

التقى جلال الدين الرومي وشمس التبريزي في رجب سنة 642 هـ، كما روى الدكتور مصطفى غالب في مؤلفه الرومي تفاصيل هذا اللقاء. كان جلال الدين يعتزل في إحدى خلواته لتنسج أبياته، بينما صادف شيخًا كبيرًا مفعمًا بالوقار والاحترام، جلس إلى جانبه صامتًا. سأل الشيخ: ما سبب حضورك هنا يا بني؟ فأجاب جلال الدين بخجل جسور: أسعى في بحر الشعر والخيال، أستلهم الوحي والجمال. علاوة على ذلك، أتأمل في الموجودات التي خلقها خالقها، بالتالي، أرجو أن يفيض عليّ الإلهام لأعبر عن هذا الجمال

فأجد نفسي أضيع بين سبل الوصول إلى حقيقة الأزل خلف الظواهر. فأخذ الشيخ بعضًا من كتابات جلال وألقاها في الماء، قائلاً إنه سيرشده إلى ما يسعى إليه. بالتالي، تطورت الصداقة بينهما، حتى قال جلال في الختام: لن أتركك تذهب دون إكمال المسير. فأخذ الرومي شمس إلى منزله، وظلا معًا لمدة عامين. بينما كانا معًا، تحول جلال إلى شخص مختلف. علاوة على ذلك، تعمقت هذه العلاقة الروحية وأثرت بشكل كبير في مسار الرومي.

تأثير شمس الدين على شعر الرومي ووفاته

قُتل شمس الدين لاحقًا خلال فتنة اندلعت في قونية، مصحوبًا بابن جلال الأكبر علاء الدين، ما سبب لجلال ألمًا شديدًا. فعبّر عن حزنه عبر قصائد عميقة سَمّها (ديوان شمس تبريز). ويُنهي قائلاً:

• من ذا الذي قال إن شمس الروح الخالدة قد ماتت؟
• ومن الذي تجرأ على القول بأن شمس الأمل قد تولت؟
• إن هذا ليس إلا عدوًا للشمس وقف تحت سقف،
• وربط عينيه الأثنين ثم صرخ: ها هي ذي الشمس تموت.

رحل جلال الدين الرومي عن الحياه في السابع عشر من ديسمبر عام671 هجريًا و 1273ميلاديًا، وأصبح مدفنه مزارًا حتى اليوم.

في الختام، أثبت جلال الدين الرومي أن الشعر والصوفية يتجاوزان كونهما مجرد فنون روحية وأدبية. فهما جسر يربط الفرد بجوهره العميق وبالإنسانية بأسرها. وبفضل عباراته اللامعة ورؤيته المتجددة، يبقى أثره حاضراً يحيي المشاعر والعقول، مؤكدًا قدرة الروح البشرية على الارتقاء حين تتعانق بالمحبة والمعرفة.

تعرف أيضًا على: محمود درويش: شاعر فلسطين

في الختام، انفرد جلال الدين الرومي. بإرث غني من القصائد والنصوص النثرية، من أبرزها ديوان شمس التبريزي والمثنوي الذي يصنّف كواحد من أروع الأعمال الشعرية في الأدب الفارسي. تناولت قصائده مواضيع العشق والفراق والاتحاد مع الخالق والظهور الروحي. وما زالت تعاليمه وإبداعاته تلهم ملايين الأشخاص حول المعمّرة، وتترجم إلى لغات متعددة، مما يبرهن على عمومية رسالته التي تخطت قيود الزمان والمكان

• Poets Jalal al-Din Rumi _بتصرف
• Poetry foundationJalal al-Din Rumi _بتصرف

مشاركة المقال

وسوم