حطين: تحرير القدس

معركة حطين التي وقعت في 4 يوليو 1187م (25 ربيع الآخر 583هـ) تعد من أعظم الانتصارات في التاريخ الإسلامي. إذ مهدت الطريق لتحرير القدس من الصليبيين. لم تكن معركة حطين مجرد مواجهة عسكرية. بل مثال على وحدة الصف والتخطيط الاستراتيجي بقيادة صلاح الدين الأيوبي. الذي أعاد للأمة قوتها وثقتها. محقق نصر غير مسار التاريخ الإسلامي والسياسي للمنطقة.
الخلفية: الاحتلال الصليبي للقدس

كانت حطين ثمرة لعقدين من المواجهة الأيديولوجية والعسكرية ضد تواجد أجنبي استمر قرابة التسعين عام. بدأت مأساة الاحتلال الصليبي للقدس عام 1099 م. عندما تمكنت الحملة الصليبية الأولى من السيطرة على المدينة المقدسة. تلاها تأسيس ممالك وإمارات صليبية في الشام.
الوضع قبل حطين
تميزت المرحلة التي سبقت حطين بضعف وتفكك في الصف الصليبي. لكنها أيضاً شهدت استفزازات متزايدة للمسلمين. كان العامل الأبرز الذي أشعل شرارة المعركة والانتصار الحاسم هو تصرفات أرناط (رينالد دي شاتيون). أمير الكرك الذي لم يكتفي بنقض الهدنة المعقودة مع صلاح الدين.
بل قام بالاعتداء على قوافل الحجاج والتجار المسلمين المتجهة إلى الحجاز، مهدد باجتياح الأماكن المقدسة نفسها. هذا الفعل لم يكن مجرد خرق للسلام. بل كان تحدي مباشر لكرامة وقدرة المسلمين على حماية طرقهم المقدسة. كان الاحتلال الصليبي للقدس يمثل جرح عميق في ضمير الأمة. الأمر الذي استدعى رد عسكري حاسم لا يقبل التأجيل. بقيادة صلاح الدين الأيوبي.[1]
القائد: صلاح الدين الأيوبي
لا يمكن ذكر حطين دون ذكر قائدها الأبرز صلاح الدين الأيوبي. كان دوره حاسم ليس فقط في القيادة الميدانية. ولكن في تهيئة الظروف لـ المعركة وتوحيد الجبهة الداخلية.

- توحيد الجبهة الإسلامية : أدرك صلاح الدين الأيوبي أن الاحتلال الصليبي للقدس لن ينهى إلا بتوحيد الشام ومصر تحت راية واحدة. قضى سنوات طويلة في العمل الدؤوب على إزالة الخلافات بين الإمارات الإسلامية. وتكوين جبهة قوية وموحدة قادرة على مواجهة التحالف الصليبي. هذا التوحيد لم يكن عسكري فحسب. بل كان فكري وديني أيضاً. حيث أعاد إحياء المذهب السني في مصر والشام. كانت جهوده هي الإجابة العملية على التحدي الذي طرحه الاحتلال الصليبي للقدس.
- المنهج الأخلاقي والإنساني: ما يميز صلاح الدين الأيوبي هو التزامه بمنهج أخلاقي رفيع حتى في أوج الصراع. كان يحرص على عدم المساس بالمدنيين أو الرهائن إلا في حالات الضرورة القصوى وكان يلتزم بالعهود. هذا المنهج رفع من معنويات جنده وزاد من احترام العدو له. لم يكن هدف صلاح الدين الأيوبي هو الانتقام أو التخريب، بل كان تحرير القدس ودروس التسامح هي غايته.[2]
الاستراتيجية: استنزاف الجيش الصليبي

كانت العبقرية العسكرية في حطين تكمن في الاستراتيجية التي وضعها صلاح الدين الأيوبي. والتي اعتمدت على الأرض والظروف الطبيعية.
خطة الاستدراج والتجفيف
كان الهدف الأولي لـ صلاح الدين الأيوبي هو استدراج الجيش الصليبي من معاقله الحصينة في طبريا والناصرة إلى سهل حطين القاحل. الذي يقع بين جبلين ولا يحتوي على مصادر مياه قريبة باستثناء بحيرة طبريا. وعندما قام أرناط بالاعتداء على القوافل، استغل صلاح الدين الأيوبي ذلك كذريعة مشروعة لبدء القتال. بالتالي قام بمحاصرة قلعة طبريا التي كانت تتواجد فيها زوجة ريموند أمير طرابلس. مما أجبر الجيش الصليبي على التحرك لإنقاذها.
تكتيك حرب العطش
نفذ صلاح الدين الأيوبي خطته ببراعة حيث سمح للجيش الصليبي بالتقدم مسافة معينة. ثم قام بقطع الطريق عليه نحو بحيرة طبريا المصدر الوحيد للمياه. في الوقت نفسه قام الجند المسلمون بحرق الأعشاب والشجيرات حولهم. ليزيدوا من حرارة الجو وعطش جنود العدو المثقلين بالدروع الثقيلة. هذه الاستراتيجية ضمنت أن يخوض الجيش الصليبي المعركة وهو منهك، عطش، ومعنوياته محطمة، مما جعل النصر مضموناً تقريباً قبل أن تبدأ السيوف في القتال.
المعركة: الانتصار الحاسم

في صباح يوم الجمعة 4 يوليو 1187 م. بدأت المعركة على أرض حطين. كان الجيش الصليبي منهك ومدفوع باليأس.
التفوق التكتيكي
بدأ الجيش الإسلامي هجومه بعد أن استقر الجيش الصليبي في موقع غير محصن. وبدأوا في رميهم بالسهام بشكل مكثف لإثارة فوضاهم. نجح المسلمون في تقسيم الجيش الصليبي إلى ثلاثة أقسام غير مترابطة، مما سهل القضاء عليهم جزء تلو الآخر. كان تركيز صلاح الدين الأيوبي على استهداف “صليب الصلبوت” (الذي كان يحمله الصليبيون كرمز ديني مهم). وبمجرد سقوط هذا الصليب انهارت معنويات الجيش الصليبي بشكل كامل.
نتائج حطين المباشرة
كانت المعركة في حطين كارثة حقيقية على الصليبيين. قتل معظم قادتهم وجندهم وتم أسر ملك القدس “جاي لوزينيان” والعديد من الأمراء والفرسان. تم إعدام أرناط (رينالد دي شاتيون) جزاء له على نقضه العهود واعتدائه على الحجاج، بينما تم معاملة باقي القادة بأخلاق الفرسان. هذا الانتصار فتح الطريق أمام تحرير القدس ودروس التسامح وأنهى بشكل فعال القدرة العسكرية للممالك الصليبية.
بالتالي أثبتت حطين أن الإعداد الروحي. والتخطيط الاستراتيجي المتفوق الذي طبقه صلاح الدين الأيوبي كان مفتاح النصر وكانت النتائج بعيدة المدى. فالكسر العسكري الصليبي في حطين أدت إلى تدمير ثلاثة أرباع جيوش الصليبيين. مما أزال الحاجز الرئيسي الذي كان يمنع تحرير القدس ودروس التسامح وإعادة السيطرة الإسلامية على مدن الساحل والشام.
تحرير القدس ودروس التسامح

بعد الانتصار في حطين لم يتوقف صلاح الدين الأيوبي. بل استغل الانهيار الصليبي لتطهير مدن الساحل والشام تباعاً حتى وصل إلى هدفه الأسمى.
سقوط القدس
في 2 أكتوبر 1187 م وبعد حصار قصير. سقطت القدس في يد جيش صلاح الدين الأيوبي. لقد كانت عملية تحرير القدس ودروس التسامح مختلفة تماماً عن طريقة الاحتلال الصليبي للقدس قبل 88 عام عندما ذبح آلاف المسلمين واليهود والمسيحيين الأرثوذكس. رفض صلاح الدين الأيوبي مبدأ الانتقام والثأر وأمر جنوده بعدم المساس بالسكان.
دروس التسامح الإنساني
طبق صلاح الدين الأيوبي أسمى معاني تحرير القدس ودروس التسامح. سمح للمسيحيين بالخروج بأمان مقابل فدية رمزية، بل وتكفل بدفع الفدية عن العديد من الفقراء وكبار السن. لم يجبر أحد على اعتناق الإسلام. وحافظ على الكنائس والمقدسات المسيحية. هذا التسامح أصبح نقطة مضيئة في تاريخ الفتوحات الإسلامية. وقارنه المؤرخون الغربيون أنفسهم بالوحشية التي اتسم بها الاحتلال الصليبي للقدس الأصلي. إن حطين لم تكن معركة لتحرير الأرض فقط، بل كانت معركة لتحرير الأمة من الهزيمة المعنوية وتذكيرها بقيمها.
تبقى حطين رمز للأمة حيث جسدت قدرة الإرادة الموحدة تحت قيادة حكيمة بقيادة صلاح الدين الأيوبي على التغلب على التحديات المستعصية التي طرحها الاحتلال الصليبي للقدس. لم يكن الانتصار وليد القوة الغاشمة. بل كان نتاج الاستراتيجية: استنزاف الجيش الصليبي الذكية التي وظفت الطبيعة لتخدم الهدف. لقد مهدت المعركة: الانتصار الحاسم الطريق لـ تحرير القدس ودروس التسامح. ليصبح صلاح الدين الأيوبي ليس مجرد قائد عسكري. بل رمز للعدل والفروسية التي بقيت خالدة في الذاكرة الإسلامية والعالمية.
الأسئلة الشائعة
س: متى وقعت معركة حطين؟
ج: وقعت المعركة في 4 يوليو 1187 م (25 ربيع الآخر 583 هـ).
س: من هو القائد الذي انتصر في حطين؟
ج: هو القائد صلاح الدين الأيوبي. سلطان مصر والشام.
س: ما هي الأهمية الاستراتيجية لمعركة حطين؟
ج: دمرت المعركة في حطين القدرة العسكرية للممالك الصليبية. ومهدت مباشرة لـ تحرير القدس بعد ثلاثة أشهر فقط.
س: ما هي الاستراتيجية الرئيسية التي اتبعها صلاح الدين في حطين؟
ج: كانت الاستراتيجية: استنزاف الجيش الصليبي بتعطيشه وإنهاكه في سهل حطين القاحل قبل بدء القتال.
س: ما هي المدن التي حررها صلاح الدين بعد حطين؟
ج: حرر عكا، يافا، صيدا، بيروت، ثم توج انتصاراته بـ تحرير القدس
المراجع
- britannica The siege of Jerusalem بتصرف
- singaporesedekah The Life of Salahuddin and His Role in the Crusades بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

قصص الأخرة: قصص من عالم الغيب

المفسرون المعاصرون: تجديد فهم القرآن

العبّاد الزهاد: من آثروا الآخرة على الدنيا

اللغويات: عالمات اللغة وحارسات الفصحى

الشهداء المعاصرون: دماء تروي ثمار الدعوة

نساء خالدات: أمهات المؤمنين والصالحات

أبطال الإسلام: صحابة رسول الله ﷺ

قصص الصالحين: أصحاب القلوب الحيَّة

قصص الإيمان: يقين لا يتزعزع

معركة ليبانت: نهاية التفوق البحري العثماني

الدعاة المعاصرون: وجوه الإسلام النيرة اليوم

الخندق: عبقرية التخطيط الدفاعي

معركة شقحب: إنقاذ مصر من المغول

معركة جكردلن: الصراع العثماني الصفوي




















