خيبر: فتح الحصون المنيعة

تعد غزوة خيبر من أبرز الغزوات في التاريخ الإسلامي، إذ مثّلت نقطة تحول في قوة المسلمين الاقتصادية والعسكرية بعد صراع طويل مع اليهود في الجزيرة العربية، وقعت هذه الغزوة في السنة السابعة للهجرة بقيادة النبي ﷺ، حيث فتح المسلمون حصون خيبر المنيعة التي كانت مركزًا للثروة والزراعة، وأظهر فيها المسلمون شجاعة وإيمانًا راسخًا، فكانت الغلبة لهم بفضل توكلهم على الله ووحدتهم تحت راية الحق، لم تكن غزوة خيبر مجرد انتصار عسكري.

خيبر: قلعة اليهود وقوتهم العسكرية

كانت خيبر تعرف بأنها أكبر وأقوى مركز اقتصادي وعسكري لليهود في شمال المدينة المنورة، وتميزت بموقعها الاستراتيجي وحصونها المنيعة. لقد استقرت فيها قبائل يهودية قوية، وكانت هذه المنطقة بمثابة قاعدة لتنظيم المؤامرات والتحريض ضد الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة، خاصة بعد إجلاء يهود بني النضير منها، ولمن يتسائل عن ما قصة يهود خيبر؟ إنهم كانوا يمثلون القوة العسكرية والمالية التي مولت تحالفات الأحزاب في غزوة الخندق، فكان لا بد من مواجهتهم لإنهاء هذا الخطر الداخلي والخارجي المستمر.

وبناءً على ذلك، لم تكن خيبر مجرد تجمع سكاني، بل كانت شبكة من سبعة حصون قوية ومترابطة، أشهرها حصن ناعم، والقموص، والشق، والوطيح والسلالم. هذه الحصون كانت مبنية على مرتفعات ومحاطة بالأسوار والأبراج، مما جعل اقتحامها أمراً شبه مستحيل بالطرق التقليدية.

وبالإضافة إلى القوة الدفاعية للحصون، كانت خيبر تمتلك قوة بشرية مقاتلة مدربة، إلى جانب وفرة في العتاد والسلاح. ومن ثم، كان هذا التحدي هو الأعظم بعد غزوة الأحزاب، وكان الهدف منه تأمين الدولة الإسلامية بالكامل وإزالة أي تهديد مستقبلي.

وباختصار، فإن فتح خيبر كان ضرورياً لإرساء الأمن والاستقرار، والقضاء على التمويل والتحريض المستمرين ضد المسلمين. [1]

الاستعدادات: تعبئة الجيش الإسلامي

بعد انتهاء صلح الحديبية الذي أمن المسلمين من جهة قريش، تفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم لمواجهة خطر خيبر الذي كان يهدد أمن المدينة بشكل مستمر. لقد كانت تعبئة الجيش الإسلامي لهذه الغزوة مختلفة. حيث لم يشارك فيها إلا من شهد صلح الحديبية، وذلك لأهمية الإخلاص واليقين في هذه المعركة الحاسمة. ومن هنا سار النبي صلى الله عليه وسلم بجيش قوامه حوالي ألف وأربعمائة مقاتل، في مسيرة سريعة ومباغتة نحو خيبر.

وعند الوصول إلى مشارف خيبر، اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم استراتيجية الحصار المباغت. حيث نزل بالجيش في مكان يقطع عن أهل خيبر الإمدادات والتحركات بين حصونهم، وقد تميزت هذه الاستعدادات بالدقة والسرية لضمان عنصر المفاجأة.

وفي سياق الاستعداد الروحي والمعنوي، رفع الرسول صلى الله عليه وسلم من عزيمة الصحابة. مشدداً على أن هذه المعركة هي جزء من وعد الله بالفتح، أما عن لماذا طرد الرسول يهود خيبر؟ لم يكن الطرد في هذه المرحلة، بل كان بعد الفتح، وقد جاء هذا القرار لاحقاً بسبب تكرار خياناتهم المستمرة، وحقيقة أنهم كانوا يمثلون بؤرة دائمة للتحريض ضد المسلمين.

وفي النهاية، أثبتت هذه الاستعدادات أن القيادة النبوية اعتمدت على التخطيط العسكري المحكم. واليقظة الاستراتيجية، واختيار العناصر الأكثر ثباتاً في جيش المسلمين. [2]

معجزة فتح حصن ناعم

كانت حصون خيبر منعة، وأشدها وأصعبها فتحاً هو حصن ناعم. الذي استعصى على المسلمين لعدة أيام، وشهد محاولات متكررة فاشلة لاقتحامه. لقد استمر الحصار، ولكن الحصن ظل صامداً، وفي ظل هذا التحدي، أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم نبوءة عظيمة أمام الصحابة: “لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجلاً يحِبّ اللَّهَ وَرَسولَه، وَيحِبّه اللَّه وَرَسوله، يَفْتَح اللَّه عَلَى يَدَيْهِ”. كانت هذه نبوءة بـ معجزة الفتح القادم.

وبالفعل، في اليوم التالي، تم اختيار علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقيادة الهجوم، بالرغم من شكواه من رمد في عينيه. وهنا، تجلت المعجزة النبوية. حيث تفل الرسول في عيني علي فبرأتا في الحال، مما أعطاه قوة روحية وجسدية فائقة.

وعندما وصل علي بن أبي طالب إلى الحصن، بدأ الهجوم الشرس الذي انتهى بفتح حصن ناعم، وهو ما مهد الطريق لسقوط بقية الحصون لاحقاً. إن هذا الفتح كان معجزة إيمانية وعسكرية، حيث أثبت أن العزيمة الصادقة والإيمان بالله يمكن أن يتجاوزا أصعب العوائق المادية. وفي ضوء ذلك،. يظل فتح حصن ناعم حدثاً مفصلياً، حيث كسر شوكة المقاومة اليهودية، وأثبت صدق نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، مما رفع معنويات المسلمين إلى عنان السماء.

تعرف أيضًا على: معركة بلغراد: المفتاح إلى أوروبا

دور علي بن أبي طالب في الفتح

كان دور الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فتح خيبر محورياً وخالداً، حيث تجسدت فيه الشجاعة الإيمانية والقوة البدنية. لقد تسلم علي الراية بعد أن تعثر غيره من الصحابة في الأيام السابقة، وحمل على عاتقه مسؤولية تحقيق النصر الموعود؛ فبعد برئه من الرمد بدعوة النبي، انطلق علي إلى الحصن بكل يقين وثقة.

ومن أشهر المواقف التي تروى عن بطولته في خيبر هو عندما واجه أحد الأبطال المشهورين لليهود وصرعه، ثم اقتلع باب الحصن الثقيل واستخدمه كـ “تِرْس” (درع) ليحمي نفسه، أو كجسر للعبور. وهو فعل خارق يدل على قوة خارقة منحها الله له في تلك اللحظة الحاسمة. وقد قال المؤرخون إن الباب كان ثقيلاً جداً لدرجة أن سبعة أو ثمانية من الصحابة لم يستطيعوا تحريكه بعد ذلك.

ولم يكن دوره مقتصراً على القتال المباشر، بل كان دوره قيادياً، حيث شجع الجند، ونظم الهجوم. وأثبت قدرة فائقة على اتخاذ القرار السريع تحت أشد الضغوط. هذا التميز هو ما جعل هذه الغزوة ترتبط باسمه ارتباطاً وثيقاً. وباختصار، يمثل علي بن أبي طالب في خيبر نموذجاً للبطولة التي تمتزج فيها القوة الجسدية بالنفحة الروحية، مما جعله المستحق الأول لشرف حمل الراية وتحقيق الفتح الموعود.

تعرف أيضًا على: حكماء الإسلام: الجمع بين الحكمة والشريعة

نتائج الفتح: نهاية النفوذ اليهودي

بعد سقوط حصن ناعم وتوالت الحصون الأخرى في السقوط، طلب يهود خيبر الصلح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان فتح خيبر ذا نتائج بالغة الأهمية على الدولة الإسلامية.

وكان من أهم نتائج هذا الفتح

• القضاء على بؤرة التحريض: تم إزالة التهديد الأكبر على أمن المدينة، وإنهاء الدور التخريبي الذي كان يلعبه يهود خيبر في تحريض القبائل ضد المسلمين.
• زيادة الموارد الاقتصادية: أصبحت أراضي خيبر الزراعية الخصبة ومواردها الكبيرة تحت سيطرة المسلمين. وقد سمح الرسول لليهود بالبقاء كعمال مقابل نصف إنتاجهم الزراعي، مما زاد من قوة الدولة الاقتصادية.
• تأمين الطريق إلى الشام: أمن الفتح الطريق التجاري الهام نحو الشمال (الشام). مما فتح آفاقاً جديدة للدولة الإسلامية، أما عن ما هي خيبر حالياً؟ فـ خيبر حالياً هي مدينة تقع في منطقة المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وتشتهر بآثار حصونها وقلاعها القديمة.
• القضاء على النفوذ السياسي لليهود: انتهى نفوذ اليهود السياسي في المنطقة بشكل كامل. وبدأ المسلمون يرسخون سيطرتهم على الجزيرة العربية كقوة وحيدة لا تنافس.

تعرف أيضًا على: معركة عين جالوت: وقف المد المغولي

وفي الختام، لقد كانت غزوة خيبر نموذجاً للفتح الذي يجمع بين التخطيط المحكم. والثقة في الوعد الإلهي، والبطولة الفردية الخارقة، لقد تعلمنا من خيبر أن أقوى الحصون يمكن أن تسقط أمام إرادة الإيمان. وأن العزيمة الصادقة كفيلة بتحقيق المستحيل؛ فقصة فتح حصون خيبر ودور علي بن أبي طالب، هي دروس خالدة في الشجاعة واليقين. كما إن خيبر لم تكن مجرد معركة للحصول على الغنائم، بل كانت عملية ضرورية لإنهاء خطر وجودي كان يهدد الدولة الإسلامية، وظلت نتائج فتح خيبر تؤكد أن القيادة الحكيمة التي تستغل الفرص وتعتمد على أفضل الرجال تحقق النصر النهائي.

الأسئلة الشائعة

س1: متى وقعت غزوة خيبر بالتحديد؟

ج: وقعت غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة. وتحديداً بعد العودة من صلح الحديبية.

س2: ما هو الشرط الرئيسي الذي فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم على يهود خيبر للبقاء في أرضهم بعد الفتح؟

ج: الشرط هو أن يعملوا في أراضيها مقابل نصف ما يخرج منها من ثمر وزرع. (نظام المزارعة أو المعاملة)، وأن يكون قرار إخراجهم للمسلمين متى شاءوا.

س3: ما هو الإنجاز الذي قام به الإمام علي بن أبي طالب في حصار حصن ناعم؟

ج: الإنجاز هو اقتلاع باب الحصن الثقيل واستخدامه كدرع أو جسر، في مظهر يدل على قوة خارقة منحها الله له.

س4: ما هي القوة العسكرية اليهودية الرئيسية التي كانت تقود المقاومة في خيبر؟

ج: كانت المقاومة تقاد بشكل رئيسي من قبل محاربي يهود بني النضير الذين تم إجلاؤهم سابقاً من المدينة واستقروا في خيبر.

س5: ما هي المعجزة التي حدثت لعلي بن أبي طالب قبل تسلّمه الراية في خيبر؟

ج: كانت المعجزة هي شفاء عينيه من الرمد مباشرة بعد أن تفل فيهما الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا له.

س6: هل بقي اليهود في خيبر بشكل دائم بعد الفتح؟

ج: لا، لم يبقوا بشكل دائم، لقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم مؤقتاً. ولكن في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تم إجلاؤهم نهائياً من الجزيرة العربية بسبب خياناتهم المستمرة.

• gtafThe Jews of Khaybar -بتصرف
• degruyterbrill 6. Mobilizing Muslims -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم