داحس والغبراء: تفاصيل أشهر حرب قبلية في الجاهلية

تُعَدُّ داحس والغبراء من أشرس وأطول الحروب التي شهدتها الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد دارت أحداثها في نجد بين قبيلتي عبس وذبيان. كان مكان حرب داحس والغبراء ميدانًا للكرّ والفرّ على مدار سنوات طويلة بسبب خلاف بدأ بسباق بين فرسين يحملان اسمي داحس والغبراء، وتطوّر إلى صراع دامٍ أسهم في إذكاء نار الفتن والثأر بين القبائل.

ماهو سبب الحرب بين داحس والغبراء؟

لم يكن سبب حرب داحس والغبراء مجرد خلاف على شيء بسيط، بل كان ذلك متأصلًا في طبيعة الحياة القبلية التي تقوم على الفخر والتنافس والحسد والتمسك بالثأر، حيث بدأت القصة بسباق بين فرسين مشهورين: “داحس”، وهي فرس لـقيس بن زهير العبسي (من قبيلة عبس)، و”الغبراء”. وهي فرس لـحذيفة بن بدر الفزاري (من قبيلة ذبيان)، وكان السباق على رهان كبير يبلغ مائة ناقة، وقد اتفق عليه كبار القبيلتين في منطقة تُسمى “عَقَدَ الشَّهباء”. كانت المسافة المحددة للسباق طويلة، حوالي مائة غلوة (الغلوة هي رمية سهم)، أي ما يقرب من 10 أميال.

أثناء السباق، وعندما أوشكت فرس داحس على الفوز بفارق كبير، نصب رجال من قبيلة ذبيان كمينًا على الطريق، حيث حفروا حفرًا في طريق الفرس وأخفوا فيها أعمدة أو وضعوا صخرة كبيرة لتعيق تقدم داحس. سقط داحس في الكمين، أو تعثر. مما أتاح للغبراء الفوز بالسباق بطريقة غير عادلة.

غضب قيس بن زهير غضبًا شديدًا، واحتج على الغدر والخيانة ونكث العهد، طالب بحقه في الرهان. ورفض حذيفة بن بدر الاعتراف بالغدر أو دفع الرهان. بل زعم أن الفوز كان مستحقًا، وتحول الخلاف من مجرد نزاع على رهان السباق إلى مسألة شرف قبلي وكرامة. اعتبرت قبيلة عبس أن ما حدث هو إهانة وغدر لا يُغفر، وأن الدم هو السبيل الوحيد لاستعادة الكرامة.

لم يقتصر الأمر على ذلك، فبعد حادثة السباق. قام رجال من ذبيان بقتل أحد فتيان عبس الأبرياء كان يرعى إبله. وقيل إنهم فعلوا ذلك بعد أن غضبوا من إصرار عبس على المطالبة بحقها. هذا الفعل أشعل فتيل الحرب بشكل لا رجعة فيه، حيث تحول الأمر من نزاع على سباق إلى ثأر ودماء بين داحس والغبراء. [1]

تعرف أيضًا على: نوادر العرب: مواقف طريفة وذكية لا تُنسى من تراث الأقدمين

ماهي أيام داحس والغبراء في الجاهلية؟

أيام داحس والغبراء تعبيرٌ رمزي يصف الحقبة الزمنية الطويلة من الصراع المستمر، والمواجهات المتتالية التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان وحلفائهم. لم تكن الأيام هنا تعني بالمعنى الحرفي (أربعة وعشرون ساعة). بل هي مراحل وأحداث بارزة صنعت مسار هذه الحرب الضروس، ويقال أن هذه الحرب استمرت أربعين عامًا متواصلة، تتنقل من معركة إلى أخرى، ومن هدنة إلى أخرى ما تلبث أن تنقضها ثارات جديدة. وهذا يجعلها من أطول وأشد الحروب في تاريخ العرب قبل الإسلام.

لم يتم تدوين كل تفاصيل الأربعين عامًا، لكن المؤرخين العرب أشاروا إلى بعض “الأيام” (المعارك) المشهورة التي جرت خلال تلك الفترة: مثل يوم الهباءة ويوم قطيعة ويوم الفيفاء، وهذه أمثلة فقط، فالحرب كانت عبارة عن سلسلة متواصلة من الغارات، الكمائن، الاشتباكات الفردية والجماعية، وكل منها يُولد ثأرًا جديدًا يضمن استمرار الصراع.

هذه الأيام لم تجلب سوى الدمار والخراب، وإهلاك الرجال حيث كان عدد قتلى حرب داحس والغبراء كبيراً جداً، وتبديد الثروات، حيث  أضعفت القبيلتين بشكل كبير، وجعلت الحياة في الصحراء أكثر صعوبة وخطورة.

لم يكن هناك من انتصر في حرب داحس والغبراء بشكل عام ، حيث انتهت الحرب في النهاية بمساعي حكماء القبائل الذين سئموا الدماء. وعلى رأسهم هرم بن سنان والحارث بن عوف المري (من ذبيان). وتحمل الاثنان دية القتلى من أموالهما الخاصة (لمدة عامين)، ودفعا ألف ناقة عن كل قتيل، مما أدى إلى وضع حد لهذا الصراع الدامي.

تعرف أيضًا على: الكرم العربي: قصص حقيقية عن الكرم المفرط في تراث البدو

ما معنى كلمة داحس والغبراء؟

اسم داحس والغبراء كانا في الأصل يخصان فرسين، ولم يكن لهما أي معنى للحرب قبل وقوعها، فداحس: هو اسم لـ حصان، ملك قيس بن زهير العبسي من قبيلة عبس، ويُذكر أن داحس معناه الحصان الذي يسبق الخيل في السباق، أو يغلبها. (وقد يكون اسمه دلالة على لونه الأسود).

والغبراء هو اسم لـ فرس أنثى، ملك حذيفة بن بدر الفزاري من قبيلة ذبيان. ويُقال إن الغبراء تعني الفرس التي لونها يميل إلى الغبرة أو إلى السواد المشوب بحمرة خفيفة، أو تعبر عن سرعتها التي تثير الغبار. [2]

تعرف أيضًا على: الفراسة عند العرب: كيف كانوا يكتشفون الخدع والنيات من الوجوه؟

ماهي أطول حرب في تاريخ العرب؟

تُعدّ حرب داحس والغبراء، لما شهدته من استمرار امتدّ على أربعين عامًا متتالية، أطول الحروب القبلية زمنًا في تاريخ العرب قبل الإسلام.

وعلى الرغم من أن حرب داحس والغبراء هي الأطول، إلا أن هناك حروبًا أخرى في الجاهلية طال أمدها، وإن كانت أقصر من حرب داحس والغبراء:

• حرب البسوس: دامت تقريبًا أربعين عامًا أيضًا (يقال أنها استمرت 40 سنة، وقيل أقل قليلاً) بين قبيلتي بكر وتغلب بسبب ناقة. وهي منافسة لداحس والغبراء من حيث الشهرة والمدة.
• حرب الفجار: استمرت عدة سنوات (أربع سنوات) بين قريش وحلفائها، وقبائل قيس عيلان.

الحروب الطويلة كداحس والغبراء والبسوس. كان لها تأثير مدمر على المجتمع العربي في الجاهلية. إذ خلقت فوضى عارمة. وعطّلت التجارة. وأدّت إلى إضعاف القبائل المتحاربة. مما جعلها عرضة للغزو من قبائل أخرى أو قوى خارجية.

تابع: ماهي أطول حرب في تاريخ العرب؟

هذه الأوضاع المتدهورة هي التي مهّدت الطريق لظهور الإسلام. الذي جاء ليضع حدًا لهذه النزاعات القبلية. ويوحّد العرب تحت لواء واحد هو لواء التوحيد، ويؤسّس لمبادئ العدل والمساواة بدلاً من الثأر والتحزب الأعمى.

ويوجد هناك أساطير العرب  حيث أنها تزخر بالقصص والحكايات التي تناقلتها الأجيال عبر الزمن، حيث تمزج بين الخيال والحكمة والعبر. تحكي هذه الأساطير عن أبطال شجعان ومخلوقات خرافية وأحداث عجيبة، وتعكس جزءًا من تراث العرب وثقافتهم الغنية التي ما زالت حاضرة حتى اليوم.

تعرف أيضًا على: نساء العرب الشهيرات: بطولات وقصص نسائية خالدة من التاريخ العربي

في نهاية. رحلتنا في دراسة ملحمة داحس والغبراء. هذه الملحمة التي استمرت وأخذت في التفاقم لمدة أربعين عامًا بين قبيلتي عبس وذبيان. نلمس حجم الفاجعة التي يمكن أن تخلقها عصبيات الجاهلية والقصاص الأعمى. من تتبع سبب حرب داحس والغبراء الذي انطلق من سباق للخيل وانتهى بسفك دماء غزيرة. إلى معرفة من انتصر في حرب داحس والغبراء التي شهدت خرابًا لا مثيل له. تظهر لنا صورة جلية لمجتمع كان يعاني من صراعات داخلية مدمرة. إن حكاية داحس والغبراء ليست مجرد تسجيل لأحداث مضت. بل هي عظة دائمة لنا جميعًا.

• wikipediaDahis and Al-Ghabra -بتصرف
• degruyterbrillGlossary -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم