سميراميس الملكة الآشورية الغامضة التي ألهمت الأساطير

تُعد سميراميس من أبرز الشخصيات الأسطورية التي ارتبطت بتاريخ الحضارات القديمة، خصوصًا في بابل وأشور. اشتهرت بجمالها وذكائها وقوة شخصيتها التي جعلتها رمزًا للقيادة والدهاء السياسي. تروي الأساطير أن سميراميس حكمت بمهارة ووسعت نفوذها عبر إنجازات عسكرية ومعمارية مبهرة. قصتها تجمع بين الحقيقة والخيال، مما جعلها موضوعًا مثيرًا لاهتمام المؤرخين والكتّاب عبر العصور، ورمزًا للمرأة القوية التي تركت بصمتها في التاريخ القديم.
ما هي قصة سميراميس؟

قصة سميراميس هي مزيج من الأسطورة والتاريخ، وتختلف تفاصيلها بحسب المصادر القديمة، سواء البابلية أو الإغريقية. في أشهر الروايات:
ميلادها ونشأتها الغامضة
تبدأ أسطورة سميراميس بحكاية ميلادها المليئة بالغموض والسحر. تقول الروايات القديمة إنها لم تولد كغيرها من البشر، بل كانت ابنة لإلهة الماء “أترغتيس”، وهي ألهه سورية قديمة، وولدها والدها البشري في ظروف غامضة. بعد ولادتها، شعرت والدتها بالخزي فتركتها في الصحراء لتموت، ولكن حدث ما يشبه المعجزة:
حمامتان بيضاوان ظهرتا وراحتا تحضنان الطفلة وتحميانها، بل أطعمناها اللبن والعسل حتى مرت قافلة ورآها أحد الرعاة يُدعى سيميس، فأخذها وربّاها كابنته.
نشأت سميراميس في كنف الراعي، لكنها لم تكن فتاة عادية؛ كانت فائقة الجمال، ذكية بشكل مذهل، ذات حضور قوي يخطف الأنظار.
تعرف ايضًا على: زنوبيا ملكة تدمر التي تحدّت روما بحكمتها وقوتها
زواجها الأول وبداية صعودها
كبرت سميراميس وتزوجت من قائد عسكري آشوري عظيم يُدعى أونيس (أو أون)، وكان يخدم الملك الآشوري نينوس مؤسس مدينة نينوى.
شاركت سميراميس زوجها في قراراته السياسية والعسكرية، ويقال إنها كانت وراء كثير من خططه الناجحة، خصوصًا في حصار مدينة باكترا (قرب أفغانستان حاليًا)
عندما رأى الملك نينوس سميراميس، انبهر بجمالها وعقلها، وأمر أونيس أن يتنازل عنها له مقابل أن يكون حاكمًا لإحدى المقاطعات.
أُجبر أونيس على القبول، لكن قلبه لم يحتمل فراقها، فانتحر حزنًا، بينما أصبحت سميراميس زوجة الملك نينوس.
صعودها إلى العرش
بعد زواجها من نينوس، لم تكن سميراميس مجرد ملكة تقليدية. ساعدته في الحكم، وشاركت في إدارة شؤون الدولة، حتى إذا توفي، تولت هي الحكم بنفسها.
بحسب الأسطورة، حكمت سميراميس 42 سنة، وكانت واحدة من أعظم الملوك/الملكات في تاريخ آشور. لبست زي الرجال وقادت الجيوش، وأدارت الدولة بذكاء وصرامة.
تعرف ايضًا على: عبد الحميد الثاني: آخر السلاطين الأقوياء في الدولة العثمانية
إنجازاتها العظيمة
- بناء بابل وتطويرها: يقال إن سميراميس هي من أمر ببناء مدينة بابل أو إعادة إعمارها بطريقة مبهرة، وجعلتها من أعظم مدن العالم في زمانها.
- الحدائق المعلقة: بعض الروايات تنسب إليها إنشاء الحدائق المعلقة في بابل، إحدى عجائب الدنيا السبع، رغم أن بعض المؤرخين ينسبونها لاحقًا إلى الملك نبوخذ نصر الثاني.
- مشاريع إنشائية: أنشأت القنوات والسدود والجسور ونظّمت الري في دجلة والفرات. بل إن بعض المصادر تقول إنها شيّدت أسوارًا عظيمة حول المدن، وجعلت من بلاد ما بين النهرين مركزًا حضاريًا مزدهرًا.
- الفتوحات العسكرية: قادت جيوشًا ضخمة إلى الهند، وخاضت حروبًا ضد الفرس والميديين وشعوب الجبال. رغم أن حملتها على الهند لم تنجح بالكامل، إلا أنها أظهرت عبقرية عسكرية نادرة.
نهايتها الغامضة
اختلفت الروايات حول نهاية سميراميس:
قيل إنها شعرت بقرب أجلها، فتخلّت عن العرش لابنها نينياز، ثم اختفت في السماء وتحولت إلى حمامة، وهو الطائر الذي ارتبط بها منذ ولادتها، وأصبح رمزًا لها.
بينما روايات أخرى تقول إن ابنها تمرّد عليها وقتلها طمعًا في الحكم، واعتبرها بعض الكهنة مغتصبة للعرش، فدبّت المؤامرات ضدها.
هل كانت سميراميس شخصية حقيقية؟
يعتقد بعض المؤرخين أن سميراميس مستوحاة من شخصية حقيقية هي الملكة الآشورية شلّما-شامات، التي حكمت كوصية على العرش بعد موت زوجها لفترة قصيرة في القرن التاسع قبل الميلاد.
لكن مع مرور الزمن، نسج الأدب البابلي والإغريقي قصصًا أسطورية حولها، فصارت نموذجًا للمرأة القوية والغامضة، وتحوّلت إلى رمز خالد في كتب الأساطير والتاريخ.
سميراميس هي أكثر من مجرد ملكة؛ إنها أسطورة نسجتها حضارات عظيمة لتحمل معاني القوة، والدهاء، والأنوثة الخارقة. سواء كانت حقيقة أم خيالًا، فإن قصتها بقيت حاضرة في المخيلة الشرقية والغربية لآلاف السنين، رمزًا للمرأة التي تتحدى المصير، وتخلق المجد من العدم. [1]
تعرف ايضًا على: فاطمة الزهراء: ابنة النبي محمد وسيدة نساء أهل الجنة
هل سميراميس هي زوجة النمرود؟
ليس هناك دليل تاريخي مباشر أو أكيد يربط بين سميراميس والنمرود (أو نمرود بن كنعان) بشكل مؤكد، لكن بعض الروايات الشعبية والأسطورية في التراث العربي والإسلامي ربطت بينهما، وهذا ما سبب بعض الخلط بين الشخصيتين.
- أسباب هذا الخلط:
- تشابه البيئة الحضارية:
كل من النمرود وسميراميس ارتبطا ببلاد الرافدين (ما بين النهرين: العراق اليوم)
كلاهما ارتبط بالحكم، الطغيان، والقوة العسكرية.
التفسير الشعبي والأسطوري
بعض المفسرين والكتّاب القدماء خلطوا بين الملوك البابليين والآشوريين، واعتبروا أن النمرود هو زوج سميراميس أو أنها كانت حبيبته أو عشيقته، لكن هذه معلومات غير مدعومة بالأدلة التاريخية.
المؤرخون اليونانيون والرومان كتبوا عن سميراميس وذكروها ضمن حكايات العجائب، وربما ربطوا بينها وبين شخصيات مثل نمرود لأغراض رمزية أو دينية. [2]
كيف ماتت سميراميس؟
رغم شهرة سميراميس في الأساطير القديمة كملكة عظيمة، إلا أن نهاية حياتها مليئة بالغموض والاختلاف في الروايات التاريخية والأسطورية. وهناك 3 روايات رئيسية حول نهايتها:
تعرف ايضًا على: عبد الرحمن الناصر: أعظم خلفاء الأندلس في ذروتها الحضارية
الاختفاء الأسطوري والتحول إلى يمامة (الرواية الأشهر)
بحسب الأسطورة الأشورية القديمة، شعرت سميراميس بأن أجلها قد اقترب، فتركت العرش لابنها نينياز، ثم اختفت فجأة ولم يُعرف لها قبر.
ويقال إنها:
- تحولت إلى طائر يمامة وارتفعت إلى السماء.
- لذلك، أصبح طائر اليمام رمزًا مرتبطًا بها في الثقافة الشرقية.
- هذه الرواية تعكس الطابع الأسطوري والرمزي الذي أحاط بشخصيتها، وتُظهرها كامرأة شبه إلهية.
قُتلت على يد ابنها (رواية الصراع على العرش)
- في روايات أخرى، تقول الأساطير إن ابنها تمرّد عليها وقتلها لكي يستولي على الحكم.
- كان يرى أن أمه أصبحت طاغية، ولم ترغب في ترك الحكم له.
- فدبّر انقلابًا ضدها، وقتلها أو أجبرها على الانتحار.
- هذه الرواية تظهرها كملكة قوية، لكن نهايتها جاءت نتيجة الخيانة الأسرية والطموح السياسي.
- وفاة طبيعية بعد التنازل عن العرش (الرواية المعتدلة)
تعرف ايضًا على: عبد الرحمن الداخل: صقر قريش الذي أسس الدولة الأموية في الأندلس
كيف ألهمت سميراميس الاساطير ؟
سميراميس (Semiramis) هي شخصية تاريخية وأسطورية قديمة، تُعتبر ملكة آشورية أو بابلية وفقًا لبعض الروايات، وقد ألهمت قصتها العديد من الأساطير والحكايات في الثقافات المختلفة. كيف ألهمت سميراميس الأساطير:
رمز القوة والسلطة النسائية
سميراميس غالبًا ما تُصوَّر كامرأة ذات نفوذ كبير وقوة سياسية وعسكرية. هذا ألهم قصصاً عن ملكات محاربات وقائدات قويات في الأساطير اللاحقة، حيث أصبحت رمزًا للمرأة القائدة التي تتحدى التقاليد.
بناء المدن والمعالم
تُنسب إلى سميراميس مشاريع بناء عظيمة، مثل بناء مدينة بابل وأسوارها الشهيرة. هذه الإنجازات المعمارية ألهمت أساطير عن بنّائين عظماء أو ملوك بنوا عجائب الدنيا.
الجانب الأسطوري والخارق
في بعض الأساطير، تُروى قصص عن سميراميس كابنة إلهة أو بشخصية نصف إلهية، وهذا يضعها ضمن إطار الأساطير التي تجمع بين الإنسان والإله، مما ألهم حكايات أخرى عن أبطال وأشخاص ذوي قدرات خارقة.
الرومانسية والغموض
حكايات سميراميس غالبًا ما تحتوي على عناصر رومانسية وغامضة، مثل زواجها من الملك نينوس أو ارتباطها بالقوى السماوية، وهو ما ألهم قصصًا درامية تجمع بين الحب والسياسة والقوى الخارقة.
تعرف ايضًا على: عبد الكريم الخطابي: أسطورة المقاومة المغربية ضد الاستعمار الإسباني
تبقى سميراميس شخصية غامضة تحمل الكثير من الأسرار بين طياتها، حيث امتزجت سيرتها بين الواقع والأسطورة. سواء كانت ملكة عظيمة أو مجرد حكاية خيالية، فإن حضورها في التاريخ يظل علامة فارقة على دور النساء في الحضارات القديمة. لقد جسدت سميراميس صورة المرأة القادرة على الحكم والابتكار والتأثير، مما يجعلها حتى اليوم مصدر إلهام ودراسة للكثيرين ممن يسعون لفهم رموز التاريخ العريق.
المراجع
- nationalgeographicThe True Story of Semiramis, Legendary Queen of Babylon _بتصرف
- biblestudytoolsWhat Do We Know About Semiramis, Nimrod's Wife? _بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

سيرة هند القحطاني حضور دائم بين التأثير والانتقاد

صوفيا الأولى الأميرة الصغيرة التي تعلمت القيادة

سون غوكو البطل الأسطوري في دراغون بول

سكوبي دو كلب المغامرات وكشف الألغاز

خالد بن عبدالعزيز الفالح: مهندس الطاقة والاقتصاد السعودي

مساعد العيبان وأدواره في السياسة السعودية

من هي كيت ميدلتون أميرة ويلز؟

مودل روز

تركي الشبانة ومسيرته الإعلامية والسياسية

سيرة وتحليل أفكار العالم هربرت سبنسر في الفلسفة...

شلبي سولوفان الوحش الطيب من شركة المرعبين

عدنان ولينا مغامرة كلاسيكية لا تُنسى

كوكب الشرق أم كلثوم: أيقونة الفن العربي

لي كوان يو الأب المؤسس لدولة سنغافورة الحديثة
