عبد الكريم الخطابي: رمز المقاومة في الريف المغربي

في التاريخ العربي الحديث يعد عبد الكريم الخطابي أحد أعظم رموز المقاومة والتحرر الوطني إذ قاد ثورة الريف المغربي ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي بكل شجاعة وذكاء عسكري. فـ هو ذلك القائد الذي ألهم الشعوب بنضاله من أجل الحرية وأسّس أول جمهورية في شمال أفريقيا.

من هو عبد الكريم الخطابي باختصار؟

ولد عبد الكريم الخطابي عام 1882 في بلدة أجدير قرب الحسيمة في منطقة الريف المغربي وسط أسرة عرفت بالعلم والتديّن وكان والده شيخًا قبليًا مرموقًا. نشأ في بيئة تتسم بالاحترام الشديد للعلم والشرف ودرس في فاس ثم تابع دراسته في إسبانيا ليجمع بين العلم الشرعي والعقلي وبين الفقه الإسلامي والمعارف الحديثة وهو ما ميّزه عن كثير من قادة عصره.

عرف عبد الكريم الخطابي بقوة شخصيته وفصاحته وقدرته على التأثير في الجماهير. بعد الحرب العالمية الأولى بدأ في تعبئة القبائل الريفية لمقاومة الاحتلال الإسباني وبرز اسمه كقائد ثوري بعدما خاض معركة أنوال الشهيرة عام 1921 والتي هزم فيها القوات الإسبانية هزيمة ساحقة. لكن لماذا استسلم عبد الكريم الخطابي؟
رغم بطولاته في الريف اضطر إلى الاستسلام عام 1926 بعد حصار خانق من الجيوش الفرنسية والإسبانية التي استخدمت الطيران والغازات السامة. لم يكن استسلامه ضعفًا بل حفاظًا على ما تبقى من الأرواح ولتفادي إبادة شعب بأكمله. ورغم الاستسلام ظل رمزًا حيًا للمقاومة والتحرر في العالم العربي والإسلامي.

ومن إنجازات عبد الكريم الخطابي الكبرى تأسيس “جمهورية الريف” كأول كيان مستقل في شمال أفريقيا الحديثة وتنظيم الإدارة وتحديث التعليم وتكوين جيش وطني مما ألهم حركات التحرر في الجزائر وتونس ومصر.[1]

تعرف أيضًا على: الحبيب بورقيبة: مؤسس تونس الحديثة وصاحب المشروع التنويري

ما هو أصل عائلة الخطابي؟

تنحدر عائلة الخطابي من قبيلة بني ورياغل وهي إحدى كبريات القبائل الأمازيغية في منطقة الريف المغربي. تعود أصول الأسرة إلى أجدير وهي بلدة جبلية كانت مركزًا علميًا ودينيًا قبل أن تكون مهدًا لثورة تاريخية.

كانت الأسرة تعرف بلقب “الخطابي” نسبة إلى تمسكها بالخطابة والفقه وكان والد عبد الكريم الخطابي قاضيًا وزعيمًا قبليًا له احترام كبير وسط القبائل الريفية. وربّما هذا ما زرع في نفس الابن حب القيادة والعدل والكرامة.

في سنوات شبابه التحق عبد الكريم الخطابي بمدرسة القرويين في فاس ثم عمل في تطوان والصحراء ومنها انتقل إلى مليلية حيث عمل في الصحافة والقضاء. هناك تفتّحت عينه على ظلم المستعمر الإسباني فبدأ في التفكير بثورة منظمة.

تعرف أيضًا على: عبد العزيز بوتفليقة: الرئيس الذي قاد المصالحة بعد العشرية السوداء

وكانت اللحظة الفاصلة هي عبد الكريم الخطابي معركة أنوال حين قرّر أن يواجه الإسبان في يوليو 1921. وفعلاً قاد هجومًا كاسحًا على القوات الإسبانية المتقدمة وأوقع بهم هزيمة نكراء أودت بحياة أكثر من 13 ألف جندي إسباني وأجبرت أوروبا على الاعتراف بخطورة هذا القائد.

هذه المعركة كانت من أهم محطات الكفاح المسلح في تاريخ المغرب الحديث وجعلت من عبد الكريم الخطابي أسطورة حية في وعي الشعوب المستعمَرة.[2]

تعرف أيضًا على: الملك فيصل بن عبد العزيز: مهندس السياسة النفطية وصاحب المواقف الثابتة

من هو الدكتور عبد الكريم الخطابي؟

لقب “الدكتور” لم يكن دارجًا عند أهل زمانه لكن بعض الباحثين يشيرون إلى أن عبد الكريم الخطابي كان بمثابة مفكر وقائد عسكري واستراتيجي فذ رغم أنه لم يكن يحمل شهادة دكتوراه رسمية. فقد جمع بين علوم الدين والقانون والسياسة والعسكرية وتحدث عدة لغات.

بعد نفيه من المغرب إلى جزيرة لارينيون في المحيط الهندي قضى هناك 21 عامًا من العزلة القسرية قبل أن ينقل إلى القاهرة عام 1947 حيث استقر وأصبح من رموز النضال العربي وساند الثورة الجزائرية والمصرية والتونسية. وهناك برز دوره في “لجنة تحرير المغرب العربي”.

تعرف أيضًا على: رمسيس الثاني فرعون الانتصارات وأسطورة معركة قادش

أصول محمد بن عبد الكريم الخطابي ترجع إلى نسب شريف وفق بعض الروايات بينما يرى آخرون أنه أمازيغي خالص ومهما يكن الأصل فشخصيته تجاوزت الحدود وصار رمزًا لوحدة الشعوب.

أما السؤال الذي يطرحه البعض: كيف مات عبد الكريم الخطابي؟
فقد توفي في القاهرة عام 1963 عن عمر ناهز 81 عامًا بعد حياة حافلة بالجهاد والنفي والعمل الثوري. وقد دفن في مصر بناءً على وصيته ورفض أن يعاد جثمانه إلى المغرب ما دام تحت حكم الاحتلال الفرنسي آنذاك.

تعرف أيضًا على: يوسف بن تاشفين: موحّد المغرب وبطل معركة الزلاقة

هل عبد الكريم الخطابي جزائري؟

رغم أن بعض الأسئلة المتداولة تشير إلى أصل عبد الكريم الخطابي فالحقيقة أنه مغربي الأصل والمنشأ. وهنا بعض الحقائق السريعة:

مولده وأصوله

وُلد عبد الكريم الخطابي في منطقة أجدير بإقليم الريف في المغرب. تعود أصوله إلى قبائل بني ورياغل الأمازيغية، وليس لديه أي جذور جزائرية.

علاقته بالثورة الجزائرية

حظي الخطابي بشعبية كبيرة في الجزائر بسبب تعاطفه ودعمه لثورة التحرير الجزائرية. هذا التعاطف جعل الكثيرين يعتقدون أنه جزائري الأصل، على الرغم من أنه لم يكن كذلك.

جنسيته

ظل عبد الكريم الخطابي يحمل الجنسية المغربية حتى وفاته، ولم يحصل على أي جنسية أخرى.

في هذا السياق يطرح سؤال آخر حساس: ما حقيقة خيانة عبد الكريم الخطابي؟ الحقيقة أن هذه “الخيانة” لا وجود لها بل كانت تهمة ملفقة من خصومه السياسيين في المغرب بعد الاستقلال. وسبب هذه التهمة يعود إلى مواقفه الرافضة للملكية المطلقة ودعمه للثورة الجزائرية مما أزعج بعض الأطراف التي حاولت تشويه سمعته.

أما بالنسبة إلى الجانب الأسري فقد أنجب أبناء عبد الكريم الخطابي عددًا من الأبناء والبنات لم يبرزوا في الساحة السياسية وفضّل معظمهم الحياة العادية مع المحافظة على اسم والدهم الكبير. بعضهم استقر في أوروبا وآخرون في مصر لكن لم يظهر منهم من يحمل مشعل المقاومة بنفس القوة.

تعرف أيضًا على: ياسر عرفات: رمز النضال الفلسطيني وقائد منظمة التحرير

في الختام لقد مثّل عبد الكريم الخطابي نموذجًا فريدًا في التاريخ العربي جمع بين الفكرة والعمل بين السلاح والقلم بين الوطن والدين وبين السياسة والكرامة. لم يكن مجرد قائد قبلي بل رجل دولة ورؤية سبق عصره وألهم أجيالًا من المقاومين والثوار. فهو رحل  جسدًا لكن فكره لا يزال حيًا وأسطورته لا تزال تروى في المغرب وخارجه كرمز للحرية والنضال ضد الظلم. وهو بلا شك أحد أعمدة الهوية الوطنية المغربية والعربية الحديثة. 

• Britannica Abd el-Krim ( بتصرف )
• reddit Abdelkrim al-Khattabi claimed to be Amazigh and was very proud to be Amazigh ( بتصرف )

مشاركة المقال

وسوم