عمر بن عبد العزيز: خامس الخلفاء الراشدين وباعث العدل من جديد

في سجل التاريخ الإسلامي يبرز اسم عمر بن عبد العزيز كشخصية فذة ونموذج للعدل والحكم الرشيد. ويعتبره الكثيرون خامس الخلفاء الراشدين لما اتسمت به خلافته من صلاح وتقوى. وإصلاحات جذرية أعادت للمسلمين أمجاد عصر النبوة والخلافة الراشدة الأولى. بالإضافة إلى ذلك لم يكن حكمه مجرد فترة عابرة بل كان نقطة تحول أعادت للمجتمع الإسلامي بريقه. وعدله تارك بصمة لا تمحى في قلوب وعقول الأجيال.

من هو؟

يعد من ألمع الشخصيات في تاريخ الإسلام. حيث يلقب بـ “خامس الخلفاء الراشدين”، نظرا لسيرته العطرة، وجهوده الإصلاحية، التي أعادت للأمة مجدها، وعدلها. وولد عمر بن عبد العزيز تاريخ ومكان الميلاد في المدينة المنورة عام 61 هجرية. وينحدر من عائلة عريقة. فوالده هو عبد العزيز بن مروان، وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.

ونشأ في بيت علم وصلاح، وتلقى تربية إسلامية خالصة. مما صقل شخصيته الفذة، وعرف عنه الورع، والتقوى، وحبه للعلم، مما جعله محط أنظار الجميع، ومضرب المثل في الصلاح.

فتولى الخلافة عام 99 هجرية بعد وفاة سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافته قصيرة نسبي إذ لم تتجاوز سنتين وخمسة أشهر إلا أنها كانت حافلة بالإنجازات، والإصلاحات الشاملة.

تعرف أيضًا على: عبد الرحمن بن عوف: تاجر الجنة وصاحب الصدقات العظيمة

وكان مثال للحاكم الذي يضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وسعى جاهدا لتطبيق الشريعة الإسلامية، وإعادة الحقوق لأصحابها، والقضاء على الظلم، والفساد. ومن أبرز إصلاحاته إعادة توزيع الثروات بشكل عادل، وتخفيف الضرائب عن الفقراء، وإعادة الأموال لبيت مال المسلمين.

كما اهتم بنشر العلم والمعرفة وشجع على تدوين الحديث النبوي. مما ساهم في ازدهار الحركة العلمية في عهده، فلقد ترك عمر بن عبد العزيز إرث عظيم من العدل، والإصلاح. ولا يزال يذكر اسمه كرمز للحاكم العادل الذي يتبع هدي النبوة، والخلافة الراشدة، ويعد حكمه تجسيد لمفهوم عدل عمر بن عبد العزيز. [1]

تعرف أيضًا على: الزبير بن العوام: حواري الرسول وأول من سل سيفًا في الإسلام

ماهي صلة القرابة بينه وبين عمر بن الخطاب؟

تعد صلة القرابة بين عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز،خامس الخلفاء الراشدين من الروابط، التي تبرز كيف أن الإرث الصالح يمكن أن ينتقل عبر الأجيال. وتكمن هذه الصلة في نسب أم عمر بن عبد العزيز، وهي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب أي أن أم عمر بن عبد العزيز هي حفيده عمر بن الخطاب.

فهذا النسب الشريف أسهم بلا شك في تكوين شخصيته، وترسيخ مبادئ العدل، والتقوى في نفسه، فقد تربى في كنف عائلة تجل العلم، والصلاح. وكانت سيرته امتداد لسيرة جده العظيم الفاروق، مما كان له أثر كبير في نظرة الناس إليه، ولم تكن هذه الصلة مجرد قرابة دموية. بل كانت قرابة روحية وفكرية. حيث استلهم عمر بن عبد العزيز من سيرة جده الكثير من مبادئ الحكم الرشيد، والاهتمام بشؤون الرعية.

تعرف أيضًا على: جعفر بن أبي طالب: طيّار الجنة وسفير الإسلام الأول

فلقد كان لصلة القرابة هذه تأثير واضح على شخصية عمر بن عبد العزيز وأسلوب حكمه. فهو لم يكن مجرد أمير أو خليفة. بل كان شخصية مفعمة بروح المسؤولية تجاه الأمة مستلهم من جده عمر بن الخطاب نهجه في تطبيق العدل والزهد. بالإضافة إلى ذلك العديد من المؤرخين يشيرون إلى أن هذه الصلة كان لها دور كبير في تطلعاته لإصلاح الدولة وإعادتها إلى مسار الخلافة الراشدة. مما جعله يكتسب لقب “خامس الخلفاء الراشدين”. وقد ظهرت هذه التأثيرات في العديد من قراراته، التي اتسمت بالعدل والرحمة.

كل هذه الإجراءات عكست روح عدل عمر بن عبد العزيز الذي استلهمه من سلفه الصالح. فمن الجدير بالذكر هنا قصة عمر بن عبد العزيز مع زوجته التي تظهر مدى تأثير القيم الأسرية في حياته، وحكمه. فقد كانت زوجته فاطمة بنت عبد الملك خير عون له في زهده وتقشف. [2]

تعرف أيضًا على: ابن القيم الجوزية: تلميذ ابن تيمية وناشر العلم والقلوب

ماذا قال رسول الله عنه؟

لم يرد حديث الرسول عن عمر بن عبد العزيز بالاسم حيث إنه ولد بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك هناك العديد من الأحاديث النبوية التي تشير إلى ظهور مجددين على رأس كل مائة عام، وإلى قيام أئمة عادلين يعيدون للإسلام مجده. بالإضافة إلى ذلك قد اعتبر كثير من العلماء أن عمر بن عبد العزيز هو أحد هؤلاء المجددين الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كانت خلافته فترة تجديد، وإصلاح شامل أعادت للأمة قيم العدل، والزهد، والتقوى التي سادت في عصر النبوة، والخلافة الراشدة. فتأويل هذا الحديث يستند إلى سيرته، وإصلاحاته التي تتوافق مع الأوصاف النبوية للخلفاء العادلين.

فلقد جاء في حديث نبوي شريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبعث، لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، وقد أجمع جمهور العلماء على إن عمر بن عبد العزيز. هو المجدد على رأس المائة الأولى من الهجرة نظرا لما قدمه من إصلاحات شاملة. وقد شهدت خلافته عودة قوية للعدل، والإنصاف، وتطبيق صارم للشريعة الإسلامية. مما جعله نموذج للحاكم الصالح.

تعرف أيضًا على: القعقاع بن عمرو: فارس المعارك الكبرى وصوت الرعب في قلوب الأعداء

ومن أبرز جوانب تجديده لدين الأمة كانت

• إعادة الحقوق إلى أصحابها.
• القضاء على المظالم.
• الاهتمام بالفقراء والمساكين.
• تخفيف الضرائب.
• تشجيع العلم وتدوين الحديث النبوي.
• الزهد والورع كونه مثال في التواضع والبعد عن الترف.

فهذه الإصلاحات التي قام بها تجعل من حكمه تجسيد لمفهوم التجديد الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من الجهود الإصلاحية العظيمة. فإن وفاة عمر بن عبد العزيز جاءت في فترة مبكرة نسبيا. مما أثار العديد من التساؤلات حول من سمم عمر بن عبد العزيز، وهي نقطة تاريخية لا تزال محل نقاش بين المؤرخين.

تعرف أيضًا على: ابن تيمية: مجدد الفكر الإسلامي ومجابه الانحراف العقدي

فلقد كان عمر بن عبد العزيز بحق علامة فارقة في تاريخ الإسلام. حيث أعاد للأمة روح العدل والزهد والتقوى. ورغم قصر فترة حكمه إلا أنها كانت فترة حافلة بالإنجازات. التي تركت بصمة لا تمحى. وتبقى سيرته العطرة نموذج يحتذى به للحكام، والقادة في كل زمان ومكان ومصدر إلهام لكل من يسعى إلى تحقيق العدل، والصلاح في مجتمعاتهم.

• Cambridge History of IslamThe Formation of the Islamic World, Sixth to Eleventh Centuries-بتصرف
• The Great Arab ConquestsHow the Spread of Islam Changed the World We Live In-بتصرف

مشاركة المقال

وسوم