فتح عمورية: انتصار المعتصم

تعد واقعة فتح عمورية في عام 223 هـ (838 م) أحد أروع صفحات التاريخ الإسلامي التي تجسد مفهوم نصرة المظلوم وذروة العزة العسكرية للخلافة العباسية. فبعد أن وصلت صرخة استغاثة المرأة المسلمة “وامعتصماه” إلى الخليفة المعتصم بالله انتقامًا لغزو الروم لزبطرة، قرر المعتصم تجهيز جيش جرار لم يسبق له مثيل، قاصدًا أعظم حصون الإمبراطورية البيزنطية ليسقطها ردًا على إهانة امرأة واحدة، وليثبت أن كرامة الفرد هي كرامة الدولة كلها.
الخلفية: انتقام المعتصم للمرأة المسلمة
ما هي قصة المرأة التي صرخت وامعتصماه؟
في عام 223 هـ (838 م)، غزا الإمبراطور البيزنطي تيوفيلوس مدينة زبطرة التابعة للخلافة العباسية، وقام بأعمال وحشية شملت سبي النساء وقتل الرجال وتدمير المدينة. وكانت زبطرة ذات أهمية شخصية للمعتصم، حيث كانت مسقط رأس والدته. تذكر الرواية المشهورة أن امرأة مسلمة هاشمية كانت أسيرة في أيدي الروم في عمورية أو زبطرة، وعندما تعرضت للإهانة، صاحت بأعلى صوتها: “وامعتصماه“. وصل نداء المرأة إلى الخليفة المعتصم في سامراء عن طريق رجل (أعرابي في بعض الروايات)، فقام المعتصم وهو جالس على سريره بالإجابة عليها قائلاً: “لبيك لبيك“، وغضب غضبًا شديدًا. فاجهز المعتصم جيشًا عظيمًا لم يجهز مثله من قبل، وصمم على فتح عمورية التي كانت تعتبر حصن الروم المنيع وأهم مدنهم في آسيا الصغرى، قائلًا: “والله لأبعثن إليهم بجيش بدايته عندهم ونهايته عندي“.
سار المعتصم بجيشه، وفتح مدينة أنقرة أولاً، ثم اتجه إلى عمورية وحاصرها حصارًا شديدًا، وتمكن من اقتحامها وفتحها في شهر رمضان من عام 223 هـ. وبعد الفتح، قام المعتصم بتحرير الأسرى المسلمين، ويقال إنه سأل عن المرأة المستغيثة، وعندما حضرت قال لها: “هل أجابك المعتصم؟” فأجابت: “نعم. [1]
تعرف أيضًا على: فتح السند: دخول الإسلام إلى شبه القارة

القائد: المعتصم بالله
من هو القائد الذي فتح عمورية؟
المعتصم بالله هو الخليفة العباسي الذي قاد حملة فتح عمورية الشهيرة. اسمه الكامل أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد، هو الخليفة الثامن من خلفاء بني العباس. علاوة على ذلك حكم من عام 218 هـ حتى عام 227 هـ. أمه هي ماردة، وهي جارية تركية الأصل، وكان المعتصم يولي أهمية خاصة للأتراك في جيشه وإدارته.
أهم إنجازاته:
- فتح عمورية: يعد فتح عمورية (عام 223 هـ / 838 م) أهم إنجاز عسكري له، وكان انتقامًا من الروم البيزنطيين.
- تأسيس سامراء: نقل عاصمة الخلافة من بغداد إلى مدينة سامراء التي أنشأها لتكون مركزًا جديدًا للدولة، وذلك بسبب زيادة نفوذ الأتراك في جيشه واحتكاكهم بسكان بغداد.
- الاهتمام بالجيش: اعتمد بشكل كبير على الأتراك في جيشه، وقد ساهم ذلك في قوته العسكرية.
ما هي مدينة عمورية الآن؟
مدينة عمورية التاريخية تقع حاليًا ضمن حدود الجمهورية التركية. حيث تقع أطلال عمورية في منطقة الأناضول آسيا الصغرى جنوب غرب مدينة أنقرة العاصمة التركية الحالية. ويشار إليها باسم هيسار أو بلدة سيفلي حصار القريبة من الموقع الأثري.
في العصر الحديث، تعد عمورية موقعًا أثريًا مهمًا يضم بقايا المدينة البيزنطية العظيمة التي كانت ذات يوم مركزًا استراتيجيًا وثقافيًا كبيرًا للإمبراطورية البيزنطية قبل أن يدمرها المعتصم. [2]
تعرف أيضًا على: معركة ليبانت: نهاية التفوق البحري العثماني

الاستعدادات: جيش ضخم عبر الأناضول
ما هي قصة فتح عمورية؟
كانت حملة فتح عمورية استعراضًا عسكريًا ضخمًا غير مسبوق في العصر العباسي. حيث عبر الجيش الإسلامي مسافات شاسعة عبر الأناضول (آسيا الصغرى) للوصول إلى عمورية، حصن الروم المنيع.
الاستعدادات والمسير للفتح
أمر الخليفة المعتصم بالله بتجهيز جيش ضخم، بل قيل إنه أضخم جيش خرج من بغداد/سامراء في العصر العباسي، وكان التخطيط للمسير بالغ الدقة:
حجم الجيش وتجهيزه:
تتراوح التقديرات بين 100 ألف إلى 200 ألف مقاتل، وقيل أكثر. المهم هو الضخامة غير العادية للجيش العباسي. بالإضافة إلى ذلك تم تجهيز الجيش بكل ما يلزم من آلات الحصار الضخمة مثل:
- المجانيق لقذف الحجارة والقذائف الثقيلة على الأسوار.
- الدبابات آلات حصار متحركة لحماية الجنود والاقتراب من الأسوار.
- السلالم والأبراج لاقتحام الأسوار العالية لعمورية.
تعرف أيضًا على: معركة شقحب: إنقاذ مصر من المغول
تقسيم الجيش وخط سير الحملة:
قام المعتصم بخطة عسكرية محكمة لضمان تدمير المقاومة البيزنطية على طول الطريق:
المحور الأول (الجيش الرئيسي)
قاده المعتصم بنفسه، واتجه نحو مدينة أنقرة التي هي غرب الأناضول حاليًا لفتحها أولاً وتأمين الطريق قبل التوجه إلى عمورية. وتم تقسيم هذا الجيش لفرق يرأسها قادة كبار من رجاله الأقوياء مثل أشناس وإيتاخ وجعفر بن دينار.
المحور الثاني (جيش الإفشين)
قاد القائد الأفشين جيشًا آخر منفصلاً. وسار في طريق مختلف ومواز عبر الأناضول، لمواجهة أي قوات بيزنطية تحاول اعتراض طريق الجيش الرئيسي أو الالتفاف عليه. والتقى جيش الأفشين بقوات الإمبراطور تيوفيلوس في معركة دازيمون وهزمها هزيمة ساحقة. بالتالي أضعف دفاعات الروم قبل وصول المعتصم.
التقى الجيشان (جيش المعتصم وجيش الأفشين) في أنقرة، وتم تدميرها تدميرًا كاملاً بعدها، اتجهت جميع القوات العباسية نحو الهدف الأخير: عمورية، التي كانت تعتبر “عين النصرانية” و “قلعة مجدهم”.
كانت هذه الحملة رسالة واضحة من الخلافة العباسية إلى الإمبراطورية البيزنطية حول مدى استعدادها للدفاع عن المسلمين وأرضهم. حتى لو تطلب الأمر حشد جيش بهذا الحجم وعبور كل هذه المسافات.
تعرف أيضًا على: معركة جكردلن: الصراع العثماني الصفوي
سقوط المدينة البيزنطية
كان سقوط عمورية بعد حصار المعتصم الطويل بمثابة ضربة قاصمة للإمبراطورية البيزنطية، وتحقيقًا لوعد الخليفة بالانتقام. إليك أبرز مراحل سقوط المدينة البيزنطية المنيعة:

الحصار وشدة المقاومة
وصل جيش المعتصم الجرار إلى عمورية (قلب المدن الرومانية) في رمضان عام 223 هـ (أغسطس 838 م)، وفرض عليها حصاراً شديداً دام حوالي 55 يوماً. كانت عمورية محصنة بأسوار عالية جداً وأبراج كثيرة. بالإضافة إلى ذلك قد تحصن أهلها بقيادة حاكمهم ياطس تحصناً بالغاً، ما جعل اختراقها تحديًا كبيراً. وقام الجيش العباسي بنصب المجانيق والدبابات وآلات الحصار الضخمة، ووجهوا قصفًا مستمرًا ومكثفًا على أسوار المدينة.
اكتشاف الثغرة (بوابة الفتح)
اللحظة الحاسمة في سقوط عمورية كانت عندما تمكن المعتصم من تحديد نقطة ضعف في تحصينات المدينة. حيث دل رجل، كان أسيرًا سابقًا للمسلمين وتنصر في عمورية، ثم عاد إلى الإسلام عندما رأى جيش المعتصم، على موضع ضعف في السور. أخبر الأسير المعتصم أن جزءًا من السور كان قد انهار بسبب السيل في وقت سابق، وأعاد الروم بناءه على أساس ضعيف وعجلوا في إتمامه. بالتالي جعله أكثر عرضة للاختراق. وأمر المعتصم بتركيز كل قوة المجانيق ورميها المتواصل على تلك الثغرة بالتحديد.
تعرف أيضًا على: معركة مرج دابق: بداية الحكم العثماني
اقتحام المدينة وتدميرها
استمر قصف المجانيق بلا توقف على النقطة الضعيفة، حتى انفتح السور وتهاوى. حاول المدافعون سد الفجوة بالخشب والأحجار، لكن دون جدوى أمام شدة الهجوم، وانطلقت قوات المعتصم من الثغرة المفتوحة ودخلت المدينة بسرعة وبقوة. علاوة على ذلك تم وضع السيف في المقاتلين من الروم، وقتل عدد كبير منهم (قيل حوالي 30 ألفًا)، وأسر عدد مماثل، وتم أسر القائد ياطس. ثم تم تحرير الأسيرات المسلمات، وعلى رأسهن المرأة التي صاحت: “وامعتصماه“.
أمر المعتصم بإحراق عمورية بالكامل، وتدمير أسوارها وكل آلات الحرب المتبقية فيها، لكي لا يتقوى بها الروم مرة أخرى على المسلمين. بالإضافة إلى ذلك كان هذا الفتح نصرًا عظيمًا للمسلمين، وخلده الشاعر أبو تمام في قصيدته الشهيرة التي مطلعها: (السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب).
في الختام، بعد حصار شديد دام 55 يومًا، نجح جيش المعتصم في اختراق أسوار عمورية المنيعة. محققًا بذلك انتصارًا ساحقًا ومهينًا للروم. لم يكن فتح عمورية مجرد انتصار عسكري. بل كان بيانًا سياسيًا قويًا أكد قوة الدولة العباسية وقدرتها على الثأر لشرف أبنائها.

الأسئلة الشائعة
من هو الخليفة الذي فتح عمورية؟
الإجابة: الخليفة العباسي المعتصم بالله بن هارون الرشيد.
ما السبب المباشر لفتح عمورية؟
الإجابة: استغاثة امرأة مسلمة أساء إليها أحد جنود الروم فصرخت “وامعتصماه”، فهب الخليفة نصرةً لها.
تعرف أيضًا على: معركة الزاب: نهاية الدولة الأموية
كم استمر حصار عمورية؟
الإجابة: استمر الحصار نحو عدة أسابيع حتى تمكن المعتصم من فتح المدينة بالقوة.
ما أهمية هذا الفتح في التاريخ الإسلامي؟
الإجابة: أعاد للمسلمين هيبتهم بين الأمم وأثبت أن الدولة العباسية لا تتهاون في الدفاع عن كرامة الإسلام.
كيف خلد الشعراء هذا الحدث؟
الإجابة: خلد الشاعر أبو تمام هذا الانتصار في قصيدته الشهيرة:
“السيف أصدق أنباءً من الكتب … في حده الحد بين الجد واللعب”
المراجع
- Musjidulhaq He Responded to a call from a Muslim Lady _ بتصرف
- Mintage worldAbbasid Caliph Al-Mutasim Billah died today _ بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

فتح مكة: أعظم فتح بدون قتال

مشايخ الإقراء: حفاظ التجويد

حروب الردة: توحيد الجزيرة العربية

عالمات الفقه: مراجع في أحكام النساء

فتح السند: دخول الإسلام إلى شبه القارة

حصار عكا: أطول حصار في التاريخ

قصص الأخرة: قصص من عالم الغيب

حطين: تحرير القدس

المفسرون المعاصرون: تجديد فهم القرآن

العبّاد الزهاد: من آثروا الآخرة على الدنيا

اللغويات: عالمات اللغة وحارسات الفصحى

الشهداء المعاصرون: دماء تروي ثمار الدعوة

نساء خالدات: أمهات المؤمنين والصالحات

أبطال الإسلام: صحابة رسول الله ﷺ
















