قصص الإيمان: يقين لا يتزعزع

قصص الإيمان القرآنية كسحرة فرعون الذين تحولوا من الضلال إلى الشهادة في لحظة، وأهل الكهف الذين فروا بالدين من جبروت الملوك، والنجاشي الذي اختار العدل والإيمان على ملكه، تثبت حقيقة واحدة: أن الإيمان إذا استقر في القلب، تحول إلى يقين لا يتزعزع، يغلب القوة، ويقهر الباطل، ويصنع النصر والخلود.

أصحاب الأخدود: الإيمان حتى الموت محرقاً

ما هي قصة قوة الإيمان؟

قصة أصحاب الأخدود من  قصص الإيمان العظيمة التي ذكرت في القرآن الكريم في سورة البروج، وتفصلت في الحديث النبوي الشريف، وهي مثال للثبات على الإيمان والتضحية في سبيله حتى الموت حرقاً.

ملخص القصة

تتحدث القصة عن ملك ظالم كان له ساحر، طلب الساحر من الملك أن يأتيه بغلام ليعلمه السحر، في طريق الغلام إلى الساحر، كان يمر براهب مؤمن، فجالس الغلام الراهب وسمع منه كلام الإيمان، فآمن بالله وحده. وأصبح الغلام ببركة إيمانه يدعو الله ويشفي المرضى ويبرئ الأكمه والأبرص. انتشر أمر الغلام وكراماته، حتى اهتدى إليه جليس للملك كان قد أصابه العمى، فشفاه الله على يد الغلام، فآمن الجليس برب الغلام. علاوة على ذلك عندما علم الملك بأمر الغلام والراهب والجليس، حاول إجبارهم على الرجوع عن دينهم. لكنهم أصروا على إيمانهم، فبدأ الملك بتعذيبهم وقتلهم، فقتل الراهب والجليس بوضع المنشار في مفرق رأسيهما، وطلب الملك قتل الغلام بطرق مختلفة (رميه من جبل، إلقاؤه في البحر)، لكن الله نجاه في كل مرة.

وفي النهاية، دل الغلام الملك على طريقة قتله وهي أن يقول: “بسم الله رب الغلام“ ثم يرميه بسهم، ففعل الملك ما قاله الغلام، فمات الغلام، وعندما رأى الناس ذلك، قالوا جميعاً: “آمنا برب الغلام“. وغضب الملك جنوناً من إيمان شعبه، فأمر بحفر الأخاديد (شقوق عظيمة في الأرض)، وأشعل فيها النيران، ثم أمر بإلقاء كل من لم يرجع عن دينه فيها حرقاً. لكن ثبت المؤمنون على إيمانهم، وتم إحراقهم بالنار. ومن أشد المشاهد التي ذكرت في الحديث النبوي: أن امرأة معها طفل رضيع ترددت خوفاً على طفلها من النار. فأنطق الله الرضيع ليقول لها: “يا أماه، اصبري فإنك على الحق“، فتقدمت وألقت بنفسها وطفلها في النار. قال تعالى في سورة البروج:

(قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد * الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد). [1]

تعرف أيضًا على: قصة النبي أيوب عليه السلام مع المرض والصبر

سحرة فرعون: من السحر إلى الإيمان

ما هي قصة حديث الإيمان؟

قصة سحرة فرعون هي واحدة من أعظم القصص التي وردت في القرآن الكريم. وتجسد قوة الإيمان التي تخترق القلوب في لحظة وتحول أشد الناس كفراً إلى شهداء ثابتين على الحق.

ملخص القصة

عندما رأى فرعون معجزة موسى عليه السلام (تحول العصا إلى حية مبينة)، اعتبرها سحراً، فقرر جمع أعظم سحرة مملكة مصر لمواجهة موسى وإبطال “سحره” المزعوم أمام الناس. ووعد فرعون السحرة بمكافأة عظيمة، فجاؤوا بثقة وغرور، وطلبوا أجراً عظيماً من فرعون إن هم غلبوا موسى. حدد فرعون “يوم الزينة” ليكون يوم المواجهة، وهو يوم عيد واجتماع للناس، ليكون تأثير السحر والمعجزة على أكبر عدد ممكن من الحضور. علاوة على ذلك ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فسحروا أعين الناس، وبدا للناظرين أن الساحة امتلأت بالحيات والثعابين تسعى، حتى خيل لموسى نفسه ذلك، كما قال تعالى: (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه: 66.

وأوحى الله إلى موسى أن يلقي عصاه، فألقاها، فإذا بها تتحول إلى حية عظيمة تبتلع كل ما ألقاه السحرة من حبال وعصي. في هذه اللحظة، حدث التحول العظيم. فالسحرة، لكونهم أهل فن وعلم بالسحر، أدركوا على الفور أن ما جاء به موسى ليس سحراً. بل هو آية ومعجزة إلهية، لأن الساحر لا يمكن أن يبطل سحره بهذه الطريقة الخارقة. فبمجرد رؤية الحقيقة، سقط السحرة ساجدين لله الواحد الأحد. وتركوا كل دنيا فرعون وجاهه خلف ظهورهم، وقالوا بملء أفواههم: (قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون).

بالتالي جن جنون فرعون، ورأى أساس ملكه وادعائه الألوهية ينهار في لحظة أمام شعبه. فهددهم بأشد العذاب عن طريق تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب على جذوع النخل. لكن الإيمان الذي دخل قلوبهم لم يكن إيماناً ضعيفاً، بل كان يقين العارفين بالحق. فما كان جوابهم إلا الثبات والتحدي:

تعرف أيضًا على: الدعاة المعاصرون: وجوه الإسلام النيرة اليوم

(قالوا لن نؤثرك علىٰ ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض ۖ إنما تقضي هٰذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ۗ والله خير وأبقىٰ).

• قوة البينة الواضحة: عندما تتضح البينة والمعجزة، لا يمكن لأهل العلم والحقيقة أن يكتموها، حتى لو كانوا أشد الناس كفراً.
• الإيمان هبة إلهية: تحول السحرة من فجرة كفرة في أول النهار إلى شهداء أبرار في آخره، دليل على أن الإيمان قذف من الله في القلب.
• الثبات عند الفتنة: صبر السحرة وثباتهم على الإيمان في وجه أشد أنواع الوعيد والتعذيب يجسد أعلى مراتب اليقين والتضحية في سبيل العقيدة.
• عظمة التوبة: قصتهم تبعث الأمل في كل مذنب، إذ أن الله قبل توبة هؤلاء السحرة الذين مارسوا أعظم الكبائر وعادوا فرعون، ثم جعلهم من خيرة الشهداء. [2]

أهل الكهف: الإيمان يهزم طغيان السلطة

كيف نتعلم الإيمان؟

قصة أهل الكهف هي رمز خالد للثبات على الإيمان والفرار بالدين من بطش وظلم الحكام. علاوة على ذلك هي من قصص الإيمان التي ذكرها الله تعالى في سورة الكهف لتكون عظة وعبرة.

ملخص القصة

كان أهل الكهف فتية مؤمنين يعيشون في قرية يحكمها ملك طاغية يدعى دقيانوس، يجبر الناس على عبادة الأوثان أو الأصنام. رفض هؤلاء الشباب الانصياع لطغيان السلطة، وتمسكوا بالتوحيد في مجتمع كان يمجد الشرك. وقد ربط الله على قلوبهم فقاموا في وجه الملك وأعلنوا إيمانهم بجرأة:

(إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلٰهًا ۖ لقد قلنا إذًا شططًا).

بعد إعلان إيمانهم، أدرك الفتية أن المواجهة المباشرة مع الملك الظالم ستودي بحياتهم وتهدد دينهم. لذا، قرروا الهجرة والاعتزال، فآووا إلى كهف ليختبئوا فيه، طالبين من الله الرحمة والهدى:

(إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا).

وقد ألقى الله عليهم النوم العميق، فضرب على آذانهم فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وهي معجزة إلهية لحمايتهم من الملك الطاغية وجنوده.

استيقظ الفتية بعد هذه المدة الطويلة، وظنوا أنهم ناموا يوماً أو بعض يوم. فأرسلوا أحدهم بمال قديم لشراء طعام من المدينة. هناك اكتشفوا أن العالم قد تغير، والملك الظالم قد هلك، وأن البلد قد أصبحت على دين التوحيد. وهكذا، كانت هذه القصة نصراً إلهياً لفتية آمنوا وثبتوا. حيث أنجاهم الله من الطغيان ليس بالقتال. بل بالرقاد الطويل، وجعل قصتهم آية لبيان عظمة قدرة الله، ودليلًا على أن الإيمان الحق لا يهزم أمام سلطة الأرض.

تعرف أيضًا على: من هو النبي الذي مات من الجوع

النجاشي: ملك يصون المهاجرين لإيمانه

قصة النجاشي، ملك الحبشة واسمه أصحمة، تعد من أعظم الأمثلة على عدل القائد، وحماية المضطهدين، واستجابة القلب للحق. بصرف النظر عن السلطة أو الدين الموروث.

ملخص القصة

عندما اشتد أذى قريش على المسلمين في مكة، أمرهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، ووصف ملكها النجاشي بأنه: ملك لا يظلم عنده أحد. كانت هذه أول هجرة في الإسلام، فراراً بالدين من الفتنة والاضطهاد. فخافت قريش من لجوء المسلمين إلى ملك الحبشة، فبعثت وفداً قوياً بقيادة عمرو بن العاص قبل إسلامه وعبد الله بن أبي ربيعة، محملاً بالهدايا النفيسة للنجاشي وبطارقته، لإقناعه بتسليم المسلمين إليهم. علاوة على ذلك ادعى وفد قريش أن المسلمين تركوا دين آبائهم ولم يدخلوا في دين الملك، وجاؤوا بدين جديد يسيئون فيه إلى عيسى عليه السلام وأمه مريم.

رفض النجاشي تسليم المسلمين دون أن يسمع حجتهم. فدعاهم إلى مجلسه، حيث تحدث باسم المسلمين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. سأل النجاشي جعفراً عن دينهم الجديد، فوصفه جعفر ببيان بليغ: “كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش… حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده… وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم… ونهانا عن الفواحش وقول الزور”.

تعرف أيضًا على: من هم الأنبياء والرسل: نظرة عامة على رسالات السماء

وعند سؤال النجاشي عن قولهم في عيسى عليه السلام، قرأ جعفر صدر سورة مريم (كهيعص)، متحدثاً عن مريم وعيسى عليهما السلام. علاوة على ذلك عندما سمع النجاشي كلام جعفر عن عيسى، وما جاء به القرآن، فاضت عيناه بالدموع، وقال قولته المشهورة:

(إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. اذهبوا، فأنتم آمنون. لا أسلمهم إليكم، ولو أعطيت مالاً).

ثبت النجاشي على عدله، بل وأعلن إيمانه فيما بعد بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ووفى النجاشي بوعده، وصان المهاجرين في كنفه حتى عادوا إلى المدينة.

بعد أن توفي النجاشي، نعاه النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه، وصلى عليه وعلى إخوانه المسلمين صلاة الغائب. وقال: “مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة“. وهذا دليل قاطع على إسلامه وصلاحه.

وفي الختام، تبقى قصص الإيمان رسالة لكل مؤمن بأن يقينه بالله هو سلاحه الأقوى، وأن الثبات على الحق. مهما عظمت التحديات، هو السبيل الوحيد للفوز والنجاة. علاوة على ذلك هذه النماذج الخالدة تؤكد أن قوة اليقين هي الطاقة التي تحطم أسوار الطغيان، وتهزم فتن الدنيا، وتؤدي بصاحبها إلى درجات العلياء.

الأسئلة الشائعة

س: ما المقصود بقصص الإيمان؟

ج: هي القصص التي تظهر مواقف المؤمنين في مواجهة الابتلاءات بثقة تامة في وعد الله. وتبرز أن الإيمان الحقيقي يختبر عند الشدائد لا في الراحة.

س: ما الذي يجعل الإيمان “يقينًا لا يتزعزع”؟

ج: عندما يكون القلب معلقًا بالله وحده، يرى في كل أمر حكمة، وفي كل تأخير خيرًا. فلا تضعفه المصائب ولا تغريه الدنيا.

س: ما أبرز الأمثلة على الإيمان القوي في القرآن؟

ج: قصة إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار فقال: حسبي الله ونعم الوكيل، وقصة موسى أمام البحر، وقصة مريم حين صدقت بكلمة الله رغم عجب الناس.

س: كيف تعلمنا هذه القصص الثبات في الحياة؟

ج: تذكرنا أن من وثق بالله نجا، وأن الأبواب التي تغلق أمام البشر، يفتحها الله لمن أخلص النية وصبر على البلاء.

تعرف أيضًا على: أحد: اختبار الإيمان بعد النصر

س: ما العلاقة بين الإيمان والعمل؟

ج: الإيمان ليس قولًا فقط، بل عمل وسلوك؛ فالمؤمن الحق تترجم عقيدته إلى صدق، وإحسان، ورضا، وسلوك يعكس النور الداخلي في القلب.

س: كيف يمكن للمؤمن أن يقوي يقينه بالله؟

ج: بتدبر القرآن، والذكر المستمر، والتأمل في نعم الله، واستحضار قصص الإيمان التي تنعش الروح وتغرس الطمأنينة في القلب.

• Balagha People of ditch _ بتصرف
• Michael in context_ Where Did Pharaoh’s Magicians Get Their Power? - بتصرف

مشاركة المقال

وسوم