كفاءة المستشفيات تقاس بغير الجدران والأجهزة

كفاءة المستشفيات ليست مجرد مقياس يتوقف عند عدد الأسرّة أو حداثة الأجهزة. بل هي انعكاس شامل لمدى جودة الرعاية الصحية، ورضا المرضى، واستمرارية التحسين. إن الحديث عن كفاءة المستشفيات يستدعي فهمًا عميقًا للجودة في القطاع الصحي، بدءًا من البنية التنظيمية، مرورًا بمهام الأقسام المختلفة، وانتهاءً بمعايير التقييم المحلية والعالمية. في هذا المقال، سنغوص معًا في مفهوم الجودة في المستشفيات، وسنتناول طرق تطويرها. ونتعرف على المعايير التي تعتمدها المستشفيات السعودية لضمان التميز. بالإضافة إلى معايير جودة الخدمات الصحية ككل.

ما هو مفهوم الجودة في المستشفيات؟

يرتبط مفهوم الجودة في المجال الصحي برحلة طويلة من المراجعة والتحسين المستمر. تبدأ من لحظة استقبال المريض ولا تنتهي عند خروجه. بل تمتد لتشمل متابعته وضمان سلامته بعد العلاج. الجودة في المستشفيات لا تتعلق فقط بالنتائج الطبية. بل تشمل كافة العمليات الداخلية، وسلاسة الأداء، وسرعة الاستجابة، واحترام حقوق المرضى، وحسن التواصل بين الطاقم والمراجعين.

تعرف أيضًا على: كيفية تطبيق إدارة الجودة الشاملة في المستشفيات

تسعى المؤسسات الصحية الكبرى إلى تحسين جودة خدماتها من خلال الاعتماد على أنظمة تقييم دقيقة. ويعد رضا المريض أحد المؤشرات الأساسية على تحقيق الجودة، إلى جانب مؤشرات فنية مثل نسب العدوى المكتسبة داخل المستشفى، ووقت الانتظار، وعدد الأخطاء الطبية المسجلة، ومستوى الاستجابة للشكاوى.

أما التحدي الحقيقي في تحقيق كفاءة المستشفيات فهو بناء نظام متكامل يربط بين كافة المكونات البشرية والإدارية والتقنية، مع توفير بيئة عمل صحية للعاملين، وتشجيعهم على تحسين أدائهم دون ضغط أو توتر.
وفي هذا السياق، تلعب مهام قسم الجودة في المستشفيات دورًا محوريًا، إذ يتولى هذا القسم مسؤولية رسم السياسات، ووضع المعايير، ومتابعة تنفيذها، وإجراء التحسينات المستمرة، وتدريب الكوادر الطبية والإدارية على تطبيق الممارسات الأفضل.

ويعد هذا القسم صمام الأمان لأي منشأة صحية تسعى للتميّز الحقيقي، وليس الشكلي.

كما أن مفهوم الجودة لا يقتصر على الجانب العلاجي. بل يتضمن كذلك جودة البنية التحتية، ونظافة البيئة المحيطة، وتكامل الأنظمة الرقمية، وسهولة الحصول على الخدمة. فكلما كانت الخدمة أكثر سهولة ووضوحًا وتنظيمًا. كلما شعر المريض بثقته في المكان الذي يتلقى فيه العلاج، وزادت بالتالي احتمالات تحسّن حالته النفسية والجسدية. وهي جوانب لا تقل أهمية عن العلاج الطبي نفسه. [1]

تعرف أيضًا على: الإدارة الصحية في المستشفيات عقل المؤسسة وقلب رعايتها الطبية

كيف يمكن تطوير المستشفيات؟

تطوير المستشفيات لا يتحقق عبر إضافة أقسام جديدة فقط أو شراء أجهزة متقدمة. بل من خلال رؤية إستراتيجية شاملة تعيد النظر في كل تفاصيل العمل الصحي. ويشمل ذلك التحسين المستمر للبيئة الداخلية، ورفع كفاءة الكوادر، وتحديث السياسات والبروتوكولات، وتعزيز ثقافة الجودة والشفافية.

يعتمد هذا التطوير على سلسلة من الخطوات المتكاملة تبدأ بتحليل الوضع الحالي بدقة، وتشخيص مواطن الضعف، ثم وضع خطة تحسين واقعية وقابلة للتنفيذ، تتضمن مؤشرات قياس محددة تستخدم لمتابعة التقدم. ويكون للقيادة الصحية الواعية دور كبير في تحفيز العاملين وتسهيل التغيير. خصوصًا في بيئة المستشفيات التي تكون بطبيعتها معقدة وتخضع لضغوط كبيرة.

تعرف أيضًا على: تمويل المستشفيات ليس مجرد أرقام بل أولويات ذكية

ومن أهم العوامل التي تساهم في تحسين مستوى الخدمات الصحية هو العمل ضمن الهيكل التنظيمي لإدارة الجودة في المستشفيات. والذي يفترض أن يكون مرنًا وواضحًا، بحيث يسمح بانسياب الأوامر والمعلومات، ويقلل من التداخل والصراعات بين الأقسام.

فحين تكون خطوط المسؤولية واضحة، وتسند المهام إلى أصحاب الكفاءة، يصبح من السهل تنفيذ مشاريع التحسين، وتطبيق التوصيات، وتجنّب الأخطاء المتكررة.

ومن هنا تأتي أهمية الاستثمار في تدريب القيادات الوسطى وتطوير مهاراتهم في التحليل والتخطيط والتنفيذ. كما يجب تعزيز نظم الحوكمة الصحية ومتابعة الأداء من خلال فرق رقابة داخلية مستقلة، تضمن أن السياسات تطبّق على أرض الواقع، لا أن تبقى مجرد شعارات على الجدران.

وفي النهاية، فإن كفاءة المستشفيات تتحقق حين تتكاتف الجهود على كل المستويات، من عامل النظافة إلى المدير العام، ضمن إطار مؤسسي يثمّن الجودة، ويحاسب على التقصير، ويكافئ التميّز، ويستجيب للتغيرات بشكل مرن وفعّال.

تعرف أيضًا على: إدارة المستشفيات الخاصة: بين الجودة الطبية والنجاح التجاري

ما هي معايير الجودة في المستشفيات السعودية؟

المعايير الصحية في المملكة العربية السعودية شهدت خلال العقدين الأخيرين تطورًا نوعيًا لافتًا، في إطار التحوّل الوطني نحو نظام صحي فعال ومتكامل. وتسعى وزارة الصحة السعودية. بالتعاون مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والمركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية (CBAHI). إلى ضمان التزام المستشفيات بمعايير صارمة تعزز السلامة، وترفع من مستوى الرعاية المقدّمة.

وتشمل هذه المعايير عدة محاور، أبرزها: سلامة المرضى، وحقوق المرضى وعائلاتهم، والقيادة والإدارة، والجودة وسلامة الأداء، والرعاية التمريضية، والتدريب والتطوير المهني المستمر. إضافة إلى البيئة والبنية التحتية.
وكل مستشفى يسعى للحصول على الاعتماد الوطني أو الدولي، يجب أن يظهر التزامًا فعليًا بهذه المعايير، لا مجرد إعداد ملفات مكتوبة. ويتم ذلك من خلال زيارات تقييم ميدانية دورية، ومراجعة سجلات المرضى، والتحقق من تطبيق السياسات والإجراءات على أرض الواقع.

تعرف أيضًا على: معايير السلامة في المستشفيات

ولكي تحقّق المستشفيات هذه المعايير، لا بد من تنفيذ خطط تحسين دقيقة تعرف باسم خطوات تطبيق الجودة في المستشفيات، وهي خطوات تعدّ العمود الفقري لأي برنامج تطوير ناجح.

وتبدأ هذه الخطوات غالبًا بتشكيل لجنة جودة داخل المستشفى، تقوم بجمع البيانات، وتحليل الشكاوى والحوادث، وتحديد نقاط الضعف. ثم يتم إعداد خطة تحسين تشمل برامج تدريبية، وتعديلات في السياسات، وشراء تجهيزات، وتحديث إجراءات العمل اليومية.

من بين المعايير التي توليها المملكة اهتمامًا خاصًا، معيار “سلامة المرضى” الذي يتطلب أن تكون جميع خطوات التشخيص والعلاج محكومة ببروتوكولات دقيقة. بدءًا من التحقق من هوية المريض، مرورًا بإعطاء الدواء الصحيح، وانتهاءً بتوثيق الإجراءات بدقة في السجل الطبي.

ويلاحظ أن اعتماد المستشفيات على هذه المعايير لا يهدف فقط إلى تحقيق كفاءة المستشفيات. بل يتعدى ذلك إلى بناء ثقة المجتمع في النظام الصحي الوطني، وتقليل التكاليف الناتجة عن الأخطاء، وتحقيق رضا المرضى، وهو الهدف الأسمى لأي منشأة صحية ناجحة. [2]

تعرف أيضًا على: إدارة المخاطر في المستشفيات: كيف نحافظ على حياة المرضى بأمان

ما هي معايير جودة الخدمات الصحية؟

تعد جودة الخدمات الصحية هي جوهر التميز في العمل الطبي، وهي التي تحدد في النهاية مدى ثقة المرضى في النظام الصحي، واستعدادهم لتكرار التجربة العلاجية داخل المنشأة. وتعنى هذه الجودة بكل ما يتعلق بتجربة المريض، من لحظة دخوله إلى لحظة خروجه، وتشمل التعامل الإنساني، والسرعة، والدقة، والسلامة، والتواصل الفعال.

وفيما يلي أبرز معايير جودة الخدمات الصحية المعتمدة في المنظومات الصحية الحديثة:

• وضوح الإجراءات والسياسات العلاجية، وإتاحتها لكافة العاملين بطريقة مفهومة وسهلة التنفيذ.
• تطبيق أنظمة صارمة لمنع العدوى داخل المستشفى، ومتابعة تنفيذها باستمرار.
• تقليل وقت الانتظار للمرضى، خاصة في أقسام الطوارئ والعيادات الخارجية.
• توفير قنوات فعّالة لاستقبال شكاوى المرضى وملاحظاتهم، والرد عليها في مدة زمنية محددة.
• تدريب الكوادر الطبية والفنية والإدارية بشكل مستمر على المستجدات العلمية والتقنية.
• استخدام التكنولوجيا الحديثة في تقديم الرعاية، مثل نظم المعلومات الصحية، والمراقبة الذكية لحالات المرضى.
• توثيق كل الخطوات العلاجية في سجلات دقيقة، يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
• مراعاة احترام خصوصية المريض، وحقوقه القانونية والإنسانية.
• تقييم دوري لمستوى رضا المرضى عن الخدمات المقدمة، وتحليل النتائج بهدف التحسين المستمر.
• تفعيل دور إدارة الجودة الشاملة في المستشفيات من خلال ربط الأهداف الإستراتيجية بالمؤشرات اليومية داخل كل قسم.

تعرف أيضًا على: الإدارة الصحية في المستشفيات: الأسس والتحديات لرفع جودة الرعاية الصحية

وفي الختام، تثبت التجارب الصحية الحديثة أن كفاءة المستشفيات لا تقاس بعلو المباني أو حداثة الأجهزة. بل بما تقدمه من خدمة صحية شاملة، منظمة، وآمنة، قائمة على الجودة والمساءلة والتحسين المستمر. وتعد مهام أقسام الجودة، والبنية التنظيمية الداخلية، وتطبيق خطوات الجودة، والالتزام بالمعايير الوطنية. مثل تلك المعتمدة في المملكة العربية السعودية، ركائز أساسية في بناء مؤسسة صحية ناجحة. إن تحقيق الكفاءة ليس غاية صعبة، لكنه يحتاج التزامًا عميقًا، وإرادة حقيقية للتطوير، وحرصًا دائمًا على حياة الإنسان وكرامته.

• Ncbi An introduction to healthcare quality - بتصرف
• Portal cbahi National standards set the best measurable, realizable and assessable performance _بتصرف

مشاركة المقال

وسوم