سيرة محمد عبد الوهاب: نغم لا يشيخ

محمد عبد الوهاب، هل يمكن أن يذكر هذا الاسم دون أن ترتسم في الذهن نغمة خالدة أو لحن لا يشيخ؟ إنه واحد من أعظم فناني القرن العشرين، وواحد من القلائل الذين جمعوا بين الغناء، والتلحين، والتمثيل، والفكر الموسيقي المتجدد. ولد في زمن كانت فيه الموسيقى حكرًا على أنماط تقليدية، فثار على القوالب، وابتكر لغة موسيقية حديثة ما زالت تتردّد في وجداننا حتى اليوم.
كم عمر عبدالوهاب؟
لم تكن حياة محمد عبد الوهاب حياة عادية يمكن قياسها بالأيام والسنوات فقط. بل كانت حياة متجددة، مليئة بالإبداع المتدفق حتى آخر يوم فيها. ولد هذا الفنان الكبير في حي باب الشعرية بالقاهرة في بداية القرن العشرين، وتحديدًا في عام 1902، حسب أغلب الروايات المعتمدة. وقد استمر في عطائه حتى تسعينيات القرن. حيث وافته المنية في عام 1991، بعد مسيرة قاربت تسعين عامًا من العيش، وما يقرب من سبعين عامًا من الفن.
من خلال هذه الحقبة الطويلة، عاش عبد الوهاب مراحل عديدة، من مصر الملكية، إلى العهد الجمهوري، إلى الحروب، والثورات، والانفتاح، والحداثة. تنقّل من صبغة الطرب الكلاسيكي إلى اللحن التجريبي، ومن المسرح الغنائي إلى السينما، ومن العود إلى الأوركسترا. لقد عاش زمناً طويلاً، لكن القيمة الحقيقية لعمره تكمن في مقدار ما أنجزه، لا في عدد السنوات فقط.
ولعل من المعلومات المثيرة حول هذه المرحلة هي تفاصيل حياته الأسرية. فعلى الرغم من تحفظه الشديد في ما يخص شؤونه الخاصة، إلا أن المصادر القريبة منه تؤكد أن أبناء محمد عبد الوهاب كانوا بعيدين عن الوسط الفني تمامًا. وأنه كان يحرص على أن تبقى حياته العائلية خلف الستار، بعيدًا عن أضواء الشهرة والعدسات. [1]
تعرف أيضًا على: بليغ حمدي: ملك الألحان وصانع أنغام لا تموت
ما هو سبب وفاة محمد عبد الوهاب؟
رغم الصمت الذي أحاط به أيامه الأخيرة، فقد كان رحيل محمد عبد الوهاب في عام 1991 خبرًا صاعقًا في أوساط الفن العربي. لم يكن فقط فقدان فنان. بل انهيار ركن من أركان الطرب الأصيل.
عانى عبد الوهاب في سنواته الأخيرة من بعض المشاكل الصحية المرتبطة بتقدّم السن، وكانت أبرزها أمراض القلب، وتحديدًا انسداد في الشرايين. وهي التي تسببت في تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ.
وقد دخل المستشفى العسكري في القاهرة في الأيام الأخيرة من حياته. حيث خضع لمراقبة طبية دقيقة. لكن، وعلى الرغم من جهود الأطباء، فإن قلبه العظيم توقف عن النبض في الرابع من مايو 1991. وأعلن رسميًا أن سبب وفاة الفنان محمد عبد الوهاب هو سكتة قلبية حادة، جاءت بعد سلسلة من الأزمات الصحية. ليسدل بذلك الستار على فصل طويل من الإبداع.
اللافت أن عبد الوهاب حتى اللحظات الأخيرة كان يفكر في الموسيقى، ويطلب أن يستمع إلى مقاطع من أعماله، وكأنه كان يودع العالم بصوته وألحانه. وقد شيّعه الآلاف في جنازة مهيبة، وحضرها كبار رجال الدولة، والفنانين، والمثقفين، والجمهور الذي تربّى على صوته.
تعرف أيضًا على: راشد الماجد: سندباد الأغنية الخليجية وصوت الشباب
أغاني محمد عبد الوهاب
من المستحيل الحديث عن التراث الفني العربي دون التوقف عند أعمال محمد عبد الوهاب الغنائية. لقد قدّم على مدى عقود باقة من الأغاني التي تحوّلت إلى علامات خالدة في الوجدان، ليس فقط لمصريين أو عرب. بل لكل محبٍ للموسيقى.
في بداياته، غنى القصيدة، والمونولوج، والأغنية الطربية ذات النفس الطويل، فكانت أعمال مثل “الجندول”، و”كليوباترا”، و”يا جارة الوادي” من أعظم ما أنتجته المرحلة الكلاسيكية. ثم جاءت مرحلة التجريب والتحديث، فدخل عالم الأغنية السريعة، واستخدم الإيقاعات الغربية، والآلات الجديدة، وابتكر ما يسمى “الأغنية العصرية”.
في عام 1953، قدّم أغنية “أيظن” التي تعدّ واحدة من أيقونات القصيدة الحديثة. ثم جاءت رائعة “مين عذبك” التي تمزج بين الرقة والإحساس العالي. وكان من أبرز ألحانه الوطنية أغنية “أحب عيشة الحرية”، و”يا مسافر وحدك” التي عبر بها الحدود.
ومن الطريف أن بعض محبي عبد الوهاب يبحثون عن تفاصيل نشأته وتاريخ بداية حياته الفنية، وغالبًا ما تكون البداية مرتبطة بالسؤال عن تاريخ ميلاد محمد عبد الوهاب، الذي ولد في 13 مارس 1902، وهو ما يجعل من شهر مارس دائمًا مناسبة فنية للاحتفاء به. [2]
تعرف أيضًا على: دريد لحام: غوار الطوشة الوجه الضاحك للواقع المؤلم
أهم أعمال محمد عبد الوهاب
لا يمكن حصر كل ما قدّمه محمد عبد الوهاب في قائمة واحدة، ولكننا سنعرض في هذا العنصر أبرز أعماله، لنكشف كيف ساهمت كل محطة في بناء رصيده الضخم:

- المونولوج الغنائي: كان من أوائل من برعوا في هذا النوع، وقدّم روائع مثل “الهوى والشباب”، و”أهون عليك”.
- الأغنية الوطنية: لحّن نشيد “بلادي بلادي”، الذي أصبح النشيد الوطني المصري، ولحّن أغاني لثورة 1952 وللرئيس جمال عبد الناصر.
- الموسيقى التصويرية: كتب موسيقى تصويرية لأفلامه وأفلام غيره، وكان له لمسات سينمائية ساحرة.
- التلحين لعمالقة الطرب: لحّن لأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، ووردة الجزائرية، وسميرة سعيد.
- الأعمال السينمائية: مثّل في سبعة أفلام أشهرها “الوردة البيضاء”، و”دموع الحب”، و”يحيا الحب”.
- الأغاني الدينية: قدم أغانٍ روحية مثل “يا مسافر إلى الله”، و”إلهي ما أعظمك”، مما أضفى بعدًا روحانيًا على فنه.
ولعلّ من أهم الأسئلة التي كانت تطرح حول الفنان الراحل، خاصة بعد وفاته، هي تلك المتعلقة بوضعه المالي، حيث أثير الكثير من الجدل حول ثروة محمد عبد الوهاب.
وقد كشفت بعض التقارير أن ثروته كانت تقدَّر بعدة ملايين من الجنيهات، بينها عقارات فاخرة، وحقوق ملكية فكرية لمئات الألحان التي ما تزال تبث حتى اليوم، سواء في مصر أو خارجها.
تعرف أيضًا على: عبد الفتاح القصري: صاحب أشهر “أفيهات” السينما المصرية
في ختام هذا المقال، لا يسعنا إلا أن نحيي ذكرى الفنان العظيم محمد عبد الوهاب، الذي لم يكن مجرد مغنٍ أو ملحن. بل كان صانعَ ذوق، ومهندسَ طرب، ومبتكرًا لم يركن إلى ما كان. بل سعى دائمًا إلى ما يمكن أن يكون. عاشت ألحانه، وعاش صوته، وعاش اسمه في ذاكرة الشعوب، لا يشيخ، ولا يغيب. ومهما تغيّرت الأذواق، سيبقى فنّه حيًا، لأنه ببساطة، خرج من القلب ليستقر في القلوب.
المراجع
- Beta Mohammed Abdul-Wahab - بتصرف
- Aljadid Mohammed Abdul Wahab: The Father of Modern Egyptian Song _بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

أسماء بنت أبي بكر: ذات النطاقين ومُموِّلة الهجرة...

الأحنف بن قيس: سيّد الحلم وضابط النفس في...

التوحيدي

امرؤ القيس وسيرة التيه: فارس القصيدة وعاشق الضياع

الحسين بن عبد الله الثاني: ولي العهد الأردني...

محمد الفاتح: القائد الذي فتح القسطنطينية وحقق نبوءة...

المتنبي في مرآة العصر: شاعرٌ لا يموت صوته

راشد الماجد: سندباد الأغنية الخليجية وصوت الشباب

الإمام أبو حنيفة: فقيه الرأي وصاحب المذهب الأوسع...

الأمير الحسين بن عبد الله: ولي عهد شاب...

فرانك-فالتر شتاينماير: رئيس ألمانيا ودوره في الاتحاد الأوروبي

تينا فاي: السيدة الحديدية في الكوميديا السياسية الأمريكية

بيومي فؤاد: هل هو أسرع فنان كوميدي انتشارًا...

ناريندرا مودي: رئيس الهند ومسيرته في التاريخ الحديث
