معاهدة فرساي: السلام الذي مهّد لحرب أعظم

الكاتب : آية زيدان
18 مايو 2025
عدد المشاهدات : 15
منذ 3 ساعات
رد الفعل الألماني والاقتصادي
ما هي معاهدة فرساي؟
الشروط القاسية على ألمانيا
رد الفعل الألماني والاقتصادي
أثرها على الحرب العالمية الثانية
رؤية الدول العربية لها

معاهدة فرساي كانت أكثر من مجرد اتفاق لإنهاء الحرب؛ لقد مثّلت نقطة تحول في التاريخ الحديث، حيث وضعت أُسسًا جديدة للنظام العالمي بعد الحرب العالمية الأولى. رغم أن البعض قد ينظر إليها كخطوة نحو السلام، إلا أن أسباب معاهدة فرساي ونتائج معاهدة فرساي كشفت عن تعقيدات سياسية واقتصادية ساهمت لاحقًا في زعزعة الاستقرار الدولي. هذه المعاهدة لم تُنهِ الصراع بقدر ما مهدت لصراع آخر أكثر شراسة.

ما هي معاهدة فرساي؟

رد الفعل الألماني والاقتصادي

معاهدة فرساي أو «صلح فرساي»، أو «معاهدة السلام بين القوى الحليفة والمرتبطة معها وبين ألمانيا» وفقا للاسم الرسمي، هي الاتفاقية التي أنهت جانبا من الناحية القانونية الدولية أحداث الحرب العالمية الأولى.

وُقع عليها بعد مفاوضات صعبة وعصيبة دامت ستة أشهر وهي وقائع مؤتمر باريس للسلام (دخلت الهدنة العامة مع ألمانيا حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة من صبيحة يوم 11 /11 /1918). وقع الحلفاء المنتصرون في الحرب اتفاقات منفصلة مع دول المركز الخاسرة وهي الرايخ الألماني، والإمبراطورية النمساوية-المجرية، والدولة العثمانية، ومملكة بلغاريا. سلمت الصياغة النهائية للنص الذي تم الاتفاق عليه إلى الحكومة الألمانية في 7 مايو/أيار 1919 للمصادقة عليه من قبلها، وجرت مراسم التوقيع في 28 يونيو/حزيران 1919م. تضمنت المعاهدة الإقرار الألماني بالتبعية الكاملة عن الحرب ما أثار غضبا واسعا داخل ألمانيا فقد اعتبر إهانة للكرامة الوطنية، فألمانيا وإن كان عليها بعضها من المسؤولية إلا أنه ليست المسؤولية كاملة. لقد كان بندا مثيرا للجدل: «إقرار ألمانيا وحلفائها بمسؤوليتهم عن التسبب في جميع الخسائر والأضرار» التي وقعت أثناء الحرب (تضمنت المعاهدات مع دول المركز الأخرى مواد مماثلة). أصبحت هذه المادة (المادة 231) تُعرف باسم «بند ذنب الحرب».

أسفرت المعاهدة عن تأسيس عصبة الأمم التي أريد منها المنع دون وقوع نزاع مسلح بين الدول كما حدث في الحرب العالمية الأولى، ونزع فتيل النزاعات الدولية قبل اندلاعها، وألزمت المعاهدة ألمانيا بفقدان بعض من أراضيها وتقديم تنازلات إقليمية كبيرة، وتقاسمت الدول المنتصرة الرئيسية مستعمراتها في أفريقيا والمحيط الهادي. وفقدت الدولة العثمانية -كذلك- أراضي واسعة في آسيا و انتهت إمبراطوريتها نهائيا، وتوزعت ممتلكات الإمبراطورية النمساوية المجرية على عدة بلدان في وسط القارة وشرقها وذلك بموجب اتفاقيات لاحقة لمعاهدة فرساي. [1]

تعرف أيضًا على: أين تجد أجمل المتاحف في السعودية؟

الشروط القاسية على ألمانيا

رد الفعل الألماني والاقتصادي

وفيما يخص القيود العسكرية على ألمانيا، وضعت المعاهدة ضوابط وقيودا صارمة للغاية على الآلة العسكرية الألمانية بهدف منع الألمان من إشعال حرب ثانية، فقد نصت على تجريد الجيش الألماني من السلاح الثقيل، وإبطال نظام التجنيد الإلزامي المطبق، والاحتفاظ بمئة ألف (100,000) جندي عامل فحسب. بما فيه الالتزام بخمسة عشر ألف (15,000) عنصر عامل (بين ضباط وجنود) في البحرية، وعدم إنشاء قوة جوية، وتحديد السفن الحربية بعدد محدود، ومنعها منعاً باتاً من بناء غواصات حربية. كذلك، فرض عليها ألا يبقى في الخدمة العسكرية أقل من اثني عشر (12) عاما للجنود وخمسة وعشرين (25) عاما للضباط، بحيث يصبح الجيش الألماني قائما على الكفاءات العسكرية غير الفتية.

وبعد ذلك، جاء دفع التعويضات لبعض الدول. حددت هذه التعويضات بمبلغ تسعة وستين ومئتي (269) مليار مارك ألماني ذهبي، ثم خفض عدة مرات لاحقا، ووفقا لخبراء اقتصاديين فإنها -رغم التخفيضات- ظلت مبالغا فيها. وترتب على ذلك أن أثقلت الديون الاقتصاد الألماني المنهك بسبب الحرب وتداعياتها، ما رفع وتيرة الغضب والتذمر الشعبي، وأسهم في نهاية الأمر في اندلاع الحرب العالمية الثانية.

تعرف أيضًا على: الشيوعية في القرن العشرين

رد الفعل الألماني والاقتصادي

رد الفعل الألماني والاقتصادي

لم تكن ألمانيا موجودة في معاهدة فرساي، ما يعني أنه عند الإعلان عنها، انتاب الكثيرون في ألمانيا الذهول والذعر مما اتفق عليه الحلفاء، وكانت الخسائر الألمانية الناتجة عن الاتفاقية جسيمة. خسرت ألمانيا جميع ممتلكاتها الإمبراطورية، وعشرة بالمئة من أراضيها، وثُمن سكانها. وبالإضافة إلى القيود العسكرية التي فُرضت على ألمانيا، ربما كان بند المسؤولية عن الحرب هو مصدر الغضب الأعظم.

استشاط الألمان سخطًا من الحكومة لموافقتها على وقف إطلاق النار. لم يكن الكثير من المواطنين الألمان على علم بالوضع المأساوي للقوات المسلحة الألمانية خلال الحرب، لذا عندما أُعلنت الشروط القاسية، فوجئ المواطنون الألمان بقسوة الاتفاقية. ظن الكثيرون أنه كان ينبغي لألمانيا أن تحضر مؤتمر باريس للسلام.

كما اعتُبرت التعويضات غير منصفة، إذ لم يكن اقتصاد ألمانيا قويًا بما فيه الكفاية بعد الحرب لتحمل هذه المستويات من التعويضات. وكان هناك تخوف من أن يؤدي دفع التعويضات إلى خراب ألمانيا بشكل كبير.

في البداية، رفضت الحكومة الألمانية التوقيع على معاهدة السلام، وأغرقت بقايا البحرية الألمانية سفنها الحربية. ووقّع إيبرت، زعيم ألمانيا، المعاهدة في 28 يونيو/حزيران 1919.

تعرف أيضًا على: الدولة العثمانية في القرن 19

أثرها على الحرب العالمية الثانية

رد الفعل الألماني والاقتصادي

على الرغم من احتواء المعاهدة على ميثاق لإنشاء عصبة الأمم، وهي منظمة هدفها الحفاظ على السلم بعد انتهاء الحرب، إلا أن الشروط المجحفة التي فرضها الحلفاء على ألمانيا ضمنت عدم استمرار السلام لفترة طويلة. هذا الأمر تفاقم بسبب الاستياء الألماني الشديد تجاه القادة الألمان الذين وقعوا على المعاهدة، والذين شكلوا حكومة الحرب، وأصبحوا يعرفون في ألمانيا باسم “مجرمي نوفمبر”.

كانت معاهدة فرساي أحد العوامل التي ساهمت في صعود القوى السياسية اليمينية المتطرفة في ألمانيا، وعلى رأسها حزب العمال الاشتراكي الوطني، المعروف أيضًا باسم “النازيين”.

وبعد عام 1929، تفاقمت الأوضاع الاقتصادية السيئة في ألمانيا بسبب الكساد الكبير. هذا الأمر أدى إلى زعزعة استقرار حكومة جمهورية فايمار الضعيفة بالفعل، والتي تشكلت في ألمانيا بين عامي 1919 و1933 بعد الحرب العالمية الأولى. وقد ساعد هذا الوضع على وصول الزعيم النازي أدولف هتلر إلى السلطة في عام 1933.

تجدر الإشارة إلى أن خطابات هتلر ركزت على أن معاهدة فرساي كانت “إذلالًا” للألمان، وأنها السبب في جميع المصاعب والمشكلات الاقتصادية التي عانوا منها بعد الحرب العالمية الأولى. ووعد هتلر الشعب الألماني بإعادة أمجاد بلاده. لذلك، تعتبر تلك “المعاهدة السلمية” بمثابة الخطوة الأولى نحو الحرب العالمية الثانية، التي أسفرت عن مقتل حوالي 85 مليون شخص.

تعرف أيضًا على: الدولة العثمانية في التاريخ الحديث

رؤية الدول العربية لها

رد الفعل الألماني والاقتصادي

انعقد مؤتمر السلام في باريس عام 1919، وشهد توقيع اتفاقية فرساي، وذلك في فترة كانت فيها البلاد العربية تخضع لسلطة الإمبراطورية العثمانية، أو واقعة تحت نير الاستعمار الأوروبي. في خضم هذا المؤتمر، كانت الدول العربية تعقد الآمال على نيل الاستقلال وحق تقرير المصير، استنادًا إلى الوعود التي تلقتها من الحلفاء إبان الحرب العالمية الأولى. بيد أن هذه الطموحات لم تجد سبيلها إلى التحقق، بل شهدت الأراضي العربية تقسيمًا بين القوى الاستعمارية الأوروبية.

على سبيل التوضيح، مُنحت فرنسا حق الانتداب على سوريا ولبنان، في حين نالت بريطانيا حق الانتداب على فلسطين والعراق. لم يكن هذا التقسيم منسجمًا مع تطلعات الشعوب العربية، بل شكل امتدادًا للسيطرة الاستعمارية. ولاقى هذا التقسيم انتقادات واسعة من قبل العديد من القادة العرب، الذين اعتبروا أن اتفاقية فرساي ما هي إلا أداة لترسيخ الهيمنة الغربية على المنطقة.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن اتفاقية فرساي مثلت نقطة تحول في الوعي العربي، حيث أدركت الشعوب العربية أن الاستقلال والحرية لن يتحققا إلا عبر نضال داخلي وعمل جماعي منسق بين الدول العربية. وقد أسهم هذا الإدراك في تعزيز الحركات الوطنية والثورات التي انطلقت لاحقًا في مختلف أرجاء العالم العربي. [2]

تعرف أيضًا على: الثورة الأمريكية: بداية الاستقلال وتأسيس الديمقراطية

ختامًا، فإن شرح معاهدة فرساي شرحًا تاريخيًا يكشف لنا كيف أن هذه الاتفاقية لم تكن نهاية الصراع بل بداية لمسار جديد من التوتر العالمي. فقد ساهمت البنود القاسية، التي فُرضت على ألمانيا، في إشعال فتيل الغضب الذي أدى لاحقًا إلى اندلاع حرب أخرى، وهو ما يجعلنا ندرك أن دور معاهدة فرساي في اندلاع الحرب العالمية الثانية كان محوريًا ولا يمكن تجاهله في سياق فهم القرن العشرين.

المراجع

مشاركة المقال

وسوم

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة