معركة جكردلن: الصراع العثماني الصفوي

اندلعت معركة جكردلن في أكتوبر 1683م كجزء من الحملة العسكرية لملك بولندا يوحنا الثالث سوبيسكي ضد القوات العثمانية. جاءت هذه المعركة مباشرة بعد هزيمة العثمانيين في حصار فيينا الثاني، حيث استغل سوبيسكي انسحاب الجيش العثماني لضربه في مؤخرته بالقرب من نهر الدانوب، بهدف تأكيد الهيمنة المسيحية في أوروبا الوسطى وإخراج العثمانيين من المجر.

الخلفية: استمرار الصراع بين الدولتين

معركة جكردلن هي جزء من سلسلة من المعارك المتتابعة التي جرت بين ملك بولندا المعروف باسم “سوبيسكي” والإمبراطورية العثمانية، في صراع طويل وعنيف لم يحدث مثله للعثمانيين في القرن الحادي عشر الهجري، واستمر هذا النزاع لمدة عشرين عامًا متواصلة، حتى أصبح “سوبيسكي” بطلاً لأوروبا والمسيحية بأسرها، ورفع عنه البابا كافة الأعباء.

بدأت هذه المواجهة بين بولندا والدولة العثمانية عندما رغب القوزاق، وهم سكان أوكرانيا، في الانضمام إلى الدولة العثمانية. بالتالي أغضب بولندا ودفعها للهجوم على أوكرانيا التي استغاثت بالعثمانيين، فتوجه الخليفة محمد الرابع بنفسه على رأس جيش كبير لتأديب البولنديين، وحقق النصر عليهم وألزمهم بالاعتراف بحق القوزاق في أوكرانيا، وأيضًا أن إقليم “بودوليا” في غرب أوكرانيا يعود للدولة العثمانية. وعلى الرغم من ذلك، أجبرت بولندا على دفع الجزية للدولة العثمانية في عام 1083هـ. بالتالي أغضب البولنديين وسبب ردة فعل شعبية ضد الملك “ميشيل”. بل واحتشد البولنديون حول القائد العسكري “سوبيسكي” الذي أعلن حربًا على العثمانيين دون إذن ملكه، وجمع جيشًا ضخمًا لطرد العثمانيين من إقليم “بودوليا” ووحقق انتصارات متعددة عليهم، وفي العام الذي تلا ذلك توفي الملك “ميشيل”، فتم اختيار “سوبيسكي” بالإجماع كملك لبولندا.

دخل “سوبيسكي” في صراع طويل ضد العثمانيين، وشارك في حروب عنيفة وطويلة، وكانت المعارك بينهما تتوزع بين انتصارات للطرفين، حيث حقق “سوبيسكي” انتصارًا في بعض الأحيان بينما كانت العثمانيون يحققون انتصارات في أوقات أخرى، حتى فشل العثمانيون في جهودهم الكبيرة لفتح العاصمة النمساوية “فيينا” في عام 1094هـ، وهناك رأى “سوبيسكي” فرصة للانتقام من العثمانيين، فاندفع مع جيشه الكبير الذي بلغ عدده 150 ألف مقاتل نحو مؤخرة العثمانيين أثناء انسحابهم من حصار فيينا. وفي يوم 17 شوال من العام 1094هـ، خاض “سوبيسكي” معركة مع إحدى الجيوش العثمانية والتي بلغ عددها 30 ألف مقاتل، عرفت باسم “جكردلن الثانية”، حيث قتل فيها سبعة آلاف جندي عثماني بسبب الفارق الكبير بين الجيشين وارتفاع الروح المعنوية لدى الصليبيين مقابل انهيار المعنويات عند العثمانيين.

متى وقع حصار فيينا؟

وقع حصار فيينا الثاني في عام 1683م. بدأ الحصار تحديدًا في 14 يوليو 1683م، وانتهى بهزيمة الجيش العثماني في معركة فيينا الحاسمة التي وقعت في 12 سبتمبر 1683م.

تعرف أيضًا على: أحد: اختبار الإيمان بعد النصر

القادة: مراد الرابع vs الصفويين

قادة الدولة العثمانية

كان القائد الأبرز والمحرك الأساسي للعمليات العسكرية ضد الصفويين هو السلطان نفسه.

السلطان مراد الرابع (1612 – 1640م):

هو القائد الأعلى الذي أعاد الانضباط للجيش العثماني وقاد الحملات بنفسه، متأثراً بذكرى عظمة أسلافه. ومن أبرز حملاته ومعاركه:

• حملة يريفان (1635م): قاد الجيش ونجح في فتح مدينة يريفان.
• حملة بغداد (1638م): أشهر حملاته، حيث قاد جيشاً ضخماً وحاصر بغداد واستردها من الصفويين بعد حصار دام 39 يوماً. ليضع بذلك حداً للسيطرة الصفوية على العراق.

قادة الدولة الصفوية

في الفترة التي شهدت صعود وقوة السلطان مراد الرابع، كان الشاه الذي يحكم الدولة الصفوية هو الشاه صفي الأول (1611 – 1642م) حفيد الشاه عباس الكبير، وتولى الحكم بعد وفاة جده. شهدت فترة حكمه صراعاً شديداً مع العثمانيين، حيث نجح في بعض الأوقات في استعادة بعض المدن (مثل يريفان)، لكنه واجه الهزيمة الحاسمة أمام مراد الرابع في بغداد.

أبرز نتائج الصراع (1623–1639م)

الصراع بين مراد الرابع والشاه صفي الأول انتهى بتحقيق النصر العثماني واستعادة العراق بشكل نهائي. وكان النصر الأهم لمراد الرابع، حيث استعاد بغداد بعد 15 عاماً من الحكم الصفوي. كما عقدت معاهدة زهاب 1639م بعد معركة بغداد، وكانت حاسمة في ترسيم الحدود بين الدولتين. ونصت على تخلي الصفويين عن بغداد والعراق للأبد، مقابل تخلي العثمانيين عن يريفان في القوقاز. وأصبحت هذه المعاهدة الأساس الذي اعتمدت عليه حدود العراق وإيران المعاصرة بشكل كبير. [1]

تعرف أيضًا على: قصة أهل الكهف كما وردت في سورة الكهف

المعركة: انتصار العثمانيين

ماذا حدث سنة 1683؟

معركة جكردلن هي معركة من سلسلة صراعات بين الدولة العثمانية ومملكة بولونيا (بولندا).

تاريخها1683م شهر شوال 1094هـ. في منطقة جكردلن مناطق قريبة من بولندا العثمانية سابقًا. الدولة العثمانية بقيادة القائد محمد باشا. ضد مملكة بولونيا(بقيادة الملك يوحنا الثالث سوبيسكي. كانت النتيجه انتصار عثماني حاسم. جاء هذا الانتصار في فترة عصيبة عقب هزيمة العثمانيين في حصار فيينا الثاني (في نفس العام 1683م)، مما ساعد مؤقتًا على رفع الروح المعنوية للجيش العثماني.

سياق المعركة

جاءت معركة جكردلن في سياق الحرب التركية العظمى (1683–1699م)، وهي فترة شهدت تراجعًا للقوة العثمانية في أوروبا:

• حصاد فيينا (1683): في العام نفسه، مني العثمانيون بقيادة الصدر الأعظم قره مصطفى باشا بهزيمة ساحقة أمام تحالف أوروبي ضخم (ضم سوبيسكي ملك بولندا) عند أسوار فيينا.
• المطاردة والاشتباك: بعد فك الحصار، كان الملك البولندي يوحنا الثالث سوبيسكي يطارد فلول الجيش العثماني المنسحب.
• انتصار جكردلن: في خضم هذا الانسحاب، تمكن الجيش العثماني بقيادة محمد باشا من تحقيق انتصار على القوات البولندية المتقدمة في معركة جكردلن، مما كبد البولونيين خسائر فادحة (قدرت بعشرة آلاف جندي)، وكان بمثابة تخفيف مؤقت من وطأة هزيمة فيينا، إلا أن الحملات الأوروبية تواصلت بعد ذلك. [2]

تعرف أيضًا على: ما هى قصة الثلاثة الذين خلفوا

آثار المعركة على المنطقة

على الرغم من الانتصار التكتيكي، فإن الأثر العام لـ معركة جكردلن كان ضئيلًا مقارنةً بالهزيمة الساحقة في فيينا التي سبقتها بأسابيع.

الأثر المباشر والمحدود (الانتصار التكتيكي)

• رفع الروح المعنوية العثمانية: جاء الانتصار في جكردلن ليخفف ولو قليلًا من الصدمة الهائلة التي خلفتها كارثة فيينا، وأظهر أن الجيش العثماني لا يزال قادرًا على القتال وتحقيق الانتصارات.
• خسائر بولندية كبيرة: أدت المعركة إلى مقتل حوالي 10,000 جندي بولوني، مما أضعف مؤقتًا قوة الملك يوحنا الثالث سوبيسكي المتقدمة.
• تأمين الانسحاب: ساعد الانتصار على تأمين انسحاب الجزء المتبقي من الجيش العثماني من أوروبا الوسطى نحو الجنوب والشرق.

الأثر الأكبر (في سياق تراجع 1683م)

الآثار الأهم على المنطقة لم تكن نتيجة جكردلن بقدر ما كانت نتيجة فشل الحملة الكبرى في عام 1683م بأكملها (حصار فيينا وما تلاه) حيث أن بعد عام 1683م، تحولت الإستراتيجية العثمانية في أوروبا بشكل دائم من الهجوم والتوسع إلى الدفاع والمحافظة على الأراضي. كما كان الفشل في فيينا عاملاً حاسماً في تشكيل التحالف المقدس الذي ضم الإمبراطورية الرومانية المقدسة (النمسا)، بولندا، البندقية، ولاحقًا روسيا. هذا التحالف هو الذي قاد لـ الحرب التركية العظمى (1683–1699)

بدأ التحالف المقدس حملة لاستعادة الأراضي، مما أدى لاحقًا إلى فقدان قلعة إسترغون في نفس عام 1683م بعد جكردلن بفترة وجيزة. وبدء سلسلة من الخسائر التي انتهت بـ معاهدة كارلوفجة (1699م)، وهي أول معاهدة تتنازل فيها الدولة العثمانية عن أراضي واسعة في أوروبا مثل المجر وترانسيلفانيا بشكل دائم.

في ختام الموضوع، نتج عن معركة جكردلن هزيمة العثمانيين وانسحابهم من المنطقة، وكانت الهزيمة في جكردلن بمثابة تأكيد لكسر شوكة التوسع العثماني في أوروبا. شكلت هذه المعركة بداية مرحلة حرب التحالف المقدس التي استمرت لسنوات، وأدت في النهاية إلى تراجع النفوذ العثماني وفقدان أجزاء واسعة من المجر لصالح القوى الأوروبية.

تعرف أيضًا على: معركة الزاب: نهاية الدولة الأموية

الأسئلة الشائعة

س: متى وقعت معركة جكردلن؟

ج: وقعت سنة 1745م بين قوات الدولة العثمانية وقوات نادر شاه الصفوي قرب أذربيجان.

س: ما سبب اندلاع المعركة؟

ج: نشب القتال بسبب رغبة نادر شاه في توسيع نفوذه شمالًا وفرض سيطرته على المناطق العثمانية في القوقاز، إضافة إلى الصراع المذهبي والسياسي بين الدولتين.

س: من انتصر في معركة جكردلن؟

ج: انتهت المعركة بانتصار نسبي للعثمانيين بعد أن نجحوا في صد قوات نادر شاه ومنع تقدمها نحو الأناضول.

تعرف أيضًا على: معركة مرج دابق: بداية الحكم العثماني

س: ما نتائج معركة جكردلن؟

ج: أدت إلى تراجع نادر شاه مؤقتًا، وتثبيت الحدود بين الدولتين، كما عززت النفوذ العثماني في شرق الأناضول، لكنها لم تنه التوتر السياسي والعسكري بين الطرفين.

س: ما أهمية المعركة في التاريخ الإسلامي؟

ج: تعد من آخر المواجهات الكبرى بين العثمانيين والصفويين، وأبرزت تحول ميزان القوى في المنطقة مع اقتراب نهاية عصر الإمبراطوريات التقليدية.

• Ebsco Ottoman-Safavid Wars _ بتصرف
• Ebsco Mamlūk-Ottoman Wars _ بتصرف

مشاركة المقال

وسوم