أبو نواس والخمر دراسة تحليلية
عناصر الموضوع
1- من هو الشاعر أبو نواس؟
2- مظاهر التجديد في شعر أبي نواس
3- دراسة التطور في الشعر العربي
4- ملامح وصور التجديد في شعر أبي نواس
تمرد أبو نواس على التقاليد، ورأى في الخمرة كائنًا حيًا يُعشق، وإلهة تُعبد وتُكرم. فكرّس حياته لها، وجعل من أيامه احتفالات بالخمرة والسكر، محاطًا بالندمان والألحان. كان ينكر الحياة، ويتنكر لكل ما يتطلبه الاستمتاع بها. إنه شاعر يتمتع بملاحظة دقيقة وإحساس عميق، شاعر الهجران الذي لا يتردد في التعبير عن شكاواه.
1- من هو الشاعر أبو نواس؟
يُعتبر أبو نواس من أبرز الشعراء في عصره، وهو الحسن بن هاني الحكمي. وُلِد بين عامي 139 و145 هـ لأب عربي وأم فارسية، حيث تعلّم اللغة الفارسية على يدها. في سن الثانية، أو كما يُقال في السادسة، انتقل أبو نواس مع والدته إلى البصرة في العراق بعد وفاة والده.
في تلك الفترة، انضم الشاعر إلى الكُتّاب، وبدأ يستقي من منابع العلم في حلقات المسجد، حيث تعلّم الفقه والتفسير والحديث، بالإضافة إلى اللغة والشعر والأدب.
ومن الجدير بالذكر أن أبا نواس كان يتمتع بمظهر جذاب، وكان ذو بشرة بيضاء، وصوته يحمل بحّة مميزة، لكنه كان يلثغ في حرف الراء. وتختلف آراء الشعراء حول شعر أبي نواس.[1]
ومن هذه الآراء ما يأتي:
- قال أبو عبيدة: لقد كانت اليمن موطن الشعراء المتميزين في العصور القديمة، حيث يُعتبر امرؤ القيس من الأوائل، وأبو نواس من الشعراء الحديثين.
- وأشار عبيد الله بن محمد بن عائشة إلى أن “من يسعى إلى الأدب، ولم يقرأ شعر أبي نواس فإنه لم يكتمل أدبه. وذُكر أن شعراء اليمن البارزين هم ثلاثة: امرؤ القيس، وحسان بن ثابت، وأبو نواس. وفي مدح نفسه، قال: “لو كان شعري يملأ الفم، لما تقدمني أحد.
- تتسم سلوكيات أبي نواس بالتناقض، وقد اتهمه البعض بصفات لم تكن جزءاً من شخصيته، كما نُسبت إليه كثيراً من الأقوال التي تحتاج إلى تدقيق.
- أما الحقائق المتعلقة به فهي كالتالي: لم يسعَ أبو نواس إلى ابتكار نمط فني خاص به من خلال استهلاله بالأطلال، بل يظهر في كثير من قصائده بكاؤه على الديار. ولم يقتصر شعره على الخمريات والغزل، بل شمل جميع الأغراض الشعرية.
- ثم إنَّ هجاءه لم يكن ناتجاً عن فلسفة الشعوبية أو أفكار سياسية، ولم يكن موجهاً ضد العرب القدماء. بل كانت آراؤه في ترك الأطلال تهدف إلى تغيير السلوك البدوي، وليس انتقاصاً من النمط الشعري.
2- مظاهر التجديد في شعر أبي نواس
تأثرت اللغة الشعرية لأبي نواس بعاملين رئيسين. الأول هو البيئة المدنية، حيث اتسمت أشعاره بلغة بسيطة ومفهومة، خالية من التعقيد، مما يعكس اللغة السائدة في تلك الفترة. أما العامل الثاني فهو السلطة العرفية والفكرية، التي تجلت في قصائد المدح التي تتماشى مع تقاليد الأجداد.
يمكن تصنيف ألفاظ شعر أبي نواس وفقًا لمحتوى القصائد إلى: قصائد غزلية، وأخرى حضارية تعكس مظاهر الفلسفة والعلوم والديانات. وقد أظهرت مجموعة من المظاهر التطور والتغيير اللغوي الذي طرأ على شعره، ومنها ما يلي:
تصنيف ألفاظ شعر أبي نواس
- استخدام اللغة كوسيلة للتعبير عن الذات والمعتقدات الداخلية بعيدًا عن تأثير العالم الخارجي وأفكاره. الحفاظ على اللغة حية، حيث يمكن فهمها في مختلف الأوقات والأماكن. اعتمد أسلوبًا لغويًا سهلًا ولينًا، تميز بسلاسته وبساطته، مما يجعل القارئ يستوعبه بسهولة، وكأنه حديث يومي.
- هذه الخصائص وغيرها جعلت شعر أبي نواس وأسلوبه فريدين بين الشعراء، حيث كانت أشعاره وقصائده دائمًا متجددة وحيوية. ومن الجدير بالذكر أن أسلوبه الخاص في كتابة خمريته كان له الأسبقية والتميز عن غيره، إذ استخدم أبو نواس، مثل بقية شعراء عصره، اللغة الشعبية القريبة من الناس في قصائد الغزل، حيث تضمنت استخدام كثيراً من الألفاظ، بما في ذلك الأمثال الشعبية الشائعة في اللغة العامية، مثل: “إياك أعني، واسمعي يا جارة”. بالإضافة إلى ذلك، استخدم الألفاظ البسيطة الأصيلة في اللغة، وكذلك الألفاظ المُعَرَّبة مثل بعض المصطلحات النصرانية والمجوسية.
- بالإضافة إلى الألفاظ الفارسية التي دخلت اللغة، مثل كلمة “متخرسن” التي تعني الشخص الذي يرتدي الملابس الخراسانية الفارسية.
- أما بالنسبة إلى مظاهر التجديد في بنية القصيدة، فقد رفض أبو نواس اتباع النمط الشعري التقليدي الذي كان يبدأ عادة بالوقوف على الديار، يليه النسيب ووصف الرحلة، وينتهي بالغرض الشعري.
- بل دعا إلى نمط شعري جديد يتميز بالوحدة الفنية، حيث تعتمد بنية قصائده على مجموعة من العناصر الأساسية، مثل وحدة الموضوع، وتداخل المعاني، وتوازن التشبيه. وقد تمكن أبو نواس، بخلاف شعراء الجاهلية، من تركيز القصيدة على موضوع واحد وإشباعه دون الخروج عنه حتى نهاية القصيدة. [2]
شخصيتان الشعراء العباسيين المختلفتان
كما كان للشعراء العباسيين، ومن بينهم أبو نواس، شخصيتان فنيتان مختلفتان، تظهر كل منهما وفقاً للموقف؛ إذ تتجلى الشخصية الصادقة والعفوية التي تجعل الشاعر يتصرف بطبيعته أمام أصدقائه والناس من حوله.
المقرّبون منه، والشخصية المتزنة التي يظهر بها عند لقاء الملوك والحكام في المجالس الرسمية. ومن الجدير بالذكر أن الشاعر أبو نواس تميّز بشعره عن شعراء الجاهلية، لكنه لم يبتعد عن أسلوبهم، بل سعى إلى تقديم أسلوب فريد يبرز عمقاً وواقعية أكثر.
الأغراض الشعرية لأبي نواس
تتعدد الأغراض الشعرية لأبي نواس، ويمكن تصنيفها إلى اتجاهين رئيسيين:
الاتجاه الأول:
يشمل شعر المديح والرثاء والطرد، حيث حافظ الشاعر على أنماط الشعر القديم وتقاليده، مثل المطلع الطللي وركوب النفاق واستخدام المفردات الغريبة.
يمكن تفسير استخدامه لأسلوب الأعراب في قصائد المدح والطرد برغبته في إرضاء اللغويين وإظهار مهاراته اللغوية، بالإضافة إلى حرصه على مراعاة مقام الممدوح، مثل الخلفاء والوجهاء كـ هارون الرشيد.
الاتجاه الثاني:
يتمثل في قصائد الهجاء والغزل والخمر، حيث ابتعد فيها تماماً عن أنماط الشعر القديم وأساليبه، متخذاً منحى أكثر حداثة وتجديداً. وتظهر مظاهر التجديد في شعر أبي نواس في كل غرض من هذه الأغراض.
أبدع أبو نواس في قصائد الخمريات، حيث تميز عن باقي الشعراء بتناول هذا الموضوع كغرض مستقل. فقد تمكن من استعراض جميع جوانب الخمر، مع التركيز على قوة الألفاظ والمعاني، واستخدامه المبتكر للغة والصور الفنية.
يظهر التجديد في شعره حول الخمر من خلال اتجاهين مختلفين؛ الأول يتبع الأسلوب التقليدي الذي ورثه عن أجداده، بينما الثاني يعكس أسلوبه الشخصي الذي يبتعد عن النمط القديم، حيث استبدل التغني بالأطلال بأسلوب أكثر واقعية يعكس بصدق بعض جوانب الحياة في العصر العباسي، مستخدماً لغة سلسة وبسيطة تعبر عن رفاهية ذلك العصر.
أما في مجال الغزل، فقد احتوت كثيراً من قصائد أبي نواس على أحاسيس الحب، خاصة تجاه الجارية التي أسرت قلبه. وفيما يتعلق بالهجاء، فقد أولى أبو نواس اهتماماً محدوداً لهذا الغرض، لكنه تناول فيه عدة جوانب، بما في ذلك الهجاء السياسي الذي شمل هجاء العرب، ولا سيما النزاريين، بالإضافة إلى هجاء الأمراء والوزراء والعلماء من اللغويين وأصحاب الكلام، فضلاً عن هجاء الندماء والشعراء. ويُلاحظ أن أبا نواس اتبع في هجائه نفس النمطين الأساسيين، حيث تمسك بأسلوبه الفريد. [3]
أبو نواس في الدولة العباسية
الجديدة التي سادت في الدولة العباسية، متأثراً بأستاذه بشار.
-
الزهديات:
تميز أبو نواس في كتابة الزهديات، ورغم قلة عددها مقارنةً بأنواع الشعر الأخرى، إلا أنها تعبر بصدق عن أحاسيس الندم والزهد. كتبها أبو نواس في أواخر حياته كنوع من التوبة عن الذنوب والمعاصي.
-
الطرديات:
حققت الطرديات شهرة واسعة في العصر العباسي، حيث تناولت مجالات متنوعة مثل النفسية والاجتماعية والفنية، وعكست من خلال دلالاتها الرمزية واقع ذلك الزمن.
- وقد أبدع أبو نواس في هذا النوع من الشعر، حيث تميزت قصائده بعمق المعاني واستخدام الاستعارات الفنية الخيالية المستمدة من الحياة اليومية.
مظاهر التجديد في الأوزان والقوافي:
اتبع أبو نواس الأوزان الشعرية التقليدية دون إدخال تجديد كبير، حيث أظهرت الدراسات أن شعره يتضمن بحوراً شعرية متنوعة بنسب مختلفة؛ مثل البحر البسيط الذي يشكل 20% من شعره، والبحر الطويل 17%، والبحر الكامل 15%، بالإضافة إلى بحور أخرى مثل الوافر والرمل والمنسرح.
- يُعتقد أن أبو نواس اتبع أنماط العروض القديمة ذات الإيقاع الجهوري كما فعل الشعراء السابقون، إلى جانب كتابته.
3- دراسة التطور في الشعر العربي
يتناول موضوع دراسة تطور الشعر العربي وتغيراته عبر العصور مجموعة من الأبعاد والجوانب المختلفة. يبدأ هذا الموضوع بتحليل بنية القصيدة، بما في ذلك هيكلها والأجزاء التي تتألف منها. بعد ذلك، يتم استعراض التغيرات في أغراض الشعر وموضوعاته المتنوعة.
وأخيرًا، يتم دراسة الفروق في الوزن والقافية، التي تشمل اختلاف المعاني والصور الشعرية، بالإضافة إلى الصياغة والموسيقى.
عبّر أبو نواس عن المجون في شعره كظاهرة مقبولة، مما جعل عصره يتميز عن العصور القديمة الأخرى. ويعود ذلك إلى عدة عوامل أسهمت في انتشار هذه الظاهرة، من بينها: اتساع الدولة العباسية.
تزايد نفوذهم في مختلف أنحاء العالم، وازدادت اختلاطهم مع الأعراق والثقافات المتنوعة من خلال التجارة والزواج، مما أثر في العباسيين وأسلوب حياتهم. شهدت هذه الفترة انتشار مظاهر البذخ، حيث احتكرت الأموال في أيدي الطبقة الأرستقراطية، التي تضم الملوك والأمراء والوزراء وكبار رجال الدولة، الذين عاشوا في ثراء فاحش.
كما استبد بعض الملوك، مما أدى إلى حرمان عامة الشعب من حقوقهم الأساسية، وعاملهم بعنف شديد. وقد أشار أبو نواس إلى المجون والزندقة في قصائده، موضحًا ذلك من خلال مجموعة من الملامح، كان من أبرزها ما يلي:
بدأت ظاهرة المجون تتطور تدريجياً، حيث بدأ الشاعر بتناولها في جزء من القصيدة، ثم انتقل إلى كتابة قصائد كاملة حولها، حتى أصبحت موضوعًا شعريًا مستقلًا. في البداية، كان وصف المجون يركز على سلوكيات المجالس المليئة باللهو والطرب، ثم تطور ليشمل وصف الجواري. يعكس المجون جانبين رئيسين من حياة أبو نواس:
الأول هو أسلوب تفكيره.
والثاني هو قدرته على التصوير الفني وكتابة هذا النوع من الشعر في إطار ظاهرة الشعوبية. هذه الظاهرة كانت نتيجة لحرية التعبير والرأي الاجتماعي التي سادت في الدولة العباسية، مما أدى إلى سعي بعض الحركات المتطرفة لتوسيع نفوذها ونشر أفكارها المتعصبة. من بين هذه الجماعات، برز الشعبويون الذين حاولوا إنكار أي فضل للعرب.
وقد أسهم في انتشار هذه الحركة وجود مؤيدين لها من أصحاب النفوذ ذوي الأصول الأعجمية، الذين دعموا تطورها. كما استغل بعضهم مهاراتهم الشعرية لتعزيز هذه الجماعة ونشر معتقداتها، بينما سعى آخرون لإثارة النعرات من خلال نشر أبيات شعرية تقلل من شأن العرب القدماء.
4- ملامح وصور التجديد في شعر أبي نواس
وفقًا للدكتور محمد هلال، يلجأ الشاعر إلى التجديد عندما يشعر بعدم كفاية الأنماط والمبادئ القديمة للتعبير عن المستجدات الحديثة. يبدأ الشاعر بالثورة على القيم التقليدية، حيث يبدأ بالبكاء على الديار والأحبّة، ثم ينتقل لوصف الرحلة والسفر، ليختتم قصيدته بالغرض الذي كتب من أجله.
أدى التطور في جميع جوانب الحياة خلال العصر العباسي، وتحول نمط المعيشة من البداوة إلى الحياة الحضرية، إلى تغييرات في الفكر والأدب وامتزاج الثقافات.
أصبح النمط القديم للشعر غير قادر على مواكبة الحاضر، حيث إن كثيراً من الشعراء لم يعرفوا حياة البادية. ولم يجربوا تجربة السفر والترحال. كما احتاج الشاعر إلى اتباع أسلوب أكثر سلاسة، فجمع بين اللغة البدوية الغنية بالمعاني القوية للحفاظ على بنية شعره، ولغة العامة بكلماتها البسيطة لتسهيل فهمها وتداولها.
الأيديولوجيا الشعرية لأبي نواس
تتجلى الأيديولوجيا الشعرية لأبي نواس حول التجديد في عدة صور. ومن أبرزها رفض الطلل، حيث آمن أبو نواس بمفهوم الصدق الفني، وسعى لاستخدامه.
يعبر شعره عن الواقع الذي يعيشه، مشيراً إلى جميع جوانبه. وقد دعا إلى التخلي عن الأنماط القديمة. معتقداً أن الشعر يجب أن يتماشى مع طبيعة الحياة، فإذا تغيرت الحياة. وجب أن يتغير الشعر أيضاً. كما حث في قصائده على الابتعاد عن الوهم والكذب الشعري.
فيما يتعلق بصورة استبدال الطلل بالخمرية النواسية، فقد جعل أبو نواس من الخمر موضوعاً شعرياً فريداً. حيث روى قصصاً حولها وجعلها محاور للحوار، مضيفاً إليها أسلوباً فنياً مميزاً. كانت الخمر بمثابة ملاذ له من الأطلال والنمط الشعري التقليدي. إذ أحبها ودعا إليها في أشعاره. مستفيداً من الرفاهية المادية والإقبال على الخمر في عصره.
أما بالنسبة لصورة العودة النواسية. فإن شعر أبو نواس يتضمن تناقضات واضحة؛ حيث يجمع بين الخمر والمجون من جهة. وأبيات تعبر عن الزهد والتوبة من جهة أخرى.[4]
وفي الختام أصبح أبو نواس رمزًا للاستهتار والازدراء بكل شيء، وإهدار القيم. وقد لجأ الكثيرون الذين يرغبون في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم إلى هذا الازدراء. حيث يعبرون عما يخطر ببالهم ثم ينسبونه إلى هذا الشخص الرمزي المعروف بأبي نواس.
المراجع
- الكاتب عيسى المصري_ كتاب أبو نواس في أنظار الدارسين العرب المحدثين _صفحة 165-188، الفصل الثالث. من هو الشاعر أبو نواس؟-بتصرّف
- الكاتبة هبة أحمد_ كتاب مظاهـــر التجديــد في العصـــر العبـــــــاسي الأول_ صفحة 115-127، الفصل الرابع، مظاهر التجديد في شعر أبي نواس-بتصرّف
- الكاتب زيد بودربالة_ كتاب إشكالية الصراع بين المحافظين والمجددين في الشعر العباسي ، صفحة 7-114، بتصرّفدراسة التطور في الشعر العربي-بتصرّف
- الكاتب حمود السلامة، ابراهيم الدريعي، أحمد المشعلي _ الأدب العربي (الطبعة الخامسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 17. ملامح وصور التجديد في شعر أبي نواس.-بتصرّف