اتخاذ القرار وقت الأزمات: فن التوازن بين المخاطر والفرص

اتخاذ القرار وقت الأزمات، كيف يمكن تحقيقه بفعالية وسط الضغوط والتوتر؟ عندما تواجه المؤسسات أو الأفراد مواقف حرجة أو غير متوقعة، يصبح اتخاذ القرار عنصرًا حاسمًا في تحديد مسار النجاح أو الفشل في هذه اللحظات، لا يتعلق القرار فقط بالمعلومات المتوفرة، بل أيضًا بالقدرة على التقييم السريع، وإدارة المخاطر، واستغلال الفرص الكامنة في قلب التحديات سنتناول في هذا المقال بشكل مبسط وواضح مفهوم اتخاذ القرار في الأزمات، ونستعرض أمثلة حقيقية وأساليب فعالة ونختم بدراسة حالة توضح الصورة كاملة.

ماهي عملية اتخاذ القرار في حالات الأزمة؟

عملية اتخاذ القرار خلال الأزمات تختلف كثيرًا عن الظروف العادية في المواقف الحرجة. يكون الوقت محدودًا، والمخاطر مرتفعة، والضغوط النفسية هائلة لذلك، فإن خطوات اتخاذ القرار تحتاج إلى منهجية واضحة، لكنها مرنة في نفس الوقت تبدأ العملية عادةً بتحديد المشكلة بدقة، يليها جمع المعلومات المتاحة، ثم تحليل الخيارات الممكنة واختيار الأنسب منها.

غالبًا ما يطلب من القادة أو المسؤولين اتخاذ قرارات مصيرية في وقت قصير. وهنا تظهر أهمية مهارات متخذي قرارات الأزمات، مثل سرعة التقدير، والتفكير النقدي، والقدرة على المفاضلة بين المخاطر والمكاسب كما تلعب العوامل النفسية دورًا كبيرًا؛ إذ أن الخوف أو القلق قد يؤثران على كفاءة القرار إذا لم تتم السيطرة عليهما بوعي. ولا يمكن تجاهل أهمية العمل الجماعي والتشاور في مثل هذه المواقف حتى وإن كان القرار النهائي فرديًا، فإن الاستفادة من آراء الفريق أو الخبراء المختصين يمنح القرار قوة ودقة أكبر إن اتخاذ القرار وقت الأزمات يتطلب أيضًا الاستعداد لقبول نتائج القرار، والتصرف بناءً عليها بثبات ومسؤولية. [1]

تعرف أيضًا على: استراتيجيات إدارة الأزمات أدوات فعّالة لاتخاذ القرار تحت الضغط

ماهي ثلاثة أمثلة على اتخاذ القرار؟

فيما يلي ثلاث حالات مختلفة توضح كيف يتم اتخاذ القرار أثناء الأزمات:

• قرار إخلاء منشأة صناعية بسبب تسرب كيميائي:

في إحدى الشركات الكبرى، أدى خلل في أحد أنظمة التخزين إلى احتمال تسرب مادة خطرة كان على الإدارة اتخاذ قرار سريع بإخلاء المنشأة لحماية الموظفين. رغم أن ذلك قد يسبب خسائر إنتاجية كبيرة تم اتخاذ القرار بناءً على معلومات فورية من قسم السلامة. وتم تفعيل خطة الطوارئ خلال دقائق هذا مثال واضح على اتخاذ القرار وقت الأزمات في ظل مخاطر كبيرة ومحدودية وقت.

• قرار التحول الرقمي في ظل جائحة كورونا:

اتخذت بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية قرارًا حاسمًا بالتحول للتعليم عن بعد خلال أيام معدودة رغم صعوبة التنفيذ والضغط الكبير على البنية التحتية، إلا أن هذا القرار مكنها من الاستمرار في أداء رسالتها هذا القرار اعتمد على نماذج اتخاذ القرار التشاركية. حيث شاركت فرق تقنية وإدارية في تحليل الوضع وتحديد أفضل الخيارات.

• قرار إغلاق أحد الفروع الخاسرة:

واجهت سلسلة متاجر أزمة مالية، وكان عليها اتخاذ قرار بإغلاق أحد الفروع لتقليل النفقات تمت دراسة الوضع المالي بدقة. وقياس تأثير الإغلاق على الموظفين والعملاء، ثم اتخاذ القرار بناءً على تحليل شامل للبيانات.

هذه الأمثلة الثلاثة تعكس كيف أن اتخاذ القرار في الأزمات يحتاج إلى وضوح في الرؤية. وسرعة في التنفيذ، وجرأة في مواجهة الواقع.

تعرف أيضًا على: كيفية التعامل مع الأزمات: خطوات عملية للسيطرة والخروج بأقل الخسائر

ماهي أفضل طريقة لاتخاذ القرار في وقت الأزمات؟

أفضل طريقة لاتخاذ القرار في وقت الأزمات هي الجمع بين التحليل العقلاني والحدس العملي. مع الحفاظ على وضوح الهدف النهائي يجب أولًا تحديد الأولويات: هل نريد تقليل الخسائر؟ إنقاذ الأرواح؟ الحفاظ على السمعة؟ تحديد الهدف الأساسي يسهل عملية المفاضلة بين الخيارات.

من الخطوات الفعالة استخدام نموذج “DECIDE”، والذي يتكون من:
D: تحديد المشكلة، E: تحديد المعايير، C: تجميع الخيارات، I: تحليل النتائج، D: اتخاذ القرار، E: تقييم القرار لاحقًا.

يستحسن أيضًا تقسيم الأزمة إلى أجزاء صغيرة يمكن إدارتها كل على حدة، بدلًا من محاولة السيطرة على الوضع بأكمله دفعة واحدة كما أن تفعيل خطة الطوارئ السابقة – إن وجدت – يقلل من التشتت ويمنح القرار إطارًا واقعيًا للتنفيذ.

اتخاذ القرار وقت الأزمات يتطلب الثقة، لكن ليس التهور يجب الموازنة بين الجرأة والحذر، وبين السرعة والدقة إن إشراك الأطراف المعنية، ومتابعة تنفيذ القرار، وفتح باب المراجعة لاحقًا، كلها خطوات تعزز من جودة القرار وفعاليته.

تعرف أيضًا على: تحليل الأزمات: الخطوة الأولى لفهم الخطر وصناعة القرار الذكي

ماهي أساليب اتخاذ القرارات الإدارية الفعالة؟

تتنوع الأساليب التي يمكن استخدامها في الإدارة أثناء الأزمات. ولكل أسلوب مميزاته وعيوبه من أبرز هذه الأساليب:

• الأسلوب المركزي (الاستبدادي):

يعتمد فيه القائد على اتخاذ القرار بمفرده. وغالبًا ما يستخدم في المواقف الطارئة التي لا تحتمل التأخير يتميز بالسرعة والحسم، لكنه قد يغفل جوانب مهمة بسبب غياب التشاور.

• الأسلوب التشاركي (الاستشاري):

فيه يشرك القائد فريقه أو الخبراء في اتخاذ القرار. مما يعزز من شموليته ويقلل من الأخطاء لكنه قد يحتاج وقتًا أطول، وهو ما قد لا يتوفر دائمًا أثناء الأزمات.

• الأسلوب التحليلي:

يعتمد على تحليل البيانات والمخاطر والنتائج المتوقعة. ويستخدم عندما تكون المعلومات متاحة بدرجة كافية مناسب للقرارات المالية أو التشغيلية المعقدة.

• الأسلوب الحدسي:

يعتمد على الخبرة والحدس الداخلي للقائد مناسب عندما تكون المعلومات محدودة أو الوقت ضيق جدًا.

في كل هذه الأساليب، يجب اختيار الأنسب وفقًا لطبيعة الأزمة إذ لا يمكن اعتماد أسلوب واحد فقط في كل المواقف. كما أن المزج بين أكثر من أسلوب في الوقت نفسه يكون فعالًا أحيانًا مثلًا. قد يبدأ القرار بأسلوب مركزي ثم يستكمل بشكل تشاركي في المراحل التالية.

من المهم أيضًا أن يكون لدى القائد معرفة جيدة بـ أساليب اتخاذ القرار واستخدامها بما يتلاءم مع الظرف والهدف. وهذا ما يجعل عملية اتخاذ القرار وقت الأزمات أكثر فعالية ونجاحًا.

تعرف أيضًا على: ماهو الفرق بين إدارة المخاطر وإدارة الأزمات ؟

عوامل تؤثر في جودة القرار وقت الأزمات

تعتمد جودة القرار في الأزمات على مجموعة من العوامل المؤثرة، أبرزها:

• الوقت المتاح:

كلما كان الوقت ضيقًا، زادت احتمالات الخطأ أو التسرع ولكن القرارات الأفضل ليست دائمًا تلك التي تستغرق وقتًا أطول. بل التي تستثمر الوقت المتاح بحكمة.

• توفر المعلومات:

القرارات التي تتخذ بناءً على بيانات دقيقة تكون عادة أكثر فاعلية ولكن في بعض الأزمات. قد تكون المعلومات غير مكتملة، مما يتطلب مهارة عالية في التقدير.

• الخبرة الشخصية:

تلعب خبرة القائد أو متخذ القرار دورًا أساسيًا من لديه تجارب سابقة يكون أكثر قدرة على التصرف بثقة وتحليل المواقف بعمق.

• البيئة المحيطة:

تؤثر البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على نوع القرار الممكن اتخاذه في بعض الحالات. قد تفرض قيود خارجية تعيق القرار الأمثل.

• الدعم المؤسسي:

وجود نظام دعم داخلي، مثل فرق الطوارئ أو لجان الأزمات. يعزز من كفاءة القرار ويمنح القائد مساحة للتحرك بثقة.

ورغم تنوع هذه العوامل، فإن قدرة القائد على إدارتها بذكاء هي ما يجعل اتخاذ القرار وقت الأزمات أداة حقيقية للنجاة والنجاح. وليس مجرد رد فعل عشوائي.

تعرف أيضًا على: تعرف على أساسيات إدارة الأعمال لبناء مشروع متين ومثمر

دراسة حالة عن اتخاذ القرار في موقف حرج

في عام ٢٠٢٠، واجهت شركة عالمية تعمل في مجال التكنولوجيا أزمة غير متوقعة. حيث تم اختراق بيانات مئات الآلاف من عملائها في هجوم إلكتروني منسق كان على الإدارة اتخاذ قرار سريع ما بين:

• إعلان الهجوم فورًا وفتح تحقيق عام.
• التكتم على الأمر مؤقتًا لتجنب الذعر وتحليل الأضرار داخليًا.

اجتمع مجلس الإدارة خلال ساعات، وتم استخدام نموذج تحليل المخاطر والفوائد. مع إشراك فريق الأمن السيبراني والمستشار القانوني ورغم المخاوف من الضرر على السمعة. تم اتخاذ قرار شجاع بإبلاغ المستخدمين خلال ٢٤ ساعة، مع إعلان الخطة الكاملة لمعالجة الأمر.

هذا القرار الصعب عكس فهمًا عميقًا لأهمية الشفافية في الأزمات وقد استعانت الشركة بـ دراسة حالة عن اتخاذ القرار مماثلة حصلت سابقًا في شركة منافسة. ما ساعدها على توقع النتائج المحتملة. وفي النهاية. أثبتت هذه التجربة أن اتخاذ القرار وقت الأزمات ليس فقط عملية إدارية، بل هو اختبار حقيقي للقيم والثقة والقيادة.[2]

تعرف أيضًا على: تعريف الإدارة وأهميتها في نجاح الأفراد والمؤسسات

في النهاية، فإن اتخاذ القرار وقت الأزمات ليس مجرد عملية ذهنية، بل هو ممارسة قيادية تتطلب توازنًا بين الحس السليم والتحليل. بين الجرأة والحذر، وبين إدارة الخوف واستغلال الفرص تتعدد النماذج والأساليب. لكن العامل الأهم يبقى في مهارة من يتخذ القرار وقدرته على القراءة السريعة للموقف القرارات التي تتخذ تحت الضغط قد تحدد مصير مؤسسة كاملة. ولهذا فإن التدريب والاستعداد المسبق هما الخط الدفاعي الأول لأي منظمة ناجحة.

• Cinten What-is-the-decision-making-process-in-crisis-situations?(بتصرف)
• Jstor A-case-study-on-decision-making-in-a-critical-situation(بتصرف)

مشاركة المقال

وسوم