حياه القبائل على ضفاف النيل
عناصر الموضوع
1- أطول نهر في إفريقيا والعالم
2- الماء الذي يطهر كل إثم
3- البركة في العرس
4- تاريخ من الأساطير والروايات الشعبية
5- روايات السحرة
إن الأسطورة أو الحكاية الشعبية هي مظهر أساسي لموقف السودانيين من النهر، والذي يعكس بدوره ارتفاعه كمكان حيوي للعديد من الحضارات والثقافات، وكذلك مصدر إلهام للشعراء والفنانين. في نهاية المطاف، رعى حبه للحياة من خلال تقليد طويل من الطقوس المستوحاة من أسباب تتراوح بين الثقة في نعمة مياهه وقدرتها على شفاء الأمراض، وكيف شعروا بتطهير أرواحهم من الذنوب والخطايا. إن التراث التاريخي الذي رأى النور على ضفاف النيل من الحضارات السابقة في السودان، بخلاف الماء والغذاء، يثبت مدى الحاجة الملحة للنهر بالنسبة للشعب السوداني.
1- أطول نهر في إفريقيا والعالم
إنهم يعتبرون النهر مصدرًا للأمل والتفاؤل والسعادة: ينظرون إلى النهر كعلامة على الرفاهية العقلية. وبالتالي، يبدأ السودانيون قصص أطفالهم في الحياة بالنهر. وتبدأ طقوس طقوس الختان في مصر القديمة، حيث تتوجه النساء بعد الولادة إلى نهر النيل لغسل الوجه واليدين والقدمين بمياهه، وللحفاظ على العلاقة بين المولود والنهر، يلقون بالمشيمة في قاع النهر أملاً في استمرار النسل، وتعود النساء بعد أسبوع لتجديد طقوس غسل المولود مرة أخرى، وتقول الأساطير المتوارثة عن النيل في السودان أنهم ينظرون إليه كسبب للحياة وأكثر من مجرد مصدر للماء والطعام، وتجتمع النساء والفتيات المنتميات إلى أسرة الطفل في اليوم الأربعين بعد الولادة، وتأخذ الأم مولودها معها إلى النيل العظيم، وذلك حتى تغتسل الأم في النهر بطرق تطهير نفسها من نزيف ما بعد الولادة، فتغسل وجهها ويديها وقدميها في مياهه، وفي نفس الوقت تغسل وجه الرضيع ويديه وقدميه بمياهه المقدسة، وبعد إجراء الختان تتكرر طقوس زيارة الموكب للنهر مع المولود مرة أخرى ماء التطهير من كل الذنوب.
2- الماء الذي يطهر كل إثم
تقول المؤرخة السودانية ميرفت والي: “طقوس غسل المولود الجديد في مياه النيل المقدسة جزء من تراث مملكة النوبة، الذين نشأوا على ضفافه، وكانوا يؤمنون بقدسيته مصدر الحياة، ومن ثم حفز النوبيين على ربط حياتهم به، كما اعتقدوا أن مياهه تحمي الأرواح من الحسد والسحر والشر، لذلك أصبحت زياراتهم للنهر أكثر من أجل تطهير وتحصين أرواحهم قبل أن تنتشر هذه الطقوس في جميع أنحاء ولايات السودان”.
بعد أن تلد المرأة، تأخذ الرضيع في موكب نسائي لغسل وجهه وقدميه ويديه في النيل حتى لا تنقطع علاقته بالنهر. أما في اليوم الأربعين فيعودون لغسل الأم من الولادة.
وتضيف: “لم تكن قدسية النيل عند النوبيين مرتبطة بمرحلة الولادة فحسب، بل امتدت طوال مراحل حياتهم من البلوغ والزواج حتى الموت، حيث يغتسل الزوجان في مياه النهر كأحد طقوس ما قبل الزواج، ويتخلص المذنبون من خطاياهم بالاغتسال في النهر، وتحمل ملابس المتوفى إلى النهر لتُغسل في مياهه قبل تقديمها له، ولا تزال بعض القبائل على ضفاف النيل تحمل جسد المتوفى إلى النهر لغسله في مياهه قبل دفنه، وإيمانًا بقدرته على تنقية الروح وراحتها قبل انتقالها إلى العالم الآخر، تأتي المرأة الأرملة بعد وفاة زوجها إلى مياه النيل المسحوبة مع النساء السودانيات في ولايات النهر وروافده لكسر الشرور والأرواح السيئة عنها بغسلها في مياه النيل. كما ترجع روايات أخرى إلى افتراضات قديمة مفادها أن الرجل الذي يلتقي بأرملة أثناء رحلتها إلى النهر سيتبع زوجها، ويموت؛ لذلك ترافقها مجموعة من أقاربها وجيرانها لتحذير الرجال على الطريق مسبقًا للتنحي أو تغيير طريقهم. لا ينبغي لأحد أن يلتقي بها قبل أن تتحرر من طاقة الموت والحزن وتموت.
3- البركة في العرس
في الزفاف نطلب البركة منه. في شمال السودان، قبل حفل الزفاف يحمل الناس العروس والعريس بسعف النخيل الأخضر إلى النهر لغسل وجوههم وطلب البركة من مياه النيل. تُعرف هذه الزيارة بـ “السيرة”.
يؤمن السودانيون أيضًا بقدرة مياه النيل على تطهير أجسادهم من لعنات الأمراض. ينصح الناس بعضهم البعض في ولايات النهر بالاستشفاء من مياهه. بعضهم يشرب وبعضهم يستحم فيه، مثل الصبية الذين يعانون من أمراض جلدية. إنهم في الواقع لا يشربون الماء. “كم سيكون لطيفًا لو تمكنت من إبعاد هؤلاء الفتيات القبيحات عنك والغوص في الماء لالتقاط واحدة” “سمكة” همس له. “سينتهي الأمر بالمرء إلى إيجاد حظ كبير إذا بدأ بصيد حيوان يبدو هو نفسه في خصائصه التي تعكس جزءًا من روحه” قالت: كانت متأكدة من أنه كان على وشك “قتل” نفسه عند النافورة، بحثًا عن شيء ما، ومع ذلك أرادت معرفة لماذا رفض جميع عروض حفلات أعياد الميلاد الخاصة به، وعامل نفسه بهذه الطريقة، اتسعت عينا المهرجين: سقطت ذراعاه في عدم تصديق عند النافورة عندما رأى وجهها بعد آخر قتلة وحشية له. تم تنويم هذا الفعل مغناطيسيًا للوهلة الأولى بدهشة مؤلمة لأن الرغبة المظلمة تحترق فيه، ويبتسم أثناء توقع ما كان يقوده إلى أسلوب من الغموض. [1]
لا تزال بعض القبائل تحمل جسد المتوفى إلى النهر لغسله بمياهه قبل الدفن. ويعتقدون أن هذا الفعل البسيط قادر على تطهير النفس وتسليتها قبل أن تنتقل إلى العالم الآخر. يقول الباحث النوبي في الثقافة الشعبية السودانية عبد الكريم سمعان لرصيف22: “لم تولد النوبة ارتباط الحضارة السودانية القديمة بالنيل، فقد تم الكشف عنها جيدًا إلى الشمال من الممالك النوبية، على مسافة تزيد عن 1400 كيلومتر من المواقع جنوب الخرطوم الحديثة في وادي النيل إلى الحدود الجنوبية مع مصر في الشمال. بدءًا من موطن النيليين، الذين تعود حضارتهم إلى عصور ما قبل الأسرات، ازدهرت لاحقًا في العصر التاريخي لمملكة كوش عندما تم تأليه النهر بعد الحفريات الأثرية للنيليين، وعلى النقوش في الآثار التابعة لمملكة كوش. علاوة على ذلك، كانت تتم على ضفاف هذا النهر مراسم الوفيات والدفن والحداد لملوك كوش.
تاريخ الأساطير والقصص الشعبية
يا نيل في القلوب سلام أبدي توقف عند نضارة شبابك.
أنت في طريق الدم في الأنفاس تجري بصوت عال. في جريانك.
4- تاريخ من الأساطير والروايات الشعبية
وصف التيجاني يوسف بشير في قصيدته “سليل الفردوس” العلاقة الخاصة التي تربط الأسطورة والقصة الشعبية بين الشعب السوداني ونهر النيل. العلاقة الخاصة التي احتفلت بها الأساطير والقصص الشعبية منذ العصور القديمة. فمنذ قرون مضت كان سكان الجزء الشمالي من السودان يعتقدون أن النهر هو إله الخير والبركة والوفرة كما كان يعتقد قدماء المصريين، فكانوا يدورون بين مرحلتي الهدوء والفيضان للنيل ليلوح بالأساطير، ويقدم عروس النيل هدية له في مواسم الفيضان مقابل أخذ الطمي بالقوة لأنه يحمل الطمي الذي يعمل على زيادة خصوبة التربة ومساعدتهم في الزراعة بعد انتهاء موسم الفيضان. كما اعتقدوا أن العروس الغارقة تتزوج من الإله “حابي” في العالم الآخر، لذلك اختار القدماء الفتيات الأفضل خلقاً للزواج من الإله. كانت جالسة عند منبع النهر مع أحفادها وبنات أخواتها ومجموعة صاخبة من أطفال الأصدقاء في الحي الذي اجتمع فيه النيلان الأبيض والأزرق لتشكيل النهر.
نسجت أم بشير للأطفال قصصاً عن النيل عرفتها منذ أكثر من 90 عاماً، قصصاً حقيقية، ولكنها أيضاً تحمل قدراً لا بأس به من الأساطير التي يعتبرها معظم السودانيين غريبة، وهو ما يزيد من اهتمام الأطفال. وتضيف أم بشير أن السودانيين يسمون النيل “البحر” ويعتقدون أنه يسكنه كل أنواع الكائنات الغريبة التي تعيش في قاعة. عبد العليم هو جني يعيش تحت البحر ومهمته التحكم في تدفق المياه في جميع أنحاء السودان، بينما تفسر صوت صرير الماء العالي عند ملتقى النيلين على أنه صوت التنين الذي يحرس النهر، ويحذر الأطفال من محاولة النزول إلى النهر خاصة في تلك الأماكن العميقة. وفي جنوب السودان اعتقدت قبائل الدينكا والنوير أن فيضان النيل هو غضب الآلهة، لذا كانوا يأملون في التكفير عن خطاياهم بتقديم أبنائهم وبناتهم قرابين له، والدعاء ألا يكمل ثورته، ويغرق الأرض كلها. بينما اعتقد آخرون أن فيضان النيل هو غضب تاريخي للنهر؛ بسبب غرق فتاة جميلة صالحة تُدْعَى “بخت”، وكانوا يصفون الفيضان بـ”بخت النيل”، مما دفعهم إلى تقديم الهدايا له بإلقائهم فيه حتى يهدأ.
5- روايات السحرة
وفي ولاية الشمالية تنتشر القصص السحرية، ويتناقل الناس قصة واحدة تقول إن السحرة يمكنهم تحويل أنفسهم إلى تماسيح؛ يجوبون النيل ليل نهار حيث يمكن رؤية التماسيح الضخمة ذات العيون المختلفة في قرى “نوى” و”ملواد” و”أمنتاجوا”. كما يتهامسون بين الناس أنه إذا غرق أحد سكان المنزل، فيمكن لـ “الشيوخ” التحدث مع هؤلاء التماسيح السحرية، فيذهب “الشيخ” إلى ضفة النهر، ويستدعي الشخص الغارق، ثم يخرج التمساح ويفرقه. يقول البعض إن هذه القصة تعود إلى الوقت الذي اخترعه فيه سكان النوبة للحفاظ على بلادهم خالية من الاحتلال، على الرغم من أن العديد من الأجيال استمرت في حملها كحقيقة أسطورية. ومن المثير للاهتمام أن بعض السكان الأصليين وضعوا أواني من الحليب على ضفاف النهر للتماسيح. إذا لم يشربوه، فهذا هو الحال، وهنا تكمن أسطورة السحر لديهم لأن السحرة لا يشربون الحليب. [2]
تؤخذ النساء الأرامل بعد أنتهاء العدة لتغسيلها في النيل، لزوال الفأل السئ عنها، يوجد أعتقادات شائعة أن الرجل الذي يلتقي بالأرملة في الطريق سوف يتبع زوجها ويموت، لذلك تسبقها بعض النساء لتحذير الرجال لتغيير مسار الطريق.
ناهيك عن عشرات الأساطير الشعبية من مختلف مناطق السودان المستوحاة من النيل العظيم وهذا التراث التاريخي الهائل من الطقوس والعادات والتقاليد السودانية التي تربط كل مجالات الحياة في السودان بالنهر. الرابطة الخاصة بين السودانيين والنهر تحمل ثمارها للإنسان والحيوان.
المراجع
- رصيفالبركة في العرس - بتصرف
- أيام نيوزروايات السحرة - بتصرف