ابن حجر العسقلاني: شارح البخاري وحافظ عصره

ابن حجر العسقلاني من هو هذا العالم الذي يطلق عليه لقب “حافظ العصر” و”شارح البخاري الأول”؟إنه أحد أعلام الإسلام في القرن التاسع الهجري، وإمام في علوم الحديث والتاريخ والفقه. ولد في مصر، لكنه بلغ بشهرته جميع أقطار العالم الإسلامي. هذا المقال يسلط الضوء على سيرة هذا الإمام الجليل، من نشأته وعقيدته، إلى شيوخه ومؤلفاته. ويجيب على أسئلة أثارها بعض المعاصرين حول انتمائه العقدي، وتأثيره العلمي، وعلاقته بغيره من العلماء. إذا كنت تبحث عن معرفة حقيقية بـابن حجر العسقلاني، فأنت في المكان الصحيح.

من هو ابن حجر العسقلاني؟

ابن حجر العسقلاني هو أحد كبار علماء الإسلام في القرن التاسع الهجري، عرف بلقب “أمير المؤمنين في الحديث”. لما له من حفظ واسع ودقة في الرواية والتحقيق. ولد سنة ٧٧٣هـ في مصر، ونشأ يتيمًا لكنه تلقى العلم منذ صغره، وتنقل بين الشام والحجاز واليمن في طلب الحديث والفقه.

تميز بسعة علمه وبلاغة تعبيره، واشتهر بكتابه الشهير “فتح الباري بشرح صحيح البخاري”. الذي اعتبر أهم شرح على الإطلاق لأصح كتاب بعد القرآن الكريم. ومن العلماء الذين يخلط بينه وبينهم بسبب تشابه الأسماء، الإمام ابن حجر الهيتمي. وهو فقيه شافعي جاء بعده بعدة عقود، مما سبب التباسًا لدى بعض الناس.

بفضل علمه ومكانته، تولى ابن حجر العسقلاني التدريس في الجامع الأزهر. وترك أثرًا عميقًا في التاريخ الإسلامي بفضل مصنفاته وتلاميذه الذين نشروا علمه في مختلف الأمصار.[1]

تعرف أيضًا على:أهم الشخصيات التاريخية المصرية

هل ابن حجر أشعري ابن باز؟

من المسائل التي أثير حولها بعض الجدل، هي علاقة ابن حجر العسقلاني بالعقيدة الأشعرية.وهل يمكن وصفه بكونه “أشعري العقيدة” كما يراه بعض العلماء المعاصرين، ومنهم الشيخ ابن باز، الذي عبر في بعض فتاواه عن تحفظه تجاه منهج بعض الأشاعرة.

لكن الحقيقة أن ترجمة ابن حجر العسقلاني في سير أعلام النبلاء توضح أنه كان من أهل السنة والجماعة.على المذهب الشافعي في الفقه، والأشعري في العقيدة. كما هو حال كثير من علماء عصره. لم يكن ذلك يعد خروجًا عن العقيدة الصحيحة في زمانه، بل كان تعبيرًا عن المنهج العقلي الذي استند إليه العلماء في مواجهة الفرق الكلامية والباطنية.

وقد أثنى عدد كبير من العلماء على ابن حجر العسقلاني رغم هذا الانتماء العقدي. وذلك لعلمه الغزير، وورعه، ودقته في الرواية، وتحقيقه للأسانيد والمتون. حتى مع اختلاف بعض الاتجاهات الفكرية، لم يشكك أحد في أمانته العلمية وإمامته في علم الحديث.

ويبدو أن الشيخ ابن باز، رغم تحفظه على بعض الجوانب العقدية لبعض العلماء الأشاعرة، إلا أنه لم ينكر علم ابن حجر العسقلاني ولا جهوده الجليلة. بل أقر بفضله في خدمة السنة النبوية، وهو ما يظهر توازن العلماء في تقييم الشخصيات التاريخية بعيدًا عن التعصب.

تعرف أيضًا على:أهم الشخصيات التاريخية الإسلامية

ما هي عقيدة ابن حجر العسقلاني؟

عقيدة ابن حجر العسقلاني تتسم بسمات المدرسة الأشعرية.والتي كانت هي السائدة بين كبار علماء الشافعية في زمانه. اعتمد في تفسيره لصفات الله تعالى على التأويل العقلي المعتدل، كما هو متبع عند الأشاعرة، دون الانزلاق إلى التجسيم أو التعطيل.

كان يؤمن بالله وأسمائه وصفاته كما وردت في النصوص.لكن بتفويض الكيفية، مع ميل إلى التأويل في بعض الصفات؛ كصفة اليد أو الوجه، بما يتناسب مع التنزيه الكامل لله تعالى. وهذا ما جعله يتهم أحيانًا بأنه لا يثبت الصفات كما يثبتها السلف، رغم أن كثيرًا من أقواله تدل على توقيره للنصوص وميله إلى منهج المحدثين.

وفي كتاباته، يتضح حرصه على العقيدة الصحيحة، ومن ذلك دفاعه عن أهل السنة في مواجهة الفرق الأخرى كالمعتزلة والرافضة والباطنية. كما ركز على أهمية اتباع منهج أهل الحديث في الاستدلال والإيمان، مما يضعه في سياق الوسطية بين الفرق المختلفة.

ويذكر أن مذهب ابن حجر العسقلاني الفقهي كان شافعيًا.وقد التزم بأصول المذهب في معظم مسائله، لكنه لم يتعصب له، بل خالفه أحيانًا بناءً على ما ترجح له من النصوص أو أقوال الصحابة. وهو ما يعكس عمق فهمه واستقلاله في الاجتهاد.

تعرف أيضًا على:رواد المسرح العربي: أشهر الشخصيات ومؤسسو المسرح في مصر والعالم العربي

من هو الإمام ابن حجر العسقلاني؟

حين يقال “الإمام ابن حجر العسقلاني“، فإننا نتحدث عن عالم فريد جمع بين الحفظ والفهم والدقة في النقل. يعد من أعمدة علم الحديث في التاريخ الإسلامي. بل قيل إنه “خاتمة الحفاظ”، لأنه أحاط بكثير من الروايات والسلاسل والأسانيد، مع القدرة على تمييز الصحيح من الضعيف.

وقد كان له موقف واضح في الدفاع عن السنة النبوية، والتصدي للمرويات الموضوعة، مما جعله يقارن بكبار الأئمة في هذا الميدان كالإمام النووي، والذهبي، والبيهقي. كما أنه لم يكن مجرد ناقل، بل كان ناقدًا فاحصًا يزن الروايات بعين علمية رفيعة.

ومن المسائل الجديرة بالاهتمام العلاقة بين ابن حجرالعسقلاني وابن تيمية، فقد كان الأول يقدر علم الثاني. رغم بعض الخلافات في الرؤى العقدية والمنهجية لم يكن بينهما صدام مباشر بالطبع، لوجود فاصل زمني. لكن من خلال كتاباته، يظهر احترام ابن حجرالعسقلاني لأقوال ابن تيمية في بعض المواطن، وإن خالفه في مواضع أخرى. وقد عبر عن ذلك بأسلوب علمي مهذب، دون إساءة أو تحامل، وهو ما يدل على أدب الخلاف وعمق فهمه لمبدأ الإنصاف في النقد العلمي.

وقد تميز كذلك بأسلوبه الواضح في الكتابة، فمؤلفاته لم تكن فقط مراجع علمية، بل كانت أيضًا أدبية راقية، تجمع بين البلاغة والدقة. وهو ما جعلها خالدة تدرس حتى اليوم في الجامعات والمجامع العلمية.

تعرف أيضًا على:أسئلة عن الشخصيات التاريخية وأعمالهم العظيمة

شيوخ ابن حجر العسقلاني وتكوينه العلمي

يتبين من سيرته أنه تتلمذ على يد عدد كبير من العلماء في مختلف البلدان. وكان حريصًا على التلقي المباشر والسماع من المشايخ، ومن أبرز شيوخ ابن حجر العسقلاني:

• الزين العراقي: شيخ الحديث الكبير، الذي لازمه طويلًا.
• البلقيني: إمام الشافعية في عصره.
• الشرف المناوي: عالم التفسير والقراءات.
• النور الهيثمي: شارح السنن النبوية.
• ابن الملقن: المحدث الشهير، صاحب “البدر المنير”.
• محمد بن علي بن طولون: العالم الحنبلي الذي أخذ عنه بعض الأبواب الفقهية.
• أحمد بن محمد الأسيوطي: شيخ في علوم اللغة والنحو.

وكان ابن حجر العسقلاني حريصًا على الجمع بين الفقه، والحديث، والنحو، والتاريخ، والتفسير.ما منحه موسوعية كبيرة، وجعل منه إمامًا مرموقًا تتلمذ عليه المئات من طلبة العلم، وانتشر تأثيره في مصر والشام والحجاز واليمن.

تعرف أيضًا على:كيف تخلق شخصيات قوية في كتاباتك القصصية؟

أهم أقوال ابن حجر العسقلاني ومؤلفاته الخالدة

خلف الإمام ابن حجر العسقلاني تراثًا ضخمًا من المؤلفات التي لا تزال حية في مكتبات العالم الإسلامي. ومن أعظم إنجازاته كتاب “فتح الباري”، الذي شرحه على صحيح البخاري، ويعد مرجعًا لا غنى عنه لكل طالب علم.

إضافة إلى ذلك، كتب عددًا من الكتب في الرجال والجرح والتعديل مثل “تهذيب التهذيب”، و”تقريب التهذيب”، وهما من أهم كتب التراجم الحديثية كما ألف كتبًا في التاريخ مثل “الدرر الكامنة”، و”الإصابة في تمييز الصحابة”.

ومن أقوال ابن حجر العسقلاني المشهورة:
“ما فتشت حديثًا في البخاري إلا ووجدت له وجهًا من الصحة، ولولا أن الله أعانني ما قدرت عليه.”
وهذا القول يدل على مدى جهده العظيم في التحقيق والشرح، وحرصه على سلامة النصوص النبوية.

وكان يؤمن بأن العلم لا ينال إلا بالصبر والاجتهاد، وكان يحث تلاميذه على عدم الاكتفاء بالسماع، بل بالغوص في الفهم والمقارنة بين الأقوال، وهو ما طبقه عمليًا في مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة.[2]

تعرف أيضًا على:الشخصيات الأدبية: أبطال خلدهم القلم!

في الختام، يظل ابن حجر العسقلاني نموذجًا فريدًا للعالم الموسوعي، الذي جمع بين الحفظ والفهم، والتقوى والإخلاص. وأثر في أجيال من بعده بمؤلفاته وعلمه وأخلاقه فهو بحق أحد أعمدة التراث الإسلامي، الذي لا تزال الأمة تستضيء بنوره في دروب العلم والمعرفة.

• BritannicaWho-are-the-five-most-prominent-scientists ( بتصرف)
• Linkedin How Islamic Inventions Saved Western Civilization ( بتصرف)

مشاركة المقال

وسوم