ابن رشد يرد على الزمن: عقلٌ لا يخشى السؤال

الكاتب : آية زيدان
09 أغسطس 2025
عدد المشاهدات : 47
منذ 8 ساعات
ابن رشد
من هو ابن رشد باختصار؟
متى ولد ابن رشد؟
ما هي أشهر مقولة لابن رشد؟
ومن أبرز إنجازات ابن رشد ما يلي:
 لماذا تم حرق كتب ابن رشد؟
أسباب حرق كتبه يمكن تلخيصها في الآتي:
ماذا قال ابن رشد عن الدين؟

في قلب قرطبة، ولد عقل رفض القيود وواجه الجمود بالبرهان. ابن رشد لم يكن مجرد فيلسوف، بل كان رمزًا لفكر لا يخشى السؤال، وعالِمًا جمع بين الدين والعقل في زمنٍ كان فيه الجمع بينهما مغامرة محفوفة بالمخاطر. ترك خلفه تراثًا لا يزال حيًّا، وأفكارًا فتحت الطريق أمام عصور من التنوير. تابع القراءة لتتعرف على سيرة ابن رشد، وأشهر أقواله، وسر حرق كتبه، ورؤيته الجريئة عن الدين.

من هو ابن رشد باختصار؟

ابن رشد

في قلب الأندلس، وتحديدًا في مدينة قرطبة، ولد أحد أعظم العقول في تاريخ الفكر الإنساني، إنه ابن رشد، الفيلسوف والطبيب والقاضي الذي شكّل نقطة تَحوّل في مسار الفلسفة الإسلامية والعقلانية الغربية. يعود نسب ابن رشد إلى عائلة مرموقة اشتهرت بالعلم والقضاء، فكان جده قاضي قرطبة وأحد أبرز علماء عصره، مما مهّد الطريق أمامه لينشأ في بيئة علمية خصبة أتاحت له التفرغ للدرس والتحليل.

متى ولد ابن رشد؟

ولد ابن رشد عام 1126م، أي في القرن السادس الهجري.  حيث عاش في فترة اتسمت بالصراعات السياسية والدينية، ورغم ذلك. تمكن من بناء مشروع فكري متماسك جمع بين الفلسفة والطب والفقه. ولعل الجانب الذي ميّزه عن غيره هو قدرته على الدفاع عن العقل واعتباره وسيلة لفهم الشريعة والدين، بعيدًا عن الجمود والنقل الأعمى.

لم يكن مجرد مفكر منعزل، بل كان رجل دولة أيضًا، تولّى منصب القضاء، وساهم في خدمة المجتمع بآرائه الجريئة ومنهجه التحليلي. كما أن اهتمامه بالعلوم الطبيعية. خاصة الطب. كان بارزًا، وله مؤلفات طبية عدّة ما زال بعضها مرجعًا حتى اليوم.

كان ابن رشد باختصار تجسيدًا للعقل الشجاع، الذي لم يتردد يومًا في مساءلة المسلّمات، والسعي الدائم خلف الحقيقة، مهما كلّفه ذلك من اضطهاد أو عزلة. [1]

تعرف أيضًا على: الفرزدق والوجه الآخر للشعر مرايا القبيلة والذات

ما هي أشهر مقولة لابن رشد؟

ابن رشد

تعدّ مقولة ابن رشد الشهيرة: “التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية” من أكثر ما يعبّر عن جوهر فكره. هذه العبارة تختصر رؤيته العميقة في التعامل مع النصوص الدينية. فهي تدعو إلى استخدام العقل في الفهم والتأويل.  بدلًا من التمسك الحرفي بالنصوص، وهو ما جعله في صدام مباشر مع التيارات السلفية والمتشددة في عصره.

فكر ابن رشد كان عقلانيًا بامتياز، وقد سعى دائمًا إلى التوفيق بين الدين والفلسفة. ومن خلال مقولاته. أكّد أن الحقيقة لا تتعارض مع الدين.  بل إن كلاهما يقود إلى الآخر إذا ما أحسن استخدام العقل. لقد رأى أن العقل ليس تهديدًا للعقيدة. بل وسيلة لفهمها على نحو أعمق وأصفى.

ولم يقتصر حضوره الفكري على العالم الإسلامي، بل امتد تأثيره إلى أوروبا اللاتينية في العصور الوسطى. حيث ترجمت أعماله إلى اللاتينية والعبرية. وبفضل تلك الترجمات، أعادت أوروبا اكتشاف أرسطو، وأطلق على ابن رشد في الغرب اسم “الشارح الأكبر”.

ومن أبرز إنجازات ابن رشد ما يلي:

أ- شرح مؤلفات أرسطو وتبسيطها، مما ساعد أوروبا على فهم الفلسفة اليونانية.

ب- التأليف في الطب، وأشهر كتبه “الكلّيات في الطب”.

ج- تطوير منهج علمي يعتمد على الملاحظة والتجربة، خاصة في الفلك والطبيعة.

د- الدفاع عن العقل في فهم الدين، ووضع أسس فلسفة التأويل.

لقد خلد التاريخ كلماته، ليس لأنها مجرد أقوال مأثورة. بل لأنها نابعة من عقلٍ لا يرضى بالتلقين، بل يبحث عن الفهم الحقيقي خلف كل فكرة. [2]

تعرف أيضًا على: مي زيادة وأدب الرسائل بين الحنين والتمرد

 لماذا تم حرق كتب ابن رشد؟

ابن رشد

لم تكن أفكار ابن رشد مجرد اجتهادات عابرة، بل كانت تمس جوهر الصراع بين العقل والنقل، بين الفلسفة والنصوص الجامدة. لقد دعا إلى استخدام العقل لفهم الدين وتفسير الكون. فكان بذلك صوتًا شجاعًا في وجه التيارات التقليدية التي رأت في آرائه تهديدًا لسلطتها الدينية والفكرية.

حرقت كتبه في الأندلس في أواخر حياته، وتحديدًا في عهد الخليفة المنصور الموحدي.  بعد أن كانت الدولة نفسها قد احتضنته في بداية مشواره. هذا الانقلاب السياسي والديني لم يكن ناتجًا فقط عن آرائه الفلسفية. بل أيضًا بسبب تصاعد نفوذ الفقهاء المحافظين الذين رأوا في أفكاره خطرًا على العقيدة والمجتمع.

أسباب حرق كتبه يمكن تلخيصها في الآتي:

  • تهديد العقيدة الدينية
  • دفاعه عن الفلسفة
  • التوفيق بين الدين والعقل
  • اتهامات بالإلحاد
  • ضغط الفقهاء المتشددين
  • تغير الموقف السياسي
  • خوف من تأثيره الفكري

لكن الغريب أن أوروبا، التي كانت في بدايات عصور الظلام، حفظت هذه الكتب ودرستها.  في حين أن العالم الإسلامي ألقاها في النسيان. وبينما انتشرت أفكار ابن رشد للعيون الأوروبية، اندثرت في أوطانه لفترة طويلة.

وهكذا، لم يحرق فكر ابن رشد بالكامل، بل تجاوز نيران الحرق وظل حيًّا في ذاكرة الفلسفة والعقل الإنساني.  ليبقى رمزا للجرأة الفكرية ورفض الاستسلام أمام السلطات العمياء.

تعرف أيضًا على: ابن زيدون يغني للولادة شاعرُ الهوى والمُلك الضائع

ماذا قال ابن رشد عن الدين؟

ابن رشد

شكّلت العلاقة بين الدين والفلسفة محورًا أساسيًا في فكر ابن رشد، وقد تناولها بشجاعة في كتابه الأشهر “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال”. رأى ابن رشد أن الفلسفة ليست خصمًا للدين.  بل هي امتداد له، لأنها تعتمد على النظر العقلي في فهم الوجود، كما يعتمد الدين على الوحي في توجيه الإنسان نحو الخير.

كتب بوضوح أن “الحكمة صاحبة الشريعة، والأخت الرضيعة لها”. مؤكدًا أن كليهما ينتمي إلى مصدر إلهي واحد، ولا يمكن أن يتناقضا إذا ما فهما على الوجه الصحيح.

ولعل أهم ما يميز موقفه أنه رفض تأويل النصوص الشرعية بشكل عبثي. بل اشترط أن يكون التأويل مقصورًا على من بلغ مرتبة الاجتهاد العقلي والعلمي. قال في ذلك: “كلما أدى إليه البرهان، وخالف ظاهر الشرع، وجب تأويل الشرع ليوافق البرهان”، في إشارة إلى أن العقل هو أداة لفهم النص لا لتجاوزه.

كما رفض تحجيم الدين على يد الفقهاء الذين يغلّبون التقليد على الفهم، وانتقد من يستخدمون النصوص لفرض السلطة على العقول. فكر ابن رشد مدارس متكاملة تقوم على إدماج الدين بالعلم، بدلًا من وضعهما في حالة صراع. وهذا ما جعله مختلفًا عن كثير من معاصريه، بل وأقرب في رؤيته إلى الفكر الديني العقلاني المعتدل.

لقد دافع ابن رشد عن الإيمان بوصفه خيارًا واعيًا، لا مجرد تسليم أعمى. معتبرًا أن الدين إنما جاء “للهداية لا للإكراه”، وأن العقل ليس عدوًا للوحي، بل مرآته.

تعرف أيضًا على: ابن منظور وحارس اللسان معجمٌ ينقذ اللغة من النسيان

و في الختام :رحل ابن رشد عن الدنيا. لكن صدى أفكاره ما زال يتردّد حتى يومنا هذا. لم يطفئ حرق كتبه نور عقله، ولم تمنع محاربته من أن يصبح جسرًا يربط بين حضارات. بقي اسمه شاهدًا على أن السؤال لا يقتل الإيمان، بل يحييه، وأن العقل حين ينهض، لا يوقفه زمن ولا سلطة.

المراجع

مشاركة المقال

وسوم

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة