الأديب طه حسين: عميد الأدب العربي

الأديب طه حسين اسم يتردد صداه في كل ركن من أركان الثقافة العربية، فهو ليس مجرد كاتب أو أكاديمي، بل هو أيقونة فكرية وشخصية إنسانية استثنائية تحدت الظلام لتضيء دروب المعرفة. قصته هي قصة إرادة لا تقهر وطموح لا يلين ،ورحلة شاقة ومبهرة في وقت واحد. من طفل كفيف في قرية مصرية صغيرة ،إلى عميد للأدب العربي ووزير للتعليم وشخصية عالمية حفرت اسمها بأحرف من نور في سجل الخالدين.
من هو الأديب طه حسين؟
للوقوف على حقيقة من هو الأديب طه حسين، لا بد من العودة إلى جذوره فتبدأ حياة طه حسين. في قرية الكيلو التابعة لمركز مغاغة في محافظة المنيا بمصر. تحديدا كان مولد طه حسين ونشأته في الرابع عشر من نوفمبر عام 1889. ولد طه حسين سليم لكن بعد فترة وجيزة من مولده أصابته الرمد وأدى جهل الطبيب الشعبي. الذي عالجه إلى فقده بصره في عمر الرابعة، هذه النكسة الجسدية. لم تكن عائق أمام طموحه، بل كانت دافع قوي له ليثبت قدراته العقلية والفكرية.
لقد كان يرى بعين البصيرة ما عجزت عنه عيون الكثيرين، وفهم أن طريق الخلاص الوحيد من ظلام الواقع. هو نور العلم، ومنذ صغره أظهر ذكاء قوي وشغف لا يوصف بالمعرفة. يمكن تقديم نبذة عن طه حسين بالقول إنه لم يكتفي بتلقي التعليم التقليدي في الكتاب، بل التحق بالأزهر الشريف حيث درس علوم الدين واللغة العربية، لكن عقله النقدي كان يطمح لأكثر من ذلك.
لقد كانت شخصية طه حسين تتشكل ببطء لتصبح أيقونة في التفكير المستنير، فكان يرى أن التعليم التقليدي في الأزهر لم يكن كافي لإشباع فضوله. وكان يحلم بأن يشرب من منابع المعرفة الحديثة. هذا الشغف جعله يصر على دخول الجامعة المصرية، التي كانت في ذلك الوقت تعتبر صرح جديد للفكر الحديث ،حيث درس الآداب والتاريخ والفلسفة.
لقد كان مسيرته التعليمية تمثل رحلة بحث عن الحقيقة قادته إلى آفاق واسعة من المعرفة. بعد دراسته في مصر لم يتوقف طموح الأديب طه حسين عند هذا الحد، فقد كانت تجربته في الخارج حاسمة في تشكيل فكره وأسلوبه.
ثم سافر إلى فرنسا وهناك درس في جامعة السوربون وحصل على شهادة الدكتوراه في الأدب. ثم عاد إلى مصر و معه أفكار نقدية جديدة وتجربة مختلفة. هذه التجربة التي عاشها في أوروبا جعلته يدرك الفارق بين النقد العربي القديم. والمنهج النقدي الحديث مما أثر بشكل كبير على أسلوب طه حسين في الكتابة والنقد.[1]
تعرف أيضًا على: أبو القاسم الشابي
ما هي أفضل روايات طه حسين؟

عند التساؤل عن مؤلفات طه حسين الأشهر، يتجه الفكر مباشرة إلى أعماله الروائية. التي حملت بصمته الأدبية الفريدة. فعلى الرغم من أن إنتاجه الفكري يغلب عليه الطابع النقدي والفلسفي. إلا أن أعماله الروائية تحتل مكانة خاصة في قلوب القراء، وتعتبر من كلاسيكيات الأدب العربي الحديث.
و يمكن القول إن أفضل روايات الأديب طه حسين هي تلك التي عكست جوانب من حياته الشخصية أو التي تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة. و على رأس هذه الأعمال تأتي سيرته الذاتية الشهيرة “الأيام”، التي ترجمت إلى لغات عديدة ودرست في جامعات عالمية. في هذا العمل يقص طه حسين قصة حياته بصدق مؤثر، متتبع مراحل فقدانه للبصر وصراعه مع العالم الخارجي، ورحلته في طلب العلم. فرواية “الأيام”. نموذج مثالي للسير الذاتية، ويظهر أسلوب طه حسين البليغ والشفاف وقدرته على جعل القارئ يعيش معه كل تفاصيل المعاناة والأمل.
طه حسين الروائي والفيلسوف
لم تقف إنجازات الأديب طه حسين في الرواية على “الأيام” فقط. بل قدم أعمال أخرى. لا تقل أهمية مثل رواية “دعاء الكروان”. في هذه الرواية يتحدث عن قضايا الثأر والشرف في المجتمع المصري، بأسلوب قصصي عميق و يتميز أسلوب طه حسين في هذه الرواية بقدرته على الغوص في أعماق النفس البشرية، ورسم شخصيات معقدة ومتعددة الأبعاد.
كما قدم رواية “شجرة البؤس” التي تكلمت عن الواقع الريفي وقضايا الفقر والمعاناة. و”أديب” التي تعكس صراعات الفكر والأفكار في عقل المثقفين. كل هذه الأعمال تدل على أن الأديب طه حسين لم يكن مجرد كاتب ،بل كان فيلسوف يرى الحياة من زاوية مختلفة، ويستطيع أن يعبر عنها بأفضل الكلمات. على الرغم من أن طه حسين. لم يعرف بكونه روائي بالدرجة الأولى، إلا أن أعماله الروائية. كانت لها تأثير عظيم على الأجيال اللاحقة من الكتاب. لقد فتحت آفاق جديدة في السرد العربي ووضعت معايير جديدة للواقعية في الأدب، فهذه الأعمال تؤكد على أنه كان مبدع حقيقي في مختلف المجالات الأدبية. ولم يكتفي بكونه ناقد أو أكاديمي.[2]
تعرف أيضًا على: أبو القاسم سعد الله
لماذا طرد طه حسين؟
قضية “طرد” طه حسين من أكثر الحوادث جدل في تاريخه، وإن كانت التسمية قد لا تكون دقيقة. فلم يطرد طه حسين بالمعنى الحرفي للكلمة، بل حدثت ضجة كبرى أدت إلى إجباره على الاستقالة من الجامعة. السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة كان صدور كتابه “في الشعر الجاهلي” عام 1926، في هذا الكتاب استخدم الأديب طه حسين. منهج نقدي جريئ. وطبق المنهج الديكارتي الشكي على الشعر الجاهلي.
تعرف أيضًا على: ابو فراس الحمداني
لقد شكك في صحة نسبة بعض القصائد الجاهلية إلى أصحابها، بل وذهب إلى أبعد من ذلك مشكك في وجود بعض الشعراء الجاهليين. معتبر أن الشعر الجاهلي الذي وصل إلينا قد كتب في عصور أخري لأسباب دينية وقبلية. هذه الأفكار الثورية أثارت عاصفة من الغضب في الأوساط الدينية والأكاديمية والسياسية في مصر. لقد اعتبر البعض أن ما جاء به الأديب طه حسين. هو تشكيك في التاريخ الإسلامي، ونسفه للحقائق الدينية. حيث أن الشعر الجاهلي كان يعتبر مرجع أساسي لفهم القرآن الكريم ،فوجهت له اتهامات بالزندقة والإلحاد.
وتصاعدت الحملة ضده مما أدى إلى رفع قضية ضده في المحاكم، وهو ما يعتبر من أبرز الصراعات الفكرية في تاريخ مصر الحديث. رغم أن المحكمة برأته، إلا أن الضغوط الشعبية والسياسية كانت شديدة مما دفع الجامعة المصرية إلى تقديم إنذار له يطلب منه حذف الفصول التي أثارت الجدل. ولكن طه حسين رفض ذلك واعتبره مساس بحرية الفكر والبحث العلمي، ونتيجة لهذه الضغوط قدم طه حسين استقالته من الجامعة. وهي الخطوة التي أظهرت مدى تمسكه بمبادئه الفكرية ورفضه للرضوخ أمام الرأي العام الغاضب. هذا الحدث يلقي الضوء على طبيعة حياة طه حسين. التي كانت مليئة بالتحديات والمواجهات، فقد كان يؤمن بأن الفكر يجب أن يكون حر ومستقل عن أي سلطة.
تعرف أيضًا على: الخليل بن أحمد الفراهيدي يرسم الأوزان: من بحر الشعر إلى علم العَروض
هل طه حسين أديب؟
إن الإجابة على سؤال هل طه حسين أديب؟ لا تكمن في كونه قد كتب أعمال روائية فقط، بل في مدى تأثيره العميق في تشكيل الوعي الأدبي والجمالي في عصره. كان طه حسين قبل كل شيء مفكر وناقد، لكن أسلوب طه حسين. في الكتابة كان بحد ذاته فن رفيع، يجمع بين البلاغة والوضوح والتحليل العميق. كانت كتاباته الفكرية والنقدية لا تقل جمال عن أعماله الروائية، بل كانت تمثل قمة النثر العربي الحديث.
كان يعيد صياغة الجملة العربية بأسلوب سلس وموسيقي، يسهل على القارئ فهم الأفكار المعقدة. لقد كرس الأديب طه حسين. حياته لخدمة الأدب واللغة العربية، وظهر هذا الشغف في كل مؤلفات طه حسين. سواء كانت كتب في النقد، أو الفلسفة أو حتى سيرته الذاتية.
لقد كان يؤمن بأن الأدب ليس مجرد تسلية بل هو أداة للتنوير وطريق للنهضة. و كان يرى أن الأدب يجب أن يعكس الواقع وأن يطرح القضايا الاجتماعية والإنسانية بجرأة وصدق، كان يؤمن بأن الأديب هو وسيلة لتعليم الناس وتثقيفهم ،وأن الأديب له دور اجتماعي وأخلاقي لا يقل أهمية عن دور السياسي أو الأكاديمي. إن قيمة طه حسين الأدبية تتجاوز مجرد كونه كاتب. فهو يعتبر عميد للأدب العربي ليس بسبب عمره، بل لأنه أثر في اتجاهات الأدب العربي الحديث وفتح آفاق جديدة أمام الأجيال اللاحقة. لم يكتفي بالكتابة بل كان يوجه وينصح ويشجع وكان له دور رئيسي في الحركة الثقافية في مصر والوطن العربي، فإن حياة طه حسين. بكل ما فيها من صراعات وانتصارات كانت حياة أديب حقيقي. يرى في الكلمات سلاح وفي الأفكار نور وفي الأدب طريق للحرية.
تعرف أيضًا على: سهيل إدريس ورحلة الكلمات من الرواية إلى القاموس
حياة طه حسين العملية والمهنية
بعد عودته من فرنسا بدأت حياة طه حسين. المهنية تتشكل ببطء، لم تكن طريق مفروش بالورود، بل كانت مليئة بالتحديات التي فرضها عليه أعداء التنوير. بعد حصوله على شهادة الدكتوراه الثانية من السوربون بدأ مشواره الأكاديمي ،حيث عمل أستاذ في الجامعة المصرية، ثم شغل منصب عميد كلية الآداب.
هذه الفترة شهدت صراع كبير بينه وبين السلطة السياسية،فقد كان طه حسين يؤمن بضرورة استقلال الجامعة ورفض التدخلات السياسية في شؤونها، مما أدى إلى تقديمه للاستقالة كثيراً. هذه المواقف الجريئة جعلته يحصل علي تقدير كبير من تلاميذه ومحبيه ،وأكسبته لقب “عميد الأدب العربي” وتنوعت جوائز ومناصب طه حسين. بشكل كبير.
فبالإضافة إلى عمله الأكاديمي. شغل مناصب سياسية رفيعة كان أهمها منصب وزير المعارف (التعليم) في عام 1950. خلال فترة وزارته أطلق شعاره الشهير “التعليم كالماء والهواء” وعمل بجد على تحقيق مجانية التعليم للجميع، فقد كانت هذه الخطوة بمثابة ثورة في النظام التعليمي المصري. وأسست لمبدأ المساواة. في الحصول على الفرص التعليمية. لقد كان يؤمن بأن العلم حق للجميع وليس مقتصر على طبقة معينة.
تعرف أيضًا على: علاء الأسواني إلى المعري رحلة عبر عقول غيّرت الأدب العربي
الجوائز المحلية والدولية التي حصل عليه الأديب طه حسين
- تعليم طه حسين: بعد الدراسة في الأزهر التحق طه حسين بالجامعة المصرية الأهلية. ثم أرسل في بعثة دراسية إلى فرنسا حيث حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون، ثم دبلوم الدراسات العليا من جامعة مونبلييه.
- زواج طه حسين: تزوج من الفرنسية سوزان بريسو التي كانت خير عون له في حياته الشخصية والمهنية. كانت تقرأ له وتكتب ما يمليه وكان يعتبرها “صوتا” له.
- وفاة طه حسين: توفي في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1973. بعد حياة حافلة بالعمل والإنجازات والصراعات تاركا وراءه إرثا فكري وأدبي خالد ودروس في التحدي والصبر والإيمان بقيمة العلم.
تعرف أيضًا على: جرير بين الهجاء والغزل: لسانٌ لا يعرف المهادنة
في نهاية المطاف تبقى قصة الأديب طه حسين. قصة إلهام وتحدي. لقد كان عميد للأدب العربي بفضل إرادته الصلبة وعقله المستنير وشخصيته الجريئة، لقد حارب الجهل والظلام ودافع عن حرية الفكر والتعبير، وقدم للأجيال اللاحقة نموذج للمثقف الملتزم بقضايا أمته. فلم يكن طه حسين مجرد كاتب بل كان مشروع فكري متكامل، اسس مفاهيم الحداثة والتنوير في الثقافة العربية. إن إرثه لا يزال حي وأفكاره لا تزال مصدر إلهام لكل من يسعى إلى التغيير والتقدم.
المراجع
- korea Taha Hussein- بتصرف
- arabworldbooks Taha Hussein-بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

الرئيس فلاديمير بوتين: رئيس روسيا

الملك تحتمس الثالث: الإمبراطور المحارب الذي وسع حدود...

الخليفة المأمون: عصر الذهبي للعلوم والترجمة في بيت...

الفرعون الأنثى حتشبسوت: المرأة التي حكمت مصر كفرعون

الإمبراطور نابليون بونابرت: القائد العسكري العبقري

المهاتما غاندي زعيم المقاومة السلمية

عمر الخيام عالم الرياضيات والشاعر صاحب رباعيات الخيام

الرئيس أبراهام لينكولن رئيس أمريكي ألغى العبودية

أبو نصر الفارابي المعلم الثاني وأبرز فلاسفة الإسلام

الزعيم أحمد عرابي: زعيم الثورة العرابية في مصر

الملك فؤاد الأول: والد الملك فاروق ومؤسس الجامعة

الملك فاروق بن فؤاد: آخر ملوك مصر

فايز المالكي: فنان الكوميديا والرسالة الإنسانية

إلين ديجينيرس مقدمة البرامج التي غزت القلوب بخفة...
