أرسطو: فيلسوف اليونان والمعلم الأول

يعد أرسطو فيلسوف اليونان والمعلم الأول من أعظم العقول في تاريخ الفلسفة، حيث أسس منهجًا علميًا قائمًا على المنطق والبحث العقلي. امتدت إسهاماته لتشمل الفلسفة، السياسة، الأخلاق، والعلوم الطبيعية، فكان له تأثير عميق على الفكر الإنساني استمر لقرون طويلة.
من هو أرسطو؟

جاء إلى العالم الفيلسوف أرسطو في عام 384 قبل الميلاد من المنطقة المقدونية الواقعة شمال شرق اليونان. ونقل إلى أثينا عندما كان في حوالي السابعة عشرة من عمره ليلتحق بأكاديمية أفلاطون. ثم حاز على مكانة رفيعة في ساحة التعليم داخل اليونان. ويصنف أرسطو كأحد أعظم الفلاسفة وأكثرهم تميزًا عبر تاريخ الفلسفة. والد أرسطو يشوماخوس كان طبيبًا للملك المقدوني وتوفي عندما كان أرسطو في العاشرة من عمره، فتولى عمه رعايته وتعليمه. يذكر أن الفتى قضى فترات مع المعلمين في البلاط المقدوني بصفته ابنًا لابن أخ أحد موظفي القصر. أُرسل إلى أثينا للدراسة في أكاديمية أفلاطون عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره، وبقي فيها نحو عشرين سنة. تميز في دراسته وتخرج مبكرًا، ثم عين في هيئة التدريس لتعليم الخطاب والحوار. غادر أثينا للقيام بتجارب ودراسات مستقلة في جزر الأرخبيل اليوناني.
كان أرسطو مؤلفًا لنظام يجمع بين الفلسفة والعلم، فأصبح هذا الإطار مرجعًا لكل من الفقه المسيحي والفكر الفلسفي في العصور الوسطى. وظلت أفكاره تحتل مكانةً هامة في التفكير الغربي رغم ثورات النهضة والإصلاح وعصر التنوير. اتسع نطاقه الفكري ليشمل معظم العلوم والفنون، كما أنه من أوائل من وضع قواعد المنطق الرسمي وصاغ نظامًا مكتملًا ظل يدرّس على مدى قرون. لا تزال دراسات مؤلفاته في الأخلاق، النظرية السياسية، الميتافيزيقيا، وفلسفة العلم تجرى حتى الآن، وتعدّ من أقوى الأصوات في الجدل الفلسفي المعاصر.
أبرز ما يميز الفيلسوف أرسطو هو كونه شخصية بارزة في الفلسفة اليونانية القديمة؛ فقد تعلّم على يد أفلاطون لمدة عشرين سنة، لكنه اشتهر بمعارضته لنظريته حول «الأشكال». كان أرسطو كاتبًا ومحاضرًا ومتعدد الاهتمامات، كما ينسب إليه وضع أول نظامٍ رسميٍ للتفكير. أسس أرسطو مدرسة ليسيوم الفلسفية في أثينا، وقد تركت أعماله بصمة عميقة في الفكر القديم والوسطي، وما زالت تلهم الفلاسفة حتى يومنا هذا.[1]
تعرف أيضًا على: سقراط: أبو الفلسفة الغربية
نبذة عن حياة أرسطو المبكرة
في البداية، ولد أرستوطاليس عام 384 ق.م في بلدة صغيرة تدعى أسطاغيرا بالمقاطعة المقدونية شمال شرق اليونان. ومن هنا جاء لقبه الأسطاغيري. أُرسل إلى أثينا وهو في السابعة عشرة تقريبًا من عمره ليدرس في أكاديمية أفلاطون، التي كانت آنذاك من أبرز مراكز التعليم في العالم اليوناني. استمر ارتباطه بالأكاديمية حتى وفاة أفلاطون عام 347 ق.م. ثم انتقل إلى آسوس في آسيا الصغرى (الساحل الشمالي الغربي لتركيا الحديثة). هناك، واصل نشاطه الفلسفي الذي بدأه في أكاديمية أفلاطون، ومن المحتمل أنه بدأ أيضًا في توسيع بحثه ليشمل البيولوجيا البحرية. أقام في آسوس حوالي ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى جزيرة ليسبوس القريبة من سواحل آسوس. ربما نتيجة وفاة مضيفه هرمياس، حاكم آسوس وصديق أكاديمي. استمر أرسطو في أبحاثه الفلسفية والتجريبية في ليسبوس لمدة عامين، متعاونًا مع ثيوفراسطوس الليسبوسي، أحد أسماء أكاديمية أفلاطون القديمة. خلال هذه الفترة، تزوج من بوثياس، ابنة شقيقة هرمياس، وأنجب منها ابنة حملت اسم والدتها.
تعرف أيضًا على: رائدة الإشعاع ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل
مجالات أعمال أرسطو
إنجازات الفيلسوف أرسطو تركت أثرًا كبيرًا استمرّ قرابة ألفي عام. ما جعله من أبرز الشخصيات التي أثّرت في مسار تاريخ البشرية. وما زالت أفكاره تنعكس في عدة ميادين حتى يومنا هذا؛ ومن أبرز أفكار أرسطو والإنجازات التي حَصَلَ عليها أرسطو ما يلي:
أول منظومة منطقية صاغها أرسطو في الغرب وتعرف باسم الأورغانون؛ فقد كان هو الأول الذي وضع دراسة منهجية للمنطق. ويطلق اليوم على نظامه اسم المنطق القياسي أو المنطق الأرسطي. جمعت مؤلفاته المنطقية في ستة نصوص تعرف مجتمعةً بالأورغانون، وهو مصطلح يشير إلى الآلة. يمكن اعتباره مؤسس علم الأحياء؛ فقد كان أرسطو أول من تناول هذا العلم بأسلوب منهجي، ويعد بذلك أول عالم أحياء في الفلسفة الغربية. اعتمد منهجه على جمع منظم للبيانات، واستخلاص الأنماط، واستنباط التفسيرات الممكنة.
وضع أسس علم النفس؛ فكتبه تعد من أقدم النصوص التي تناولت علم النفس، ولم تعني تلك النصوص الروحانيات بقدر ما ركّزت على علم النفس البيولوجي. وفي مجال الأخلاق، قدّم أرسطو رؤى جديدة أسست لفلسفة حديثة، حيث وفر إجابات عقلانية حول أفضل سبل العيش. ساهم بأفكار متعددة في الفلسفة السياسية إلى جانب كتاباته الأخلاقية التي تركز على الفرد، فكان أرسطو يوجه رسائل إلى المدينة في مؤلفه «السياسة»، موضحًا أن «الإنسان بطبيعته كائن سياسي»، وأن المدينة تُؤسس لتوفير حياة كريمة لهذا النوع من الكائنات.
تعرف أيضًا على: أهم أعمال ابن رشد في الفلسفة والطب والشريعة
أرسطو: المعلم الأول في الفلسفة والعلوم
قدم إسهامات متنوعة في الفكر الاقتصادي؛ فقد حلّل أرسطو أصل المال موضحًا أنه استخدم لتوفير الراحة، وعلى عكس أفلاطون دافع عن حق الملكية الخاصة، معتبرًا أن الملكية تشكّل حافزًا يدفع الأفراد للاحتفاظ بثمار عملهم. ألف أحد أكثر الأعمال تأثيرًا في البلاغة؛ إذ تُعد البلاغة فن الإقناع، وقد نسب إلى أرسطو الفضل في صقل أسس البلاغة وتوجيه مسار النظرية البلاغية من العصور القديمة إلى الآن.
طرح أرسطو عدة نظريات في الفيزياء، وكانت تلك النظريات تعَدّ تفسيرات مقبولة للظواهر التي ناقشها العلماء في الماضي؛ وعلى سبيل المثال، أثبت كلّ من كوبرنيكوس وكبلر أن الأرض تدور حول الشمس، بينما أرسطو كان يقف عكس ذلك بحجة أن الشمس تدور حول الأرض. ومن ضمن كتب أرسطو. كتاب دستور الأثينيين رغم وجود شكوك كثيرة حوله، فقسمه إلى جزأين؛ يتناول الجزء الأول تطور النظام السياسي في أثينا حتى القرن الرابع قبل الميلاد، بينما يشرح الجزء الثاني آلية التنظيم الإداري والسياسي للمدينة في عصر أرسطو، مقدِّمًا شرحًا مفصلاً استند إلى أطروحات مؤرخين سابقة إلى جانب أبحاثه في الوثائق المتاحة بيديه.
يرى أرسطو أن هدف الإنسان الأساسي هو السعادة (اليودايمونيا) أو العيش بصحة جيدة، وقد سمّيت هذه الدراسة تيمنًا بابنه نيكوماخوس، وتستكشف كيف ينبغي للإنسان أن يعيش بطريقة تفضي إلى الرفاهية، كما يجادل بأن الإغفال عن الواجب قد يعد سلوكًا غير أخلاقي. و في السياسة يؤكد أرسطو أن المدينة هي الموطن الطبيعي للإنسان، وأن المجتمع يفوق الأسرة، وهي بدورها تفوق الفرد. تعد مؤلفات أرسطو. في الشعر من أقدم ما كتب في نقد الأدب، حيث وضع قواعد لتكوين الدراما استنادًا إلى تحليل مسرحيات سوفوكليس وإوربيدس والشعر الملحمي، وكانت الدراما محورًا أساسيًا في الثقافة اليونانية القديمة. [2]
تعرف أيضًا على: كيف ساهم ابن الهيثم والضوء في تطور علم البصريات؟
أهم مؤلفات أرسطو
أصبح أرسطو معروفًا بإنجاز ألف عمل، وقد وصلنا جزء كبير من مؤلفاته. سواء تلك التي اشتهرت في الغرب أو التي ترجمت إلى العربية على يد الفلاسفة العرب الذين أبدوا اهتمامًا كبيرًا بهذا الفيلسوف الموقر، ويمكن ترتيب أهم كتبه على النحو التالي:
- المنطق: في زمن أرسطو لم يستعمل هذا المصطلح، بل كان يطلق على هذه الفكرة اسم «الأورغانون» أي الأداة الذهنية. ومن أبرز مؤلفاته المنطقية: المقولات، العبارة، التحليلات، الجدل، الأغاليط (المعروفة أيضًا بتفنيد السفسطة).
- المعرفة: في هذا المجال توجد المؤلفات الآتية: ما بعد الطبيعة، الطبيعة (أو السمع الطبيعي)، السماء، الكون والفساد، الظواهر العلوية (أو الظواهر الجوية)، النفس، الطبيعيات الصغرى، تاريخ الحيوان، أعضائه، توالد الحيوان، مشيه.
- الأخلاق والسياسية: في هذا الحقل توجد الكتب التالية: الأخلاق الكبرى، الأخلاق إلى أوديموس، الأخلاق إلى نيقوماخوس، السياسة، النظم السياسية.
- الفن: لم تصلنا مؤلفات أرسطو المرتبة في الفنون باستثناء اثنين فقط الخطابة، الشعر.
يمكن القول إن فكر أرسطو. ظل يسيطر على العلوم البشرية لأكثر من قرنين. وقد ترجمت مؤلفاته إلى أغلب لغات العالم، وكان العرب يطلقون عليه لقب المعلم الأول، بينما في الغرب استمرت فلسفته في انتشاره كمرجعية حتى القرن السادس عشر. ويعزى إليه إرساء أسس علم الأخلاق، والسياسة، والمنطق. فضلاً عن تأسيسه لـ«المنطق الصوري» الذي لا يزال يؤدي دوره في مسيرة تطور المعرفة البشرية حتى اليوم.
ما سبب وفاة أرسطو؟
وفاة أرسطو فرّ أرسطو من أثينا إلى خالكيدس، المدينة اليونانية الواقعة في إقليم يوبويا. كي يجنّ نفسه من المصير الذي حل بسقراط بعد سقوط الحكومة المقدونية. متى توفي أرسطو؟ في عام 322 قبل الميلاد، أصيب أرسطو بمرض في جهازه الهضمي وتوفي هناك عن عمر يقترب من ثلاثة وستين سنة. ومع مرور الزمن صارت مؤلفات أرسطو قاعدة لأكثر من سبعة قرون من الفلسفة.
تعرف أيضًا على: متى ولد الخوارزمي ومتى مات؟ تعرف على التواريخ المهمة
في الختام، إن مكانة أرسطو. كـ المعلم الأول لم تأتِ من فراغ. بل من عطائه الفكري الهائل الذي وضع أسسًا للفكر الفلسفي والعلمي. وستبقى آراؤه وإبداعاته مصدر إلهام للباحثين والمهتمين بالفلسفة عبر العصور. إن إرثه الفكري يتجاوز حدود عصره، فمن خلال أكاديميته التي خرجت أجيالًا من المفكرين. أسس لمنهجية بحثية تعتمد على الملاحظة والتجربة، وهو ما كان له بالغ الأثر في تطور العلوم الحديثة. وهكذا، يظل أرسطو ليس مجرد فيلسوف، بل رمزًا للعقلانية والبحث عن الحقيقة.
المراجع
- Ucmp Aristotle (384-322 B.C.E.)- بتصرف
- The collector Aristotle’s 6 Most Important Works_بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

الرئيس السابق جو بايدن: الرئيس السادس والأربعون للولايات...

العالم الإدريسي: جغرافي مسلم

الإمام السيوطي: جلال الدين

ابن النفيس: مكتشف الدورة الدموية الصغرى

سقراط: أبو الفلسفة الغربية

كارل ماركس: فيلسوف ألماني ومؤسس النظرية الشيوعية

ملك مصر رمسيس الثاني: أعظم فراعنة مصر

مؤسس الأسرة الثامنة عشرة أحمس الأول: محرر مصر...

رائدة الإشعاع ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة...

أهم الشخصيات التاريخية الإسلامية

أهم أعمال ابن رشد في الفلسفة والطب والشريعة

تشي جيفارا: الثوري الأيقونة

جوزيف ستالين: زعيم الاتحاد السوفيتي

أبو الريحان البيروني: موسوعة علمية
