فرديناند ماجلان: أول من دار حول الكرة الأرضية

يعد فرديناند ماجلان واحدًا من أعظم المستكشفين في التاريخ، فهو القائد الذي ارتبط اسمه بأول رحلة كاملة حول الكرة الأرضية. انطلق ماجلان في مغامرة بحرية جريئة قادته لعبور المحيطات واكتشاف مضيق ما زال يحمل اسمه، ليضع بصمة خالدة في تاريخ الجغرافيا والملاحة.

من هو فرديناند ماجلان؟

 فرديناند ماجلان هو رحّالة ومستكشف برتغالي، فقد حقق عددًا من الإنجازات البارزة. من بينها قيادة البعثة الأوروبية الأولى التي دارت حول العالم. كما يعَد أول أوروبي يخوض عبورًا للمحيطين الأطلسي والهادئ عقب رحلة بحرية طويلة اصطادت خلالها العديد من الصعوبات والعقبات.

ولادة ماجلان ونشأته

ولد فرديناند ماجلان في إحدى القرى البرتغالية تقريبا عام 1480م. ثم تم تعيينه كوصيف في ديوان الملكة المقصود بمدينة لشبونة. فقد فارق والده وعمه وهو لا يزال في سن الصبا؛ وكانا من سلالة نبلاء برتغاليين تحظى بعلاقات ذات وزن كبير. انطلقت مسيرة ماجلان في مجال الاستكشاف والترحال عام 1505م عندما تم إرساله لتقوية الجيوش البرتغالية في الهند. ومن ثم شارك في عدة بعثات إلى الهند وإفريقيا، وصولًا إلى غزو مدينة مالقة وغيرها من المراكز الحضرية الكبرى. [1]

تعرف أيضًا على: أهم أعمال ابن رشد في الفلسفة والطب والشريعة

مغامرات ماجلان ورحلاته الكبرى

انضم فرديناند ماجلان إلى الأسطول البرتغالي في عام 1505م. عندما بدأ الأسطول مسيره نحو سواحل إفريقيا والهند لمراقبة النفوذ البحري الإسلامي هناك ولتثبيت وجود برتغالي قوي. كان القائد الأعلى للأسطول النائب الأول فرانسيسكو دي ألميدا، واستمرت الرحلة مدة سبع سنوات، وخاض البرتغاليون خلالها معارك متعددة، وأسّسوا حصنًا على شواطئ موزنبيق عام 1506م. شارك ماجلان في معركة ديو الكبرى عام 1509م. حيث حطم البرتغاليون أسطولًا إسلاميًا، ما عزز سيطرتهم على أغلب سواحل المحيط الهندي. كما خاض معارك أخرى أحرز من خلالها مكاسب، مثل غزو مالقة الذي مهد فتح طرق تجارية آمنة، واكتشاف جزر مالوكو، المعروفة اليوم بجزر التوابل في إندونيسيا.

واعتبر ذلك انتصارًا كبيرًا فتح عبره مسارات نقل الثروات الشرقية إلى الغرب. لتسجل ضمن رحلات ماجلان الشهيرة ومغامراته. وبأمر من الملك البرتغالي مانويل، انخرط ماجلان في الحملة العسكرية البرتغالية الضخمة الموجهة إلى المغرب عام 1513م. وجمعت لتلك الحملة نحو 500 سفينة و15000 جندي، واتجهوا إلى المغرب بعدما رفض الحاكم المحلي دفع الجزية السنوية للإمبراطورية البرتغالية. أعلن البرتغاليون نصرهم على القوات المغربية بعد معركة أصاب فيها ماجلان بجروح خطيرة تركت أثرًا مستمرًا على صحته طوال حياته، فظل في المغرب لوقتٍ من الزمن ليستعيد عافيته من تلك الإصابات.

تعرف أيضًا على: رائدة الإشعاع ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل

ماذا اكتشف ماجلان في رحلته؟

خلال رحلته، اكتشف فرديناند ماجلان. مَضيقاً يحمل اسمه يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وكان هو أول من عبَر البحر الهادئ وسماه بهذا الاسم. وعلى الرغم من مقتله في الفلبين عام 1521م قبل إتمام المسار، فإن طاقمه هو الذي أتم أول دورة مكتملة حول الأرض عندما عادت سفينته فيكتوريا إلى إسبانيا سنة 1522م.

في القرن الخامس عشر، ارتفعت قيمة التوابل إلى مستويات اقتصادية مرتفعة، مما جعل دول أوروبا تتنازع على اكتشاف سبل الوصول إلى جزر التوابل. إذ لم يكن من الممكن زراعتها في مناخ أوروبا القارس والجاف. لهذا السبب وضع المستكشف البرتغالي فرناندو ماجلان خطة للاتجاه غربيًا صوب تلك الجزر، ليصبح أول من يقترح استكشاف الجانب المقابل من الكرة الأرضية عبر مسارٍ معاكس للوصول إلى الجزر. إلا أن الملك البرتغالي مانويل رفض فكرته مرارًا وتكرارًا، بينما تشتد المنافسة بين البرتغال وإسبانيا للسيطرة على طرق التوابل. كان ماجلان عازمًا على إنجاز مشروع غير مسبوق على الصعيد العالمي. على إثر هذا الرفض قرر ماجلان المضي قدمًا نحو تنفيذ فكرته.

تعرف أيضًا على: سقراط: أبو الفلسفة الغربية

رحلة ماجلان التحضير والانطلاقة

فترك البرتغال متخلّي عن جنسيته وتوجه إلى إشبيلية الإسبانية في عام 1517م. وفي العام نفسه ارتبط ببراتييز باربوسا. وهي ابنة أحد المسؤولين المحليين. كان طموحه أن يتقن تمويل رحلته من الملك تشارلز الخامس، حفيد الملكة إزابيلا التي دعمت حملة كولومبوس الشهيرة. استقر ماجلان في إسبانيا وحوّل اسمه من البرتغالية فيرناو إلى الإسبانية ليصبح فيرناندو. بعد عامين من دراسة دقيقة للخرائط البحرية ومحاولة تصحيح أخطاء المستكشفين السابقين، وافق الملك تشارلز الخامس على تمويل رحلته، فاتحًا بذلك مسارًا لإسبانيا يتجه غربًا إلى جزر التوابل متجاوزًا الطرق الشرقية التي يتبعها البرتغاليون.

ودّع ماجلان زوجته وطفله الرضيع، وانطلقت رحلته في العاشر من أغسطس 1519م، مستندًا إلى خمس سفن محملة بالمؤن وكان على متنها نحو 270 جندياً، ومن بينها سفينته “تريناداد”. غادرت السفن ميناء إشبيلية وعبرت فوق المحيط الأطلسي. ثم اندلع تمرد قادته قادة اثنان أعلنوا فيه انقلابًا على القائد ماجلان، إلا أن العسكر أظهر ولاءً له ورفضوا الانصياع، فانهار التمرد سريعًا. استأنفت الرحلة بعدما نجت إحدى السفن من عاصفة شديدة دون أن يصاب أحد من طاقمها، فقرر ماجلان اتخاذ الحيطة والانتظار في ميناء سان جوليان لمدة خمسة أشهر. عقب ذلك شقت أربع سفن ممرًا مائيًا طويلًا يعرف اليوم باسم مضيق ماجلان. رجعت إحدى السفن إلى إسبانيا، بينما دخلت السفن الثلاث المتبقية إلى ما أسماه ماجلان المحيط الهادئ، نظراً لسكون مياهه بعد العواصف والاضطرابات.

وبعد أربعة عشر أسبوعًا من الإبحار في المحيط الهادئ، وعلى الرغم من ندر الإمدادات وإصابة بعض أفراد الأسطول بالأمراض وفقدان آخرين أرواحهم، وصل الأسطول إلى جزيرة غوام الواقعة في غرب المحيط الهادئ، ثم استأنفوا مسيرتهم حتى رست سفنهم على سواحل الفلبين. [2]

تعرف أيضًا على: أرسطو: فيلسوف اليونان والمعلم الأول

هل اكتشف فرديناند ماجلان أن الأرض كروية؟

كيف برهن ماجلان على أن الأرض كروية؟ كان هدف ماجلان إثبات كروية الكوكب للرد على من يدّعون أن الأرض مسطّحة، وقد نجح في تحقيق ذلك عبر رحلته التي بدأها عام 1519م. اختار مساراً غربياً من إسبانيا إلى الفلبين، متجاوزاً المحيط الأطلسي ثم الهادئ، متفادياً المرور عبر المحيط الهندي من الشرق. سعى ماجلان لإظهار أن الأرض كروية من خلال إبحاره المعاكس لدوران الأرض اليومي؛ فانتقل من الأطلسي إلى الهادئ ثم إلى الهندي، ليكمِل دورةً كاملةً حول الكرة الأرضية. أثناء سعيه لاستكشاف جزر التوابل في إندونيسيا، كان يعتقد أن الاتجاه الغربي عبر الأطلسي إلى إندونيسيا أكثر فاعلية من الاتجاه الشرقي عبر الهندي، فاستغلت الرحلة ما يقارب الثلاث سنوات، من 1519م وحتى 1522م، وشهدت العديد من الأحداث والعقبات، منها ما يلي:

انطلاقة الرحلة والتحديات الأولية

انطلق فرديناند ماجلان عام 1519 من إسبانيا بخمس سفن، بهدف إيجاد طريق جديد إلى جزر التوابل. واجهت البعثة تحديات كبيرة في أمريكا الجنوبية. حيث أدت الظروف الجوية القاسية إلى توقفهم لأشهر في الأرجنتين. تسبب هذا التأخير في تمرد جزء من الطاقم، مما اضطر ماجلان إلى التعامل مع هذه الأزمة بصرامة للحفاظ على سلطته وسلامة الرحلة.

عبور المحيط الهادئ ووفاة ماجلان

بعد تجاوز التمرد وإعادة تنظيم الطاقم، واصل ماجلان رحلته غربًا، واكتشف المضيق الذي يحمل اسمه حاليًا (مضيق ماجلان). مما سمح له بالعبور من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. بعد أشهر طويلة من الإبحار في المحيط الهادئ، وصلوا إلى الفلبين. وفي معركة مع السكان المحليين هناك، توفي ماجلان عام 1521 قبل أن يتمكن من إتمام رحلته حول العالم.

إتمام الرحلة وإثبات كروية الأرض

بعد وفاة ماجلان، واصل القادة المتبقون الرحلة، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة، عادت سفينة واحدة فقط إلى إسبانيا عام 1522. كانت عودة هذه السفينة، فيكتوريا. أول رحلة ناجحة لإتمام الدوران حول الأرض. وقد أثبتت هذه العودة بشكل قاطع صحة نظرية ماجلان بشأن كروية الأرض، مما شكل إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق.

تعرف أيضًا على: الفارسي البيروني: عالم مسلم

وفاة فرديناند ماجلان

وعن وفاة الرحالة ماجلان. توفي الرحالة ماجلان بعد أن أقام صداقات مع الفلبينيين، ووافق على تجنيد بعضهم لمواجهة السكان الأصليين الذين كان يحكمهم القائد لابولابو. خلال معركة ماكتان عام 1521م سقط ماجلان ضحية لابولابو، فيما نجا عدد من جنوده. في عام 1522م، نجحت سفينة فيكتوريا في العودة إلى إشبيلية محملة بالتوابل، وعلى متنها 18 من الناجين من أسطول ماجلان. وقدمت هذه الرحلة الطموحة مجموعةً من الخرائط التي أعدها ماجلان، والتي اعتبرت دليلاً على كروية الأرض من خلال توجهه الغربي ووصوله إلى جزر التوابل، مما يجعل أسطول ماجلان أول من يتم دورةً كاملةً حول العالم.

تعرف أيضًا على: إسحاق نيوتن: مكتشف الجاذبية وقوانين الحركة

في الختام، رحلة فرديناند ماجلان. لم تكن مجرد عبور بحري، بل إنجاز عالمي أثبت كروية الأرض وغيّر مسارات التجارة والاكتشاف. ورغم أنه لم يكمل الرحلة بنفسه، فإن إرثه ظل شاهدًا على شجاعة الإنسان وإصراره على تجاوز حدود المجهول. كانت رحلته بمثابة حجر الزاوية في عصر الاستكشاف، ففتحت آفاقًا جديدة للمعرفة البشرية وألهمت أجيالاً من المستكشفين والعلماء. فمن خلال عبوره للمحيط الهادئ. الذي سمّاه “السلمي” (Pacifico)، كشف ماجلان عن حجم العالم الحقيقي وأظهر أن ما كان يُعدّ مستحيلاً هو في الحقيقة ممكن. وبذلك، لم يترك وراءه مجرد مسار على خريطة، بل إثباتًا قاطعًا على أن روح المغامرة البشرية لا حدود لها، وأن المعرفة تأتي دائمًا من قلب التجربة والمخاطرة.

• Linda hall Ferdinand Magellan_بتصرف
• National geographic Magellan was first to sail around the world, right?_بتصرف

مشاركة المقال

وسوم