الإمام أحمد بن حنبل: إمام أهل السنة

يعتبر الإمام أحمد بن حنبل. واحد من أبرز أعلام الفقه والحديث في تاريخ الإسلام، بل هو أحد أئمة المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة. لم تقتصر شهرته على علمه الغزير، بل امتدت لتشمل موقفه الثابت والراسخ في وجه المحنة التي تعرض لها والتي أظهرت مدى قوته وإيمانه. لقد كان رمز للصبر والتضحية في سبيل العقيدة، وهو ما جعل منه قدوة للمسلمين على مر العصور وشاهد على أن الحق لا يقهر بالظلم.

ما هي قصة الإمام أحمد بن حنبل؟

تبدأ قصة الإمام أحمد بن حنبل في بغداد، حيث ولد الإمام عام 164 هـ. وذلك مثلما تشير كتب التاريخ في إجابتها على تساؤل: متى ولد الإمام أحمد بن حنبل. كانت حياته منذ صغره مليئة بالجد والاجتهاد، حيث فقد والده وهو في سن مبكرة مما جعله يعيش حياة بسيطة ومعتمدة على ذاته و بدأ طلبه للعلم في سن الخامسة عشرة. وأظهر شغف لا مثيل له، حيث كان يحضر حلقات كبار العلماء في بغداد.  ويعرف عنه أنه كان يكتب كل ما يسمعه ويراجع ما يكتبه مرات ومرات حتى يثبت في ذاكرته فهذه البداية الصارمة شكلت شخصيته العلمية الفريدة التي ستظهر لاحقاً في محنته.

لم يكتفي بالعلم الذي كان متوفر في بغداد، بل انطلق في رحلة واسعة وطويلة لطلب الحديث. حيث سافر كثيراً بحثاً عن العلم وسافر إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة المنورة واليمن وسوريا، وغيرها من البلدان الإسلامية وذلك لكي يلتقي بكبار العلماء ويأخذ عنهم العلم مباشرة. كان يتمتع بذاكرة فذة وقدرة استثنائية على الحفظ، مما مكنه من جمع مئات الآلاف من الأحاديث النبوية. ومن أبرز شيوخ الإمام أحمد بن حنبل. الذين تتلمذ على أيديهم: الإمام الشافعي الذي تعلم منه الفقه ووكيع بن الجراح وسفيان بن عيينة.

كان يأخذ العلم منهم ولكن في نفس الوقت كان يتميز بشخصيته المستقلة وقدرته على استنباط الأحكام الشرعية بنفسه. لقد كان يعرف بورعه وزهده وتقشفه، وهو ما جعله محبوب بين الناس ومثال يحتذى به في الأخلاق والتواضع.

كان يرفض المناصب الرسمية والمال الذي يأتيه من الحكام وكان يفضل العيش من كسب يده. حيث كان يعمل في التجارة فهذه الحياة البسيطة والمتواضعة التي عاشها جعلته أكثر قرب من عامة الناس وأكسبته احترام كبير، وهو ما ساهم في تقوية مكانته كإمام عظيم ليس فقط في العلم بل في السلوك والأخلاق أيضاً.[1]

تعرف أيضًا على: جريزمان مع منتخب فرنسا: يورو 2016 وكأس العالم

ما هو سبب تعذيب الإمام أحمد بن حنبل؟

يعود سبب تعذيب الإمام أحمد بن حنبل. إلى ما يعرف بـ”فتنة خلق القرآن” فكانت هذه الفتنة تمثل صراع فكري بين فريقين: المعتزلة الذين كانوا يؤمنون بأن القرآن مخلوق بناء على مفهومهم للتوحيد وأن الله لا يشاركه في الأزلية شيء.  وبين أهل السنة والجماعة الذين كانوا يؤمنون بأن القرآن كلام الله غير مخلوق بل هو صفة من صفات الله الأزلية.

و في عهد الخليفة المأمون تبنى الخليفة رأي المعتزلة وأراد أن يفرضه على جميع العلماء لكي يثبت وحدة الدولة تحت راية فكرية واحدة. فكان هذا الموقف يمثل محاولة لفرض فكرة سياسية وعقائدية على العلماء. لقد رفض إتباع  رأي الخليفة. وأصر على موقفه. بأن القرآن كلام الله غير مخلوق و كان هذا الرفض يمثل تحدي مباشر لسلطة الخليفة، وهو ما أدى إلى تعرضه للحبس والتعذيب.

كان الخليفة يريد منه أن يوافق على رأيه أمام الناس لكي يؤكد شرعية موقفه ولكنه. أظهر ثبات لم يسبق له مثيل حيث قال: “أعطوني آية من كتاب الله أو حديثاً عن رسول الله، فأجيبكم” وهو ما يدل على أنه كان يطلب الدليل الشرعي وليس رأي شخصي. لم يكن تعذيبه جسدي فقط بل كان معنوي أيضا. حيث تعرض للجلد في السجن ووضعت القيود على قدميه، كما أن من هو الخليفة الذي حبس الإمام أحمد بن حنبل؟ ليس شخص واحد.

فلقد تم سجنه وتعذيبه في عهد ثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم المأمون والمعتصم والواثق وكل خليفة كان يحاول أن يفرض عليه رأيه. ولكنه كان يرفض باستمرار وهو ما جعله رمز للصمود في وجه الظلم وقد أصبح موقفه مصدر إلهام للمسلمين في كل زمان ومكان.[2]

تعرف أيضًا على: يوليوس قيصر: القائد الروماني الأشهر

هل أحمد بن حنبل فارسي؟

الجواب على هذا السؤال هو لا فـ الإمام أحمد بن حنبل. لم يكن فارسي بل كانت أصوله عربية خالصة. حيث ينسب إلى قبيلة شيبان العربية التي كانت من القبائل العريقة في الجزيرة العربية ثم استوطن أجداده مدينة مرو ومنها انتقلوا إلى بغداد. إن نسبه الكامل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي. وقد ولد ونشأ في بغداد. ولكنه لم يكن فارسي في أصوله بل كان من العرب الذين عاشوا في بغداد في ذلك العصر. وقد كانت بغداد مركز ثقافي يجمع بين العرب والفرس والأتراك وغيرهم من الشعوب.

تعرف أيضًا على: مصطفى كمال أتاتورك: مؤسس تركيا الحديثة

 فمن أبرز من أشهر تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل نجد

• ابناه، عبد الله وصالح اللذان كانا من أهم الرواة مسنده وعلومه.
• أبو داود السجستاني صاحب السنن.
• الإمام البخاري صاحب الصحيح الذي كان يكن له كل الاحترام ويروي عن تلاميذه.
• الإمام مسلم صاحب الصحيح الذي روى عن تلاميذه أيضا.
• أبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي وهما من أئمة الحديث الكبار.

لقد أثرت شخصية الإمام أحمد بن حنبل. على تلاميذه بشكل كبير. فقد كان علمه وورعه وزهده وصبره على المحنة، مثال يحتذى به. لم يكن مجرد عالم حديث. بل كان أيضا فقيه وداعي وهو ما جعل من مذهبه الفقهي مذهب له أتباع في جميع أنحاء العالم فكانت حياته مليئة بالصبر والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق.

تعرف أيضًا على: ملك مقدونيا الإسكندر الأكبر القائد الذي غزا العالم

من هو الخليفة الذي حبس الإمام أحمد بن حنبل؟

كما ذكرنا سابقاً لم يكن هناك خليفة واحد فقط هو الذي حبس الإمام أحمد بن حنبل بل كان هناك ثلاثة خلفاء على التوالي:

• الخليفة المأمون: هو أول من أمر بحبسه. حيث تم استدعاؤه من بغداد وتم اقتياده إلى المأمون ولكن المأمون توفي قبل أن يلتقي به.
• الخليفة المعتصم: استمر في سياسة المأمون. حيث تم استجوابه وتعذيبه بالجلد لكي يوافق على أن القرآن مخلوق ولكن الإمام رفض وأظهر صمود كبير وهو ما أدهش الخليفة.
• الخليفة الواثق: استمر في تعذيبه. وتم نفيه من بغداد ولكن بعد وفاة الواثق انتهت فتنة خلق القرآن.

تعرف أيضًا على: السلطان عبد الحميد الثاني: آخر السلاطين الأقوياء

لقد كان مثال للصبر والثبات في وجه الظلم، ورغم التعذيب لم يتغير موقفة. فقد كان يؤمن بأن إيمانه أهم من حياته وهو ما جعله يرفض الانصياع لضغط الخلفاء. أما عن كيف مات الإمام أحمد بن حنبل. فقد توفي في منزله في بغداد بعد أن عاش حياة طويلة مليئة بالعمل والجهادر توفي في 12 ربيع الأول من عام 241 هـ. وهو ما يؤكد عليه تساؤل: متى توفي الإمام أحمد بن حنبل بالهجري. كانت جنازته حدث مهيب حيث حضرها مئات الآلاف من الناس وهو ما يدل على مكانته الكبيرة في قلوب المسلمين.

تعرف أيضًا على: الأم تريزا: قديسة الفقراء

في الختام كان الإمام أحمد بن حنبل. رمز للصمود في وجه الظلم وعلامة فارقة في تاريخ الإسلام فقد أثبت أن العلم والإيمانر. يمكنهما أن يواجها أي قوة، وأن الحق لا يموت. ورغم كل ما تعرض له. فقد ظل يدافع عن مبادئه ويورث للأجيال القادمة إرث من العلم والتقوى.

• Britannica Aḥmad ibn Ḥanbal- بتصرف
• iqranetwork Imam Ahmad ibn Hanbal : The Defender of Faith and Hadith-بتصرف

مشاركة المقال

وسوم