روبرت أوبنهايمر بين العلم والجدل الأخلاقي

روبرت أوبنهايمر اسم لا يمكن فصله عن أعظم إنجاز علمي وأكبر مأساة أخلاقية في القرن العشرين. فإنه ليس مجرد فيزيائي نظري بل هو الأب الروحي للقنبلة الذرية الرجل الذي قاد فريق من ألمع العقول العلمية في العالم لإطلاق العنان لقوة لم يسبق لها مثيل. كانت حياته رحلة متناقضة قادته من مجد العبقرية العلمية إلى أتون الجدل السياسي والضغوط الأخلاقية.

ماذا فعل روبرت اوبنهايمر؟

تتلخص أهم أعمال وإنجازات روبرت أوبنهايمر التي تركت بصمة لا تمحى في التاريخ في عدة نقاط محورية منها

إسهاماته في الفيزياء النظرية

قبل انضمامه لمشروع القنبلة الذرية كان روبرت أوبنهايمر فيزيائي نظري مشهور. عمل على حل العديد من المشكلات المعقدة في ميكانيكا الكم. وقدم مساهمات مهمة في نظرية الجسيمات الأولية. أدخل مفهوم “الأنفاق الكمومية” التي تشرح سلوك الجسيمات على المستوى الذري وله أيضًا أعمال نظرية حول الثقوب السوداء.

قيادة مشروع مانهاتن

فيعرف روبرت أوبنهايمر بأنه المدير العلمي لمشروع مانهاتن وهو المشروع السري. الذي أسسته الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. لتطوير أول قنبلة ذرية. تم تعيينه لقيادة المختبر السري في لوس ألاموس و نيو مكسيكو حيث قام بجمع وتنسيق فريق من ألمع العقول العلمية في العالم. كان دوره حاسم في تحويل النظرية العلمية. إلى سلاح حقيقي وتميز بقدرته على القيادة في ظل ضغط هائل وسباق مع الزمن.

إشرافه على اختبارات وتطبيقات القنبلة

فبعد سنوات من العمل المتواصل أثمرت جهوده عن أول انفجار ذري في العالم. أشرف على اختبار “ترينيتي” في يوليو 1945 وهو أول تفجير نووي تجريبي. بعد شهر واحد فقط تم استخدام القنابل الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين مما أدى إلى استسلام اليابان وإنهاء الحرب العالمية الثانية.

نشاطه ما بعد الحرب

فبعد أن أصبح بطل قومي تحول روبرت أوبنهايمر إلى صوت معارض لسباق التسلح النووي. أصبح مستشارًا للجنة الطاقة الذرية الأمريكية. وحاول وضع قيود على تطوير الأسلحة النووية. تحدث علانية عن المخاطر الأخلاقية والسياسية للأسلحة النووية وحذر من عواقبها المدمرة مما وضعه في مواجهة مع المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة.[1]

تعرف أيضًا على: بول ديراك: عبقرية الرياضيات والفيزياء النظرية

ماذا قال اينشتاين عن اوبنهايمر؟

لم تكن العلاقة بين ألبرت آينشتاين وروبرت أوبنهايمر علاقة عمل مباشرة بل كانت علاقة احترام متبادل يختلط بها الجدل الفلسفي. فكان آينشتاين بصفته عالم ألماني مهاجر فقد حث الولايات المتحدة على تطوير القنبلة الذرية في البداية خوف من أن يسبقهم الألمان ولكنه أصبح فيما بعد معارض صريح للأسلحة النووية.

 أما روبرت أوبنهايمر فكان هو المهندس الذي جعل ذلك الحلم حقيقة. فيروى أن آينشتاين قد قام بتصريح شهير حول أوبنهايمر. بعد أن تم سحب تصريحه الأمني خلال حقبة المكارثية فقد نصحه مساعده بالوقوف بجانب أوبنهايمر والدفاع عنه لكن آينشتاين أجاب: “لا جدوى من ذلك إنه أحمق. لقد فعل ما فعله من أجل الحكومة ومع ذلك ذهب إلى واشنطن فكان يجب أن يبقى في منزله”.

تعرف أيضًا على: إيلون ماسك: رائد تسلا وسبيس إكس الذي يقود ثورة التكنولوجيا والفضاء

 فلم يكن آينشتاين يشكك في عبقرية روبرت أوبنهايمر. بل كان يرى أن قراره بالتعاون مع الحكومة والذهاب إلى العاصمة للدفاع عن نفسه. كان ساذج وأنه كان يجب عليه أن يرفض هذا الإجراء منذ البداية.

كانت الفلسفة مختلفة بين الرجلين فآينشتاين كان فيلسوف وناشط للسلام بينما كان روبرت أوبنهايمر. عملي ووطني يعتقد أن العمل من أجل بلاده هو واجبه. فكانت رؤية آينشتاين للحياة أكثر عمق فقد كان يرى أن العلم يجب أن يخدم الإنسانية وليس أن يستخدم في إبادة البشر. أما أوبنهايمر فقد عاش حياته كشخصية مأساوية حاول أن يوازن بين دوره كعالم يخدم وطنه. وبين ضميره الذي يؤنبه على ما تسببت به أعماله من دمار.[2]

تعرف أيضًا على: جيف بيزوس: مؤسس أمازون ورائد التجارة الإلكترونية واستكشاف الفضاء

ما هي قصة روبرت أوبنهايمر؟

روبرت أوبنهايمر تاريخ ومكان الميلاد هو 22 أبريل 1904 في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة و نشأ في عائلة ثرية من اليهود الألمان. وكان طفل موهوب جدًا يظهر شغف بالعلوم واللغات والفلسفة. فبعد دراسته في جامعة هارفارد سافر إلى أوروبا للدراسة على يد أبرز الفيزيائيين في عصره مما مكنه من أن يصبح أحد أهم الفيزيائيين النظريين في العالم.

عند عودته إلى الولايات المتحدة أصبح أستاذ في جامعة كاليفورنيا ببيركلي ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وأصبح شخصية محورية في مجتمع الفيزياء الأمريكي. فكانت حياته تأخذ منعطف حاد عندما انضم إلى مشروع مانهاتن.

تعرف أيضًا على: جيمس كليرك ماكسويل: من معادلات الضوء إلى ثورة الفيزياء الحديثة

فقد كان روبرت أوبنهايمر بعبقريته الفذة وقدرته على التواصل الخيار الأمثل لقيادة المشروع فخلال سنوات الحرب. قاد فريق من العلماء في سباق محموم ضد الزمن وكان الضغط كبير بعد نجاح المشروع واستخدام القنابل على اليابان أصبح أوبنهايمر بطل قومي لكن هذا المجد لم يدم طويلاً.

بعد الحرب أصبح روبرت أوبنهايمر صوت معارض لسباق التسلح النووي. مما جعله محط شكوك من قبل المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة ففي عام 1954 تم سحب تصريحه الأمني في جلسة استماع مثيرة للجدل واتهم بالتعاطف مع الشيوعية. هذه الجلسة كانت بمثابة وصمة عار في حياته حيث تم تهميشه ومنعه من المشاركة في أي من مشاريع الحكومة فهذه القصة تظهر الجانب المأساوي في حياة روبرت أوبنهايمر حيث تحول من بطل وطني إلى شخصية منبوذة.

تعرف أيضًا على: تيخو براهي: رائد الفلك الدقيق في عصر النهضة

كيف مات أوبنهايمر؟

روبرت أوبنهايمر تاريخ ومكان الوفاة هو 18 فبراير 1967 في مدينة برينستون نيوجيرسي و كانت سبب وفاته هو سرطان الحلق الذي يعتقد أنه كان نتيجة لتدخينه المفرط طوال حياته فعلى الرغم من أن وفاته جاءت نتيجة لمرض جسدي إلا أنها كانت نهاية لحياة مليئة بالصراعات النفسية والجدل الأخلاقي.

بعد أن تم سحب تصريحه الأمني عاد أوبنهايمر إلى حياته الأكاديمية في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون. لكنه لم يعد هو الشخص نفسه الذي كان في قمة مجده فخلال سنواته الأخيرة كان روبرت أوبنهايمر. يعيش في شبه عزلة محاط بمجموعة من الأصدقاء والزملاء الذين ظلوا مخلصين له فكان يكتب ويتأمل في الأبعاد الأخلاقية للعلم.

الإرث والضمير أوبنهايمر كرمز للجدل الأخلاقي النووي

من بين كتب روبرت أوبنهايمر التي تعكس هذا الجانب من شخصيته. كتاب “العلم والفهم العام” الذي يعكس رؤيته حول دور العلماء في المجتمع فكان يحاول أن ينقل رسالته إلى الأجيال القادمة ويحذرهم من خطر سباق التسلح النووي فقد كان يرى أن العلم يجب أن يكون أداة لخدمة الإنسانية، وليس لتدميرها.

على الرغم من وفاته استمر إرثه في إثارة الجدل ففي عام 2022 تم إلغاء قرار سحب تصريحه الأمني مما اعتبره الكثيرون بمثابة رد اعتبار له وإن جاء متأخر فقد أصبح روبرت أوبنهايمر. رمز للعالم الذي يجد نفسه في مواجهة نتائج عمله ويظهر للعالم أن العبقرية العلمية ليست كافية إذا لم تكن مصحوبة بضمير حي فإن قصة وفاته لم تكن نهاية لحياته فقط بل كانت بداية لتحليل أعمق للجدل الأخلاقي الذي يحيط بالأسلحة النووية.

تعرف أيضًا على: شرودنغر: عالم الفيزياء ونظرية الميكانيكا الكمومية

في الختام يظل روبرت أوبنهايمر شخصية محورية في تاريخ العلم الحديث. فقد كان عبقري لا مثيل له وقائد استثنائي ولكنه كان أيضًا إنسان يعاني من نتائج عمله فقصته تذكرنا بأن العلم لا يمكن أن يكون بمعزل عن الأخلاق وأن القوة التي يطلقها العلماء يمكن أن يكون لها عواقب لا يمكن التنبؤ بها فإن إرث روبرت أوبنهايمر. هو تحذير دائم للبشرية من الاستخدام غير المسؤول للعلم ودعوة للتأمل في العلاقة بين المعرفة والضمير.

الأسئلة الشائعة حول روبرت أوبنهايمر

س: هل كان أوبنهايمر نادمًا على اختراع القنبلة الذرية؟

 ج: أظهر أوبنهايمر ندم كبير على النتائج المدمرة للقنبلة الذرية. خاصة بعد استخدامها على هيروشيما وناغازاكي وقال مقولته الشهيرة: “أصبحت الموت مدمر العوالم.

 س: ما هو مشروع مانهاتن؟

 ج: هو مشروع سري قادته الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية لتطوير أول قنبلة ذرية.

 س: لماذا تم سحب تصريح أوبنهايمر الأمني؟

ج: تم سحب تصريحه الأمني بسبب اتهامات بالتعاطف مع الشيوعية. والتي كانت جزء من أجواء الخوف والاتهامات السياسية خلال حقبة الحرب الباردة.

 س: هل كانت لأوبنهايمر علاقة بآينشتاين؟

 ج: كانا زميلين في معهد الدراسات المتقدمة ولكن لم تكن علاقتهما علاقة عمل مباشرة. بل كانت علاقة احترام يختلط بها الاختلاف الفلسفي حول استخدام العلم.

 س: هل تم رد الاعتبار لأوبنهايمر بعد وفاته؟

ج: نعم في عام 2022 أصدرت وزارة الطاقة الأمريكية قرار بإلغاء سحب تصريحه الأمني. بعد وفاته وهو ما اعتبره الكثيرون رد اعتبار له.

• britannica J. Robert Oppenheimer -بتصرف
• faroutmagazine What does Albert Einstein say to Oppenheimer by the lake in Christopher Nolan’s movie? -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم