مارتن لوثر وإصلاح الكنيسة المسيحية

إن تأثير مارتن لوثر. امتد بعيدًا عن زمانه، فقد أسّس نهجًا جديدًا في فهم الإيمان، سلط فيه الضوء على الكتاب المقدّس كمصدر وحيد للسلطة الدينية، وعلى الخلاص بالإيمان وليس بالأعمال فقط. الحركة التي بدأها دفعت المسيحيين لإعادة دراسة المعتقد والتقاليد. وغيّرت شكل العبادة والعلاقة بين الفرد والله. بينما الكنيسة الكاثوليكية استجابت بإصلاحات مضادة. فإن المذاهب البروتستانتية وخصوصًا المذهب أللثري بقيت شاهدة على إرثه. مارتن لوثر لم يكن مجرد ناقد. بل كان مؤسسًا لتيار ديني وثقافي غيّر من وجه المسيحية الغربية. وترك إرثًا ما زال حيًا في الفهم الديني واللغة. والمجتمع حتى اليوم.
من هو مارتن لوثر وماذا فعل؟
“مارتن لوثر” هو مارتن لوثر راهب ولاهوتي ألماني برمِج اسمه في تاريخ المسيحية عندما أطلق شرارة التغيير في الكنيسة الكاثوليكية في أوائل القرن السادس عشر.
ولِد في إيسلبن عام 1483، ودرس في جامعة إر فورت. ثم التحقّ براهبة الآوغسطينيين بعد حادثة عاصفة رعديّة هددت حياته. فتعهّد أن يصبح راهبًا إن نجا. وفعلاً ترك دراسة القانون واعتنق الحياة الرهبانية.
تعرف أيضًا على: كالفن وأثره في الحركة البروتستانتية
ما فعله مارتن لوثر تغيّر عبره مسار المسيحية الأوروبية: في 31 أكتوبر 1517، علق وثيقة بعنوان “التسعة والتسعون مقالة” على باب كنيسة القلعة في فيتنبرغ. ينتقد فيها بيع صكوك الغفران وبعض ممارسات الكنيسة التي رأى أنها ليست من صميم التعاليم المسيحية.
وهذا الفعل البسيط أثار جدلاً كبيراً وألقى الضوء على مطالب الإصلاح والعودة إلى الأصول: أن الكتاب المقدّس هو المعيار الأعلى، وأن الخلاص يتحقّق بالإيمان فقط وليس بالأعمال أو المراسيم الكنسية.
لوثر أيضًا ترجم أجزاء من الكتاب المقدّس إلى اللغة الألمانية لكي يستطيع عامة الناس أن يقرؤون ويفهمون بأنفسهم، بدل أن يتركوه حكراً على رجال الدين، وبفضل هذه الخطوات أصبح مارتن لوثر مَن أطلق “الإصلاح البروتستانتي” الذي أدّى إلى انقسام الكنيسة الكاثوليكية وظهور مذاهب جديدة. خصوصًا أللوترية.
بهذا المعنى. مارتن لوثر ليس مجرد شخصية تاريخية دينية. بل محور تحول عميق في فهم العلاقة بين الإنسان والله، وبين المؤمن والمؤسسة الدينية. صنع به تأثيرًا امتدّ تأثيره إلى السياسة، الثقافة، واللغة في أوروبا وما بعدها. [1]
تعرف أيضًا على: أمانسيو أورتيغا: مؤسس زارا وإمبراطور الموضة السريعة في العالم

من هو مارتن لوثر؟
مارتن لوثر. هو شخصية محورية في التاريخ المسيحي. يعرف بأنه مؤسس حركة الإصلاح البروتستانتي في أوروبّا خلال القرن السادس عشر. ولد لوثر في مدينة إيزلبن الألمانية عام 1483، في عائلة متوسطة الحال كانت والدته تعمل في المنزل بينما كان والده يعمل في معدن النحاس.
منذ الصغر أبدى شغفًا بالدراسة، والتحق بمدارس اللاتينية، ثم بجامعة إر فرت حيث بدأ دراسة القانون بناءً على رغبة والده. لكن حادثة عاصفة رعدية في إحدى رحلاته كانت نقطة تحول؛ حينما ظن أنه سيموت من شدة الخوف، تعهد أن يصبح راهبًا إن نجا؛ وفعلًا ترك القانون وانضمّ إلى رهبانية الأوغسطينيين.
لوثر درس اللاهوت بعمق، وتدرّج حتى أصبح أستاذًا في جامعة فيتنبرغ، حيث بدأ يعيد التفكير في بعض الممارسات التي كانت تمارس في الكنيسة الكاثوليكية، ومن أبرز ما عرف به أنه تسائل عن سلطة البابا، وشكّك في فكرة بيع الغفران. ودعا إلى أن الكتاب المقدّس هو المعيار الأسمى للدين، لا تقليد الكنيسة أو سلطة بشرية.
أدّى نشاطه هذا إلى احتجاجات كبيرة، وإلى نشر مقالة بعنوان “95 مقالة” علقها على باب كنيسة القلعة في فيتنبرغ عام 1517، كان هدفها إثارة النقاش حول الأعراف الدينية والممارسات التي شبهها بأنها تنحرف عن جوهر التعليم المسيحي.
في حياته، لم يكن مارتن لوثر رجل إصلاح ديني فحسب، بل أيضًا مثقفًا لغويًا؛ لأنه ساهم بترجمة الكتاب المقدّس إلى الألمانية، الأمر الذي سهّل على العامة فهمه والمطالعة فيه بأنفسهم، وليس فقط من خلال رجال الدين.
ببساطة، مارتن لوثر شخص عاش حياة سعي وكفاح فكري وديني، تغيَّرت بسببها وجه الكنيسة المسيحية في الغرب، وصار له أتباع ومذاهب جديدة تأثّرت بأفكاره، مما يجعله أحد أعمدة التاريخ الديني والثقافي الأوروبي. [2]
تعرف أيضًا على: برنار أرنو: إمبراطور الموضة وصاحب مجموعة LVMH العالمية
ماذا قال مارتن لوثر عن الإسلام؟
مارتن لوثر تناول الإسلام في عدة كتابات وبيانات، وكانت آراؤه فيها مركّبة بين النقد والاحترام لبعض الممارسات، والتعبير عن تحذير ديني.
لوثر رأى أن الإسلام، أو ما كان يعرف في زمنه “المسلمين/الأتراك” .يمثل مثالًا على الانضباط الديني والالتزام الحياتي الذي في نظره يظهِر ما تراه بعض الكنائس تفتقر إليه.
من جهة، لوثر أثنى على بعض الجوانب في الممارسة الإسلامية. مثل الصيام، الصلاة، والانضباط الأخلاقي، وكذلك العبادات الجماعية والزهْد في بعض العادات الحياتية (كالكساء والطعام والملبس)، وهي أمور رأى أنها أكثر التزامًا جدًّا منهم في بعض فئات المسيحيين في عصره.
لكن من جهة أخرى. لوثر كان ناقدًا لمسائل عقائدية في الإسلام، وخصوصًا ما يتعلق بمفهوم الخلاص. وكون المسيح ابن الله، ورفضه لبعض المفاهيم التي ناقضت تفسيره المسيحي للتوراة والإنجيل. كما استخدم الإسلام، في كتاباته، ليبرز الفرق بين “الإيمان وحده (sola fide)” الذي يدعو إليه وبين الأعمال والقوانين الدينية المكثَّفة التي كان يرى أنها تستخدم لربط الإنسان بالخلاص – وهو ما كان ينتقص، في نظره، من حقيقة الإيمان.
تعرف أيضًا على: جاك ما: قصة نجاح مؤسس علي بابا من مدرس إنجليزي إلى ملياردير عالمي
وفي عمله On War Against the Turk مثلاً، تحوّل موقف لوثر من عدم المقاومة تجاه الأتراك، إلى الدعوة إلى مقاومة “دنيوية” (سياسية/عسكرية) عندما زادت التهديدات التركية على أوروبا، مع الإبقاء على أن الحرب المقدسة الدينية ليست الطريق الأساسي، وأن المواجهة الروحية – الصلاة والتوبة – هي الأساس.
لذلك، مارتن لوثر. يرى الإسلام كمكوّن ديني واجتماعي يستحق الدراسة والنقد، لكنه أيضًا يرى فيه تحذيرًا لخصومه المسيحيين. بأن الدين لا يكون بكثرة الشعائر إن لم يصحبه إيمان صادق. الإسلام، في نظره، يظهِر بعض الممارسات التي لو كانت موجودة بين المسيحيين، لربما كانت الكنيسة أكثر نقاءً في الممارسة وأقلّ تعطّلاً بالصِلات الشكلية. حسنًا، هذا الموقف يعكس طبيعة الزمان والأفكار التي كانت سائدة، ويظهر أنّ لوثر كان يحاول أن يوازن بين النقد والرؤية الإصلاحية.
تعرف أيضًا على: إنجلز ودوره في تأسيس الفكر الاشتراكي
ما هو المذهب الذي أسسه مارتن لوثر؟
المذهب الذي أسسه مارتن لوثر يعرف بالمذهب أللوثري أوا للوثرية (Lutheranism). هذا المذهب انبثق من دعوات لوثر لإصلاح الكنيسة الكاثوليكية في أوائل القرن السادس عشر، وتحديدًا بعد نشره “خمس وتسعين مقالة” عام 1517، التي انتقد فيها عددًا من الممارسات الكنسية مثل بيع صكوك الغفران.
أللوثرية تميزت بعدة مبادئ أساسية:
الخلاص بالإيمان وحده (sola fide)
لوثر أكد أن الإنسان يخلَّص ليس بجهوده أو أعماله بل من خلال الإيمان بوعد الله ونعمتِه.
الكتاب المقدّس كمصدر وحيد للسلطة الدينية (sola scriptura)
أي أن التعاليم المسيحية يجب أن تستقى من الكتاب المقدّس لا من التقاليد التي لم يؤيدها نصّ صريح أو السلطة البابوية دون نصّ.
النعمة الإلهية (sola gratia)
أن النعمة من الله هي التي تمنح الخلاص، وليس استحقاق الإنسان لها من خلال الأعمال أو الامتثال الكامل للقوانين الكنسية.
أيضًا، المذهب الذي أسّسه مارتن لوثر. أدخل تغييرات في البنيوية الكنسية. تبنّي ترجمة الكتاب المقدس إلى لغة الناس لكي يتمكّن العامة من فهمه. والتأكيد على أن كل مؤمن له حق الوصول إلى الله دون وساطة كهنوتية مطلقة.
باختصار، فإنا للوثريّة لم تقتصر على ألمانيا، بل توسّعت إلى دول شمال أوروبا، مثل السويد والدنمارك والنرويج. وهي حتى اليوم واحدة من أكبر الفرق المسيحية البروتستانتية.
تعرف أيضًا على: جورج سوروس: المستثمر الشهير ومؤسس أكبر شبكات العمل الخيري في العالم
في الختام،، يمكننا القول إن تأثير مارتن لوثر. امتد بعيدًا عن زمانه، فقد أسّس نهجًا جديدًا في فهم الإيمان، سلط فيه الضوء على الكتاب المقدّس كمصدر وحيد للسلطة الدينية، وعلى الخلاص بالإيمان وليس بالأعمال فقط. الحركة التي بدأها دفعت المسيحيين لإعادة دراسة المعتقد والتقاليد. وغيّرت شكل العبادة والعلاقة بين الفرد والله. بينما الكنيسة الكاثوليكية استجابت بإصلاحات مضادة، فإن المذاهب البروتستانتية وخصوصًا المذهب أللثرى بقيت شاهدة على إرثه.
أسئلة شائعة
س: من هو مارتن لوثر؟
ج: مارتن لوثر كان راهبًا وعالم لاهوت ألماني، وهو مؤسس الحركة البروتستانتية في أوروبا، التي غيّرت وجه المسيحية إلى الأبد.
س: متى وُلد ومتى توفي؟
ج: ولد في 10 نوفمبر 1483 في مدينة آيزلبن بألمانيا. وتوفي في نفس المدينة يوم 18 فبراير 1546.
س: ما أهم ما قام به في التاريخ الديني؟
ج: قام عام 1517 بتعليق أطروحاته الـ95 على باب كنيسة فيتنبرغ. وفيها انتقد بيع صكوك الغفران وممارسات الكنيسة الكاثوليكية، وهو ما أشعل الإصلاح الديني.
س: ما أبرز أفكاره؟
ج: كان يؤمن بأن الخلاص بالإيمان وحده. وأن الكتاب المقدس هو المرجع الأساسي للإيمان، وليس تعاليم رجال الدين.
س: كيف كانت علاقته بالكنيسة الكاثوليكية؟
ج: كانت علاقة صدامية. إذ حرمه البابا من الكنيسة واعتبر متمردًا، لكنه حظي بدعم أمراء ألمان وقفوا إلى جانبه.
س: لماذا يُعتبر شخصية مؤثرة حتى اليوم؟
ج: لأنه غيّر مجرى التاريخ الديني والسياسي في أوروبا، وأسّس لحرية التفكير الديني. كما ساهمت أفكاره في نشوء البروتستانتية وانتشارها حول العالم.
س: هل له إنجازات أخرى؟
ج: نعم، ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية، مما قرّبه من الناس وجعلهم يقرؤونه مباشرة دون وسيط.
المراجع
- iepLuther, Martin | Internet Encyclopedia of Philosophy -بتصرف
- museeprotestantWho was Martin Luther? -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

كالفن وأثره في الحركة البروتستانتية

أمانسيو أورتيغا: مؤسس زارا وإمبراطور الموضة السريعة في...

برنار أرنو: إمبراطور الموضة وصاحب مجموعة LVMH العالمية

جاك ما: قصة نجاح مؤسس علي بابا من...

إنجلز ودوره في تأسيس الفكر الاشتراكي

جورج سوروس: المستثمر الشهير ومؤسس أكبر شبكات العمل...

وارن بافيت: أشهر مستثمر في العالم وساحر أوماها...

جان دارك: العذراء المحاربة التي غيرت تاريخ فرنسا

سيرجي برين: مؤسس جوجل والرائد الذي ساهم في...
