عباس بن فرناس: أول طيار في التاريخ

يعتبر عباس بن فرناس. من أعظم علماء الأندلس وأكثرهم جرأة وإبداعًا، فقد جمع بين علوم الفلك والرياضيات والكيمياء والهندسة. لكن محاولته في الطيران جعلته أيقونة خالدة في تاريخ البشرية. عرف بشجاعته وإصراره على تحويل فكرة التحليق إلى تجربة عملية، ليسجَّل اسمه كأول طيار في التاريخ.

من هو عباس بن فرناس؟

عباس بن فرناس. مولود في عام 810 ميلادي و أصل عباس بن فرناس. يعود إلى بلاد الأندلس حيث نشأ في مدينة روندا الإسبانية بولاية ملقا جنوب الأندلس . من عائلة ذات جذور أمازيغية. اشتهر بمحاولاته للارتفاع في السماء، وعرف بقضائه معظم سنوات حياته في طلب العلم متنقلاً بين البلدان، الالتحاق ببيت الحكمة في بغداد، حيث تعلّم الفلك والنجوم والهندسة والموسيقى، إضافةً إلى ما درس في ميدان الفيزياء.

تعرف أيضًا على: جلال الدين الرومي: صوفي وشاعر

نشأ عباس بن فرناس. في أراضي الأندلس التي كان يحكمها المسلمون آنذاك، وكانت تعد منبراً للعلماء وتجمعاً للمعارف، وتنوعت ميوله عبر مسيرة حياته؛ فقد استقطب الشعر العربي، الموسيقى، الفلسفة، الفيزياء والهندسة، إلا أن شغفه الأكبر كان يتجه إلى الهندسة والاختراعات. يذكر أن اهتمامه بالابتكارات بدأ في صغره، حيث أظهر موهبةً وفضولاً كبيرين، فكان يفتتح آلاتاً لتفكيكها ثم يعيد تجميعها. أما شغفه بالطيران فقد انبعث عندما اطلع على تجربة المهندس أرمان فيرمان الذي حاول الطيران بالمظلة وفشل فيها. فاستغرق منه ثلاث وعشرين سنة ليصوغ أول جهاز يرافقه للارتفاع في الجو، مع الإشارة إلى أن بعض الروايات تردد أن أرمان فيرمان  هو ذاته عباس بن فرناس. بعد رحلته الأولى استمر فى إكمال مسيرته بالتركيز على تطوير مبادئ الطيران الإلكتروني. كما ألّف عدة مؤلفات في الفلك، والإلكترونيات. والفيزياء، والهندسة، مما ألهم المهندس الفيلسوف الشهير ليوناردو دا فينشي.

عباس بن فرناس: الحالم الأول بالطيران وإصاباته المؤلمة

من الجدير بالإشارة إلى أن عباس بن فرناس منذ قديم الزمان حاول صنع آلة للطيران، فقام بالقفز من قمة مئذنة الجامع الكبير في قرطبة عام 825 وهو يرتدي عباءة مدعومة بأرجل خشبية. سعيًا إلى الانزلاق في الهواء كالطيور، لكنه لم يفلح وتعرض لإصابات طفيفة. عاد إلى التجربة مرة أخرى في عام 875، حين كان في السبعين من عمره. فابتكر جهازًا من الحرير وريش النسور. وانطلق من أعلى تل جبلي، وبلغ ارتفاعًا ملحوظًا مستمرًا على الهواء لمدة عشرة دقائق، إلا أن غياب ذيل للجهاز أدى إلى تحطمٍ أثناء النزول وإصابته. [1]

تعرف أيضًا على: لودفيغ فيتجنشتاين: رحلة من الرياضيات إلى الفلسفة

كيف اكتشف عباس بن فرناس الطيران؟

في عام 875 م، استعد عباس بن فرناس لتجربة طموحة ستدخل إلى صفحات التاريخ. بعد سنوات من الدراسة والتحضير، صمم زوجًا من الأجنحة من الحرير والريش، مستندًا إلى دراساته المتعمقة حول طيران النسور.

قصة عباس بن فرناس مع الطيران

وقبل خوض التجربة الضخمة، انطلق بسلسلة من الاختبارات الأولية لاستكشاف ديناميكيات الطيران.

الاختبارات الأولية

قام بإسقاط نماذج صغيرة من أجنحته من مستويات مرتفعة متعددة بهدف تحليل سلوك الطيران.

فحص المواد

استعمل أنواعًا متعددة من الخامات لتشكيل الأجنحة، ساعيًا إلى تحقيق التوازن الأمثل بين الوزن الخفيف والقوة المتينة.

تحليل الرياح

قام بمراقبة سلوك الرياح في الموقع المختار للرحلة لاختيار الأنسب من الأحوال المناخية.

ويوم الاختبار حدّد عباس بن فرناس تلة مرتفعة بالقرب من قرطبة لتنفيذ حركته. وجمع حشدًا من العلماء والمهتمين لمتابعة هذا الحدث الفريد. وبثقة المتخصص وجرأة المستكشف، وثّق الأجنحة على جسده وانقض على حافة التلة.

أظهر الحادثة نتيجةً غير عادية لوقت ذلك. فنجح عباس بن فرناس في التحليق لمسافة ملحوظة قبل أن يهبط بشدة، متعرضًا لإصابة في ظهره. وعلى الرغم من شدّة النزول، قدَّم ما يثبت أن التحليق البشري ممكن، مسجلاً بذلك أول تجربة ناجحة في سجل البشرية. [2]

تعرف أيضًا على: أحمد مطر: شاعر

كيف اكتشف عباس بن فرناس الطيران؟

لنستعرض سويًا ماذا اخترع عباس بن فرناس و إنجازاته المتنوعة في مجال العلوم:

• في علم الفلك: صمم عباس بن فرناس أجهزة فلكية متطورة، من بينها أسطرلاب مطور ساعد البحارة والمسافرين على تحديد المواقع بدقة. كما أقام أول قبة فلكية في الأندلس، محاكياً حركات النجوم والكواكب بدقة فائقة.
• في الكيمياء: وضع أساليب جديدة لإنتاج زجاج شفاف عالي الجودة، ما ساهم في تطوير صناعة النظارات والعدسات. يبرِز هذا الإنجاز عمق فهمه للعلوم التطبيقية وقدرته على تحويل النظريات إلى تطبيقات عملية.
• في الموسيقى: ابتكر آلة تدعى آلة الطرب، وتعد من أوائل الآلات الموسيقية الميكانيكية التي ظهرت في التراث الإسلامي.

  تعرف أيضًا على: أحمد فؤاد نجم: شاعر العامية

هل محاولة عباس بن فرناس صحيحة؟

قبل أن يبدأ في محاولته الجريئة، أجرى عباس بن فرناس. سلسلة من الاختبارات المتعددة، درست من خلالها وزن الأجسام وكيفية مقاومة الهواء لها، إلى جانب تأثير ضغط الهواء عليها استند في ذلك إلى علمه الرفيع في الفلك والرياضيات والكيمياء، وكان يقتنع بامتلاكه ما يكفي من المعرفة لإتمام تجربة الطيران.

تعرف أيضًا على: ابن الأثير: مؤرخ

لبس ابن فرناس ثوباً من حرير سميك وزينه بإناء من ريش الطيور. ثم صمم لنفسه زوجاً من الأجنحة المصنوعة من الحرير، وأجرى حسابات دقيقة لقياس قدرة هذه الأجنحة على رفع جسده، فاستنتج أن هذه الأدوات قد تمكنه من التحليق في السماء سرعان ما أعلن ابن فرناس للناس عن مشروعه التاريخي. معلناً عزمَه على الإقلاع من الرصافة القريبة من قرطبة. تجمع الجمهور هناك وتابعوا مشاهدة تجربة أبي القاسم، الذي صعد إلى مرتفع قريب من جبل العروس. فحرك جناحيه وقفز بهما في الهواء.

أثبتت التجربة نجاحها، فحلّق ابن فرناس على مسافات بعيدة عن نقطة الانطلاق، وسط دهشة الجمهور الذين بدأوا يهللون له.

العقبة الوحيدة التي واجهته كانت مرحلة النزول، إذ لم يخطط لاستخدام ذيل لتثبيت جسده أثناء الهبوط الآمن، فتسبب ذلك في تصادم قوي مع الأرض، مما أدى إلى إصابات متعددة بينها كسر أحد فقرات ظهره أبقاه طريح الفراش لفترة ممتدة، غير أن حياته لم تنتهِ وبقي على قيد الحياة.

ومن الجدير بالذكر أن ابن فرناس لم يكن في ريعان شبابه حين خاض تلك التجربة، بل كان يبلغ من العمر ستين عاماً.

سرعان ما انتشر خبر تلك التجربة بين الناس. ليس فقط في قرطبة بل في جميع أرجاء الأندلس. خلال انتشارها سجلت بطرق مختلفة، فأضيفت إليها تفاصيل جديدة، وتحولت من حدث تاريخي واقعي إلى قصة تحمل طابعًا أسطوريًا. وظلت حيةً في أذهان الناس لسنوات طويلة، وتردد صداها في الأدب الشعبي الإسباني، سواءً العربي أو اللاتيني.

هل مات عباس بن فرناس عندما حاول الطيران؟

عباس بن فرناس لم يلقَ حتفه بسبب محاولته للطيران، إذ تلقى إصابات عند سقوطه وتعافى منها ثم استمر بحياة أخرى استمرت تقريباً اثني عشر سنة. وعن وفاة عباس بن فرناس، توفي عباس بن فرناس وفاة طبيعية في عام 887 ميلادي بقرطبة عن عمر ثمانين عامًا. وقد نشأ هذا الالتباس نتيجة لتشابه أحداث قصته مع ما حدث للعالم الجوهري الذي انتهى به المطاف بالموت عند تجربة طيران فاشلة في نيسابور عام 1003م.

ما انتشر عن وفاته نتيجة تجربة الطيران هو في الواقع شائعة غير صحيحة؛ فالمسؤول عن ذلك هو عالم آخر يدعى الجواهري، الذي قام بمحاولة للطيران باستخدام جناحين من الخشب مزوجين بقطعة تشبه الشراع، وقد أجراها أمام جمع غفير من الحضور، حيث تمكن من الارتفاع في البداية، إلا أن الإرهاق أصابه فانهار وسقط متوفياً. يظل عباس بن فرناس يُصنَّف كأول رائد في مجال الفضاء على الإطلاق، بفضل أفكاره المتقدمة حول الطيران، وتحديه لقوة الجاذبية، وأساليبه للهبوط، وفقاً لما تؤكده المؤلفات العلمية الأجنبية المتخصصة، والتي توثق تجاربه كعامل أساسي في بروز مفهوم الطيران كما نعرفه اليوم. وقد استفاد مخترعو أولى الطائرات في التاريخ من إنجازاته.

تعرف أيضًا على: مظفر النواب: شاعر عراقي

في الختام، لقد أثبتت تجربة عباس بن فرناس أن الطموح البشري لا يعرف حدودًا، وأن الإبداع العلمي قادر على كسر المستحيل. وبرغم ما واجهه من صعوبات وإصابات، فقد ترك إرثًا خالدًا، ممهّدًا الطريق أمام العلماء والمخترعين من بعده، ليبقى اسمه شاهدًا على شجاعة أول طيار في التاريخ

• Legado Andalusia Ibn Firnas, the longing to fly- بتصرف
• Trt worldAbbas Ibn Firnas: the first human to fly_بتصرف

مشاركة المقال

وسوم