فتح مكة: أعظم فتح بدون قتال

يعد فتح مكة، الذي وقع في العام الامن الهجري، الحد الأبرز في تاريخ الدعوة الإسلامية ونقطة التحول الكبرى في مسيرة الإسلام. علاوة على ذلك جاء الفتح نتيجة مباشرة لنقض قريش صلح الحديبية، ليقرر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إنهاء حالة العداء التي دامت سنوات.

الخلفية: نقض قريش لصلح الحديبية

ما هي أسباب و نتائج فتح مكة؟

كان نقض قريش للصلح هو السبب المباشر لـ فتح مكة في العام الامن الهجري، الذي أدى إلى تطهير مكة من الأصنام ودخول أهلها في الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً.

تفاصيل نقض الصلح

وقع صلح الحديبية بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقريش في ذي القعدة من العام السادس الهجري، ومن شروطه كانت إبرام هدنة لمدة عشر سنوات، مع إمكانية لأي قبيلة أن تدخل في حلف أحد الطرفين.

• التحالفات: دخلت قبيلة خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم، بينما دخلت قبيلة بني بكر في حلف قريش.
• الاعتداء: بعد أقل من سنتين من الصلح، قامت بنو بكر بالاعتداء على خزاعة وقتلوا منهم رجالاً. بالإضافة إلى ذلك كان هذا الاعتداء بتحريض ومساعدة من قريش، حي قاموا بمد بني بكر بالسلاح وشارك بعض رجالهم متنكرين في القتال.
• الاستنجاد: ذهب عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة مستنجداً بالنبي صلى الله عليه وسلم، مذكراً إياه بالحلف الذي بينهم وبين المسلمين.
• انتهاء العهد: بهذا الدعم الصريح للاعتداء على حلفاء المسلمين، نقضت قريش العهد الذي كان بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهى صلح الحديبية.

تعرف أيضًا على: فتح عمورية: انتصار المعتصم

ما هو ملخص نص فتح مكة؟

أدركت قريش خطأها وخشيت من عواقب نقض العهد، فأرسلت أبا سفيان وكان سيداً لقريش ولم يسلم بعد إلى المدينة محاولاً تجديد الصلح وتمديد الهدنة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجب له. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجهيز لـ فتح مكة في سرية تامة، وخرج بجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل في العاشر من رمضان من العام الهجري. علاوة على ذلك دخل المسلمون مكة في العشرين من رمضان، وكان دخولاً سلمياً في معظمه، حي لم تحد مقاومة تذكر سوى بعض المناوشات القليلة. أعلن النبي صلى الله عليه وسلم الأمان لمن دخل بيته أو بيت أبي سفيان أو المسجد الحرام.

في أي عام كان فتح مكة؟

كان فتح مكة في العام الامن من الهجرة، وتحديداً في 20 رمضان من هذا العام الموافق 10 يناير 630 ميلادي). [1]

تجهيز الجيش: 10 آلاف مقاتل

لقد كان تجهيز الجيش لـ فتح مكة يتميز بما يلي:

• العدد: بلغ قوام جيش المسلمين الذي خرج مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكة عشرة آلاف مقاتل.
• السرية التامة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجهيز للغزو في سرية بالغة، وحرص على كتمان وجهته عن قريش حتى لا تستعد للقتال. وذلك تحقيقًا لمبدأ المفاجأة وتجنبًا لسفك الدماء.
• الوقت: خرج الجيش في العاشر من شهر رمضان من العام الامن الهجري.

كان هذا الجيش الضخم والقادم في سرية تامة دليلاً على قوة المسلمين المتزايدة، وكان سبباً في استسلام معظم قريش ودخول مكة بسلام، مما عرف بالـ “الفتح الأعظم“.

تعرف أيضًا على: فتح السند: دخول الإسلام إلى شبه القارة

الدخول: تحطيم الأصنام والرحمة بالمشركين

لقد كان دخول مكة يوم الفتح الأعظم نموذجاً فريداً للقيادة والحكمة، حي اجتمع فيه مظهر القوة مع أقصى درجات الرحمة والعفو، وقد تجسد ذلك في حدين رئيسيين:

تحطيم الأصنام وتطهير الكعبة

كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكة هو التوجه إلى الكعبة. وبدأ بتحطيم الأصنام التي كانت تحيط بالكعبة والبالغ عددها حوالي 360 صنماً. وكان يطعنها بعصاه وهو يتلو قوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81. ثم صعد بلال بن رباح، المؤذن الحبشي الذي كان يُعذّب في مكة قديماً، فوق سطح الكعبة ورفع أذان الظهر، معلناً سيادة التوحيد.

الرحمة والعفو العام

تجلت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه عن أهل مكة، رغم ما فعلوه به وبأصحابه من إيذاء واضطهاد، فعندما تجمع أهل مكة ينتظرون ما سيفعله بهم، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، مذكراً بكلمة يوسف عليه السلام لإخوته: “ما تظنون أني فاعل بكم؟”، فقالوا: “خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم”. فقال لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. كما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة الأمان لتجنب أي قتال، قائلاً: “من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن”. بالإضافة إلى ذلك، كان الفتح الأعظم فتحاً بلا قتال تقريباً، وكانت الخسائر في صفوف المشركين قليلة جداً (قيل 12 أو 13 قتيلاً)، وفي صفوف المسلمين كانت نادرة قيل 2. بالتالي يبرهن على نجاح الخطة النبوية التي جمعت بين القوة الرادعة والرحمة الشاملة. [2]

تعرف أيضًا على: معركة ليبانت: نهاية التفوق البحري العثماني

خطبة الرسول في فتح مكة

تعد خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة من أبلغ الخطب وأكثرها تأثيراً، حيث رسخت مبادئ التوحيد. وألغت الفوارق الطبقية والعنصرية، وأعلنت العفو العام.

وقد ألقى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الخطبة وهو واقف على باب الكعبة أو بالقرب منها. وتضمنت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم محاور أساسية، وهي:

إعلان النصر والتوحيد

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم خطبته بالحمد لله والتمجيد له، مؤكداً على أن النصر من عنده وحده:

“لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.”

إبطال عادات الجاهلية وثاراتها

ألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل ما كان سائداً في الجاهلية من فخر بالآباء والثأر والمآثر القديمة. لتبدأ صفحة جديدة تقوم على الإسلام قائلًا: ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. أي أن كل فخر أو ثأر أو دين قديم يلغى، إلا خدمة الكعبة وسقاية الحجاج.

تعرف أيضًا على: معركة شقحب: إنقاذ مصر من المغول

دروس في العفو والتسامح

أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الميزان الحقيقي للتفاضل بين البشر في الإسلام، وهو التقوى لا النسب أو الحسب قائلًا:

يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها. الناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله. والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب.

ثم تلا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات: 13.

إعلان العفو الشامل

والموقف الأبرز والأكثر تأثيراً في الخطبة كان عفوه صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة قائلًا:

يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم. فقال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء.”

ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى خطبة أخرى في اليوم الثاني أو بعد ذلك، أكد فيها على حرمة مكة المكرمة: إن مكة حَرَّمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يَعضِدَ بها شجراً.

تعرف أيضًا على: معركة جكردلن: الصراع العثماني الصفوي

هذه الخطب رسخت أن الفتح لم يكن للثأر أو الاستعمار، بل لإقرار التوحيد، وتثبيت العدل والمساواة، ونشر الرحمة.

في ختام الموضوع، لم يكن فتح مكة مجرد انتصار عسكري، بل كان نصراً للقيم والمبادئ. فبتطهير الكعبة من الأصنام وبإعلان النبي صلى الله عليه وسلم العفو العام على أهل مكة، تجسدت أسمى معاني الرحمة والتسامح. علاوة على ذلك أثمر هذا الفتح دخـول الناس في دين الله أفواجاً، ليعلن انتهاء الجاهلية وبدء عصر جديد قامت فيه دولة الإسلام على أسس العدل والمساواة.

الأسئلة الشائعة

س1: متى حدث فتح مكة؟

ج: في السنة الثامنة للهجرة (8 هـ)، في شهر رمضان المبارك.

س2: ما سبب فتح مكة؟

ج: نقضت قريش صلح الحديبية بمهاجمة حلفاء المسلمين. فقرر النبي ﷺ المسير إلى مكة لتأديبهم وإنهاء عدوانهم.

س3: كيف تم الفتح بدون قتال؟

ج: دخل النبي ﷺ مكة على رأس جيش كبير دون مقاومة تذكر، بعد أن أعلن العفو عن أهلها. فاختاروا السلم على الحرب.

تعرف أيضًا على: معركة مرج دابق: بداية الحكم العثماني

س4: ما أبرز مواقف الرحمة في هذا الفتح؟

ج: عفا النبي ﷺ عن أعدائه، ومنح الأمان لمن دخل المسجد الحرام أو بيت أبي سفيان، أو أغلق بابه، ولم يجبر أحدًا على الإسلام.

س5: ما النتائج التي ترتبت على فتح مكة؟

ج: توحيد الجزيرة العربية تحت راية الإسلام، وتطهير الكعبة من الأصنام. وانتشار الدين في كل أرجاء شبه الجزيرة.

س6: ماذا نتعلم من فتح مكة اليوم؟

ج: أن القوة الحقيقية في التسامح والعفو، وأن النصر لا يتحقق بالبطش. بل بالرحمة والعدل والثقة بالله.

• Madinah collegeThe Benefits of the Treaty _ بتصرف
• Wiki daiyah Destruction of Idols _ بتصرف

مشاركة المقال

وسوم